مرحلة تنفيذ الميزانية العامة ومراقبتها
بعد مصادقة البرلمان على مشروع قانون المالية و صدور الأمر بتنفيذه يقع على الحكومة إلزاما أن تمر إلى مر حلة تنفيذه طبقا للقواعد القانونية و التنظيمية المتعلقة بذلك، و هذه المهمة تجعل الحكومة أمام ضرورة صرف الاعتمادات و تحصيل الموارد، و لحماية المال العام لابد من رقابته لدرء الفساد في التدبير.
المطلب الأول: تنفيذ الميزانية
يتطلب تنفيذ الميزانية احترام مجموعة من الشكليات و الإجراءات أهمها . الفقرة الأولى: مبدأ الفصل بين الإداريين و المحاسبين
إن مسألة تنفيذ العمليات المالية العمومية يحكمها أن الأشخاص المتدخلين على هذا المستوى ينقسمون إلى فئتين: فئة الإداريين و فئة المحاسبين ، الأولى تتدخل على المستوى الإداري بينما تتدخل الثانية على المستوى الحسابي.
و المبدأ هو انه لا يمكن لشخص واحد أن يجمع بين وظيفتي الإداري و المحاسب . و قد عرف القانون الآمر بالصرف للمداخيل و النفقات كل شخص مؤهل باسم منظمة عمومية الرصد أو إثبات أو تصفية أو أمر باستخلاص دین أو أدائه . فالا داری يعطى الأمر بتنفيذ العمليات المالية و المحاسب يختص بالتنفيذ المادي للعمليات .
مؤدي ذلك هو أن لا تخضع فئة للفئة الأخرى ، إذ المحاسب بالرغم من أنه ينفذ الأوامر الصادرة عن الإداري فانه يجرى مراقبة عليه و هو ما يعتبر أساسا للفصل بينهما .
الأمرون بالصرف:
ينقسم الأمرون بالصرف إلى آمرين بالصرف و آمرين بالصرف ثانويين. الأمرون بالصرف هم الوزراء بحكم القانون فيما يتعلق بنفقات الوزارة التي يتواجدون على رأسها و كذلك لمداخليها و للميزانيات التابعة لها كالحسابات الخصوصية و ميزانيات الدولة المسيرة بطريقة مستقلة التابعة للوزارات.
و يسمح القانون لهؤلاء الأمرين بالصرف الرئيسيين من أجل تخفيف العبء عليهم، - أن يفوضوا بعضا من اختصاصاتهم إلى الأمرين بالصرف الثانويين اللذين يعملون وفق تعليماتهم و أوامرهم و تحت مسؤوليتهم.
المحاسبون :
المحاسب هو كل موظف أو عون مؤهل باسم جهاز عام للقيام بتنفيذ عمليات المداخيل أو النفقات أو تداول السندات.
فمهمة المحاسب هي التنفيذ المادي و الفعلي للعمليات المالية ، بمعنى انه يقوم باستخلاص المداخيل و يؤدى النفقات.
وفي هرم سلم المحاسبين يتواجد الخازن العام كموظف سامي و يليه في السلم نواب و قباض و جباة يقومون بممارسة مهامهم تحت سلطته.
الفقرة الثانية : مسطرة تنفيذ الميزانية
تختلف المسطرة من حيث إذا كان الأمر يتعلق بالمرحلة الإدارية أو المرحلة المحاسبية وحسب موضوع العملية المالية هل تتعلق بالنفقات أم بالمداخيل.
أولا : مسطرة التنفيذء الإداري و المحاسبي للنفقات
يندرج القيام بالعملية الحسابية من الناحية الادارية وفقا لمراحل ثلاث هي: 1- الالتزام بالنفقة : يعني أن الجهاز العمومي في هذه المرحلة يقوم إما بإحداث السند
الذي تترتب عنه النفقة أو التأكد من وجودها ، و هنا تجدر الإشارة إلى أن الأمرين . بالصرف على هذا المستوى فيما يتعلق بإحداث السند قد يتواجدوا أمام إلزامية القيام بذلك ، و ليسوا دائما في وضعية تسمح لهم بالقيام بالالتزام بشكل اختياري.
فالدعوى مثلا التي قد توجه ضد الدولة ويصدر الحكم في مواجهتها لا يملك الآمرون بالصرف إلا التعهد بها..
2 - التصفية: بموجبها يتحقق الآمرون بالصرف من وجود الدين ثم تحديد مبلغه اعتمادا على كل السندات المثبتة لذلك.
3 - الأمر بالصرف: على هذا المستوى يأمر الآمر بالصرف بأداء الدين و ذلك على اثر ما سبق القيام به على مستوى مرحلة التصفية.
مسطرة التنفيذ الحسابي للعمليات المالية: :
يتجسد هذا الجزء المتعلق بتدخل المحاسب بحصول عملية إبراء ذمة الهيئة العامة من الدين العالق بها ، من هنا يتضح أنه على هذا المستوى يتحقق الطابع المادي لتدخل الأمرين بالصرف.
علما أن المحاسب لا يقوم بهاته العملية إلا بعد فحصه للأمر بالصرف المتقدم به من قبل الآمرين بالصرف.
ثانيا : مسطرة التفنيد الإداري والمحاسبي للمداخيل
أما فيما يتعلق بالتنفيذ الإداري للمداخيل فبدوره يمر عبر مراحل ثلاث و هي: 1- الإثبات : يقع إثبات المداخيل حسب ما ينص عليه كل نوع من أنواع المداخيل ، فإذا كان الأمر يتعلق بضريبة ، فان العملية تقتضى الاعتماد على ما يتقدم به الملزم من إقرارات ضريبية ، على التقدير الجزافي الذي تنص عليه بعض القواعد الضريبية أو التقدير المباشر للإدارة الضريبية وفقا للأنظمة التي تسمح لها بذلك. 2- التصفية : تتكلل العملية الإدارية هنا بتحديد مبلغ الدين الذي يقع على المدين أداءه للدولة. 3- الأمر بالمداخيل : بعد تصفية الدخل فان الأمر باستخلاصه هو ما يقوم به المتدخل الإداري على هذا المستوى.
أما فيما يخص التنفيذ الحسابي للمداخيل: فان المحاسب يقوم باستخلاص الدخل و هو ما يشكل عملية مادية بمقتضاها يتوصل صندوق الدولة بأمواله المستحقة..
ثالثا : التسجيل الحسابي للعمليات المالية :
يقع على الإداري و كذلك المحاسب سواء تعلق الأمر بدخل أو نفقه أن يقوما بتسجيل العمليات المالية التي يقومان بها في إطار حسابات محددة، وتعتبر سنة تنفيذ العملية المالية هي السنة التي يقع لزاما تسجيل النفقة أو الدخل بها ، بمعنى أن سنة التجسيد المادي للعملية هي السنة المرجعية أي أن السنة هي سنة تحقق الاستخلاص و تحقق عملية الأداء.
و هو مخالفة للمعمول به في إطار طرق أخرى للتسجيل الحسابي كأن تسجل العمليات طبقا لسنة الترخيص بها دون اعتداد بسنة التنفيذ المادي لها ، بمعنى انه هنا تكون السنة المرجعية هي سنة الاحتساب القانوني.
المطلب الثاني : مراقبة تنفيذ الميزانية
لابد من الإشارة بداية أن الرقابة على تنفيذ الميزانية تأثرت هي الأخرى بتدخلات الدولة في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية والإدارية ، اذ أن الرقابة تنوعت وتضاعفت تناسبا مع التدخل المباشر أو الغير مباشر للدولة ، بعد أن انحصرت في رقابة أساسية ووحيدة خلال القرن 19 ، بمعنى تعددت المؤسسات المراقبة و تتعدد الخاضعون لها، بحيث شمل الأمر كل متدخل في تسيير المال العام وعلى مختلف المستويات.ويفسر دلك بحق التتبع الذي يتمتع به المراقبون إزاء المال العام كما يرى دلك الأستاذ Andre Paysant في كتابه المالية العمومية ، والدي يسترسل بالقول في حديثه عن النظام المالي - الفرنسي انه في مقابل مختلف الخيارات الرقابية لم تميز فرنسا بين الرقابات بل عملت على مراكمتها بحيث أن كل جهاز رقابي يقوم بالمهمة الموكولة له والتي يختلف حجمها وواقعها وفقا للحقب التي تمارس في إطارها ، الشيء الذي يعني - كما يقول أن الرقابة تتطور تبعا للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي1.
وعلى العموم فإنه حينما تثار مسألة المراقبة ، فان كل الأنواع يمكن أن يقع إعمالها ، ان اختيار الرقابة يمكن أن ينصب على مدة الرقابة أو طبيعتها أو أجهزتها ، لذلك فهي فقد تكون مراقبة لاحقة ، مزامنة أو سابقة على تنفيذ العمليات المالية ، بل هناك تصنيف ينبني على وجود مراقبة على الوثائق أو في عين المكان ،مراقبة صحة الالتزام أو ملائمته ، كما
قد تكون المراقبة إدارية أو حسابية وقد تكون أيضا داخلية أو خارجية . إلا أن التصنيف الذي يعتمد على الجهاز أو طبيعة المراقب هو تصنیف قد يأخذ بالاعتبار في بعض من مناحية التصنيفات السابقة الأخرى ، الشيء الذي يؤدي إلى تبرير جدارة اعتماده.
الفقرة الأولى : المراقبة الإدارية
هاته المراقبة كما يدل علي دلك اسمها هي ذات صبغة إدارية ، على مستواها تتواجد عدة رقا بات أهمها:
أولا : مراقبة الالتزام بالنفقات (1)
سبقت الإشارة إلى أن الأمر بالصرف هو من يقوم بالالتزام بالنفقة وبالتالي الأمر هنا يتعلق بمراقبة موضوعها الأمر بالصرف بالدرجة الأولى وليس المحاسب ، وذلك بالنسبة المرحلة من مراحل تدخله هي الالتزام ، ثم أنها مراقبة تتعلق بالنفقات و ليس بالمداخيل.
و ما تجب الإشارة إليه ، هو أن مصالح مراقبة الالتزام بالنفقات هي التي تشرف على عملية المراقبة ، يتواجد على رأسها مراقب عام معين بظهير يمارس سلطة رئاسية بالنسبة للمراقبين المركزيين الرئيسيين الذين يعينون بمرسوم ،بعد اقتراحهم من قبل وزير المالية ، يعملون إلى جانب الآمرين بالصرف وفقا لتحديد في الاختصاص من طرف المراقب العام، والذي يقوم أيضا بتنسيق الأنشطة التي يقومون بها كما يحرص على التأويل الموحد للنصوص القانونية وتفسيرها . "
كما يتواجدون أيضا على مستوى العمالات و الأقاليم حيث يعملون إلى جانب الأمرين بالصرف الثانويين .
والخلاصة أن هذا النوع من الرقابة - كما سبقت الإشارة - يتعلق بالنفقات وليس بالمداخيل ، وأنها تتعلق بالالتزام وليس بالتصفية أو الأمر بالصرف
وهي لا تهم مرحلة التنفيذ التي تتعلق بالمحاسب وإنما الأمر بالصرف. ، والملاحظ على هاته الرقابة أنها سابقة للالتزام النهائي بحيث أن الالتزام لا يمكن أن يكون نهائيا إلا إذا اشر عليه مراقب الالتزام بالنفقات.
و مراقبة على الوثائق اذ يتحقق من خلالها المراقب من الأوراق والوثائق وليس من
تنفيذ النفقة على أرض الواقع. به أن لها مدة محددة : حيث يتوفر المراقب على 5 أيام لإجراء مراقبته والتأشير أو
الرفض فيما يخص النفقات العمومية بفعدم الإدلاء داخل أجل 15 يوما التي تلي اقتراح الالتزام يعتبر بمثابة موافقة من طرف المراقب وفقا لما ينص الفصل 12 من المرسوم المتعلق بمراقبة الالتزام بنفقات الدولة . وهكذا فان الرقابة تختلف نتائجها : فقد يقررا المراقب التأشير على الالتزام ادا تبث له صحة الالتزام ومطابقته للقوانين والأنظمة أو يرفض الالتزام لاخلالات ما وهنا يكون
، أنها مراقبة تقتصر على صحة الالتزام بمعنی مطابقة الالتزام للقوانين والأنظمة ولا
مصير الالتزام حسب ما إذا كان الرفض صادرا عن مراقب مرکزي أو مراقب بعمالة أو إقليم ، أمكن للوزير المعني بالأمر أن يعرض المشكل على المراقب العام للنفقات قصد تأكيد الرفض أو نفيه. وهنا يكون أمام المراقب في حالة النفي أن يؤشر على الالتزام . أما إذا تعلق الأمر بتأكيد الرفض طبقا للقانون والنظام فينازع الوزير المعني بالأمر في التأويل المتبني من طرف المراقب العام ويرفع الخلاف إلى الوزير الأول الذي يكلف بالفصل بعد بحث تجريه لجنة يرأسها الأمين العام للحكومة وتضم المراقب العام للالتزام بالنفقات والوزير المعني بالأمر أو ممثله وان اقتضى الحال الوزير المكلف بالوظيفة العمومية بوزارة الشؤون الإدارية...
أو قد يتم اللجوء إلى لجنة الصفقات إذا كان مقترح الالتزام بالنفقات يتعلق بصفقة أو اتفاقية أو عقد يعود للدولة.
ثانيا: مراقبة المحاسبين للإداريين
قلنا يقوم المحاسب العمومي بالتنفيذ المادي للعمليات المالية العمومية ويتوصل بالأمر بالصرف من الأمر بالصرف. وقبل أن يقوم المحاسب بالتنفيذ المادي يجري رقابة على الأمر بالدخل والأمر بالصرف.
فيما يتعلق بالمداخيل : يراقب المحاسب صحة الالتزام بمعنی مطابقته للقوانين والأنظمة وإدراجه في محله وكذا التحقق من الأوراق المتبثة ، بالتالي فإن المحاسب يقوم بمهمة الاستخلاصات المنصوص عليها في القوانين والأنظمة التي تتضمنها الأوامر . بالمداخيل ، وعدم استخلاص كل ما لم ينص عليه القانون والا توبع بالعذر والارتشاء ، هذا إضافة إلى إمكانية المتابعة بالاسترداد في حالة استخلاص الغير مقرر قانونا، خلال 3 سنوات من الأشخاص الذين قاموا بالاستخلاص .
أما فيما يتعلق بالنفقات : فيراقب المحاسب صحة الدين تبتدئ بأهلية الأمر بالصرف أو مفوضه ( هل الأمر بالصرف مؤهل لتوجيه الأمر بالصرف ).
بمعنى أن التحقيق يدور حول : هل الاعتمادات متوفرة ؟ موجودة وكافية، ؟هل تم إدراج النفقات في الأبواب المتعلقة بها ؟ هل تم إثبات العمل المنجز؟
صحة حسابات التصفية ؟ أعمال المراقبة القانونية السابقة والإدلاء بالأوراق المتبثة ؟ احترام قواعد التقادم وسقوط الحق ؟ التقادم هو أن النفقة العمومية اذا لم تؤد خلال 4 سنوات تتقادم ويفقد الدائن الحق في المطالبة
صفة إلا براء أو التسديد : إن المحاسب بعد إجراء المراقبة فهو يؤديها اذا رأى أنها صحيحة وإلا أوقف الأداء واخبر بدلك الأمر بالصرف ، و هو يستمر في إيقاف الأداء مادامت المخالفة قائمة إلا إذا طلب منه الأمر بالصرف الأداء كتابة وتحت مسؤوليته، وهنا تحل مسؤولية الأمر بالصرف محل مسؤولية المحاسب.
إلا أن المحاسب قد تعترضه بعض الحالات التي يرفض فيها طلب الأمر بالصرف كعدم وجود الاعتمادات أو عدم توفرها أو كفايتها. "
أو عدم اثبات الخدمة المنجزة. أو عدم توفر قوة إبراء التسديد. أو عدم التأشير من طرف مراقب الالتزام بالنفقات. إلا أن المحاسب لا يحق له الرفض دون تبرير أو تعليل لقراراته.
ثالثا : رقابة المفتشية العامة للمالية.
تحتل الرقابة التي تقوم بها المفتشية العامة للمالية أهمية كبرى إزاء الأنواع الأخرى من الرقابات التي تجري على صعيد الإدارة، وذلك على مستوى تنفيذ الميزانية ، وتتأتى لها هده الأهمية سواء فيما يتعلق بمجالها أو خصوصية مساطرها، وهو ما يجعل منها أكثر من جهاز رقابي ولكن جهازا من التقنيين المؤهلين لتسيير الإدارات المركزية والمؤسسات العمومية بل حتى الشركات الخاصة . تم إحداث المفتشية العامة للمالية في 14 ابريل 1960 وفقا لظهير شريف تحت رقم 269 . 1 . 59 بشان التفتيش العام للمالية ، وهي تخضع لوزير المالية. بل إنها حسب
p . lalumiere ساعدا الوزير وعينيه (1). تتكون من مفتشين يعملون تحت إمرة مفتش عام يتبع مباشرة لوزير المالية كما ينص على ذلك الفصل الأول من نفس الظهير، وكذلك المرسوم المتعلق بتنظيم وزارة المالية ، تتمتع باختصاصات موسعة اذ تراقب كل الإدارات العمومية و الجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ، وهي بدلك تمارس رقابتها على المحاسبين واتجاه الآمرين بالصرف.
بالنسبة للمحاسب : يراقب المفتش حالة صناديق المحاسب ، صحة محاسبته ، وصحة تصرفاته. وهو ما يستفاد من ظهير 1960 وكذلك المرسوم الملكي الخاص بتنظيم المحاسبة العمومية ، حيث يشير إلى أن هذا النوع من الرقابة يقام في عين المكان وأيضا على وثائق المحاسب .
بالنسبة للآمرين بالصرف: هدا النوع من الرقابة بدء العمل به لأول مرة انطلاقا من 1967 طبقا للمرسوم الملكي المتعلق بالمحاسبة العمومية ، والذي ينص في فصله 129 "يخضع الآمرون بالصرف والآمرون بالصرف الثانويين لمراقبة المفتشية العامة للمالية" ، الشيء الذي يستفاد منه أن كل الأمرين بالصرف يخضعون لهده الرقابة ، باستثناء الآمرين بالصرف الدين يعملون في مصالح الدفاع الوطني.
إلا أن المثير للانتباه أن هذا الشكل من الرقابة الإدارية لايخضع له الأمرون بالصرف برتبة وزير.
تفسير ذلك أن الرقابة المذكورة إن كان يقوم بها جهاز تابع لوزارة المالية ، وأنها تعطي هكذا وضع لهده الوزارة الأخيرة ، فانه من غير اللائق أن يخضع لها الوزراء. المسالة بسيطة أن وزير المالية ليس سلطة رئاسية عليهم كما انه ليس سلطة وصية أيضا.
وعلى العموم فان موضوع هده الرقابة صحة العمليات المسجلة في حسابات الأمرين بالصرف سواء فيما يتعلق بالمداخيل أو النفقات .
و تباشر المفتشية العامة مراقبتها خلال السنة على أساس برنامج سنوي يقرره وزیر المالية باقتراح من المفتش العام . ويتم تدوين ملاحظات المفتشين في تقارير توجه إلى المراقين الدين تقع عليهم الإجابة على الملاحظات داخل اجل 15 يوما من تاريخ تسلم التقرير، ليبدي المفتشون آرائهم ثم ترفع التقارير مع الملاحظات التواجهية إلى المفتش العام ثم إلى الوزير المعني .وحتى تقوم المفتشية بالرقابة المنوطة بها فقد حق لمفتشيها الاطلاع على جميع الوثائق والمستندات والقيام بالتحقيقات اللازمة لدلك .
واذا كانت هذه الرقابة تثير مخاوف الهيئات التي قد تكون موضوعا لها، فإن الأمر يعود إلى صرامة الرقابة من جهة ولكون اختيار الجهة موضوع الرقابة أو إعلامها لا يخضع لأي معيار محدد بشكل مسبق ، فالأمر يرتبط بإعمال عنصر الفجائية اللازمة لنجاعة الرقابة وكذلك بالسر المهني .
وما تجب الإشارة إليه أن الفحص يكون فرديا وان تقارير الرقابة تقع تحت مسؤولية المراقبين اللذين اجروا الرقابة ، الشيء الذي لا يعني غياب إمكانية العمل بشكل جماعي.
فماهي نتيجة التفتيش
السابق الذكر؟.
بالنسبة للمحاسبين:فان حالة التوصل إلى مخالفة، خاصة اذا كانت خطيرة ، فان المفتش أقصى ما يقوم به هو أن يعلم بذلك المفتش العام ليقوم هذا الأخير بإخبار الوزير المعني والدي يمتلك وحده سلطة إيقاع التاديب بالمخل ، ويتمحور دلك في التوقيف لمدة شهر.(عدا عن العقوبات الجنائية التي قد يتعرض لها) بالتالي لا
يتوفر المراقب على وسائل قانونية لإيقاف المحاسب . وهكذا وعلى الرغم من المهام المتنوعة والمسؤوليات الواقع على المفتشية القيام بها، فان الأخيرة لا تستطيع استصدار مقتضيات بل هي فقط تدفع باتجاهها .
وبالتالي التساؤل عن جدوى وجودها اذا لم يكن بإمكانها اتخاذ المبادرة
وبالتالي فإن الرقابات السابقة على الرغم من أهمية بعضها، إلا أنها تظل تابعة للسلطة التنفيذية الشيء الذي يجعلها قاصرة عن رقابة التدبير الجيد للمال العام. لذا فالرقابة القضائية يتوقع لها الاستقلال الكفيل بالوفاء بالغرض.
الفقرة الثانية : المراقبة القضائية على تنفيذ قانون المالية
...
لا يختلف احد على كون الرقابة التي يمارسها القضاء على المال العام هي أهم الرقابات على الإطلاق ، فهي تعني وجود المؤسسات ، وان المال العام لا يمكن أن يعرض للضياع، وان المقتضيات المتعلقة بالميزانية يجب أن تحضي باحترام الموظفين .
هذا النوع من المراقبة يمارسه المجلس الأعلى للحسابات (1) الذي تأسس في 14 شتنبر 1979 عوض اللجنة الوطنية للحسابات التي سبق إحداثها في 14 أبريل 1960 ( لم تترك أثرا ولم تعمر طويلا ). وقد تم تعديل القانون المذكور بقانون صادر في 13 يونيو 2002 المتعلق بمدونة المحاكم المالية. ويتكون المجلس من الرئيس والنواب و مستشارين قضاة للحسابات..
ويضم عدة تشكيلات الغرف مجتمعة، غرفة المشورة، وهيئة التقارير - الغرفة المجتمعة: تنظر في القضايا المهمة. . - غرفة المشورة تسهر على تطبيق نظام خاص بقضاة المجلس .... - هيئة التقارير : إعداد التقارير السنوية التي ترفع إلى الملك .
ويختص المجلس فيما يتعلق بالمحاسبين : يراقب حسابات تسييرهم التي تندرج فيها العمليات المالية.
يراقب أوراقهم المتبثة لهذه العمليات ويثير مسؤوليتهم في حالة اختلاس أو سوء تدبير وهي مسؤولية شخصية ومالية ، فالمحاسب يجب عليه أن يبعث بالأوراق المتبثة للعمليات المالية التي قام بها على رأس كل 3 أشهر .
وفيما يخص الإداريين:يخضع للمجلس الأعلى للحسابات كل موظف أو عون إداري يتدخل في تنفيذ العمليات المالية العمومية باستثناء أعضاء الحكومة وأعضاء مجلسی البرلمان ما عدا إذا رفعت عنهم الحصانة البرلمانية
و ينظر في كل المخالفات للقواعد المتعلقة بتنفيذ الموارد والنفقات.
ويراقب سير المالية العمومية من حيث الكيف، ويدلي عند الاقتضاء بالوسائل الكفيلة بتحسين طرقها والزيادة في فعاليتها ومرد وديتها.
لذلك فكل آمر بالصرف يبعث إلى المجلس بحساباته الإدارية ( حسابات التسيير تسجل فيها العمليات التي يقوم بها الآمرون بالصرف كل سنة). وبالتالي مراقبة المجلس هي إدارية رغم أن الأمر يتعلق بهيئة قضائية لأن التسيير لا تصدر فيه أحكام، ولكن إن لاحظ المجلس إخلالا فوكيل الملك يعرض قضايا بالتأديب المتعلقة بالميزانية والشؤون المالية. كما يتوفر المجلس على سلطات للعقاب:
بالنسبة للمحاسب: يمكن للمجلس أن يحكم على كل محاسب لم يقدم حسابه أو الأوراق المتبثة بغرامة ، وإذا طالبه المجلس بتقديم المستندات ولم يمثل يحكم المجلس عليه بغرامة عن التأخير.
وبعد إجراء المراقبة فإن المجلس يقوم بإبراء المحاسب نهائيا اذا لم يثبت في حقه أي إخلال، وكذلك الشأن في حالة وجود فائض أيضا نفس الحكم. وفي حالة اكتشاف عجز فان الحكم يحدد مبلغ العجز الواجب دفعه من رأسمال وفوائد.
أما بالنسبة للأمر بالصرف فان حالة الإخلال غرامة لا يتجاوز مبلغها ضعف
مبلغ مرتبه السنوي الإجمالي متابعات المجلس سواء بالنسبة للمحاسبين أو الإداريين لا تحول دون ممارسة الدعوي التأديبية.
يمكن الطعن في الأحكام الصادرة عن المجلس امام الغرف مجتمعة.
اوطلب المراجعة في حالة اكتشاف عنصر جديد في حالة بت المجلس دون اختصاص أو خرق للقانون .
الفقرة الثالثة : المراقبة السياسية
سبق ل carre de malberg (1) أن اعتبر أن دور البرلمان ليس التدبير
الحكم ولكن على العكس من ذلك فسح المجال للحكومة أن تتصرف وفقا لمبادرتها الخاصة مع مراقبة نشاطها وإقرار مسؤولية الوزراء إن اقتضى الأمر ذلك.
وادا كانت التجارب البرلمانية لا تعكس نفس المنطق الرقابي وان دلك مختلف باختلاف الانظمة السياسية المتبناة ، فان المغرب كدولة سائرة في طريق الديمقراطية وزع السلط بين مختلف المؤسسات ليجعل البرلمان يقوم برقابة مالية على الحكومة مانحا إياها مجموعة من الوسائل القانونية للقيام بذلك .وموزعا دلك على كل فترات النشاط الحكومي . و لذلك فهي مراقبة سابقة لتنفيذ العمليات المالية العمومية ومزامنة لهذا التنفيذ ولاحقة.
. سابقة : تتجسد وقت مناقشة ودراسة مشروع قانون المالية والتصويت عليه. فحسب العديد من الباحثين إن التصويت على الميزانية هو الشكل الأكثر قدما لمراقبة نشاط السلطة التنفيذية .واذا كان هذا الأمر يصح بالنسبة للدول الغربية التي ارتبط لديها تطبيق الديمقراطية بمبدأ التصديق على الضريبة، فان الأمر مختلف بالنسبة للمغرب الذي لم يعرف الرقابة على الميزانية بالمعنى الحديث إلا مع تأسيس أول برلمان سنة 1963.
واليوم ينص الدستور المغربي في فصول متعددة منه على الرقابة التي يقوم بها البرلمان:
الفصل 70:" يصوت البرلمان على القوانين ويراقب عمل الحكومة ، ويقيم السياسات العمومية".
الفصل 75: يصدر قانون المالية ، الذي يودع بالأسبقية لدى مجلس النواب ، بالتصويت من قبل البرلمان.. "
الفصل 75: يصدر قانون المالية ، الذي يودع بالأسبقية لدى مجلس النواب ، بالتصويت من قبل البرلمان..." الفصل 83 الأعضاء مجلسي البرلمان...حق التعديل..."
الفصل 84 "يتداول مجلسا البرلمان في كل مشروع أو مقترح قانون ، بغية التوصل إلى المصادقة على نص واحد..."
المادة الأولى من القانون التنظيمي المتعلق بقانون المالية: "يتوقع قانون المالية لكل سنة مالية مجموع موارد وتكاليف الدولة ويقيمها ويادن بها ..."
ثم الفصول 33 و 34 وغيرها من فصول القانون التنظيمي تنص بشكل مباشر أو ضمني على الرقابة التي يمارسها البرلمان على الحكومة أثناء مناقشته لمشروع قانون المالية
وهي الرقابة ذاتها التي يمكن القول انه يمارسها حتى بالنسبة للقانون المالي ألتعديلي وكذلك لقانون التصفية اللذان سبق أن قيل في المقدمة - بخصوصهما أنهما يخضعان لنفس قواعد القانون المالي الأصلي.
وعلى هذا المستوى فان البرلمان يقوم بوظيفته الرقابية هده عبر لجانه البرلمانية خاصة أهم لجنة متخصصة في هذا المجال وهي لجنة المالية والشؤون الاقتصادية وهي اللجان المنصوص عليها في الفصل 63 من الدستور والفصل 67 والفصل 68والفصل 80...
هذا إضافة إلى الجلسات العمومية التي يعقدها البرلمان للتدارس في موضوع مشروع قانون المالية . مع الإشارة إلى أن القانون التنظيمي بدوره ينص في مواد عدة على تدخل اللجان المادة 33 و 34...
كما أن البرلمان يقوم برقابة مزامنة لتنفيذ قانون المالية عبر الأسئلة الكتابية والشفوية . ولجان تقصي الحقائق أو قانون المالية التعديلي. وكذلك يجري مراقبة لاحقة على تنفيذ قانون المالية عبر التصويت على قانون التصفية ثم تقرير المجلس الأعلى اللحسابات و التصريح بالمطابقة بعد مراقبة الحسابات الفردية للمحاسبين: بمعنى مطابقة حسابات هؤلاء مع الحساب العام للمملكة