-->
U3F1ZWV6ZTczODgxNjA1NzJfQWN0aXZhdGlvbjgzNjk3NjY4OTI5

القوة التبوتية للمحررات في ضوء القانون المغربي


www.droitpressse.com

القوة التبوتية للمحرر في ضوء القانون المغربي 

تعتبر الكتابة من أبرز وسائل الإثبات إذا ما تمت مقارنتها
بباقي وسائل الإثبات الأخرى المنصوص عليها في الفصل 404من ق.ل.ع وهي
إقرار الخصم، وشهادة الشهود والقرائن، واليمين...وعليه، يمكن أن نعتبر الكتابة أهم
وسيلة من وسائل الإثبات، فهي لها قوة مطلقة في الإثبات في جميع الوقائع القانونية
سواء كانت تصرفات قانونية أو أعمال مادية.
أما في المغرب، فقد اهتم المشرع المغربي كغيره من التشريعات بوضع أحكام تتعلق
بتقنين المجال المتعلق بتوثيق العقود وإضفاء الرسمية عليها، هذه المهمة أوكلها
المشرع بفئة الموثقين بمقتضى قانون ، 32.09وكذا بفئة العدول المنظمة بمقتضى
قانون 16.03المتعلق بخطة العدالة 2 إلى جانب كل موظف عمومي أو مكلف بخدمة
عامة.
 ما المقصود بالوثيقة الرسمية ؟ وما هي الشروط المتطلبة قانونا في المحرر لإضفاء الرسمية عليه ؟ كيف يتم الطعن بالزور في المحرر الرسمي ؟ وهل حجية المحرر الرسمي مطلقة بمعنى لا يمكن زوالها؟
المبحث الأول: مفهوم الورقة الرسمية وشروط صحتها
المطلب الأول: مفهوم الورقة الرسمية
المطلب الثاني: شروط صحة الورقة الرسمية جزاء تخلفها
المبحث الثاني: حجية المحررات الرسمية وطرق الطعن فيها
المطلب الأول: حجية المحررات الرسمية
المطلب الثاني: الطعن بالزور في المحررات الرسمية


المبحث الأول: مفهوم الورقة الرسمية وشروط صحتها


تعد المحررات الرسمية أهم وسائل الإثبات المقررة في التشريع المغربي، وقد
نص المشرع المغربي في الفصل  418 من ق.ل.ع على تعريف الورقة الرسمية،
وحدد الشروط والشكليات الواجب توافرها فيها.
(المطلب الأول) مفهوم الورقة
الرسمية

(المطلب الثاني) على شروط صحتها
المطلب الأول: مفهوم الورقة الرسمية
للوقوف على ماهية الورقة الرسمية سنقوم من خلال هذا المطلب إلى تعريفه في
التشريع المغربي والمقارن وكذا تعريفه من المنظور الفقهي وذلك في إطار الفقرة
الأولى، على أن نخصص الفقرة الثانية لتمييز المحرر الرسمي عن المحرر العرفي.
الفقرة: تعريف المحرر الرسمي
ينص الفصل 418 من ق.ل.ع على أن " الورقة هي التي يتلقاها الموظفون العموميون
الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدد القانون،
وتكون رسمية أيضا:
-1
الأوراق المخاطب من القضاة في محاكمهم
-2
الأحكام المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم
وعليه، يمكن القول إن محاضر المحكمة ووثائق الزواج والطلاق وشهادة الميلاد
والرسوم القضائية وغيرها من الوثائق المستخرجة من الجهات المختصة تعتبر أيضا
أوراقا رسمية.3
يتضح من خلال الفصل أعلاه أن الصفة الرسمية للمحررات لا تكتسب إلا عند
تحريرها بمعرفة موظف عمومي وبمفهوم المخالفة، فالمحررات التي يحررها
الأشخاص غير الموظفين العموميين لا تكتسب الصفة الرسمية مما يطرح إشكالا كبيرا
فيما يتعلق برسمية محررات الموثق العصري، وكذا العدول باعتبار المشرع المغربي
نزع صفة الموظف العمومي عن الموثق بمقتضى القانون 32.09المنظم لمهنة
التوثيق العصري، حيث اعتبر مهنة التوثيق مهنة حرة، وقد كان صائبا في ذلك نظرا
لكون الموثق في الواقع ليس موظفا عموميا بالمعنى المتعارف عليه في قانون الوظيفة
العمومية المؤرخ في 1958إلا أنه رغما عن ذلك فقد أعطى المشرع للمحررات
الصادرة عن الموثق الصفة الرسمية وأعترف لها بالحجة والقوة الثبوتية ولا يمكن
الطعن فيها إلا بسلوك مسطرة الزور.4
وعموما يمكن القول بأن المحرر يكتسب الصبغة الرسمية إذا ما تم تحريره من
طرف موظف عمومي أو شخص له صلاحية التوثيق (كالموثقين والعدول).
أما المشرع المصري فقد نص في المادة 10من قانون الإثبات المصري، على أن
"
المحررات الرسمية هي التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة
ما تم على يديه، أو ما تلقاه من ذوي الشأن، وذلك طبقا للأوضاع القانونية، وفي حدود
سلطته واختصاصيته، فإذا لم تكتسب هذه المحررات صفة رسمية فلا يكون لها إلا
قيمة المحررات العرفية، متى كان ذوو الشأن قد وقعوها بإمضاءاتهم أو بأختامهم أو
ببصمات أصابعهم.
يتضح لنا من خلال المادة أعلاه، أن المشرع المصري قد حدد المحررات
الرسمية في تلك التي تصدر عن موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة يثبت فيها
ما عاينه أو ما تلقاه ذوو الشأن في حدود سلطته وصلاحياته التي حدد له القانون.
المحرر الرسمي هو المحرر الذي يثبت فيه موظف عام أو شخص مكلف بخدمة
عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوو الشأن.5
وهكذا يكون المشرع المصري قد تفادى الإشكال الذي وقع فيه المشرع المغربي في
إطار الفصل 418من ق.ل.ع المذكور سلفا، فيما يتعلق بتحديد الجهات الموكول لها6
توثيق المحررات الرسمية حيث نص إلى جانب الموظف العمومي على الشخص
المكلف بخدمة عامة.
وفي التشريع الفرنسي فقد ثم تعريف الورقة الرسمية في المادة 1317من القانون
المدني الفرنسي بأنها " الورقة الرسمية هي التي يتلقاها وفقا للأوضاع الشكلية موظف
عام له حق التوثيق في الجهة التي كتبت فيها الورقة"6
بمقارنة هذا التعريف الذي وضعه المشرع الفرنسي للمحرر الرسمي مع التعريف
الوارد في الفصل  418من ق.ل.ع المغربي، نقف عند صياغته للفصل 418من
ق.ل.ع تأثر إلى حد كبير بالقانون الفرنسي الذي أخذ بنفس التعريف، أما بخصوص
التعريف الفقهي فقد عرف الأستاذ أحمد نشأت المحرر الرسمي بأنه " تلك الورقة
الصادرة عن موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عمومية مختص بتحريرها من
حيث نوعها مكان التحرير حسب القواعد المقررة قانونا يثبت فيها ما تلقاه من ذوي
الشأن أو ما تم على يديه" ، وهو في نظرنا تعريف جامع مانع يحدد الجهات الموكول
لها تحرير الوثيقة الرسمية في إطار الاختصاص المكاني والنوعي حسب الأوضاع
التي يقررها القانون.
كما جاء في المادة 44من القانون 32.09يجب على الموثق أن يوقع العقد
فور أخر توقيع للأطراف، يكتسب العقد الصبغة الرسمية ابتداء من تاريخ توقيع
الموثق
حسب هذه المادة يكتسب العقد الصفة الرسمية بمجرد توقيع الموثق عليه، على
أن يكون أخر من يوقع ويقترن ويقترن توقيعه هذا بتاريخه، ومعنى هذا أنه قبل التوقيع
يبقى العقد مجرد بيانات وتصريحات ولا يكون له إلا القوة التي يعطيها له القضاء عند
وجود نزاع
كما جاءت المادة 48من القانون 32.09المنظم لمهنة التوثيق – تأكيدا لما نصت
عليه المادة 418من ق.ل.ع- لتبيان أن العقد الذي يحرره الموثق، وفقا للشروط
المشار إليها في مواد القانون المنظم لمهنة التوثيق، يكتسب الصبغة الرسمية حيث جاء
فيها " تكون للعقود والمحررات التي تنجزها وفقا لمقتضيات هذا القانون الصبغة
الرسمية المقررة في قانون الالتزامات والعقود
إلى جانب المحررات الرسمية الورقية هنالك محررات الكترونية رسمية ظهرت
نتيجة التطور الذي عرفه المجتمع، ونود الإشارة أن المشرع المغربي لم يقم بتعريف
المحرر الالكتروني وإنما اكتفى بتقرير مجموعة من المقتضيات التي تهم تحريره
والتقنيات المستعملة في ذلك وفقا للقانون ، 53.05وعموما يمكن تعريفها بأنها كل
الحروف والرموز أو الأرقام والعلامات التي تثبت دعامة الكترونية أو ضوئية أو
رقمية أو أية وسيلة أخرى مشابهة شريطة أن تعطي دلالة قابلة للإدراك.
كما يمكن تعريفها أنها عقود تبرم عن بعد لذلك فالحضور الشخصي للموثق في
مجلس العقد هو أمر مستبعد، إذا كان المجلس واحدا لما كانت الحاجة للعقد الالكتروني
أصلا.
الفقرة الثانية: تمييز الورقة الرسمية عن الورقة العرفية
المحرر العرفي هو المحرر الذي يكتب من قبل شخص ليس موظفا عاما وهنالك
شرطان يجب توافرهما في المحرر العرفي حتى تكون له حجية في الإثبات هما
الكتابة وتوقيع المحرر.
للتمييز بين الورقة الرسمية والورقة العرفية، يتطلب المقام أن نورد أبرز مكامن
الاختلاف، ويتعلق الأمر بالفروق على مستوى الشكل وأخرى على مستوى الحجية
في الإثبات.
أولا: التمييز من ناحية الشكل
يشترط في الورقة الرسمية أن يقوم بتحريرها موظف عام شخص أو شخص
مكلف بخدمة عامة موكول له مهمة التوثيق وتتم بكتابته إياها بنفسه أو بكتابة شخص
أخر عنه مع توقيع الموثق أو من له صلاحية التوثيق قانونا بإمضائه بحكم وظيفته،
في حين أن الورقة العرفية يقوم بتحريرها كل من له مصلحة فيها، من غير تدخل
الموظف العمومي أو من له صلاحية التوثيق بهذه الصفة ، ولا مانع أن تكون محررة
من طرف هذا الموظف إذا كان تحريره إياها بصفته الشخصية كأي شخص أخر يطلب
إليه، ذلك شريطة أن تحمل الورقة العرفية توقيع الأطراف الذين يلزم رضاهم
لصحتها
وبخلاف الورقة العرفية فقد حدد المشرع المغربي البيانات الواجب توفرها في
الورقة الرسمية (المادة )36 من القانون 32.09المنظمة لمهنة التوثيق العصري
فألزم الموثق بالتأكد من هوية الأطراف وصفتهم وأهليتهم ومطابقة الوثائق المدلى بها
إليه للقانون حسب المادة 1737من قانون 32.09كما حدد الشهود في المادة 1839
من نفس القانون، وأكد في المادة  41من قانون 1932.09على ضرورة خلو الوثيقة
" يحرر العقد تحت مسؤولية الموثق دون انقطاع أو بشر أو إصلاح في
صلبه أو إقحام أو كتابة بين السطور أو إلحاق أو تشطيب أو ترك بياض باستثناء ما يفصل بين الفقرات والبنود، وفي هذه
الحالة يوضع خط على البياض..."9
الرسمية من أي انقطاع أو بتر أو تشويش، بالإضافة الى ذلك ألزم على ضرورة
تحريرها باللغة العربية في المادة 20 42
ثانيا: التمييز من ناحية الحجية في الإثبات
تعتبر كل من الورقة الرسمية والورقة العرفية حجة على الكافة من حيث صدورها
من موقعها إلا أن الورقة العرفية لا تسقط حجتها إلا عن طريق الطعن فيها بالزور
أما الورقة العرفية فيكفي فيها إنكار الخط أو التوقيع.
أما بخصوص صحة ما ورد في المحرر الرسمي، فهنا يجب التمييز بين مسألتين:
-
أولهما أن ما علمه الموظف العمومي أو الموثق الموكول له صلاحية التوثيق أو
عاينه بنفسه، يعتبر حجة إلى حد الطعن فيها بالزور.
-
وثانيهما أن ما قرره الشخص المكلف بالتوثيق رواية عن الغير، فيجوز دحض
صحته بإثبات العكس وفق القواعد المقررة، وتاريخ الورقة الرسمية يعتبر صحيحا
إلى حد الطعن فيه بالزور.
وفي المقابل فان الورقة العرفية يجوز دحض صحة كل ما ورد فيها بإثبات
العكس، ولا فرق في ذلك بين ما قرر موقعها أنه علمه بنفسه، وما قرره رواية عن
الغير ، وتاريخ الورقة العرفية يكون حجة على موقعها فقط ولا يكون حجة على الغير،
إلا إذا كان تاريخا ثابتا.21
ويرجع أساس هذه القاعدة، إلى حماية الغير من أي خطر أو تواطؤ يمس
مصالحه، حيث يمكن للطرفين أن يتلاعبا بتاريخ الورقة العرفية فيقدم أو يؤخر
إضرارا بالغير 


المطلب الثاني: شروط صحة الورقة الرسمية وجزاء تخلفها
لصحة الورقة الرسمية، لابد أن تتوافر فيها مجموعة من الشروط التي تم
التنصيص عليها في الفصل 418من ق.ل.ع وكذا الفقرة الأولى من الفصل 22419
من ق.ل.ع والتي يترتب على تخلفها بعضها أو كلها بطلان الورقة .
الفقرة الأولى: صدورها عن موظف عمومي أو شخص مكلف بخدمة عامة
يجب أن تصدر الورقة الرسمية عن شخص له صفة الموظف العمومي أو
شخص له صلاحية التوثيق، وليس من الضروري أن تكون مكتوبة بخطه بل يكفي أن
يكون تحريرها صادرا باسمه ويجب على كل حال أن يوقعها بإمضائه.
وفي هذا الصدد نشير إلى أن الموظف العمومي، يراد به من تعينه السلطة الحاكمة
للقيام بعمل من الأعمال، ول كان لا يأخذ على ذلك أجرا، فكل موظف له صلاحية
كتابة ورقة ما، تصبح الورقة التي تولى تحريرها ورقة رسمية كيفما كان نوعها،
ما دام تحريرها داخل دائرة عمله،، ولا يشترط أن يكون محرر الورقة الرسمية
موظفا عموميا لدى الحكومة، بل يمكن أن يكون مجرد قائم على خدمة عمومية للناس
كالموثق العصري الذي يختص بتحرير صنف معين من الأوراق الرسمية، كعقود بيع
السكن الاجتماعي، عقود تفويت الصيدليات، عقود بيع السفن وغيرها، والعدول الذين
يحررون عقود الزواج والطلاق والإراثة وغيرها.
ويتم تثبيت نوعين من البيانات الأساسية في المحرر الرسمي، ويتعلق الأمر
بالبيانات التي تمت على يد الموكول له صلاحية التوثيق، حيث يقوم بتثبيت مجموع
الوثائق التي وقعت تحت نظره، وبمعاينة منه خاصة التصرف الذي يوثقه فيثبت
حضور ذوي الشأن، وحضور الشهود وذكره لأسمائهم وتاريخ تحرير المحرر،
وتلاوته الصيغة الكاملة للمحرر ومرفقاته، مع بيانه الآثار القانوني المترتب عليه
وتوقيه من لدن الشهود وذوي الشأن.
كما يشترط أيضا لصحة المحرر الرسمي أن يكون الموظف أهلا لتوثيقه ولا يقصد
بهذه الأهلية، تلك التي مناطها التمييز والإدراك، بل إن الأمر ينصرف إلى جملة من
الموانع القانونية التي إذا ما تحقق إحداهما، جعل الموثق غير مؤهل لتحرير المحرر
وفي هذا الإطار يمنع على المهني محرر العقود، أن تكون له أي مصلحة في
محرر يباشر فيه مهامه، أو أن يرصد لحسابه أموالا يكون قد أؤتمن عليها، كما يمنع
عليه أيضا أن يشارك في العقود التي ينجزها سواء لنفسه أو لحساب زوجه أو أصوله
أو فروعه إلى الدرجة الرابعة، أو يقتني حقوقا منازعا فيها باشر إحدى إجراءاتها
وذلك لنفسه أو لحساب زوجه أو أصوله أو أقاربه إلى الدرجة الرابعة
ثانيا: اختصاص الموظف أو الموثق بتحرير الوثيقة
لا يكفي لكي يكون المحرر رسميا أن يتم بواسطة موظف عمومي أو موثق مؤهل
لمزاولة مهامه، بل لا بد بالإضافة الى ذلك مختصا بكتابة المحرر من حيث موضوعه
ومكان وزمان تحريره، أي أن تكون له ولاية موضوعية على المحرر الذي وثقه وأن
تكون هذه الولاية في المكان والزمان الذي حرره فيه.
-
الاختصاص النوعي أو الموضوعي
يجب على الموثق أن يكون مختصا بتحرير المحرر من حيث الموضوع، فالمشرع
سمح له بممارسة عملية التوثيق داخل اختصاصه النوعي، ولا يحق له ممارستها
خارجه، فلا يسوغ مثلا للموثق العصري أن يقوم بكتابة محرر يتعلق بالحالة المدنية
أو عقد الزواج، لأن هذا الأول يدخل في اختصاص ضابط الحالة المدنية والثاني جعل
المشرع من اختصاص العدول المنتصبين للإشهاد، وإذا حصل أن أثبت الموثق بيانات
تخرج عن اختصاصه الموضوعي وعن طبيعة عمله كما إذا ذكر في العقد أن
المتعاقد متمتع بقواه العقلية، فإن إثبات هذه الواقعة لا تدخل ضمن اختصاصه
أمينة ناعمي " توثيق التصرفات العقارية على ضوء الحقوق العينية واجتهادات محكمة النقض" مقال منشور بمجلة القبس
المغربية للدراسات القانونية والقضائية العدد الخامس، يوليوز 2013ص 119
الموضوعي بل يعود الاختصاص فيها الى الطب ولا يكون لها بالتالي الحجية
المنصوص عليها بالنسبة للورقة الرسمية.28
وفي هذا الصدد صدر حكم المحكمة الابتدائية للدار البيضاء 29يبين إحدى الحالات
التي تجاوز فيها الموثق نطاق اختصاصه النوعي ، حيث تقدم أحد الأطراف بمحرر
عرفي لإثبات ما يدعيه، وقد تمت المصادقة على صحة توقيعه من قبل أحد الموثقين
متجاوزا بذلك نطاق اختصاصه النوعي والمحكمة لم تنتبه إلى ذلك مع العلم أن مهمة
الإشهاد على صحة الإمضاءات أناطها المشرع بموظفين معينين، فالمشرع وإن سمح
للموثق بكتابة المحررات العرفية فقد أحاط ذلك ببعض الإجراءات منها أن يقدم
الأطراف طلبا كتابيا وصريحا بذلك الى الموثق وأن يقوم هذا الأخير بإطلاعهم على
مزايا وفوائد المحررات الرسمية، فأمام غياب هذه المحررات، واكتفاء الموثق
بتصحيح توقيع أحد الأشخاص على محرر عرفي تم بواسطة كاتب عمومي، يكون قد
تجاوز نطاق اختصاصه، ومارس مهمة تصحيح الإمضاءات التي هي من اختصاص
رؤساء المجالس الجماعية الحضرية والقروية ورجال السلطة.30
-
الاختصاص الإقليمي أو الترابي
لا يكفي أن يكون الموثق مختصا من حيث الموضوع، كما اشرنا إليه سابقا، بل
يجب أن يمارس هذا الاختصاص داخل الحيز الترابي الذي حدد حسب مقتضى الفصل
31418
من ق.ل.ع فلكل مكتب للتوثيق دائرة معينة يقوم في حدودها الموثقون بتوثيق
الأوراق الرسمية التي يطلب منهم توثيقها ولا يحق له ذلك خارج هذا الدائرة الترابية
وإلا تعرضت محرراته للبطلان كمحررات رسمية، ولا تبقى لها إلا قوة الورقة العرفية
إذا كانت تتضمن توقيعات الأطراف الذين يلزم رضاهم لصحة الورقة ،وهكذا إذن
نخلص الى أنه لا يصح لموثق معين في جهة ان يحرر عقدا رسميا في جهة أخرى.
-
الاختصاص الزماني
إضافة إلى الاختصاص النوعي والمكاني الواجب توافرهما لصحة المحرر
الرسمي، استوجب المشرع أن يكون الموثق مختصا في زمن تحرير المحرر وذلك
بتوافر شرطين أساسيين هما أن يتم تعيينه وفق القانون للقيام بأعمال التوثيق من جهة،
وأن يقوم بتحرير المحرر فترة عمله.
فإذا قام الموظف أو من له صلاحية التوثيق بتحرير الورقة الرسمية خارج فترة
عمله أي بعد عزله أو وقفه أو انتهاء مدة عمله فان الورقة الرسمية تكون باطلة.
الفقرة الثانية: جزاء تخلف شروط صحة الورقة الرسمية
يترتب عن تخلف شرط صحة الورقة الرسمية بطلانها، إلا أنها قد تتجول إلى
ورقة عرفية إذا كانت موقعة من الأطراف، طبقا لنظرية تحول التصرف، المنصوص
عليها في الفصل 309من ق.ل.ع ،لكن هذا التحول مشروط بأن لا تكون الشكلية
شكلية انعقاد كما هو الأمر في التصرفات العقارية، كما لا يعتبر تاريخ الورقة الرسمية
الباطلة تاريخا ثابتا، حتى لو صلحت هذه الورقة الباطلة أن تكون ورقة عرفية
صحيحة.
ولا ينتج الباطل بقوة القانون بالنظر لفقدان شكلية انعقاد العقد أي أثر قانوني
باستثناء استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له، طبقا لأحكام الفصل 306من ق.ل.ع.
وهكذا جاء في قرار المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا بتاريخ  27ماي
" 1981
لكن حيث إن رسم الإقالة الذي اعتمده المدعيان لإثبات دعواهما لا علم به
،ولا يصح الاحتجاج به على الطرف الأخر لأمور منها أنه ينص فيه على أنه مرج
بكناش جيب العدل المتوفى الشاهد فيه، مع أن التنصيص على ما ذكر أوجبه الفصل
الثاني من الظهير الشريف المؤرخ ب 12رجب 1663المنظم للمحاكم الشرعية
ومنها أنه لم ينص بهامشه على تاريخ تضمين الرسم وعلى الرقم الذي الذي جعل
بكناش الرسوم مع التنصيص على ما ذكر في هذا الرسم يدل على أنه غير مدرج
بكناش جيب العدل الشاهد فيه وغير مسجل بأحد كنانيش المحكمة المنصوص عليها
في الفصل التاسع من هذا الظهير، مع أن تاريخ هذا الرسم جاء متأخر عن تاريخ
الظهير الشريف المذكور بما يزيد على ست سنوات، وبذلك فالصيغة الرسمية التي
تعطي للرسوم العدلية فقدها هذا الرسم بكونه جاء على خلاف الشكل الذي يحدده
القانون (الفصل 418من ق.ل.ع) كما انه لا يعتبر محررا عرفيا لعدم التوقيع عليه
من الطرفين ( الفصل 423من ق.ل.ع)38
لذلك فان الرسوم العدلية من الخطاب الذي يحمي دلالة أداء الشهادة أمام قاضي
التوثيق يعتبر موجبا لتجريدها من طابعها الرسمي، وفق ما جاء في قرار المجلس
الأعلى سابقا الصادر بتاريخ 2يونيو 1985الذي ورد فيه " لكن حيث إن رسم
الشراء المحتج به حرر من طرف شخص عرف به بأنه كان وقت تحريره عدلا،
غير أنه لم يؤد شهادته عند القاضي الذي عدله، فتبقى شهادته بدون أداء محض زمام
لا يصح الاحتجاج به، والمحكمة غير ملزمة بمناقشة حجة باطلة لأن الباطل لا يحتج
به.
والى جانب التصرفات التي يمكن أن تنطبق عليها نظرية التحول من الصبغة
الرسمية الصبغة العرفية للمحرر فإن هنالك من المحررات تلك التي لا يمكن الاعتداد
بها أصلا وذلك في التصرفات التي يحتم فيها القانون صفة الرسمية كالهبة، إذا لم يكن
الموهوب منقولا محوزا بالفعل، كالرهن العقاري وبيع السفينة فهذه التصرفات إذا
وثقت بمحرر غير رسمي فالمحرر باطل لا قيمة له ، وكذا الأمر بالنسبة للتصرفات
التي لا يشترط فيها القانون كونها رسمية ولكن المتعاقدين ألزم أنفسهما بتحرير العقد
الرسمي وجعلا كونه رسميا شرطا لنفاذه


المبحث الثاني: حجية المحررات الرسمية في الإثبات وطرق الطعن فيها

تقوم المحررات الرسمية والعرفية على حد سواء بدور بالغ الأهمية في ميدان
الإثبات، حيث تعتبر طريقا للإثبات القانونية والوقائع المادية دون تمييز، غير أنه إذا
كان التوثيق العدلي والعصري ينتجان محررات رسمية لا يطعن فيها سوى بطرقة
واحدة، حصرها المشرع المغربي في دعوى الزور الفرعية.
في هذا المبحث سنتطرق إلى حجية المحررات الرسمية في الإثبات (المطلب الأول)
باعتبارها حجية قاطعة وسنتطرق لطرق الطعن في هذه المحررات (المطلب الثاني).
المطلب الأول: حجية الورقة الرسمية
جاء الكتاب الأول من ظهير الالتزامات والعقود بعنوان الالتزامات بوجه في قسمه
السابع إثبات البراءة منها في فرعه الثاني الحديث عن الإثباتات بالكتابة في فقرته
الأولى عن الورقة الرسمية يقول الفصل " 419الورقة الرسمية حجة قاطعة، حتى
على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها
في محضره وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور." ونص الفصل 420من ق.ل.ع "الورقة
الرسمية حجة في الاتفاقات والشروط الواقعة بين المتعاقدين وفي الأسباب المذكورة
فيها وفي غير ذلك من الوقائع التي لها اتصال مباشر بجوهر العقد، وهي أيضا حجة
في الأمور التي يثبت الموظف العمومي وقوعها إذا ذكر كيفية وصوله لمعرفتها. وكل
ما عدا ذلك من البيانات لا يكون له أثر."
يتبين من دراسة هذين الفصلين أن الورقة الرسمية المستوفية لشروطها المستكملة
لبياناتها القانونية تتمتع بحجية قوية في الإثبات، فالتمسك بها تعفيه من عبء الإثبات
ولا تلزمه بإقامة الدليل على صحتها، وإنما يقع عبء نقضها على الطرف الذي شك
في صحتها.
وعليه فالورقة الرسمية تنطوي في مظهرها على قرينتين : قرينة بسلامتها المادية
وأخرى بصدورها من الأشخاص الذين وقعوا عليها من موظف وأطراف متعاقدة، ولا
يشترط في ذلك الا سلامة مظهرها الخارجي وعدم ظهور بواعث الشك والريبة في
مصدرها فان بدا منها ما يدل على أنها زورت كوجود كشط فيها أو حبر مختلف أو
محو أو تحشير أو نحو ذلك من العيوب المادية صار للمحكمة أن تقدر ما يترتب على
ذلك من إسقاط قيمة الورقة أو نقصها في الإثبات.41
والالتزامات تشمل الأطراف والغير، وهذا ما سيكون موضوع لهذا المطلب حيث
سنتناول حجية المحرر الرسمي بين الاطراف (الفقرة الأولى) وحجية المحرر الرسمي
في مواجهة الغير (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: حجية المحرر الرسمي


تعتبر الورقة الرسمية حجة ودليلا قاطعا على حصول التعاقد بحيث لا يستطيع أحد
الأطراف إنكار ما جاء فيها من جهة التوقيعات أو المحتويات إلا أن يدعي التزوير في
البيانات التي قام بها الموثق في حدود مهمته أو التي وقعت من ذوي الشأن في حضوره
وتتلخص الأمور التي يقوم بها الموثق في حدود مهمته في تأكده من هوية
المتعاقدين وتمام رضاهما وكمال أهليتهما، وفي تضمينه البيانات العامة للوثيقة من
تاريخ واسم الموثق ومكان التعامل وحضور الشهود والمترجم عند الاقتضاء ثم إشارته
إلى قراءة العقد وتوقيعه .
أما البيانات عن الأمور التي تقع من ذوي الشأن في حضور الموثق فأكثر يتعلق
بموضوع العقد الرسمي الذي قام بتوثيقه، فإذا كانت المعاملة بيعا مثلا فان الموثق
يثبت في الوثيقة صيغة التبايع وطريقة دفع الثمن وشروطه


الفقرة الثانية: حجية المحرر الرسمي للغير
لا يستطيع أحد أن يكذب ما جاءت به الورقة الرسمية من بيانات رسمية، فالصيغة
التي جاء بها الفصل " 419أن الورقة الرسمية حجة قاطعة حتى على الغير".
الأصل أن للورقة الرسمية حجية على الناس كافة، سواء كانوا أصحاب الشأن أو
غيرهم، إلى أن يتم الطعن فيها بالزور، ويضيف الفصل  419من ق.ل.ع بأن " إلا
أنه إذا وقع الطعن في الورقة بسبب إكراه أو احتيال أو تدليس أو صورية أو خطأ مادي
فإنه يمكن إثبات ذلك بواسطة الشهود وحتى بواسطة القرائن القوية المنضبطة المتلائمة
دون احتياج إلى القيام بدعوى الزور.
ويمكن أن يقوم بالإثبات بهذه الكيفية كل من الطرفين أو الغير الذي له مصلحة
مشروعة."
ويتضح من هذا الفصل أن الغير يلزمه للطعن في المحرر الرسمي التمييز بين النوعين
من البيانات التي يثبتها الموظف أو المكلف بالتوثيق في المحرر الرسمي ، وذلك وفقا
للتفصيل الوارد في الفقرة السابقة المتعلق ببيانات المحرر الرسمي، إذ أن النوع الأول
من هذه البيانات لا يطعن فيه إلا بالتزوير، في حين أن النوع الثاني يمكن الطعن فيه
بكل عيب يشوب التصرف القانوني من غلط وإكراه وتدليس ، إذ أن يمكن إثبات ذلك
بواسطة شهادة الشهود وحتى بواسطة القرائن القوية المنضبطة المتلائمة،، فمثلا لو
باع مدين منزلا بورقة رسمية وادعى دائنه (الغير) أن هذا البيع لم يصدر من مدينه
ليتمكن من تنفيذ حقه على المنزل الذي تم بيعه، فإنه لا يستطيع إنكار ما هو وارد
بالوثيقة الرسمية من أمور قام بها الموثق في حدود مهمته أو بيانات وقعت من الطرفين
في حضرته، إلا أن يدعي الزور، لأن حجية وثيقة البيع الرسمية حجة على الغير(
الدائن) مثلما هي حجة على المدين (البائع) وعلى المشتري كذلك إلا أنه يمكن للدائن
إنكار البيع في ذاته الذي أثبته الموثق دون تعرضه لأمانته أو صدقة، وذلك بادعاء
صورية البيع الصادر من مدينه، وله أن يثبت الصورية بالطرق المقررة قانونا ومنها
البينة والقرائن، دون الحاجة إلى الطعن بالزور


المطلب الثاني: الطعن بالزور في المحرر الرسمي


حسب منطوق الفصل 419من ق.ل.ع أن الورقة الرسمية حجة قاطعة، حتى
على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها
في محضره وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور، ويقصد بالتزوير حسب الفصل 351من
القانون الجنائي هو تغيير الحقيقة فيها بسوء نية، تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا متى
وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون، وبالتالي عندما نكون أمام
محرر رسمي متى قام وتأسس بشكل سليم، ومستجمعا لشروطه القانونية وكافة
مقوماته، آنذاك يصطبغ بالصبغة الرسمية ويصبح حجة قاطعة سواء بين أطرافه أو في
مواجهة الغير، وبالتالي لا يمكن الطعن فيه إلا عن طريق الطعن فيه (الفقرة الأولى)
الأمر الذي يتعين معه مراعاة مجموعة من الإجراءات وترتيب أثار قانونية (الفقرة
الثانية).


الفقرة الأولى: تعريف دعوى الزور وأنواعها
من خلال هذه الفقرة سنعمل الى تعريف دعوى الزور (أولا) ثم بعد ذلك سنعرض
لأنواع دعوى الزور (ثانيا).
أولا: المقصود بدعوى الزور
يقصد بالتزوير لغة الكذب، والباطل، لذلك أطلق التزوير على تزيين الكذب
وتحسينه ،45وفي الاصطلاح يقصد بالتزوير تغيير الحقيقة عمدا إما بالقول أو بالكتابة
بهدف خداع الغير واغتيال عقيدته.
أما في الاصطلاح القانوني فيراد به تغيير الحقيقة أيا كانت وسيلته وأيا كان موضوعه،
وهكذا فالتزوير في المحررات هو تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي
يراد إبقائها في مستند يحتج به تجاه الغير ،من شأنه إحداث ضرر مادي أو معنوي
لهذا الأخير .
يذهب الفقيه GARCONفي تعريفه لتزوير المحررات " تغير في محرر بقصد الغش
بإحدى الطرق التي عينها القانون تغييرا من شأنه أن يسبب في ضرر الغير " وأضاف
البعض الى هذا التعريف قيدا مفاده أن يكون تغيير الحقيقة منصبا على واقعة مما يصلح
لإثباتها.
يشكل تزوير المحررات الرسمية في القانون جريمة منصوصا عليها وعلى
عقوبتها في الفرع الثالث من الباب السادس المعنون ب " تزوير الأوراق الرسمية
والعمومية " حيث نصت المادة 351من ق.ج " تزوير الأوراق هو تغيير الحقيقة فيها
بسوء نية، تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا متى وقع في محرر بإحدى الوسائل
المنصوص عليها في القانون
باستقراء المادة أعلاه، يتضح أنه يشترط لقيام جريمة التزوير في المحررات الرسمية
أن يكون التغيير قد حصل على بيان من البيانات الجوهرية من شأنه إحداث ضرر
للغير أو احتمال وقوعه، فالقانون لا يكترث لمجرد الكذب المكتوب الذي لا يضار منه
أحد.
والواضح أن جل التعريفات التي أعطيت لتزوير المحررات في هذا الصدد تجمع على
المقصود بها هو تغيير الحقيقة في محرر عرفي كان أو رسمي بإحدى الطرق والوسائل
المحددة قانونيا، تغييرا ينصب على إحدى الطرق والوسائل المحددة قانونا، تغييرا
ينصب على إحدى البيانات الجوهرية لهذا المحرر والتي من شأنها إحداث ضرر لمن
استخدم ضده هذا الأخير.
ثانيا: أنواع دعوى الزور
كل خصم في الدعوى يحتج ضد مستند استخدم ضده في دعوى قائمة وأصلية أن
يدفع بزورية هذا الأخير (دعوى الزور الفرعية) أو يخشى الاحتجاج عليه بورقة
مزورة أن يخاصم من بيده تلك الورقة أو من يستفيد منه (دعوى الزور الأصلية.)
-1
دعوى الزور الأصلية
سميت بدعوى الزور الأصلية لأنها لا تكون تابعة لأي دعوى أخرى، بمعنى تكون
مستقلة، وتخضع بذلك لإجراءات المنصوص عليها في ق.م.م
وكذا المواد 584و 586من ق.م.ج.
تجدر الإشارة إلى أن دعوى الزور الأصلية إما أن تكون دعوى مدنية أو دعوى
جنائية
يتم تحريك دعوى عمومية المتعلقة بالزور من قبل النيابة العامة، باعتبارها الجهة
التي تتولى إقامة وممارسة الدعوى ومراقباتها ،هذا إلى جانب المطالب بالحق المدني
عن الادعاء المباشر أمام القضاء الجنائي، حيث أجاز المشرع صراحة لكل شخص
يدعي أنه تضرر من الجريمة أن ينصب نفسه مطالبا بالحق المدني، بحيث يترتب عن
هذا التنصيب تحريك الدعوى العمومية الجنائية والمدنية.
وعليه، تقام الدعوى عندما نكون بصدد التزوير في محرر رسمي ضد مرتكب التزوير
أو مشاركيه، وكذا ضد مستعمل المستند المزور بهدف إنزال العقاب الجنائي بالفاعل
وهدم حجية المحرر المطعون في صحته.
-2
دعوى الزور الفرعي
-3
يقصد بدعوى الزور الفرعي، تلك الدعوى العارضة التي تثار أثناء سريان
دعوى أصلية، قائمة عندما يقوم أحد الخصوم بالاستناد الى المحرر سواء كان عرفيا
أو رسميا لإثبات ادعائه فيقوم الطرف الأخر بالطعن بالزور
ثم إن موضوع دعوى الزور الفرعي هو إبطال مفعول مستند في دعوى قائمة فعلا
أمام المحكمة، وهذا الطلب لا يأخذ شكل دفع يثيره المحتج ضده بهذا المستند بل هو
طعن يجب أن يقدم في صورة عرضية ، هذا ما أكده المجلس الأعلى سابق في إحدى
قرارته " الادعاء بالزور ليس دفعا حتى يستدعي المحكمة الى القيام بأي إجراء بل هو
طعن يجب أن يقدم في صورة دعوى عارضة أو أصلية يكون منطقيا للقيام بالإجراءات
المنصوص عليها في القانون22
يترتب على القانون وجوب تقديمه في شكل مقال تؤدى عنه الرسوم القضائية وتعمد
المحكمة بعد ذلك إلى ضم المقال إلى الدعوى الأصلية والطعن بالزور الفرعي يمكن
أن يقدم في أية مرحلة من مراحل الدعوى الأصلية ابتدائيا أو استئنافيا أو أمام محكمة
النقض ،57في هذه الحالة تملك المحكمة السلطة التقديرية الواسعة في الأخذ بهذا الدفع
الطعن بالزور- أو من عدم الأخذ به خصوصا إذا تبين لها أن هذا المستند غير منتج
في الدعوى أو ظهر لها صحة المستند من مجرد الاطلاع عليه ومن وقائع الدعوى
ومستنداتها الأخرى.


الفقرة الثانية : إجراءات الطعن بالزور والآثار المترتبة عنه
سوف نخصص هذا الفقرة للحديث عن الإجراءات التي تتبعها دعوى الزور المدنية
(
أولا) بعد ذلك سنعرض للآثار المترتبة عن هذا الطعن (ثانيا).
أولا : إجراءات دعوى الزور المدنية
تتمثل هذه الإجراءات في
-1
تقديم طلب عارض بالزور
سبقت الإشارة إلى أن الطعن بالزور قد يقدم في شكل دعوى أصلية، أو في شكل
دعوى فرعية، لكن بالرجوع إلى النصوص القانونية المنظمة للطعن بالزور في
المحررات في ق.م.م يتبين أنها وصفت الزور الفرعي باعتباره طلبا عارضا يقدم في
صورة دفع يتم إثارته أثناء سريان دعوى أصلية قائمة ، مما يعني أنه يجب أن تراعي
في تقديم هذا الطلب نفس الشروط المتطلبة قانونا في رفع الطلبات الأصلية.
ولا يجوز أن يؤدي التقدم بالزور الفرعي بكونه طلبا عارض الى تأخير البت في
الطلب الأصلي متى كان هذا الأخير جاهزا للحكم فيه، حيث جاء في المادة 113من
ق.م.م " لا يمكن أن يؤخر التدخل والطلبات العارضة الأخرى الحكم في الطلب الأصلي
إذا كان جاهزا".
بناءا عليه يمكن القول ، أن كل خصم احتج عليه بمستند في دعوى مدنية يمكن
الإدعاء فيه بالزور ، سواء كان هذا المحرر عرفيا أو رسميا، أما فيما يخص إمكانية
إثارة الزور تلقائيا من لدن المحكمة التي تنظر في دعوى مدنية نجد غياب نص صارم
يقضي بذلك، إلا أن هذا الإشكال يجد ما يلطف من حدته، وذلك بأن ألزم المحكمة
بمقتضى الفصل 587من ق.ج إذا اكتشفت أثناء مباشرتها التحقيق في نزاع وجود
قرائن على إمكانية وجود الزور، تسمح – هذه القرائن- بمعرفة مرتكبيها، تعين على
المحكمة آنذاك إحالة السند إلى النيابة العامة.
في الأخير يبقى أن نشير إلى أن مقال الإدعاء بالزور يجب أن يتضمن البيانات
المنصوص عليها في الفصل  32من ق.م.م إذا تم تقديم الطلب في المرحلة الإبتدائية،
أو البيانات المنصوص عليها في الفصل 142من نفس القانون خلال مرحلة الاسئتئناف
، بحيث إذا كانت غير تمامة أو وقع إغفالها أمكن للقاضي المقرر أو القاضي المكلف
بالقضية أن يطلب تحديدها وكذا الإدلاء بنسخ المقال الكافية داخل أجل يحدده تحت
طائلة الحكم بعد قبول الطلب
-2
توجيه إنذار إلى الأطراف المتمسك بالمستند المدعى فيه بالزور
بعد أن يقوم أحد الأطراف بتقديم طلب عارض في دعوى أصلية مستوف لكل الشروط
والبيانات التي حددها القانون لصحة قبول الطلب شكلا، آنذاك على القاضي أن ينذر
الطرف الذي قدم المحرر او الورقة، ليصرح ما إذا كان ينوي استعمالها أو لا.
بالرجوع إلى الفصل 92و 93من ق.م.م يتضح أنه بعد أن يقوم القاضي بتوجيه
إنذار الى الطرف الذي تقدم بالمحرر محل دعوى الزور الفرعي للبحث عما إذا كان
هذا الأخير ينوي التمسك بها من عدمه، الأمر لا يخرج عن ثلاث فرضيات:
-
الفرضية الأولى: عندما يصرح الطرف أنه تنازل عن استعمال المستند المطعون فيه
الزور، يتم تنحيته ومواصلة الدعوى الأصلية.
-
الفرضية الثانية: عندما ينذر القاضي المكلف بالقضية الطرف الذي تقدم بالمستند
المطعون فيه بالزور، لكن هذه الحالة التزم هذا الأخير بالصمت أي لم يصرح بشيء
بعد مرور ثمانية أيام من تقديم الطلب العارض، نحي المستند من الدعوى.
-
الفرضية الثالثة: منصوص عليها في الفصل  93من ق.م.م ففي هذه الحالة يصرح
الطرف الذي تم إنذاره أنه ينوي استعمال المستند، فيتعين على القاضي وقف البت في
الفصل في الدعوى الأصلية، ويأمر بإيداع أصل المستند داخل ثمانية أيام بكتابة الضبط،
بحيث إذا لم يقم بذلك أعتبر الطرف الذي أثار زورية المستند قد تخلى عن استعماله أما
إذا تم وضع أصل المستند بكتابة الضبط داخل ثمانية أيام، أجري القاضي التحقيق في
الطلب العارض المتعلق بالزور الفرعي.
-3
إيداع المستند المدعى فيه بالزور لدى كتابة الضبط
يشكل إيداع أصل المستند بكتابة ضبط المحكمة للبت في دعوى الزور الفرعي
إجراء يسبق انطلاق هذه الدعوى، وفور إيداع أصل المستند المدعى بالزور، بعد ذلك
يحرر محضر يصف فيه المستند مبينا حالته من حيث الجدة والقدم التمزق ووضوح
الكتابة وعدد اسطره ومحتواه، ونوع كتابته هل كتب بخط اليد أو الآلة وذلك بحضور
الأطراف بعد استدعائهم أو بحضور من ينوب عنهم، وبحضور النيابة العامة.
ثانيا: الآثار المترتبة عن الطعن بالزور في المحرر الرسمي
تختلف الآثار التي تترتب عن الحكم الفاصل في دعوى الزور بحسب ما إذا كان قد
قضى بوجود الزور من عدم وجوده وفي هذا الصدد سنحاول دراسة هذه الاثار كالأتي:
-1
حالة الحكم القاضي بوجود الزور
في البداية نشير الى أن التزوير الذي قع في وثيقة عرفية يكيف على أنه جنحة وينعقد
الاختصاص في هذه الحالة للمحكمة الابتدائية أما إذا تعلق الأمر بالتزوير في الوثيقة
الرسمية يكيف على أنه جناية، ينعقد الاختصاص بشأنها لغرفة الجنايات لدى محكمة
الاستئناف.
التقادم في جريمة التزوير يبدأ فيها من تاريخ ارتكاب الفعل الجرمي فمدته في الجنايات
خمس عشر سنة وفي الجنح أربعة سنوات.
وإذا قضت المحكمة بوجود الزور فان هذا الحكم يرتب أثار قانونية سواء بالنسبة
للأطراف أو بالنسبة للمستند المحكوم بتزويره كلا أو بعضا، أو بالنسبة للغير.
-
فيما يخص المستند
إذا صدر الحكم بتزويره كليا، فهو يفقد حجيته وقوته في الإثبات وتجريده من كل أثر
قانوني، وتبعا لذلك تحكم المحكمة باستبعاده من المناقشات ولا يمكن استعماله في
المستقبل سواء في الدعوى الجارية أمام القضاء أو بمناسبة دعوى لاحقة، بالإضافة
الى ذلك قد تحكم المحكمة بإتلاف المحرر المزور.
أما إذا كان الحكم قد قضى بأن التزوير قد لحق جزء فقط من المستند فان البيانات التي
قضت المحكمة بالزور بها هي وحدها التي تفقد قوتها في الإثبات.
-
فيما يخص الأطراف
بالرجوع إلى القواعد العامة فان الموثق في دعوى الزور التي قضت المحكمة بوجود
تزوير في المستند الذي حرره يتحمل مصاريف هذه الدعوى لفائدة الطرف المتضرر26
في حالة ثبوت الكيد والتعسف من جانب الموثق حسب ما نص عليه الفصل 77 من
ق.ل.ع إضافة إلى عقوبات تأديبية وجنائية للموثق
هذا فضلا على أنه تتم متابعة مستخدم الورقة المزورة طبق للقواعد المنصوص
عليها في إطار قواعد المسطرة الجنائية
-
فيما يخص الغير
نص الفصل  402 من ق.م.م أنه يمكن لمن له المصلحة الطعن بإعادة النظر ضد الحكم
الصادر عليه سلفا والذي بني على المستند المحكوم بتزويره.
تتحدد أجال تقديم طلب إعادة النظر في ثلاثين يوما من تاريخ التبليغ الحكم المطعون
فيه، يرفع بمقال تراعي فيه شروط وبيانات المقال الافتتاحي للدعوى.65
-2
حالة الحكم بعدم وجود الزور
في هذه الحالة يثبت عدم تعلق الزور بالمحرر المطعون فيه، تقضي المحكمة بذلك
ويعتبر السند صحيحا خاليا من أي تزوير إذ يكون بإمكانها الاستناد عليه للفصل في
الدعوى، ولا يبقى للطرف الأخر إثارته من جديد.

الاسمبريد إلكترونيرسالة