الرقابة القضائية على مشروعية قرارات المحافظ
مقدمة
يشكل العقار أهم عناصر الثروة بالنسبة للإنسان، بل أكثر من هذا هناك
من يقرن ملكية العقار بوجوده لكونه المحرك الرئيسي لمعظم المعاملات والأرض الصلبة،
لانطلاق المشروعات الاقتصادية والاجتماعية المنتجة، متى تم تأسيسه على رسوم عقارية
تعكس الحقيقة القانونية والواقعية للملكية الأجل هذه الغايات خص المشرع المغربي
كثيرا من تشريعات حق الملكية حيزا كبيرا من الحماية، انطلاقا من مبدأ عام وأساسي
يضمنه أسمى قانون البلاد وحتى تكتمل هذه الحماية فلابد من وجود
تنظيم خاص للملكية العقارية يحدد شكل العقار ومالكيه، ويبين حدود ملكيته والقيود
الواردة عليها، بالصورة التي تزرع الثقة في نفس المالك، وتوفر الأمن العقاري
والطمأنينة لمن يتعامل معه لذلك تم خلق نظام التحفيظ العقاري، حيث كان هذا النظام مزدوجا في هيكله، ومتنوعا في طبيعته، إذ يوجد نظام خاص بالعقارات غير المحفظة والمستمدة من مبادئ الشريعة الإسلامية، وبعض قواعد القانون
المدني، وأخر خاص بالعقارات المحفظة المنظم بظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ
العقاري، بظهير 2 يونيو 1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة، لكن
بصدور مدونة الحقوق العينية بمقتضى ظهير 22 نونبر 2011، أصبحت تسري أحكامها، على الملكية العقارية والحقوق العينية، المترتبة على العقار المحفظ والغير محفظ وفي حالة عدم وجود نص يرجع على قانون الالتزامات والعقود، فإن لم يوجد به نص
يرجع على الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي
والتحفيظ العقاري هو مجموعة من الإجراءات من الإجراءات القانونية والتقنية، الهدف منها تسجيل كل عقار على حدة، بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري يقيد بسجل خاص يضبطه بكل دقة، ويحدد مساحته وحدوده من كل جهة يبين طبيعته والحقوق العينية الواقعة عليه ومن هم أصحابها، ثم تقيد في هذا السجل - أول بأول - جميع المعاملات التي تقع على ذلك العقار بعد تحفيظه خوفي ضوء النصوص القانونية المؤطرة لنظام التحفيظ العقاري بالمغرب نشأت هيئات
إدارية بالمغرب مكلفة بإجراء التحفيظ على كافة الصعيد الوطني، تتمثل في مصالح
المحافظات العقارية .
هذه المصالح الإدارية يقف على رأسها موظفون إداريون هم المحافظون على الأملاك العقارية، والرهون الذين يعهد إليهم تطبيق نظام التحفيظ العقارية والمحافظ العقاري هو الرئيس التسلسلي لجميع الخلايا والمكاتب التي تتكون منها مصلحة المحافظة العقارية الذي يعين بقرار من وزير الفلاحة بناء على اقتراح من مدير إدارة المحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية ولقد جاء القرار الوزيري المؤرخ في 21 رجب 1337 الموافق ل 4 يونيو 1915 المنظم للمصالح ليؤكد هذه الوضعية ويزكيها
وفي هذا الإطار يعهد على هذا الموظف القيام بعدة مهام تتمثل في إصدار قرارات، سواء أثناء سريان مسطرة التحفيظ أو بعد تأسيس الرسم العقاري، وهي قرارات حددها المشرع تاركا له سلطة تقديرية واسعة بشأنها.
وتمثل الرقابة القضائية الضمان الحقيقي والفعال لمبدأ المشروعية، يتجلى
دورها في إخضاع تصرفات السلطات العامة للرقابة القضائية، هذه الأخيرة التي تشكل
ضمانة هامة وأساسية لحماية الحريات العامة للمواطنين، وإلزاما للإدارة بالخضوع
لحكم القانون.
كما فتح المشرع للمتضرر من قرار المحافظ الالتجاء إلى الطعن الإداري قبل طرق باب القضاء، فالمحافظ بصفته موظفا عموميا يخضع لرقابة رئيسة المحافظ العام
وتتجلى الرقابة الرئاسية التي يمارسها هذا الأخير على أعمال وتصرفات المحافظ الجهوي في شكلين: الرقابة السابقة على إجراء التصرف وتتضمن حق المحافظ العام في إصدار التوجيهات والإرشادات على المحافظ العقاري والرقابة اللاحقة على إجراء التصرف، وتهدف على التأكد من مطابقة هذه التصرفات مع مبدأ المشروعية ومدی ملاءمتها للقواعد القانونية المطبقة في نظام التحفيظ العقار ويستطيع المحافظ العام
ممارسة هذا النوع من الرقابة تلقائيا مع أعمال المحافظ، كما يمكنه أن يقوم بذلك
بناء على تنظيم يقوم به كل ذي مصلحة غير أن نوع الرقابة السالفة الذكر، لا يمكنها
أن تحقق الغاية المنشودة منها على أحسن وجه، لأنها لا تؤمن الحياد ولا الضمانات الكافية للمتقاضي لعدة اعتبارات.
لكن
المحافظ العام قد يرفض الاعتراف بالخطأ الذي وقع فيه أحد تابعيه، كما أنه ليس من
المنطق القانوني ولا من مقتضيات العدالة والإنصاف أن يكون المحافظ العام خصما
وحکما في نفس الوقت. الدي تبقي الرقابة القضائية أحسن وسيلة وأنجعها لمراقبة أعمال
وتصرفات الموظف العمومي، الذي أثقله المشرع بمهام جسام وجعله عرضة لمسؤولية شخصية
إذا تبث أنه اقترف خطا أحدث ضررا للغير فالقضاء هو الجهة المؤهلة لحماية أصحاب
الحقوق العقارية، ولاسيما إذا توافرت له الضمانات الضرورية التي تكفل له الاستقرار
في أداء وظيفته، والواقع انه كلتي الرقابتین
الإدارية والقضائية تهدف على إلزام المحافظ باحترام القواعد القانونية
المطبقة في مجال التشريع العقاري، وهذا أن الأساس الذي تستندان عليه واحد، ولكن
لكل واحد منها طبيعتها المتميزة عن الأخرى. غير أن ما يتوخاه المتقاضي من رقابة
القضاء لقرارات المحافظ ليس هو صدور الأحكام، وإنما ترجمة منطوقها على أرض الواقع، أي عن طريق تنفيذها دون أدني شك من جانب الإدارة، سواء كان هذا المتقاضي
شخص من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص
إشكالية الموضوع
إن الازدواجية الإجرائية بين مقتضيات القانون الخاص
ومقتضيات القانون العام، وكذا الازدواجية على مستوى الأجهزة المتدخلة في مراقبة
قرارات المحافظ العقاري شكلت منطلقا للعديد من التساؤلات
- ما هي الجهة المختصة في مراقبة قرارات المحافظ العقاري؟
ها تمتد رقابة القضاء لجميع القرارات التي يصدرها المحافظ العقاري؟
هل هناك إمكانية رفع دعوة التعويض عن الأضرار التي تنتج عن قرار المحافظ؟ وإن كان الجواب بنعم، فما هي أنواع الدعاوى المتاحة لذلك؟
- ما هي الجهة المختصة في دعاوى التعويض؟
هل هناك حدود لا يمكن للقضاء أن يتجاوزها؟
وإن كان كذلك فما مظاهر هذه الحدود؟
وتتلخص الإشكالية الجوهرية التي ستشكل الخط الرابط بين مختلف عناصر هذا البحث في: إلى أي مدى يمكن للقضاء مراقبة قرارات المحافظ العقاري؟