مقدمة
يتميز النظام
العقاري المغربي بتعدد أنواع الأراضي واختلاف أصناف الملكية العقارية، إذ لا يتعلق
الأمر بالازدواجية القائمة فقط على أساس التمييز بين عقار محفظ وعقار غير محفظ،
وإنما يتجاوز ذلك إلى وجود أنماط مختلفة ضاربة في أعماق التاريخ المغربي، وهذا
التعدد والتنوع أدى إلى تداخل على مستوى القواعد والقوانين المنظمة لهذه العقارات،
حيث يستقي بعضها مصدرها من الفقه الإسلامي، كما هو الشأن بالنسبة لنظام الوقف.
11111111111111111111
والوقف كمؤسسة
قانونية واجتماعية خيرية، تهدف تحقيق التضامن الاجتماعي، وإنفاق المال لفائدة
الفقراء والمساكين.
وقد استدل الفقهاء
المسلمون في تأصيلهم لشرعية الوقف على أدلة كثيرة من القراَن والسنة النبوية
الشريفة، منها قوله تعالى" للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر
ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون" وقوله عز وجل" لن تنالوا
البر حتى تنفقوا مما تحبون" أما في السنة النبوية فقد روي عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم "إذا مات ابن اَدم انقطع عمله
إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له"
ويعتبر وقف عمر بن
الخطاب رضي الله عنه من أوائل الأوقاف في الإسلام، وهو أول وقف موثّق بوثيقة مكتوبة، وقد بقيت هذه الوثيقة لسنوات طويلة، وورد
نصّها في بعض أمّهات الكتب ، وقد روي في قصته المشهورة عن ابن عمر رضي الله عنه، أن عمر بن الخطاب أصاب
أرضا بخيبر فأتى النبي عليه الصلاة والسلام يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله: إني
أصبت أرض بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه،فما تأمر به؟ قال"إن شئت حبست
أصلها وتصدقت بها" قال: فتصدق بها عمر أنه لا تباع ولا توهب ولا تورث. وتصدق
بها في الفقراء والقربى وفي الرقاب وفي سبيل الله والضيف، ولا جناح على من وليها
أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متمول.
أما في المغرب فقد حافظ الوقف ردحا طويلا من
الزمن، على طابعه الأصيل، بحيث ظلت له أحكامه المميزة ونظمه القانونية المستمدة من
الشريعة الإسلامية، وفق المذهب المالكي. وهو ماساهم في المحافظة على تلك الأحكام
والإحجام عن محاولة تطويعها إرضاء لأهواء خاصة، أو جريا وراء مقاصد تخالف الأحكام
الشرعية، ورغم خضوع المغرب للحماية فإن هذه الأخيرة استثنت المؤسسات الدينية
والأحباس من تدخلها وأبقت التصرف المطلق فيها لسلطان المغرب، وصدرت تبعا لذلك عدد
من الظهائر الشريفة يناهز عددها الأربعين في الفترة الممتدة من 1924، وطرق التصرف
في ممتلكاتها، فإن ذلك لم يحل دون سعي سلطات الحماية الحثيث، إلى استنزاف
الممتلكات الحبسية، ولم تدخر جهدا في استغلال وظيفة مراقبة الأحباس التي أنيطت بها
بموجب معاهدة الحماية، والتي كان القصد منها جعل إدارة الأحباس على علم بالأساليب
الإدارية الحديثة التي تفيدها في تطوير طرق تدبيرها، وأن يكون صلة وصل بينها وبين
الإدارات الفرنسية في المسائل ذات الصلة بالحبس، للتدخل في جميع الأمور المتعلقة
بمؤسسة الأوقاف. واستغلالها لخدمة سياستها الاستعمارية.
وبعد حصول المغرب على استقلاله في عام 1956،
استمرت الأوقاف في الخضوع لنفس الضوابط والأحكام المسطرة في تلك الظهائر الصادرة
خلال فترة الحماية، والتي أصبحت تعرف فيما بعد "الضوابط الحبسية"، مع
الرجوع لأحكام الشريعة الإسلامية المستمدة من الفقه المالكي في كل ما لم يرد فيها
بشأنه نص.
وانتقلت مؤسسة الوقف من نظارة النظار وبنيقة
الأحباس كما كان يطلق عليها خلال فترة الاستعمار إلى هيئة وزارية ضمن أول هيكلة
عصرية لحكومة مختصة بتسيير الشأن العام، وعرفت هذه الوزارة حينئذ ب "وزارة
الأحباس"، وكان ذلك خلال العهد الذي تولى فيه العلامة محمد المختار السوسي
شؤونها. ثم ضمت إليها فيما بعد وزارة الشؤون الإسلامية وأصبحت تعرف باسم موحد
"وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
ويعرف الوقف في
اللغة بأنه الحبس، ويقال وقفت كذا أي حبسته، ويقال وقفت الدار، أي حبستها في سبيل
الله.
أما اصطلاحا فقد عرف
على أنه ، حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف
مباح، وقيل عنه أيضا تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
وعرفه المذهب المالكي
بأنه " إعطاء منفعة شيء مدة وجوده، لازم بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديرا.
أما المشرع المغربي
فقد عرف الوقف بدوره في المادة الأولى من مدونة الأوقاف بأنه"كل مال حبس أصله
بصفة مؤبدة أو مؤقتة، وخصصت منفعته لفائدة جهة بر وإحسان عامة أو خاصة، ويتم
إنشاؤه بعقد، أو بوصية، أو بقوة القانون، ويكون الوقف عاما أو معقبا أو مشتركا ".
وانطلاقا من هذا
التعريف فإن الوقف ينقسم إلى ثلاثة أنواع:
-
الوقف العام: هو كل
وقف خصصت منفعته ابتداء أو ماَلا لوجوه البر والإحسان وتحقيق منفعة عامة.
-
الوقف المعقب هو كل ما وقف على ولد أو
عقب أو نسل أو ذرية المحبس أو غيره.
-
الوقف المشترك: هو
ما وقف ابتداء على جهة عامة وعلى شخص بذاته، أو عليه وعلى عقبه.
والوقف باعتباره
تصرف قانوني يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الأركان حددتها المادة 3 في الواقف
والموقوف عليه، والمال الموقوف، والصيغة.
إضافة إلى مجموعة من
الشروط التي ينبغي توفرها لصحة الوقف والتي تتحدد في شرطين هما الإشهاد على الوقف،
وحوز المال الموقوف قبل حصول المانع، ويقصد بالمانع موت الواقف أو إفلاسه.
ومن خلال ما تقدم
يتبين بأن الوقف كتصرف قانوني يتميز بخصوصيات من حيث إنشائه ومن حيث إبرام
التصرفات التي يمكن أن ترد عليه.
وباعتبار الوقف حقا
فقد أدرجه المشرع ضمن الحقوق العينية ويخضع لمدونة الأوقاف إضافة إلى القانون رقم
39.08 المتعلق بالحقوق العينية، اللذين حل محل القواعد التي كان يخضع لها الوقف
قبل المدونة والتي كانت تعاني من التعدد و التشتت إضافة إلى
أنها أصبحت متقادمة وعاجزة عن مسايرة الواقع الحالي، لذلك فقد كان
الحرص شديدا أثناء إعداد مشروع مدونة الأوقاف على أن يكون تنظيم الوقف فيها شاملا،
ومستدركا للنقص الذي عانت منه الأحباس قبل المدونة ، وبصدور هذه الأخيرة تم تجاوز كل جوانب القصور، وأصبح لدينا نص قانوني واحد
يجمع شتات أحكام الوقف بشتى أنواعه. وتم تطوير هذه الأحكام لتتوافق مع متطلبات
واقع الأوقاف الحالي، وحذفت كل المقتضيات القديمة والمتجاوزة. كل ذلك بأسلوب
قانوني محكم وواضح، وصياغة تشريعية تحترم ما هو متعارف عليه في هذا الصدد، وهي
مهمة ليست بالسهلة في مضمار تقنين أحكام فقهية المرجعية، بما يعنيه ذلك من تمايز
عن الأحكام المستمدة من المنظومة اللاتينية.
ومن ثمة فإن كل ما جاءت به المدونة الهدف منه
هو العمل على تحديد نظام عمل مؤسسة الأوقاف، ولاشك أن هذا له أهميته النظرية التي تتجلى في كون الوقف مؤطر بنصوص
قانونية حديثة، تمكنه من مواكبة التحولات الشاملة التي تعرفها بلادنا، وتراعي
خصوصياته المستمدة من أحكام الفقه الإسلامي. ذلك أن مدونة الأوقاف الجديدة، عملت
على تقنين وتجميع الأحكام المتعلقة به والواردة في الفقه الإسلامي بكيفية تحفظ له
الانسجام مع مكونات المنظومة التشريعية الأخرى
وتضفي عليه طابعا متميزا. أما فيما يخص أهميته العملية فتتجلى في الدور الذي يقوم به الوقف في تحريك العجلة الاقتصادية باعتباره ثروة وطنية وعنصرا فاعلا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد بالإضافة إلى الإشكالات التي يثيرها أمام القضاء، ودور هذا الأخير في حماية الممتلكات الوقفية والحد من النزاعات الناشئة عنها.
وتضفي عليه طابعا متميزا. أما فيما يخص أهميته العملية فتتجلى في الدور الذي يقوم به الوقف في تحريك العجلة الاقتصادية باعتباره ثروة وطنية وعنصرا فاعلا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد بالإضافة إلى الإشكالات التي يثيرها أمام القضاء، ودور هذا الأخير في حماية الممتلكات الوقفية والحد من النزاعات الناشئة عنها.
ومن خلال هذه الأهمية نطرح
الإشكالية التالية: إلى أي مدى استطاع المشرع من خلال المنظومة القانونية للوقف
التقليل من النزاعات المرتبطة بالممتلكات الوقفية؟
وللإجابة عن هذه الإشكالية سنقوم بالتفصيل في ذلك من خلال التصميم
التالي:
المبحث الأول: مستجدات مدونة الأوقاف في مجال
المنازعات العقارية والإدارية.
المبحث الثاني:
مستجدات مدونة الأوقاف في مجال المنازعات الكرائية
الفهرسة
مقدمة
المبحث الأول:
مستجدات مدونة الأوقاف في مجال المنازعات العقارية والإدارية
المطلب الأول: فيما يخص المنازعات
العقارية
الفقرة الأولى: بعض القواعد الإجرائية
الخاصة بالدعاوى الوقفية.
الفقرة الثانية: توجهات التشريع والقضاء
بشأن بعض المنازعات العقارية
المطلب الثاني: المنازعات
الادارية
الفقرة الاولى: خصوصية نزع ملكية الأحباس من اجل المنفعة العامة
الفقرة الثانية : المنازعات
الادارية المتعلقة بتصفية الاحباس المعقبة
المبحث الثاني : النزاعات الناتجة عن كراء الاملاك الوقفية
المطلب الأول :الاثبات في نزاعات الكراء
الوقفي و طرق الطعن:
الفقرة الاولى : اثبات عقد كراء الاملاك
الوقفية و النزاعات المثارة بشانه :
الفقرة الثانية : طرق الطعن في منازعات
الاملاك الوقفية
المطلب الثاني : الموقف القضائي من الملكية التجارية على الملك
الوقفي ومصير عقد الكراء الوقفي في إطار مساطر صعوبات المقاولة ومشاكله الجبائية
الفقرة الأولى : الموقف القضائي من الملكية التجارية على الملك
الوقفي
الفقرة الثانية : مصير عقد الكراء الوقفي في إطار مساطر صعوبات
المقاولة ومشاكله الجبائية
خاتمة :
----- التالي >