![]() |
حالات المرض والحالات الأخرى المشابهة له |
الفقرة الاولى : حالة المرض
صنف الفقه حالات المرض إلى أمراض عقلية (أولا)
وأخرى عضوية (ثانيا).
أولا : الأمراض العقلية
يقصد بالأمراض العقلية "هي الأمراض التي
تصيب عقل الإنسان وتؤثر عليه بشكل يضر به وبأمواله؛ ومن بين الأمراض العقلية نجد:
1- العته:
يعتبر بدوره عارضا من عوارض الأهلية وقد عرفته
المادة 216 من مدونة الأسرة المعتوه كالتالي" المعتوه هو الشخص المصاب بإعاقة ذهنية لا
يستطيع معها التحكم في تفكيره وتصرفاته "
أما بالنسبة للتصرفات التي يبرمها الشخص المعتوه قبل الحجر عليه تكون صحيحة ونافذة؛ أما بعد
الحجر عليه فإنها تكون قابلة للإبطال. لأن "العته" نقص
في العقل ويختلط معه الكلام؛ فأحيانا كلامه يشبه العقلاء وأحيانا أخرى يشبه كلام
المجانين وكذلك باقي أموره وأفعاله
2- السفه:
عرفت المادة 215 من
مدونة الأسرة السفيه كالتالي:" السفيه هو
المبذر الذي يصرف ماله فيما لا فائدة فيه؛ وفيما يعده العقلاء عبثا؛ بشكل يضر به أو
بأسرته " ولهذا فقد
سوت مدونة الأسرة في الحكم بين السفيه والمعتوه والصغير المميز الذي أثم 12 عشر سنة شمسية كاملة واعتبرته ناقص أهلية
الأداء.
وبالتالي يحق لأسرة السفيه التي تضررت من تصرفاته
أن تلجأ إلى المحكمة من أجل الحجر عليه. طبقا للمقتضيات المادتين 220 و221 من مدونة الأسرة وبالنسبة للتصرفات
التي يبرمها السفيه قبل الحجر عليه فإنها تكون صحيحة ونافذة؛ أما بعد الحجر عليه فإنها تلحق تصرفات الصغير الميز
3- الجنون:
هو اضطراب
يصيب القوة العقلية لشخص ويجعله فاقد التميز، فهو إذن عديم الأهلية حسب ما تشير
إليه المادة 217 من مدونة الأسرة التي
اعتبر المجنون عديم الأهلية وهو فاقد العقل سواء كان جنونه مطلقا يستغرق جميع
أوقاته أو متقطعا
بحيث يعتريه فترات يؤوب إليه عقله فيها، فالتصرفات التي يجريها المجنون قبل الحجر
عليه فقد اختلف فقهاء المالكية بخصوص تحديد الشروط الواجب توفرها لإبطال التصرفات
لا يمكن إبطالها إذا قامت البينة في اللحظة التي صدرت فيها. وكان المتصرف فاقدا
عقله والبعض الأخر أعطى للحجر شيئا من الأثر الرجعي واعتبره أنه يكفي الإبطال
التصرف الواقع قبل الحجر.
غير أن
مدونة الأسرة حسمت هذا الإشكال، فاعتبرت أن التصرفات التي يبرمها
المجنون بعد الحجر عليه تكون باطلة بطلانا مطلقا، أما بالنسبة لتصرفات الصادرة عنه
قبل إقرار الحجر عليه ،لا تستوجب البطلان إلى إذا كانت حالة الجنون شائعة لديه
أثناء إبرام التصرف أو كان الطرف الأخر على علم بذلك.
ثانيا: الأمراض العضوية
إلى جانب
الأمراض العقلية التي تمت الإشارة إليها سابقا هناك أيضا الأمراض العضوية أو ما
يسمى أيضا بالأمراض الجسدية. ومن بين هذه الأمراض نجد:
1- مرض الموت :
مرض
الموت حسب فقهاء الشريعة الإسلامية هو المرض الذي يؤدي عادة إلى الوفاة وكثيرا ما
يصطلح على تسميته بالمرض المخوف، انطلاقا من الآثار التي يخلفها في نفسية المريض،
والتي تظهر من خلال تصرفاته القانونية وهو على تلك الحالة.
وبالرجوع
إلى المشرع المغربي فلم يعرف مرض الموت إلا أن القضاء عندنا يعتمد على الراجح أو
المشهور من مذهب الإمام مالك الذي عرفه على أنه "مرض الموت هو كل مرض يقعد
صاحبه من الدخول والخروج وإن كان جداما أو برصا أو فالجا فهو مرض موت ومن تمت يحجب
فيه المريض.
وقد ارتأت
بعض التشريعات العربية أن تعرف مرض الموت منها المشرع الأردني الذي عرف مرض الموت
في المادة 453 من القانون المدني " بأنه ذلك المرض الذي يعجز فيه
الإنسان عن متابعة أعماله المعتادة ويغلب فيه الهلاك ويموت على تلك الحال قبل مرور
السنة فإن امتد مرضه وهو على حال واحدة دون ازدياد سنة أو أكثر تكون تصرفاته
كالتصرفات الصحيح " كما عرفته
المادة 185 من قانون الأحوال الشخصية
اليمني " مرض الموت هو المرض الذي يتصل
بالوفاة ..
2- مرض فقدان المناعة
المكتسبة
ان مرض فقدان المناعة المكتسبة (الايدز) ثم اكتشافه سنة
1983،وهو اخطر مرض عرفته البشرية لعدم وجود علاج فعال ولا حتى لقاح ضده
يقي من يتعرض للفيروس من الإصابة بالمرض ،كما انه سريع الانتشار في الجسم ، لذلك يطلقون
عليه طاعون القرن العشرين ،فالمصاب به ينتظره الموت عاجلا او اجلا ،فهو
يقتل المصاب به خلال القضاء على فاعلية جهازه المناعي ،فيصبح جسمه عاجزا عن الدفاع
عن نفسه،اذا ما تعرض لاي ميكروب او طفيلي مهما كان بسيطا
والملاحظ ان هذا المرض يمر بثلاثة مراحل اساسية ،لكل
مرحلة منها خصائص معينة.
ففي المرحلة الاولى لا يشعر بالاصابة سوى المريض نفسه
،بحيت لايكون للاصابة اي اعراض خارجية ،وبالتالي لايكون لها اي تاثير على قدرة
الشخص في التعامل مع الاخرين ،وادارته لشؤون حياته،لهذا فان الاصابة في هذه
المرحلة لا تعد من قبيل مرض الموت.
ثم تاتي المرحلة الثانية او المرحلة الوسط
،وهي التي تتميز بظهور اثار معالم هذا المرض ،وهي كذلك لا
تدخل في نطاق مرض الموت ،لانها لا تعجز صاحبها عن ادارة اموره وشؤون حياته ؟،
وبالتالي لاتاثير لها على صحة التصرفات الصادرة عنه في هذه الفترة.
ثم هناك المرحلة الاخيرة التي يكون فيها المريض قد وصل
اللى نهايته ،واكتمل ظهور اثار اعراضه على حال الشخص نفسه الصحية،وعلى علاقته
بالاخرين في المجتمع ،حيت في هذه المرحلة تعد الاصابة بمرض الايدز من قبيل مرض
الموت.والامر هنا متروك لتقدير طبيب ثقة للمرحلة التي يمر بها المريض ،ومدى تاثيرها
على صحة المصاب لمعرفة ما اذا كان مرض الموت ام لا.
كما يعد
مرض السرطان من مرض الموت وهذا مايستفاذ من القرار الصادر عن محكمة الاستئناف
بالرباط بتاريخ 28 يناير1986 والذي قضت فيه بابطال لبيع الذي ابرمه الهالك
بالمستشفى يومين قبل وفاته لفائدة احد ورثته،بناء على ما تبت لها من دخول البائع
المريض المصحة يوم 21 شتنبر 1986،والذي قضت فيه بابطال البيع الذي ابرمه الهالك
بالمستشفى يومين قبل وفاته لفائدة احد الورثته ،بناء على ما تبت لها من
دخول البائع المريض المصحة يوم 21 شتنبر 1981،وهو في حالة خطيرة ناتجة
عن تفاقم مرض السرطان الرئوي الذي كان مصابا به،وانه توفي يوم 25 شتنبر1981
كما يعد مرض السل من مرض الموت غير ان هذا
المرض عرف خلافا فقهيا ،فالمالكية يعتبرونه من امراض الموت ،في حين يرى
الحنفية انه اذا طال المرض وصار الشخص بحال لا يخاف
به الموت فهو كالصحيح.
الفقرة
الثانية: أحكام الغبن الاستغلالي
لدارسة أحكام الغبن الاستغلالي لا بد من إعطاء تعريف لكل من الغبن
والاستغلال ثم بيان عناصره وتكييف الفصل 54 من ق.ل.ع.
أولا: مفهوم
الغبن الاستغلالي وعناصره:
1- مفهوم الغبن والاستغلال
الغبن هو عدم التعادل أو انتفاء التوازن بين ما يعطيه العاقد وما
يأخذه في عقود المعاوضة.
مثال : البيع بثمن باهض يغبن
المشتري؛ أو البيع بثمن بخس يغبن البائع؛ إذن فالغبن عنصر مادي.
أما الاستغلال فهو عنصر معنوي؛ ولا يعتبر الغبن إلا مظهرا ماديا له وهو أن يستغل أحد المتعاقدين ضعف أو حاجة أو طيش
المتعاقد الأخر ويجبره على إبرام عقد يغبن فيه بحيث لا تتوازن في هذا العقد حقوق
والتزامات المغبون
2- عناصر الغبن الاستغلالي:
يتضح من خلال التعريف المشار إليه أعلاه للغبن والاستغلال انه لابد
أن يرتبط الغبن بالاستغلال لكي يحدث أثره القانوني؛ مما يعني أن الغبن الاستغلالي
يحتوي على عناصر أساسية التي يتكون منها؛ فلا بد من وجود تفاوت بين ما يعطيه
المتعاقد أو ما يأخذه أي ما يسمى بالعنصر المادي ولا يكتفي أن يكون تفاوت فقط بين
ما يأخذه العاقد وما يعطيه لقيام الاستغلال بل يجب توفر العنصر الثاني
وهو العنصر النفسي والذي يتمثل في وجود التفاوت والاختلال الفادح بين الأداءات
نتيجة استغلال الطيش البين أو الهوى الجامع في الطرف المغبون أو حاجته أو عدم
خبرته.
غير أن عدم التعادل لا يكفي بل لا بد وأن يكون عدم التعادل فادحا
وباهضا للطرف المغبون، وبالتالي فأصل المغابنة لا بد منها غير أنه يطرح التساؤل
التالي: ما هو المعيار الذي يمكن الاعتماد عليه لتحديد عدم التعادل بين الأداءات؟
أو متى يعتبر التعادل فادحا؟ ومتى يعتبر غير فادح ؟؟.
إن القاضي له سلطة واسعة يستهدي فيها بظروف المتعاقدين في كل حالة
على حدى باحثا عن العناصر النفسية لدى كل من الطرفين؛ ومن خلال هذه المقارنة يتبين
له ما إذا كان أحد المتعاقدين قد حصل على فائدة مبالغ فيها؛ وما إذا كان المتعاقد
الأخر قد لحق به ضرر من جراء عدم التعادل بين المأخوذ والمعطى
فبخصوص موقف القضاء من الغبن الاستغلالي فإنه يحول الإبطال ويعتبره
سببا من أسباب إبطال العقود لعيب من عيوب الإرادة
ثانيا:
تكييف الفصل 54 من قانون الالتزمات والعقود
اختلف الفقه بخصوص تأويل وتكييف التعامل مع الفصل 54 من ق.ل.ع؛ حيت
ظهر إلى الوجود اتجاهان رئيسان :
الاتجاه الأول : يرفض النص لكونه يشكل خطرا على المعاملات الجارية بين الأفراد،
لأن السلطة التقديرية التي يمنحها للقاضي سواء للتأكد من المرض
والحالات المشابهة له، أو لتقرير البطلان من شأنها أن تؤثر سلبا على مبدأ استقرار
المعاملات، وهناك من أنصار هذا الاتجاه من يدعوا القضاء التشدد في تطبيق النص
المذكور اعتبارا لنفس المبررات.
ومن بين الفقهاء الذين يقولون بهذا الاتجاه ،نجد الاستاذ محي الدين
اسماعيل الذي يرى ان تطبيق الفصل 54 من.ق.ل،تهديدا لاستقرار التعامل بين
الافراد:"لان تقرير عيوب ارادة جديدة بواسطة القضاء من خلال الحالات الاخرى
المشابهة للمرض ،ووضع شروط لها قد يعرض التعامل للاهتزاز ،لان عيوب الارادة امور
نفسية لا ينبغي ان يدخل منها الى عالم القانون ،الاما يحدده المشرع نفسه ويفصل شروطه
ومن انصار هذا الاتجاه نجد كذلك الفقيه مولاي ادريس العلوي العبدلاوي
،الذي يرى ان الفصل 54 من.ق.ل.م يتميز بكونه عجيب وخطير في ان واحد فهو:عجيب في
ذاته ،وخطير في اثره .فاما من ناحية العجب فيه،فلانه يترك لتقدير
القاضي امرا هاما هو قيام العقد او بطلانه،في حين انه كان يجب على المشرع ان يحدد
هذا الامر سلفا حتى يسير الناس في تصرفاتهم على بينة من الامر وحتى يامنوا
المفاجات .اما من ناحية الخطورة في النص ،فهي انه قد يؤدي الى تحكيم القضاة
واختلاف احكامهم في امر اساسي وخطير وهو قيام العقد اوبطلانه
الاتجاه الثاني : يذهب الاتجاه الثاني من الفقه المغربي الى عدم قبول تطبيق
الفصل 54، الا بعد تاويله بشكل يتضمن معه نظرية الغبن الاستغلالي. ومن أول أنصار
هذا الاتجاه الأستاذ مأمون الكزبري الذي يقول بهذا الخصوص " إن النظرية الحديثة للغبن ترتكز على فكرة الغبن الاستغلالي أحد
المتعاقدين مرض أو حاجة أو ضعف أو طيش المتعاقد الأخر واستجراره إلى التعاقد على
أسس يظهر فيها البون شاسعا بين ما ينشأ للمغبون من حقوق وما يترتب عليه من
التزامات.
فهذه النظرية الحديثة للغبن حسب رأي الدكتور عبد الحق الصافي يمكن
تطبيقها في المغرب في الحالات التي تقضي التشريعات الحديثة بوجوب الأخذ بها، وذلك
استنادا لما ورد في الفصل 54 من ق.ل.ع " أسباب الإبطال
المبنية على حالات المرض والحالات الأخرى المشابهة متروكة لتقدير القضاء
وفي ضوء هذا النص، إذ كان أحد المتعاقدين قد استغل مرض المتعاقد
الأخر أو ضعفه أو طيشه البين أو هواه الجامع أو حاجته الماسة وأبرم معه عقدا لا
تتعادل فيه التزامات الطرفين ،بل ينطوي على غبن أحد هما غبنا فاحشا،
فإن الطرف المغبون غبنا استغلاليا يخول له المطالبة بإبطال العقد، ولاسيما لأن
المشرع منح القاضي سلطة واسعة في هذا المجال وترك تقرير الإبطال لرأيه وتقريره
وحسب رأي الدكتور عبد الحق صافي أن كلى الرأيين محل نظر:
فالأول: الرافض لتطبيق الفصل 54 أو الداعي إلى التعامل معه بحذر
وتشدد لا ينسجم مع المبادئ القانونية السليمة وهي تفرض عدم إهمال النصوص القانونية
التي تشكل إرادة المشروع، فالقاعدة الفقهية تقضي بهذا الخصوص بأن
: " إعمال النص خير من إهماله "؛ هذا بالإضافة إلى أن
العدالة والمنطق يقتضيان تخويل القاضي صلاحية الاستجابة لدعوى إبطال العقد استنادا
إلى حالة المرض والحالات الأخرى المشابهة المؤثرة على الإرادة وذلك إذا لم يجد
سبيلا لإبطال هذا العقد استنادا إلى أحد عيوب الرضا الأخرى كالتدليس أو الإكراه.
والثاني: الذي يعتبر الفصل 54 تبنيا من المشرع المغربي لنظرية الغبن
الاستغلالي فهو غير سليم أيضا، لأن تطبيق هذه النظرية يقتضي تحقق عنصرين أساسين
العنصر الأول موضوعي قوامه اختلال التوازن الفادح بين التزامات أحد العاقدين والتزامات
العاقد الأخر، والثاني نفسي يتمثل في أن أحد المتعاقدين إستغل في الطرف الأخر طيشا
بينا أو هوى جامع. هذا مع العلم أن منطوق الفصل 54 لا يتضمن النص الصريح على أي
واحد من هذين العنصرين.
كما ان هناك راي يقول بان:المرض المقصود في اطار الفصل 54 يشمل كل
التوترات النفسية والعقلية والعصبية التي تتسبب في انهيار ارادة المعاقد سواء كان
المرض مزمنا او متقطعا
لذلك نخلص بأن هذا الفصل ذو طبيعة خاصة هدفه تكريس تمسك ق.ل.ع
بالنظرية التقليدية للتعاقد التي تقوم على أساس احترام مبدأ سلطان الإرادة وحرية
التعاقد فهو يحمي بالأساس مصالح العاقد الذي تعاقد وطأت المرض أو ما شابهه من
وضعيات تلقائية أي غير مدبرة أفسدت إرادته؛ ويمكن بالتالي للقاضي من الاستجابة
لطلب إبطال العقد عند ما لا يتأتي ذلك استنادا إلى عيوب الرضى الأخرى
المطلب
الثاني : الحالات المشابهة لحالة المرض وبيع المريض مرض الموت
بإمكان القاضي أن يستجيب لطلب إبطال العقد في حالات تشبه المرض من
حيث نتائجه بحيث تكون معها إرادة العاقد مقيدة الحرية ومتأثرة بالظروف المحيطة
بها؛ مما يعرضه للاستغلال ويجعله يبرم عقودا مجحفة في حقه لم يكن ليبرمها لو كانت
إدارته سليمة.
ويلاحظ هنا توسع الفقه بخصوص الحالات المشابهة للمرض؛ وهناك من يقول
بهذا الخصوص يقصد بالحالات المشابهة لحالة المرض حالات يوجد فيها الشخص تجعله أقرب
للمريض ضعيف التفكير منه لسليم الجسم صحيح العقل والإدراك كما في الطيش الجارف أو
الهوى الجامح أو الحاجة الماسة أو عدم الخبرة.
الفقرة الأولى
: الطيش البين والهوى الجامح
أولا :
الطيش البين
يقصد بالطيش البين حالة اندفاع خالية من التبصر والإكثرات بعواقب
الأمور ولا تتطلب أن يكون قاصرا على بعض الأمور؛ وهذا ما يميز حالة الطيش
البين عن حالة نقصان الأهلية، ويتطلب أن يكون هذا الطيش بين أي ظاهرا للمتعاقد
الأخر.
مثال: الشاب الصغير الذي يعميه المال
الكثير الذي يرثه؛ فيجعله يندفع في تصرفاته من غير تدقيق فيها ولا إكترات لعواقب
الأمور.
والشخص الذي يبرم عقدا دون أن يكون لديه أدنى علم بتفاصيله؛ أو حتى
دون أن يكون لديه علم بنسبة قيمة كل من الالتزامين المتقابلين إلى بعضهما يعتبر في
حالة طيش؛ وبالتالي فالطيش البين يعد حالة من الحالات المشابهة لحالة المرض في
إطار الفصل 54 من ق.ل.ع.
ثانيا:
الهوى الجامع
يعتبر الهوى الجامع من أبرز الحالات المشابهة لحالة المرض في إطار
الفصل 54 من ق.ل.ع؛ والمقصود بالهوى الجامح الشهوى الجامحة التي تؤثر في إرادة
الشخص فتضعفها.
مثال: زواج رجل مسن من امرأة لا تزال
في مقتبل عمرها فتعمد الزوجة إلى استغلال ما تلقاه لدى زوجها من هوى ؛ فتستكتب من
العقود لنفسها وأولادها ما تشاء ؛ وكذلك العكس كالزوجة المسنة الثرية إذا تزوجت
شابا عن ميل وهوى؛ فيعمد الزوج إلى استغلالها وابتزاز مالها عن طريق
عقود يمليها عليها.
وعليه فالهوى الجامع حسب تعبير الدكتور العلوي العبدلاوي
هو الشعور الملح العنيف نحو شخص أو شيء، والذي يمثلك على الإنسان نفسه ويأسر منه
إحساسه أو هو ميل نفسي إلى ناحية تغلب فيه عاطفة الإرادة، وقد يكون الهوى الجامح
نحو شخص، كما هو الغالب
مثاله: الهوى الذي يتولد في نفس الرجل، لاسيما إذا كان متقدما في السن، نحو
امرأة جميلة تأسر فؤاده، وتجعله ضعيفا في يدها، وتسيره حيث تريد، طمعا منه في
إرضائها والتقرب منها.
الفقرة
الثانية : استغلال الحاجة وعدم الخبرة
أولا:
استغلال الحاجة
يقصد باستغلال الحاجة كل ضائقة أيا كانت، سواء كانت هذه الضائقة تهدد
الشخص في ماله أو في حياته أو صحته أو شرفه.
والحاجة يمكن أن تلحق الشخص الطبيعي، والشخص المعنوي على حد سواء،
ذلك أنه يمكن أن تثار الحاجة بالنسبة لشركة تجارية إذا ما كان هناك خظر حال
الإفلاس
ومثال استغلال الحاجة:
المريض الذي يتطلب إجراء عملية جراحية له عاجلة ولا يمكن تأخيرها
فالمريض في حاجة ملحة إلى اقرب طبيب وعلى العموم فقد نص المشرع المغربي على
استغلال الحاجة في الفصل 878 من ق.ل.ع" من يستغل حاجة شخص آخر أو ضعف إدراكه
أو عدم تجربته فيجعله يرتضي من أجل الحصول على قرض أو لتجديد قرض قديم عند حلول
أجله فوائد أو منافع أخرى تتجاوز إلى حد كبير السعر العادي للفوائد وقيمة الخدمة
المؤداة، وفقا لمتضيات المكان وظروف التعامل ويمكن أن يكون محلا للمتابعة
الجنائية، ويسوغ إبطال الشروط والاتفاقات المعقودة بمخالفة حكم هذا
الفصل بناء على طلب الخصم، بل حتى من تلقاء نفس المحكمة، ويجوز إنقاص السعر
المشترط، ويحق للمدين استرداد ما دفعه زيادة على السعر الذي تحدده المحكمة على
أساس أنه دفع ما ليس مستحقا عليه وإذا تعدد الدائنون، كانوا مسؤولين على سبيل
التضامن".
فالواقع أن معظم الحالات التي يوجد فيها غبن جسيم يرجع غالبا إلى
الحاجة الملحة وهذا تأكيد لانطواء الفصل 54 من ق.ل.ع على فكرة الغبن
ثانيا :عدم
الخبرة
إن المقصود بعدم الخبرة تخلف المعرفة لدى الشخص في نطاق المعاملات
لدرجة لا يستطيع معها أن يدرك حقيقة مدى التزاماته
وعدم الخبرة هو من الأمور التي تدخل في التقدير المطلق لقاضي
الموضوع، مستعينا في ذلك بالأعراف والعادات المحلية، وعليه فحالة عدم الخبرة أو
التجربة من الحالات المشابهة والتي عبر عنها المشرع المغربي في الفصل 54 من قانون
الالتزامات والعقود.
الفقرة
الثالثة: بيع المريض مرض الموت
الأصل أن كل من بلغ سن الرشد القانوني إلا ويكون له حق التصرف في
ماله بالبيع أو غيره من التصرفات القانونية الأخرى، طالما أن المتصرف كان في كامل
قواه العقلية ولم يثبت عليه ما يؤكد سفهه، إلا أن هناك الكثير من الحالات التي
يمنع فيها الشخص من التصرف في ماله لقصور في السن أو لخلل عقلي أو سوء في تدبير
الأمر، وهذه العوائق الشخصية قد تحول دون إبرام التصرفات القانونية فيتقرر المنع
من التصرف لعدم اكتمال الأهلية اللازمة لصحة التعاقد من ذلك.
مثلا: التصرفات الصادرة عن المريض في
مرض الموت.
وبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 479 من ق.ل.ع فإننا نلاحظ أنها تتعلق
بالبيع المعقود من المريض في مرض موته وقد ورد فيه بأن البيع المعقود من المريض في
مرض موته تطبق عليه أحكام الفصل 344 من ق.ل.ع إذا جرى لأحد ورثته بقصد محاباته،
كما إذا بيع له شيء يقل كثيرا عن قيمته الحقيقية أو اشترى منه شيء بثمن يتجاوز قيمته،
أما البيع المعقود لغير وارث فتطبق عليه أحكام الفصل 345 من ق.ل.ع
ومن خلال تحليل مضمون الفصل 479 من ق.ل.ع يتبين لنا أنه يتضمن حالتين
لمنع المريض من التصرف، أولهما تتعلق بالبيع الحاصل من المريض بقصد محاباة بعض
الورثة والثانية تخص البيع الذي يعقده المريض مع الغير حيث لا يجوز إلا في حدود
ثلث ما تبقى من التركة بعد سداد الديون وأداء مصروفات الجنازة
أولا: البيع
الذي يعقده المريض لمصلحة الوراث
إن التصرفات التي يجريها المريض أتناء مرض الموت غالبا ما تكون
محفوفة بالمخاطر والشكوك التي تحوم حولها خصوصا إذا وردت على سبيل التبرع أو كان
المستفيد منها واحد من الورثة، إذ قد يكون القصد من إبرامها هو محاباة بعد الورثة
على حساب حرمان البعض الآخر
وتفاديا لكل هذه الشبوهات فإن المشرع قد قيد من حرية المريض في
التعاقد وذلك عندما جعل البيع الذي يعقده المريض لصالح أحد الورثة موقوفا على
إجازة باقي الورثة الآخرين.
وحماية لحقوق الورثة المرتبطة بأموال المريض فإن المشرع قيد من حرية
هذا الأخير في التصرف حفظا لما له متى تحققت الشروط الآتية:
1) أن يحصل البيع من المريض في فترة مرض الموت.
2) أن يكون المستفيد من هذا التصرف واحد من الورثة.
3) أن يكون البيع أو الشراء من أجل محاباة هذا الوارث.
إذا كان الشرطين الآخرين لا يتيران أي إشكال من الناحية العملية في
ميدان فقه القضاء، إلا أنه على العكس من ذلك فإن الشرط الأول أثار
الكثير من التساؤلات الفقهية والقضائية بخصوص المعنى المقصود من مرض الموت أولا ؟؟ ومدى الارتباط الموجود بين هذا المرض
وواقعة الوفاة ثانيا؟
أ- المقصود
بمرض الموت المنصوص عليه في الفصل 479 م ق.ل.ع:
لقد فسرت المحاكم المغربية مضمون الحالات المرضية والحالات المشابهة
لها في إطار مقتضيات الفصلين 54و479 من ق .ل.ع بمصطلحات فضفاضة جدا كان لها أثر
سلبي على وحدة الاجتهاد القضائي المتعلق بمضمون هذه الفصول خصوصا بالنسبة للحالات
التي تتداخل فيها عناصر الأمراض المزمنة بغيرها من عناصر الأمراض العادية الأخرى،
ففي الوقت الذي تعذر فيه على محاكم الموضوع فهم المقصود من الحالات المشابهة
للحالات المرضية كسبب للإبطال في إطار مقتضيات الفصل 54 من ق.ل.ع المتعلق بالغبن
الاستغلالي، فإنها في مقابل ذلك لجأت لتفسير الحالات المرضية الموجبة لبطلان عقد
البيع المرتبطة بالمحاباة في ظل مقتضيات الفصل 479 من ق.ل.ع بمصطلحات
عامة من ذلك ما جاء في القرار الصادر عن المجلس الأعلى ( يشترط لإبطال العقد بسبب
مرض الموت أن يكون المتعاقد وقت إبرام العقد مريضا مرض الموت وأن يؤثر
ذلك على مداركه العقلية )
وعندما أحست المحاكم بعدم جدوى النهج العام في التفسير فإنها انتقلت
إلى التشخيص التدقيق لطبيعة المرض الموجب لبطلان التصرف
وإعمالا لهذا التوجه القضائي فإن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا)
ذهب في الكثير من القرارات الصادرة عنه إلى ملامسة طبيعة مرض الموت الموجب لبطلان
التصرفات القانونية قرار المجلس الأعلى المؤرخ في 14 ماي 2008 ملف
شرعي عدد 423 الذي جاء فيه بأن تقدير الأدلة تستقل به محكمة
الموضوع ولا رقابة إلا فيما تستخلصه منها، ولما استخلصت بأن الواهب لم يكن فاقدا
لوعيه وإدراكه رغم إصابته بمرض الشلل النصفي وأن مرور أكثر من ستة سنوات على
إصابته بالعجز المذكور ووفاته يجعل مرض الموت منتفيا في النازلة فإنها تكون قد
قدرت الأدلة تقديرا سائغا يبرر ما انتهت إليه، لأن المرض المزمن الذي يطول علاجه
لا يعد مرض موت الموجب لإبطال تصرفات الشخص الواهب
كما جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى سابقا (محكمة النقض حاليا )
عدد 44 مؤرخ في 6/9/2011 الصادر في الملف المدني 296 الذي جاء فيه بأنه
مادام مرض الزهيمر يؤثر بصفة على القدورات العقلية للمصاب به خاصة ملكة الإدراك
والتميز لديه، فإنه ينهض سببا للتحجير عليه وللمحكمة أن تعتمد في إقراره سائر
وسائل الإثبات ومنها الخبرة الطبية وليس ضروريا للحكم به تحديد تاريخ الإصابه
بالمرض المذكور لكون قضائها غير متوقف عليه.
ب- ارتباط
حالة المرض بواقعة الوفاة:
اجتمع الفقهاء على ضرورة اتصال واقعة الوفاة بالمرض الذي حصل التعرف
في ضله وهذا الارتباط العضوي بين كل من التصرف المشوه والمرض المخوف والوفاة
الناجمة عنه رغم بساطة المعادلة التي ينبني عليها، إلا أن هذا
الارتباط أثار الكثير من التساؤلات الفقهية التي كان لها أثرها البالغ في خلق
الكثير من المبادئ التي لا زال العمل جاريا بها لغاية الآن رغم كثرة الإنتقادات
التي وجهت إليها ماضيا وحاضرا
ومن خلال الإطلاع على بعض القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى بخصوص
هذا الموضوع فإننا نلاحظ أن المجلس الأعلى قد تشدد كثيرا في تفسير مضمون الفصل 479
من ق.ل.ع حيث أنه لم يقبل طلبات بطلان العقود التي يبرمها المريض مرض الموت لصالح
بعض الورثة إلا في نطاق ضيق جدا
ثانيا: البيع الذي يعقده المريض لمصلحة الغير
انطلاقا من الفصل 479 من (ق.ل.ع
)الذي يحيلنا على مقتضيات الفصل 345 من نفس القانون فإن
الحكم الذي يسري على الإبراء الحاصل من المريض لمصلحة الغير هو الذي ينطبق أيضا
على البيع الذي يعقده هذا المريض مع الغير، ومصير هذا النوع من التصرفات هو الجواز
لكن في حدود ضيقة جدا، فالبيع لا يصح إلا في الثلث الباقي من التركة بعد سداد
الديون وأداء مصروفات الجنازة، وأساس هذا التضييق في دائرة عدم جواز الاحتجاج بهذه
التصرفات إزاء الورثة هو أن الأعمال والتصرفات الصادرة عن الأشخاص في فترة مرض
الموت غالبا ما يكون القصد منها هو التبرع حتى ولو كان المستفيد منها واحدا من
الأغيار، لذلك اعتبرتها معظم التشريعات المدنية من قبيل التصرفات المضافة لما بعد
الموت وتسري عليها أحكام الوصية أيا كانت التسمية التي
أعطيت لهذا التصرف بحيث لا يجوز إلا
في حدود ثلث التركة وذلك بعد اخرج الحقوق الممتازة وأداء مصروفات الجنازة
الوصية المشهود بها في محرر رسمي تقع صحيحة بالرغم من وقوعها خلال
مرض الموت بما ان الوصي راشد وهذا ماجاء في قرار محكمة النقض ان"..حيت ان
الوصيةالمطعون فيها رسمية مشهود بها لدى عدلين منتصبين للاشهادوبالتالي
فلا يسري عليها حكم الوصية العرفية المقررة بالمادة 297 من مدونة
الاسرة المحتج بخرقها ،وهي من الحقوق المتعلقة بعين التركة ومقررة
بنص قانوني طبقا للمادتين 277و322من مدونة الاسرة ، وتصح حتى من المريض مرض الموت
طالما انه راشدا طبقا للمادة 297 من نفس المدونة ،ولا يتوقف نفاذها
على اجازة الورثة لها لانعدام النص سواء في ظل قانون
التحفيظ العقاري المؤرخ في 12/08/1913 او في ظل قانون 07/14 المغير والمتمم له
خلاف ما ورد في النعي ،ثم ان شهودالاراثة المطعون فيها يهدوا بما في علمهم من
الورثة ،..."