![]() |
نظام التحفيظ العقاري بالمغرب |
مقدمة
يعتبر العقار الدعامة الأساسية لتشجيع الاستثمار و استدامة التنمية و انعاش الحركة الاقتصادية لما يدره من فوائد وأرباح على الفرد أو المجتمع باعتباره أساسا متينا الانطلاق المشاريع الفلاحية و العمرانية و الصناعية و التجارية و الحرفية والمهنية و السياحية من جهة و باعتباره أحد الوسائل الكفيلة بتحقيق تنمية اقتصادية محققة للاستقرار السياسي و ضابطة للسلم الاجتماعي من جهة، و ذلك بالنظر إلى أن الملكية العقارية تضطلع بأهمية كبيرة في حياة المجتمعات باعتبارها أحد عناصر الثروة و مقاييسها و هي في ذات الأن تشكل مجالا خصبا لتضارب المصالح بين الأفراد و الجماعات. و لقد حاول المشرع المغربي أن يضع ترسانة قانونية
تتصدي لمختلف النزاعات التي قد تثيرها الملكية العقارية ، باعتبارها عنصر أساسي في
التنمية الاقتصادية والأمن الاجتماعي لذلك اختار المغرب منذ 1913 نظام التحفيظ
العقاري القائم على أساس الشهر العيني و هو نظام عقاري يقوم على أسس متينة تتوفر
فيها الضمانات و الطمأنينة للناس جميعا، ذلك أن استقرار المعاملات و ضمان سلامتها
و أمنها و تحقيق غايتها و مقاصدها لا يأتي إلا بوجود نظام قانوني قوي و متين يقوم على أساس الإشهار و العلنية و الثقة و الشفافية. و نظام التحفيظ العقاري المغربي هو مجموعة من القواعد القانونية و العمليات المتتابعة و المؤسسات المتكاملة البناء بدءا من وضع طلب التحفيظ و إيداعه و مرورا بإقامة رسم الملكية العقارية و انتهاء مختلف
التقييدات بالسجلات العقارية.
وقد حظي
هذا النظام باهتمام كبير من طرف الفقهاء لما له من فوائد بالغة الأهمية على
استقرار الملكية العقارية و ثبوتها، و تعيين العقار بشكل لا لبس فيه ، كما يسهل
تحريك قيمة العقارات و ما تمثله من قيمة اقتصادية عن طريق الرهون و الائتمان
العقاري و انعكاس ذلك على القطاعات الزراعية و التجارية و المصرفية، و بذلك تحظى
العقارات المحفظة بدور جد هام في التطور الاقتصادي و في تحريك عجلة التنمية
الاقتصادية نحو الأمام.
و هذا ما أكدته أعلى السلطات في البلاد جلالة الملك محمد السادس نصره الله في رسالته الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول موضوع « السياسة العقارية للدولة و دورها في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية »، في الصخيرات بتاریخ 8 و 9 دجنبر 2015 1437ه :«... لا يخفى عليكم أن العقار يعتبر عامل انتاج استراتيجي، و رافعة أساسية للتنمية المستدامة بمختلف أبعادها. و من ثم، فالعقار هو الوعاء الرئيسي لتجهيز الاستثمار المنتج، المدر للدخل و الموفر لفرص الشغل، و الانطلاق المشاريع الاستثمارية في مختلف المجالات الصناعية و الفلاحية و الخدماتية و غيرها... و عملا على تعزيز الأمن العقاري، و تحصين الملكية العقارية و الرفع من قيمتها الاقتصادية و
الائتمانية، فإنه يتعين العمل على مضاعفة الجهود من أجل الرفع من وتيرة التحفيظ
العقاري في أفق تعميمه على كافة التراب الوطني...».
و نظرا لهذه الأهمية التي يكتسيها نظام التحفيظ العقاري بجانبيه القانوني والهندسي و نظرا للدور الفعال الذي يقوم به في سبيل تحقيق هذه الأرضية الصلبة للملكية العقارية فإنه يكون منطقيا و ضروريا التعجيل بتعميمه و ذلك حتى تكتمل معرفتنا بالواقع العقاري
بجميع
تفاصيله و أشكاله و أنظمته و حتى يتحقق الاستقرار والأمن العقاريين الذين نتوخاه
على نطاق واسع. غير أن الاستمرار في تقديم مطالب التحفيظ بصفة
فردية سيجعل تحقيق هذا الهدف أمرا صعبا و بعيد المنال خصوصا و أن عملية التحفيظ هي اختيارية من حيث الأصل، لذلك يكون من الضروري التفكير في المساطر الجماعية للتحفيظ كآلية لتعميم نظام التحفيظ العقاري، طالما أن التشريع المغربي غير قادر في الوقت الراهن على جعل التحفيظ إجباريا وقد قام المشرع بتنظيم التحفيظ الجماعي في ظهير التحفيظ العقاري و ذلك في الفصل 16 منه، إلا أنه و نظرا لصعوبة تحقق شروط التحفيظ
الجماعي طبقا لهذا الفصل و كذلك نظرا لأهمية هذا النوع من التحفيظ و رغبة من
المشرع في النهوض بالعالم القروي و الذي يحظى فيه العقار بأهمية خاصة فقد سن
قوانين خاصة للتحفيظ الجماعي، و يتعلق الأمر بكل من ظهير 25 يوليوز 1969 المتعلق بالتحفيظ الإجمالي للأراضي الفلاحية2 الذي هو موضوع بحثنا، و ظهير 30 يوليوز 1962 المتعلق بضم الأراضي الفلاحية و إذا كانت الأهمية العملية لموضوع مسطرة التحفيظ
الجماعي تتجسد على أكثر من مستوى و ذلك من خلال مساهمتها في تعميم نظام التحفيظ
العقاري بوتيرة أسرع من المسطرة العادية ، و الاستفادة من مزايا التحفيظ العقاري،
والذي له دور جد مهم في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و في تحقيق الأمن و السلم
العقاريين. و بالتالي فإنه بقدر ما يظهر
لنا
الموضوع مثيرا تبرز صعوبة دراسته و لعل ذلك يعود بالأساس على قلة المراجع الفقهية
المتخصصة، هذا إضافة إلى قلة الاجتهادات القضائية التي تتعلق بهذا الموضوع و كذلك
صعوبة الحصول على بعض المعلومات و المعطيات من قبل الإدارات المعنية
هذا و يطرح موضوع «التحفيظ الجماعي كآلية لتعميم نظام التحفيظ العقاري» العديد من الإشكاليات تتمثل أساسا في :
- ماهية مسطرة التحفيظ الجماعي؟
- ما هي خصوصيات مسطرة التحفيظ الجماعي ؟
- ما هي المراحل التي تمر منها مسطرة التحفيظ الجماعي؟
- ما مدى فعالية مسطرة التحفيظ الجماعي في تعميم نظام التحفيظ العقاري؟
- ما هي العراقيل و الإشكالات التي تقف حجر عثرة أمام تعميم نظام التحفيظ العقاري؟ هذه الإشكاليات و غيرها هي التي ستكون
محور الدراسة في هذا البحث الذي ارتأينا تقسيمه إلى فصلين و ذلك على الشكل التالي :
الفصل الأول : التحفيظ الجماعي كمسطرة خاصة للتحفيظ العقاري
الفصل الثاني : دور مسطرة التحفيظ الجماعي في تعميم نظام التحفيظ العقاري