ملخص المراحل الكبرى للميزانية العامة تحضير الميزانية والمصادقة عليها
تمر الميزانية من مجموعة من المراحل المتعاقبة مرحلة التحضير، مرحلة الاعتماد ثم مرحلة التنفيذ والمراقبة : فالحكومة تحضر الميزانية والبرلمان يقرر ثم الحكومة تنفد مرحلة تحضير الميزانية والمصادقة عليها
لقد كان التصويت على الميزانية يشكل في الحقبة الليبرالية مرحلة أساسية في مسطرة الميزانية . كان البرلمان يمنح الحكومة الترخيص باستخلاص الضريبة والترخيص بالإنفاق وكانت الحكومة ترغم على الاستقالة في حالة رفض البرلمان منحها الاذن بالميزانية، واليوم أصبح القرار الموازني ضروريا و تدخل البرلمان محددا بشدة بينما تضاعفت الحالات التي يتخذ فيها القرار من قبل الحكومة، إقرار الميزانية لم يعد وسيلة البرلمان لتقييد سلطة الحكومة في الحصول على ثقته بل أصبح أكثر فأكثر وسيلة الحكومة للتأثير على البرلمان من اجل منحه الثقة ، وهو ما سيظهر من خلال مسطرة مناقشة والتصويت على مشروع قانون المالية . لكن قبل الخوض في دلك يجب الانطلاق من مرحلة سابقة هي مرحلة تحضير المشروع الذي تتفرد به الحكومة
المطلب الأول: تحضير الميزانية
تكتسي مرحلة إعداد الميزانية أهمية قصوى على عدة أصعدة ، فالأمر أولا يتعلق بقانون كما سبقت الإشارة من القوانين الأساسية في حياة الدولة ، وهو الأهميته يطرح أكثر من تساءل . من هي الجهة التي تتكلف بتهيئه ؟ بمعنى السلطة المختصة للقيام بهذا الدور،
هل الجهاز التشريعي الذي ينص الدستور على صدور قانون المالية عنه ؟ أم الجهاز التنفيذي ؟ وهل للأمر اعتبارات معينة في إيكال هذا الاختصاص لهدا الجهاز أو داك ؟ ثم هل التجربة المغربية تحيد أم تؤكد المعمول به في هذا الإطار؟ و بالنتيجة ما هي إجراءات ومساطر هذا الإعداد؟ .
الفقرة الأولى : السلطة المكلفة بإعداد الميزانية
تنص المادة 32 من القانون التنظيمي المتعلق بالمالية على:" يتولى الوزير المكلف بالمالية تحضير مشاريع قوانين المالية تحت سلطة الوزير الأول"
الملاحظة الأولى أن كلا من وزير المالية والوزير الأول ينتميان بطبيعة الحال للحكومة. دلك ما كان ينص عليه الفصل 59 من الدستور السابق حينما يقول: " تتألف الحكومة من الوزير الأول والوزراء " ويقابل هذا الفصل في الدستور الحالي الفصل 87 الذي يقضي : "تتألف الحكومة من رئيس الحكومة والوزراء ويمكن أن تضم كتابا للدولة ".
إن الذي يهم من هذا التنصيص في هذه المرحلة من التحليل أن الجهاز التنفيذي هو الذي خول له القانون مسؤولية تحضير قانون المالية وليس جهازا آخر. واللافت للنظر هو الدور المركزي الذي يحظى به وزير المالية ووزارته بطبيعة الحال على هذا المستوى ، اذ بالرغم من تنصيص النص على إشراف الوزير الأول سابقا ورئيس الحكومة حاليا على عملية الإعداد ، إلا أن الدور المحوري لوزير المالية يبدو واضحا ، لان النص لا يوكل لرئيس الحكومة إلا مهمة الإشراف. ثم أن واقع الممارسة يظهر بداهة إيكال الأمر إلى وزير المالية، لكن وعلى العموم، الأمر الأساسي هو أن السلطة التنفيذية تتكفل بالتحضير لكونها من يسال على التنفيذ ومن أيضا تشكل الميزانية وسيلته لإخراج برامجه الاقتصادية والاجتماعية إلى حيز التطبيق .هدا إضافة إلى أن التقنية العالية التي تتميز بها الميزانية تجعل من الطبيعي أن تختص الحكومة بالأمر . خاصة أن الأخيرة وضعت الإدارة تحت إشرافها كما ينص على ذلك الفصل 89 من الدستور الحالي (الفصل 61 من الدستور السابق). وعلى العموم يمكن القول أن هناك شبه اتفاق على منح الجهاز التنفيذي مهمة تحضير القانون المالي بالنسبة لغالبية الدول، وان كان الاختلاف يقتصر فقط على الجهة التي تتكلف بدلك داخل هذا الجهاز المذكور. اد أن مجلس الوزراء هو الذي يحسم في المسالة بالنسبة الفرنسا ، بينما رئيس الدولة هو الذي يتكلف بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية .
بصورة عامة ، تظل السلطة التنفيذية هي المختصة في جميع الأحوال بالتحضير لكن ما تجب الإشارة إليه هو أن هذه الأخيرة تشارك بأكملها في التحضير فحتى مع ايلاء المغرب أهمية كبيرة لوزير المالية في عملية الإعداد ، إلا أن هذا الأخير لا يحضرها بمفرده بل يشاركه في دالك كل الوزراء الآخرين : فكل وزير يضع التقديرات المتعلقة بوزارته ويقدم بشأنها أقتراحات إلى وزير المالية . وان نفس هذا الوزير يعتبر مشاركا في التحضير الجماعي للميزانية ككل حينما تتقدم حكومته بكاملها بالتصريح الحكومي عند أول توليها مقاليد التدبير . اذ لا يعتد به إلا عبر ترجمته إلى ارض الواقع، وسيلته في دلك بطبيعة الحال الميزانية كاداة مالية . فقوانين المالية إنما تستقي توجيهاتها من التصاريح الحكومية. فما هي ادن المسطرة المحددة لتحضير وإعداد الميزانية ؟
الفقرة الثانية : مسطرة تحضير الميزانية
الان الميزانية أداة اقتصادية فانه من الضروري أن يوجه إعداد مشروع قانون المالية نحو الأهداف الاقتصادية ، الشيء الذي لا يعني عدم إعمال التقييم الإداري للنفقات والمداخيل .
لكن عموما يمكن القول أن وزير المالية هو من يعلن عن مسطرة تحضير مشروع قانون المالية ، اذ انه عبر المناشير التي يوجهها للوزراء يحدد الظروف العامة التي تكتنف تطبيق قانون المالية الجاري ، المحيط العام الداخلي والخارجي تهييئا منه لشروط تحضير الميزانية للسنة المقبلة. وعمليا فان هذه العملية التي يقوم بها وزير المالية تتحدد زمنيا بأواخر شهر ابريل وبداية شهر مايو ، ثم يقوم الوزراء كامرين بالصرف داخل وزارتهم بتجميع معطياتهم وتقدير حاجياتهم المالية وتقديمها لوزارة المالية قبل فاتح يوليوز، لتقوم بعد ذلك مديرية الميزانية بدراسة تلك المقترحات وإبداء الرأي بخصوصها .وتتكلل هذه المرحلة بلقاءات بين موظفي وزارة المالية وموظفي القطاعات الوزارية الأخرى المعنية، فتكون المناسبة لطرح كل الإشكالات المالية التي إن لم تحل على هذا المستوى ، يطلب حلها من طرف الوزراء المعنيين ووزير المالية في جميع الأحوال ، وان ظلت الخلافات على حالها رفع الأمر إلى رئيس الحكومة وقد يصل الأمر حد طلب التحكيم الملكي.
مع الإشارة أنه بعد التوافق حول تقدير النفقات والمداخيل فانه تتم مناقشة دلك داخل المجلس الوزاري الذي يترأسه بطبيعة الحال الملك . وهكذا ليصبح مشروع قانون المالية في الحلة التي تجعله يقدم إلى البرلمان ليقول كلمته بخصوصه.
المطلب الثاني : المصادقة على مشروع قانون المالية
كانت المصادقة على الميزانية ولازالت مرحلة أساسية في مسطرة الميزانية، ولكنها كانت في السابق مناسبة للبرلمان ليمنح للحكومة اذنا بالإنفاق وترخيصا باستخلاص الضريبة ، وكان على الخصوص رفض الميزانية يؤدي حتما إلى استقالة الحكومة .واليوم تفرض الضرورة اتخاذ القرار بخصوص الميزانية لكن سلطة البرلمان في التدخل تجد نفسها الاعتبارات متعددة محدودة إن قانونيا أو بفعل الممارسة
الفقرة الأول: صلاحية البرلمان في إقرار الميزانية
يصوت على مشروع قانون المالية من طرف البرلمان وفق مسطرة محددة وآجال مضبوطة ليعطي الأمر بتنفيذ القانون.
فالمادة 33 من القانون التنظيمي تنص على أنه" يودع مشروع قانون المالية للسنة بمكتب أحد مجلسي البرلمان قبل نهاية السنة المالية الجارية سبعين يوما على أبعد تقدير".
وتسترسل المادة في القول بأن المشروع المتقدم به للبرلمان يجب أن " يشفع بتقرير تعرض فيه الخطوط العريضة للتوازن الاقتصادي والمالي والنتائج المحصل عليها والآفاق المستقبلية والتغيرات التي أدخلت على المداخيل والنفقات، وتلحق بالتقرير المذكور وثائق
تتعلق بنفقات الميزانية العامة وبعمليات الحسابات الخصوصية للخزينة وبمرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة وبالمؤسسات العمومية ..
يحال المشروع في الحين إلى لجنة تابعة للمجلس المعروض عليه الأمر قصد دراسته"
لكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف يتم تقسيم السبعين يوما بين المجلسين المكونين للبرلمان ؟. سرعان ما تجيب المادة 34 بالقول:
"يبت المجلس المعروض عليه الأمر أولا في مشروع قانون المالية داخل أجل الثلاثين يوما الموالية لإيداعه.
تعرض الحكومة ، فور التصويت على المشروع أو عند انصرام الأجل المنصوص عليه في الفقرة السابقة، على المجلس الأخر النص الذي تم إقراره أو النص الذي قدمته في أول مرة مدخلة عليه إن اقتضى الحال التعديلات المصوت عليها في المجلس المعروض عليه الأمر والمقبولة من طرف الحكومة
يبت المجلس المعروض عليه الأمر ثانية في المشروع داخل أجل الثلاثين يوما الموالية لعرض الأمر عليه".
مرة أخرى ما الذي يقع عندما لا يصوت على مشروع قانون المالية من طرف المجلسين ؟ يضيف نفس النص : " إذا لم يتأت إقرار مشروع قانون المالية بعد مناقشة واحدة في كلا المجلسين، يجوز للحكومة أن تعلن حالة الاستعجال وتعمل على اجتماع لجنة ثنائية مختلطة من أعضاء المجلسين يناط بها اقتراح نص بشأن الأحكام التي مازالت محل خلاف وذلك داخل أجل لا يزيد على سبعة أيام من يوم عرض الحكومة الأمر عليها.
ام تعرض الحكومة النص الذي تقترحه اللجنة الثنائية المختلطة والمقبول من طرفها على المجلسين لإقراره داخل أجل لا يزيد على ثلاثة أيام، ولا يجوز في هذه الحالة قبول أي تعديل إلا بموافقة الحكومة.
و إذا لم تتمكن اللجنة الثنائية المختلطة من اقتراح نص مشترك أو إذا لم يقر المجلسان النص الذي اقترحته، تعرض الحكومة على مجلس النواب مشروع قانون المالية بعد أن تدخل عليه عند الاقتضاء ما تتبناه من التعديلات المقترحة خلال المناقشة البرلمانية، وفي
هذه الحالة لا يمكن لمجلس النواب أن يقر نهائيا النص المعروض عليه إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم ".
وتنص المادة 37 على أنه :"يصوت على أحكام قانون المالية مادة فمادة".
"ويجري - حسب المادة 38 - في شأن تقديرات المداخيل تصويت إجمالي فيما يخص الميزانية العامة و ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة وتصويت عن كل صنف من أصناف الحسابات الخصوصية للخزينة ".
"كما يجري - حسب المادة 39 - في شأن نفقات الميزانية تصويت عن كل باب وعن كل فصل داخل نفس الباب.
يجري في شأن نفقات ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة تصويت إجمالي بحسب الوزارات أو المؤسسات التابعة لها هذه المرافق.
يصوت على نفقات الحسابات الخصوصية للخزينة بحسب كل صنف من أصناف هذه الحسابات "
الفقرة الثانية : حدود سلطات البرلمان
إذا ما قورن المغرب بتجارب مقارنة فان برلمانه لا يتوفر إلا على سلطات ضيقة في ممارسة اختصاصاته بخصوص قانون مالية السنة .
- فهو لا يتوفر على سلطة واسعة فيما يرجع لتعديل مشروع قانون المالية إذ القانون التنظيمي ينص على أنه لا يمكن إيداع ای تعديل أو تدبير يرمي إلى تخفيض الموارد العمومية أو إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود طبقا للفصل 51 من الدستور السابق، لكن الجديد بالنسبة لهذا الحد هو أن الدستور الحالي عوض هدا الفصل، بالفصل 77 الذي ينص على أنه :" يسهر البرلمان والحكومة على الحفاظ على توازن مالية الدولة وللحكومة أن ترفض بعد بيان الأسباب المقترحات والتعديلات التي تقدم بها أعضاء البرلمان اذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية أو إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود ".
و بالتالي فان سلطة التعديل التي يتمتع بها البرلمان تقتصر فقط على الزيادة في الإيرادات و التخفيض من النفقات. و يظهر من هنا أن البرلمان تقصر يده في إقرار ما تقتضيه المصلحة العليا للمجتمع التي ليست دائما مختزلة في تحقيق موارد مالية فقط، بل إن الرهان الاجتماعي حاضر و يجب أن يحضر بقوة في اعتبار من يمثل المواطنين.
انه الشيء الذي يجعل سلطة الحكومة تنفرد باحقية تحضير و إعداد ما يبرم العيسر داخل المجتمع.
- تتوفر الحكومة على إمكانية مطالبة البرلمان بإجراء تصويت واحد على مشروع قانون المالية برمته بمعنى أن الأمر يكون استثناء لما من المفروض أن تكون عليه مسطرة التصويت. ومعلوم أن مسطرة التصويت الواحد هي حرمان للبرلمان من مناقشة المشروع في جزئياته. ومن تم إعاقة هذا الأخير من القيام بوظيفتيه التشريعية والرقابية.
- و تستطيع الحكومة أن تصعد في تكثيف الضغط على البرلمان و تطلب منه منحها الثقة بحيث يتقدم الوزير الأول بالمشروع و يربط الموافقة عليه بمواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها ، و معلوم انه لا يمكن سحب الثقة أو رفض النص إلا بالأغلبية المطلقة الأعضاء البرلمان الشيء الذي يصعب تحققه. و أن سحب الثقة يعرض الحكومة للاستقالة الجماعية
- لا يحق التصويت على الجزء الثاني من الميزانية قبل التصويت على الجزء الأول المتعلق بالتوازن المالي و التقديرات الإجمالية بينما يتعلق الثاني بتقسيم هذه التقديرات على الوزارات و المصالح . وهو حد يقلص من هامش البرلمان في التدخل، لان التصويت على الجزء الأول يؤدي إلى وضع سقوف لا يمكن للبرلمان أن يتجاوزها في الجزء الثاني ، وانه من الناحية المبدئية اذا قبل البرلمان الجزء الأول يصعب عليه عدم قبول الجزء الثاني، الذي لا يعني سوى توزيع مبالغ الجزء الأول على الثاني.