كتاب الوسيط الجزء الأول مصادر الالتزام عبد الرزاق السنهوري PDF
مبدأ سلطان الإرادة
عرض عام للمبدأ :
يذهب أنصار هذا المبدأ إلى أن الإرادة لها السلطان الأكبر في تكوين العقد وفي الآثار التي تترتب عليه ، بل وفي جميع الروابط القانونية ولو كانت غير تعاقدية .
وعندهم أن النظام الاجتماعي يرتكز على الفرد ، فهو الغاية ، ولخدمته بسخر المجموع. والفرد لا يستكمل شخصيته إلا بالحرية ، بل إن مظهر هذه الشخصية في الأرادة الحرة المستقلة ، وكما أن رجال الفلسفة يجعلون التفكير آية الشخصية من الناحية الفلسفية ، فإن رجال القانون من أنصار هذا المبدأ يتخذون الأرادة أية الشخصية من الناحية القانونية . ولما كان الفرد يعيش في المجتمع ، ولما كانت الغاية الأولى هي احترام حريته وإرادته، كان من الواجب أن تكون روابطه بغيره من أفراد المجتمع أساسها الإرادة الحرة ، فلا يخضع لواجبات إلا إذا كان قد ارتضاها مختارة . وكل التزام أساسه الرضاء والاختبار يتمشى مع القانون الطبيعي، لأن هذا القانون إنما يقوم على الحرية الشخصية ووجوب احترامها . فالإرادة الحرة هي
إذن مبدأ القانون ، والغاية التي ينتهي إليها . وما المهمة التي يضطلع بها القانون إلا تخقیق حرية كل فرد بحيث لا تتعارض هذه الحرية مع حريات الأخرين . هذا التوازن
ما بين الحريات جميعا هو ما يجب على المشرع أن يعني به ، وليس عليه بعد ذلك أن يرى ما إذا كان النشاط الفردي الحر يتفق مع ما تقتضيه مبادئ الأخلاق ، ولا عليه أن يرى إلى أي حد يتفق صالح المجموع مع صالح الفرد، فالفرد لا المجموع هو الذي يحمي القانون . و هذا المبدأ كان له حظ كبير من الأثر في القانون الحديث بعد انتشار
المذهب الفردي على أثر تطور النظم الاقتصادية ، ولكن استمرار هذه النظم في التطور،
وظهور الصناعات الكبيرة ، واختلال التوازن بين القوى الاقتصادية ، مهد للمذاهب
الاشتراكية سبيل الانتشار، فقامت هذه المذاهب معارضة للمذاهب الفردية ، وكان من
ذلك أن أنتکس مبدأ سلطان الإرادة ، وجعل خصومه يمعنون في نقده ، حتى قام أخيرة
فريق من المعتدلين يضعون الأمور في حدودها المعقولة .
فنحن
نتبع في بحثنا هذه المراحل الأربع ، فترى كيف نشأ هذا المذهب، وما بلغ إلى من
المدى عند بلوغه ذروته ، وكيف رجع القهقرى بعد ذلك، ثم كيف وضع الأمر في نصابه
المعقول ، ولا نزعم بذكر هذه المراحل أنها تحققت عملا في التاريخ، وإلا فإن سلطان
الإرادة الكامل لم يتحقق في أية مرحلة منها على النحو الذي يصفه أنصار المبدأ
المتطرفون . وإنما نعني أن هناك تطورة في منحى التفكير الاجتماعي نقسمه إلى مراحل
توخيا للإيضاح في بسط هذه الآراء . ونحن في ذلك لا نؤرخ وقائع اجتماعية، بل نتتبع
تطور نظریات ومذاهب .
كيف نشأ مذهب سلطان الارادة :
لم يعترف القانون الروماني في أي عمر من عصوره بمذهب سلطان الإرادة كاملا. بدأت العقود فيه تكون شكلية تخولها أوضاع معينة
تحميل المتاب