الحماية الجنائية لمستهلك الخدمات البنكية على ضوء القانون 103.12
مقدمة:
يعزز توافر درجة عالية من ثقة المستهلك بالسوق البنكي الذي يتميز بحسن
الأداء والشفافية في توفير الخدمات المالية، من فرص المحافظة على الاستقرار المالي
وتحقيق النمو من جهة، ويدفع من جهة أخرى للابتكار في الخدمات والمنتجات المالية. ويرتبط
تعزز الثقة، بوجود بيئة اقتصادية وتشريعات وهيئات رقابية فعالة تهتم بحماية المستهلك،
وتزداد أهمية ذلك في ظل التطور السريع في سوق المنتجات والخدمات البنكية، وما قد يتعرض
له المستهلك من خطر الاحتيال أو سوء المعاملة كنتيجة لعدم وجود رقابة كافية على مزودي
الخدمة أو المنتجات المالية
و قد اكتسب موضوع حماية الجنائية المستهلك في الخدمات البنكية أهمية كبيرة
و خاصة في ظل التحديات الراهنة التي تفرضها ظاهرة العولمة المتغيرة و المتسارعة، و
التي ألقت بظلالها على التعاملات المالية للعميل المستهلك، و تزداد تلك الأهمية في
ضوء تنوع و تطور الأدوات و المنتجات المالية الإلكترونية الحديثة المتاحة، الأمر الذي
تطلب معه النظر في مراجعة التشريعات و الإجراءات بما يكفل حماية حقوق العميل أو المستهلك
و منع الضرر الذي قد يقع عليه جراء تعامله بتلك المنتجات، و خاصة العميل الفرد باعتباره
الطرف أو الحلقة الأضعف في العلاقة التعاقدية مع المصارف و المؤسسات المالية
هذا وقد جاء القانون رقم
103.12في 196مادة موزعة على تسعة أقسام،
اهتم من خلالها المشرع المغربي على توضيح الإطار المؤسساتي وشروط منح الاعتماد لهذه
المؤسسات سواء ما تعلق منها بالمراقبة الخارجية أو الداخلية إلى جانب العقوبات التأديبية
والجنائية، وهو ما يؤكد أن اهتمام المشرع انصب بالأساس على توفير أكبر قدر من الضمانات
القانونية والمحاسبية التي ستمكن المؤسسات البنكية من مزاولة نشاطها بعيدا عن أي عراقيل
أو مخاطر ائتمانية قد تؤدي لا محال إلى زعزعة شريان الاقتصاد الوطني ولو كان ذلك كله
على حساب المستهلك
وإذا كان هذا القانون يوفر بعض الحماية القانونية للعملاء في علاقتهم بالمؤسسات
البنكية فإن هذه الحماية لا ترقى إلى ما هو مطلوب، فمفهوم العملاء أو الزبناء المعبر
عنه في القانون رقم 103.12لا يتماشى ومفهوم
المستهلك الذي يراد به ذلك الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته
غير المهنية خدمات معدة لاستعماله الشخصي أو العائلي، وبذلك تختلف الحماية المقررة
في القانون رقم 103.12عن القانون 31.08في كون الأولى حماية عامة تشمل المستهلك وحتى
المهني فيما تقتصر الحماية المقررة في القانون الثاني على المستهلك وحده
وعلى الرغم مما ذكرناه أعلاه فإن القانون رقم 103.12المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة
في حكمها، قد أٌقر مجموعة من المقتضيات التي بلا شك ستصب في تخويل المستهلك نوعا من
الحماية القانونية
أهمية الموضوع:
يكتسي هذا الموضوع أهمية قصوة لما له من أثار كبيرة على اقتصاد البلاد،
ولما لمستهلكي الخدمات البنكية من دور فعال في المنظومة المالية، لهذا وجب تضافر كل
من السلطات التشريعية والقضائية في وضع قوانين جزرية تقوم على حماية الطرف الضعيف وهو
المستهلك، من تعسف المؤسسة البنكية.
إشكالية الموضوع:
تتمثل إشكالية موضوعنا في الى
أي حد توفق المشرع المغربي في توفير الحماية الجنائية لمستخدمي الخدمات البنكية؟
ومن هذه الإشكالية تتفرع عليها
عدة تساؤلات:
- ما هي المحاولات الدولية في حماية مستهلك الخدمات البنكية؟
- وما مدى ملائمة القانون
103.12لقانون 31.08؟
- وما هو دور البنوك التشاركية في حماية المستهلك؟
- وما هي بعض الجرائم الجنائية المعاقب عليها المشرع المغربي حماية للمستهلك؟
منهج وخطة البحث:
سنحاول البحث في هذا الموضوع باعتماد المنهج المقارن والتحليلي من خلال
القوانين 103.12و 31.08والقانون الجنائي. وسنقسم
عرضنا هذا الى الشكل التالي
المبحث الأول: التوجهات العامة لحماية مستهلك الخدمات البنكية.
المبحث الثاني: العقوبات الجنائية على ضوء القانون 103.12
المبحث الأول: التوجهات العامة لحماية مستهلك الخدمات البنكية.
إن طبيعة التعامل وما يفرضه حسن النية في العلاقة العقدية بين المستهلك
والبنك يستوجب التدخل التشريعي والقضائي الدولي كما الوطني لضمان توازن هذه العلاقة
وحتى تتم حماية الطرف الضعيف.
لذلك سوف نتطرق في هذا المبحث، إلى التوجهات المقارنة لحماية لمستهلك الخدمات
البنكية (المطلب الأول)، على أن نخصص (المطلب الثاني) لملائمة القانون 103.12لقانون المستهلك .31.08
المطلب الأول: التوجهات المقارنة لحماية المستهلك في الخدمات البنكية.
سنتطرق الى بعض المبادئ الدولية الصادرة عن مجموعة العشرين من جهة، وتجارب
بعض الدول العربية من جهة أخرى.
الفقرة الأولى: الجهود الدولية في حماية مستهلك الخدمات البنكية
حظي موضوع حماية المستهلك باهتمام الدول والمؤسسات المالية الدولية منذ
سنوات عديدة، ومن المصارف المركزية العالمية السباقة في هذا الشأن، البنك الفدرالي
الاحتياطي الأمريكي 1الذي أصدر في عام
1968قانون الإفصاح في عمليات التمويل، تناول فيه مسائل الإفصاح عن التكلفة الفعلية
للإقراض. كما أصدرت السلطات البريطانية، قانون مماثل في عام 1974تمثل في قانون التمويل
الاستهلاكي. كما صدرت قوانين مماثلة لدى العديد من الدول، تناولت جوانب حماية المستهلك
في الخدمات المالية المصرفية
ومن أهم هذه الجهود، المبادئ العشرة الصادرة عن مجموعة العشرين في كان
في أكتوبر 2011حول هذا الموضوع، وذلك استجابة لدعوة وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية
في مجموعة العشرين، بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية، وفي مقدمتها مجلس الاستقرار
المالي ،2وهذه المبادئ تتمثل:
المبدأ الأول: يجب أن تكون حماية
المستهلك جزءا لا يتجزأ من الهيكل القانوني والتنظيمي والرقابي، بحيث يتعين أن تكون
تلك التشريعات الرقابية منسجمة مع طبيعة المنتجات أو الخدمات المالية وأنواعها المختلفة،
وبالشكل الذي يحفظ حقوق العميل.
المبدأ الثاني: يتعين وجود هيئات
رقابية ذات كيان قائم متمتع بالاستقلالية تعني بحماية المستهلك في تعاملاته المالية.
المبدأ الثالث: إن الإنصاف والصدق
والعدل في التعامل مع جميع المستهلكين الماليين واجب في جميع مراحل تعاملهم مع مقدمي
الخدمات المالية.
المبدأ الرابع: الإفصاح والشفافية في تزويد المستهلك بالمعلومات الرئيسية
التي تكفل إطلاع المستهلك بالمزايا والمخاطر والشروط الأساسية.
المبدأ الخامس: يتعين على جميع
الهيئات المعنية وذات الصلة تعزيز التثقيف والوعي المالي.
المبدأ السادس: مسؤولية السلوك
المهني لمقدمي الخدمات المالية والوكلاء المعتمدين في دعم وحماية المستهلك.
المبدأ السابع: حماية أصول المستهلك
من الاحتيال أو سوء الاستخدام. المبدأ الثامن: حماية بيانات وخصوصية المستهلك.
المبدأ التاسع: يتعين على السلطات القضائية أن تضمن حصول المستهلكين على
أليات توفر معالجة للشكاوي وتسويتها
المبدأ العاشر: يتعين تشجيع الأسواق الوطنية والدولية على التنافسية، وذلك
لتوفير المزيد من الخيارات للمستهلكين من بين الخدمات المالية.
وبالإضافة إلى هذه المبادئ العشرة، كان البنك الدولي قد أصدر في مارس 2011ورقة استرشادية تحت عنوان الممارسات السليمة
في مجال حماية المستهلك في القطاع المصرفي.
الفقرة الثانية: تجارب بعض الدول العربية
بعد قانون رقم 162لسنة
1957المتعلق بقانون البنون والإئتمان، وقانون رقم 120لسنة 1975المتعلق بالبنك المركزي المصري والجهاز
المصرفي، تم اصدار قانون 88لسنة 2003المتعلق
بقانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، والذي في بابه السابع على العقوبات الجزائية
والتي تشمل 18مادة أغلبها تصب حول حماية المتعاملين
مع هذه المؤسسات من مستهلكين
وبالنظر الى القانون التونسي عدد
48لسنة ،2016المتعلق بالبنوك والمؤسسات
المالية، فقد خصص الباب الأول في العنوان التاسع في العقوبات، والذي قسمه الى عقوبات
تأديبية، وضمن فيها 14فصلا على خلاف العقوبات
الجزائية في الباب الثاني والتي خصص لها فقط 3فصول والتي تعاقب كل شخص يمارس بصفة اعتيادية
أيا من العمليات البنكية دون الحصول على ترخيص مسبق، أو كل شخص غير مرخص له بصفة بنك
يستعمل عبارات بأية صورة من الصور من شأنها أن تحدث لبسا لدى الغير يوحي بممارسة النشاط
البنكي، وبهذا نجد الحماية الجنائية للمستهلك غير كافية في التشريع التونسي بل شبه
منعدمة
وتتميز تجربة بنك الكويت المركزي لشمولها على تعليمات وقواعد تناولت مختلف
جوانب حماية المستهلك في الخدمات المصرفية، بما في ذلك إنشاء وحدات لتلقي الشكاوي،
وكذلك تجربة بنك المغرب، الذي أصدر مجموعة من التعليمات الشاملة تناولت جوانب حماية
المستهلك، وذلك في إطار استراتيجية البنك لتعزيز الوصول للتمويل في المغرب
المطلب الثاني: ملائمة القانون البنكي 103.12لقانون .
31.08 يتميز القطاع البنكي بمركزه الحيوي داخل المنظومة الاقتصادية والمالية،
الذي جعله محط اهتمام مجموعة من الدارسين، وذلك راجع للتأثير الإيجابي الذي يمارسه
في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذا دوره الفعال في المساهمة بإمداد النشاط الاقتصادي
بالأموال اللازمة من أجل تنميته وتطويره من جهة، وتحقيق منافع للمتعاملين معه من جهة
أخرى.
ومع نمو واتساع النشاط الاقتصادي،
أصبحت مع ذلك العلاقات ما بين المؤسسات البنكية والمستهلكين متداخلة ومتشعبة، تكون
فيها المؤسسات البنكية ذات مركز قوة، الأمر الذي يجعل هذه العلاقات غير متكافئة وغير
متوازنة لذلك نشأت الحاجة إلى توفير الحماية اللازمة لهذا المستهلك باعتباره الحلقة
الأضعف في هذه العملية
هذا وقد صارت حماية المستهلك تدخل ضمن الالتزامات العامة للدولة فهي المسئول
الأول عن دفع كل الأخطار التي من شأنها أن تضر بمصالحه، وهو ما عبرت عنه المملكة المغربية
من خلال دستور 2011الذي جاء فيه " إن
المملكة المغربية...تواصل إقامة مؤسسات دولية حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية
والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة
والمساواة، وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم".
وحظي موضوع حماية المستهلك باهتمام المصارف المركزية والمؤسسات المالية
الدولية منذ سنوات عديدة، ومن المصارف المركزية العالمية السباقة في هذا الشأن، البنك
الفدرالي الاحتياطي الأمريكي الذي أصدر في عام
1968قانون الإفصاح في عمليات التمويل، تناول فيه كل ما يتعلق بتعاملات العملاء
مع المصارف والمؤسسات المالية، وتحديدا مسائل الإفصاح عن التكلفة الفعلية للإقراض.
كما أصدرت السلطات البريطانية، قانون مماثل في عام 1974 تمثل في قانون التمويل الاستهلاكي.
كما صدرت قوانين مماثلة لدى العديد من الدول، تناولت جوانب حماية المستهلك في الخدمات
المالية والمصرفية.
هذا الاهتمام الدولي زكته مجموعة
العشرين باعتمادها
المبادئ العامة حول حماية المستهلك في مجال الخدمات المالية وذلك في أكتوبر
.2011 مباشرة بعد ذلك عمل المشرع المغربي على إقرار القانون رقم 31.08يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك بعد طول
انتظار، والذي تناول مجموعة من الحقوق الأساسية.
الفقرة الأولى: مستجدات القانون رقم 103.12
جاء القانون رقم 103.12بمجموعة من المستجدات التي أخذت بعين الاعتبار
التحولات الاقتصادية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة، وما تخلل ذلك من أزمات
اقتصادية، الأمر الذي جعل اهتمام السياسات التشريعية تذهب في اتجاه واحد هو في إعادة
النظر في الكثير من الأمور، خاصة في مجال الرقابة المصرفية بما من شأنه أن يوفر بيئة
مصرفية أكثر أمن وفعالية.
هذا وقد جاء القانون رقم
103.12في 196مادة موزعة على تسعة أقسام،
اهتم من خلالها المشرع المغربي على توضيح الإطار المؤسساتي وشروط منح الاعتماد لهذه
المؤسسات سواء ما تعلق منها بالمراقبة الخارجية أو الداخلية إلى جانب العقوبات التأديبية
والجنائية. وبتصفح قانون المستهلك رقم
31.08نجد أنه قد تم تجزيئه الى 10أقسام
موزعة على 206مادة قانونية، تعتبر كلها إطار
مكملا للمنظومة القانونية في مجال حماية المستهلك
وتتجلى مظاهر ملائمة القانون
103.12المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها لقانون 31.08فيما يلي:
• أحقية المستهلك في فتح حساب بنكي بأي مؤسسة بنكية شاء.
• التنصيص على أن تحدد اتفاقية نموذجية الشروط الدنيا التي ستتضمنها اتفاقية
فتح الحساب، وهو ما من شأنه أن يضمن حماية الزبون من تعسف بعض البنوك في تحديد شروط
هذه الاتفاقيات.
• الحق في الاعلام أو الإخبار حيث يجب إعلام المستهلك بالشروط التي تطبقها
المؤسسات البنكية على عملياتها البنكية خاصة سعر الفائدة والعمولة، وإبلاغ العملاء
بكل إغلاق تقوم به لإحدى وكالاتها مع وجوب إخبارهم بكافة المعلومات المرتبطة بالوكالة
التي ستحول إليها حساباتهم، بل إن للزبناء الحق في اختيار البقاء من عدمه كعملاء لهذه
المؤسسة وذلك دون أي مصاريف.
• ضرورة توفير المؤسسات البنكية
لنظام داخلي يتلاءم مع حجمها وبنيتها وطبيعة أنشطتها، يمكن من معالجة فعالة وشفافة
لمختلف الشكايات التي ترد إليها من طرف المستهلكين ، وهو مستجد ينسجم مع المبدأ الأول
والتاسع من المبادئ العامة التي قررتها مجموعة العشرين المتعلقين بضرورة توفر أليات
رقابية وقانونية لحماية المستهلك من الانتهاكات والأخطار، وبإدارة ومعالجة الشكاوى.
• وجوب انضمام المؤسسات البنكية
إلى نظام وساطة بنكية يهدف إلى تسوية ودية للنزاعات القائمة بينها وبين عملائها، وقد
تم فعلا تبني هذا النظام كوسيلة بديلة لحل النزاعات البنكية، حيث تم إنشاء
المركز المغربي للوساطة البنكية وذلك تفعيلا
لمقتضيات هذا القانون وقانون 18 08.05المتعلق
بالتحكيم والوساطة والقانون 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
• تخصيص صندوق (الصندوق الجماعي
لضمان الودائع) لتعويض المستهلك في حالة عدم توفير ودائعهم أو جمع الأموال الأخرى القابلة
للإرجاع، نتيجة لعدم قدرة إحدى المؤسسات البنكية على إرجاع تلك الودائع بسبب مرورها
بصعوبات وأزمات مالية، وحسب المادة 129من القانون 103.12نص المشرع على دورين أساسين لهذا الصندوق،
أولا تقديم مساعدات ومعونات مالية للبنوك التي تواجه صعوبات وأزمات مالية، وثانيا تقديم
تعويضات لأصحاب الودائع، والمستجد في هذا الموضوع والذي سيكون له دور في توفير قدر
من الحماية للمستهلك، هو احداث شركة مسيرة يعهد إليها بتدبير هذا الصندوق الأمر الذي
سيمكنه من القيام بأدواره كما يجب، بالإظافة إلى أنه في حالة عدم كفاية موارد الصندوق
لتعويض أصحاب الودائع فإن للشركة المسيرة أن تطلب من المؤسسات البنكية المنخرطة اشتراكات
إضافية.
• مسؤولية المؤسسة البنكية عن إفشاء السر المهني إذ يتصدر هذا الالتزام
قائمة التزامات هذه الأخيرة، وتتعهد خلاله بعدم إفشاء الأسرار البنكية التي أودعها
المستهلك أو التي اطلعت عليها بفعل الممارسة المهنية وكل إخلال بهذا الالتزام يعرض
المؤسسة البنكية للمسؤولية، وهو ما يتوافق وحماية بيانات وخصوصية المستهلك باعتباره
مبدأ من المبادئ العامة التي قررتها مجموعة العشرين بخصوص حماية المستهلك في مجال الخدمات
المالية
الفقرة الثانية: البنوك التشاركية ودورها في تعزيز حماية المستهلك
من المستجدات التي جاء بها القانون
رقم 103.12في قسمه الثالث المتعلق بالبنوك
التشاركية، تكريس بعض الحقوق وإضفاء بعض المقتضيات الحمائية للمستهلك. نذكر منها:
1حق احترام الميول العقدي للمستهلك.
بعد ان كان المستهلك يجد حرجا
في التعامل بالفائدة نظرا لعدم توفر صيغ بديلة توافق رغباته وميوله العقائدي، وبالتنصيص
على ذلك في النصوص القانونية التي تناولت هذا الحق ومنعت التعامل بالفائدة بين المسلمين
بموجب الفصل 870من ق ل ع.
فإن خروج البنوك التشاركية ما هو إلا تكريس للفصل 870من ق ل ع، الأمر الذي يخول للمستهلك الحق في
احترام ميوله العقدي وقناعاته بالمعاملات التشاركية، وقد تعزز هذا الحق بموجب الفقرة
الثانية من المادة 54 من القانون ،103.12الى جانب المواد 62و 63و64
من نفس القانون المتعلقة بهيئات المطابقة
وهذه كلها ضمانات لحق المستهلك في التعامل بعيدا عن الربا، خلاف ما عليه
الحال بالنسبة لقانون حماية المستهلك
31.08والذي لم يشر إلى أي مقتضى من هذا القبيل بل العكس من ذلك نجده يولي حماية
خاصة بالنسبة للمنتجات التي تعتمدها البنوك التقليدية، مما أصبح معه ضرورة تعديل هذا
القانون حتى يتلاءم والمنتوجات التشاركية وبالتالي حماية المستهلك. .
2عدم الخضوع للإذعان.
في إطار ما تتميز به المؤسسات البنكية من احتكار للأنشطة البنكية فإنها
بذلك تفرض شروطها في علاقتها التعاقدية مع المستهلك، فما على الأخير سوى الإذعان للصيغ
التي تتعامل بها هذه المؤسسات، وبعيدا عن محاولة الاستنجاد بفكرة الشروط التعسفية المعمول
بها في قانون حماية المستهلك، نجد أن البنوك التشاركية والصيغ التي تعتمدها تتجه نحو
منح المستهلك هامشا من الحرية التعاقدية في معاملاتها وهو ما يتبين من خلال المواد ، 55و 56و58 من قانون ،103.12فغالبا ما نجد تكرار المشرع لعبارة
"المتفق عليها بين الأطراف أو مع العملاء" وهو ما ينفي فرضية العقد النموذجي
أو الإذعان الواسع التطبيق في البنوك التقليدية حيث يخضع المستهلك لشروط البنك.
وحسب المادة 58من نفس القانون،
يؤكد فيها المشرع على أن هامش الربح هو حصة متفق عليها بين البنك والزبون أي المستهلك
وليس نسبة مئوية كالفائدة، مما يدل على أن هامش الربح يخضع للمساومة وليس للإذعان،
وقد أكدت اللجنة الشرعية للمالية التشاركية هذا التوجه في رأيها بشأن مشروع منشور والي
بنك المغرب ، المتعلق بتحديد المواصفات التقنية الخاصة بمنتجات
التمويل التشاركي وكيفية تقديمها الى العملاء، حيث أكدت على ضرورة مراعاة قواعد التعاقد
القائمة على مبدأ التراضي وانتفاء أي صيغة للإجبار والإذعان بين البنك والعميل.
المبحث الثاني: العقوبات الجنائية على ضوء القانون 103.12
سنتطرق في هذا المبحث الى العقوبات
الجنائية لممارسة المهنة البنكية بدون الحصول على اعتماد مسبق (المطلب الأول)، على
أن نخصص (المطلب الثاني) الى مدى مسؤولية البنك عن افشاء السر المهني وسعر القرض.
المطلب الأول: ممارسة المهنة البنكية بدون اعتماد
يعتبر خلق وضع وهمي لمستهلك الخدمات البنكية حول مؤسسة ائتمان على أنها
معتمدة قانونا جريمة يعاقب عليها القانون البنكي في إطار الباب الثاني من القسم الثامن
المتعلق بالعقوبات التأديبية و الجنائية، وبالتالي فالنشاط البنكي لا يمكن ممارسته
طبقا للقانون إلا من قبل أشخاص معنوية يخضعون لتنظيم قانوني معين نظرا لما يحققه تسيير
المؤسسات البنكية وفق هذا التنظيم من ضمان لحقوق الزبناء، وبذلك لا يسمح بمزاولة أعمال
البنوك إلا المؤسسات التي تتوفر فيها القدرة المالية و التقنية الكفيلة بتمكينها من
الوفاء بالتزاماتها، و لتحديد حماية المستهلك من خلال ممارسة المهنة البنكية سنتطرق
من خلال هذا المطلب إلى إبراز ضوابط و شروط الخاصة بممارسة المهنة البنكية ( الفقرة
الأولى) و العقوبات النصوص عليها من خلال قانون
103.12حول ممارسة نشاط البنكي أو تشكيك الجمهور على أنه معتمد كمؤسسة ائتمان
( الفقرة الثانية )
الفقرة الأولى: الشروط الخاصة بممارسة النشاط البنكي.
إن وظيفة المؤسسات البنكية وظيفة
مالية اقتصادية معقدة من جهة و خطيرة من جهة أخرى و على اعتبار هذه المؤسسات تشكل أداة
هامة في خلق السيولة النقدية و منح الائتمان، فإن الوظيفة على تعقدها و خطورتها لا
يمكن أن يسمح بالقيام بها إلا المؤسسة المعتمدة قانونا و التي تتوفر فيها صفات و الشروط
القانونية الضامنة لحقوق العملاء، ولذلك ألزم المشرع المغربي من خلال قانون 103.12في المادة الأولى أن تكون المؤسسة البنكية
شخص معنوي وبتالي أقصى الأشخاص الطبيعيين من مجال ممارسة المهنة البنكية، و أن تؤسس
في إطار شركة مساهمة لما يوفره هذا الشكل من حماية خاصة و شفافية للجمهور، بالإضافة
إلى إلزام توفر على الحد الأدنى من رأس المال بكيفية تحقق الحماية اللازمة، و تعتبر
رخصة الاعتماد من أهم الشروط التي أقرها المشرع في المادة 34من قانون
103.12أن تكون مؤسسة الائتمان معتمدة سلفا من لدن بنك المغرب ،23هذا الأخير
عندما يلاحظ أن وضعية مؤسسة الائتمان مختلة مما سينعكس سلبا على حقوق العملاء، يعمل
على سحب الرخصة حتى يحمي المستهلك و الزبون من ضياع حقوقه و التعامل مع مؤسسة ائتمان
في وضعية صعبة .
وفي إطار حماية المتعاملين مع
المؤسسات البنكية قرر المشرع المغربي من خلال المادة 34من قانون 103.12أنو لا يجوز لأي شخص تأسيس مؤسسة ائتمان أو
تسييرها أو تدبيرها إذا صدر عليه حكم نهائي من اجل جناية أو مخالفة للتشريع الخاص بالصرف
أو إذا سقطت أهليته التجارية أو إذا أصدرت عليه محكمة أجنبية حكما اكتسب قوة الشيء
المقضي به.... وهكذا يظهر الهدف الذي يرمي القانون تحقيقه من وراء هذا المقتضى هو توفير
حماية خاصة لجمهور الزبناء المتعاملين مع البنوك للحفاظ وصون وضعهم الاقتصادي والاجتماعي
وهذه النقطة تعتبر من مظاهر الحماية المقررة للعملاء .
يرى بعض الفقه أن موقف المشرع من هذا المقتضى تقتضيه ضرورة حماية المودعين
والمقترضين ومختلف المتعاملين مع مؤسسات الائتمان وضرورة الحفاظ على سمعة المهنة البنكية
والسوق المالية النقدية الدولية.
الفقرة الثانية: العقوبات الجنائية لمخالفة ضوابط المهنة البنكية.
تشدد المشرع المغربي في جزر كل
محاولة لتشكيك المتعاملين مع المؤسسات البنكية أو استعمال وسائل تحمل على الظن أن مؤسسة
الائتمان معتمدة قانونا، و احتراف المحددة في المادتين 1و 16من قانون
،103.12فمن خلال الباب الثاني من القسم الثامن المتعلق بالعقوبات الجنائية و
تحديدا في الفصلين 182و 183و الذين من خلالهما حدد المشرع العقوبة السجنية
من ثلاثة أشهر إلى سنة و بغرامة من 20,000إلى 200,000درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين من استعمل
بغير حق تسمية تجارية أو إعلانا تجاريا يقصد من صاحبه أنه معتمد كمؤسسة ائتمان، كما
يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و بغرامة من 100.000إلى 5.000.000درهم كل شخص احترف بصفة اعتيادية
القيام بتلقي الأموال من الجمهور أو عمليات الائتمان أو عمليات تحويل الأموال...، فتجليات
الحماية الجنائية للمتعاملين مع المؤسسات البنكية جاءت واضحة من خلال الفصلين السابقين
وذلك لحماية الثقة و التي تعتبر الأساس و الروح المنظومة البنكية
كما أن المشرع المغربي من خلال المادة 185من قانون
103.12منع مخالفة مقتضيات المادة
38من نفس القانون التي تمنع على الأشخاص الذين صدر حقهم حكم نهائي بخصوص جرائم
تزوير النقود المعدنية والأوراق النقدية المتداولة و السندات...، و جريمة الاختلاس
و غسل الأموال و كل من سقطت أهليته التجارية بموجب المواد 711إلى
720من قانون مدونة التجارة، أن يؤسسوا أو يسيروا مؤسسة ائتمان وإلا عوقبوا بالحبس
من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و بغرامة من
100.000إلى 1.000.000درهم أو بإحدى
هاتين العقوبتين فقط
ودائما في إطار الحماية الجنائية للمتعاملين مع المؤسسات البنكية منع المشرع
المغربي الجمع مهام الرئيس المدير العام والمدير العام وأعضاء مجلس الإدارة الجماعية
وكل شخص أسند إليه تفويض في سلطة التسيير من الرئيس المدير العام أو مجلس الرقابة بمؤسسة
ائتمان تتلقى أموالا من الجمهور ومهام مماثلة بأي منشأة أخرى باستثناء:
شركات التمويل التي تتلقى أموالا من الجمهور الشركات التي تراقب مؤسسات الائتمان المعنية التي كان من الممكن أن تمارس هذه الأخيرة نشاطها في الإطار العادي لتدبيرها مع مراعاة التقيد بأحكام النصوص، وكل من خالف هذه المقتضيات يعاقب بغرامة من 100,000إلى 1.000.000 درهم، وفي حالة العود يتم رفع الغرامة من 200.000إلى 2.000.000درهم.
نستنتج من خلال المعطى السابق أن المشرع المغربي يهدف من خلال المقتضيات
الواردة في المادة 44إلى توفير حماية لحقوق
العملاء وذلك عن طريق تجنيبهم للآثار السلبية التي يمكن أن تنجر إليهم من جراء تدهور
الأوضاع المالية لهذه المؤسسة نتيجة ترجيح الشخص الذي بيده سلطات إدارتها كفة المؤسسة
التي يشرف على إدارتها بتواز مع إدارة المؤسسة البنكية كفة مصلحة هذه الأخيرة في حالة
ما إذا تعارضت هاتان المصلحتان وكانت لهذا الشخص منافع ذاتية في المنشاة
المطلب الثاني: مسؤولية البنك عن إفشاء السر المهني وسعر القرض البنكي
عمل المشرع المغربي على سن قواعد حمائية للمستهلك باعتباره الطرف الضعيف
في العلاقة التعاقدية بينه وبين مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، وفي هذا
المطلب سوف نتطرق الى مسؤولية البنك عن إفشاء السر المهني (الفقرة الأولى)، على أن
نعرج لتناول الحماية الجنائية لمستهلك القروض الاستهلاكية في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مسؤولية البنك عن إفشاء السر المهني.
إن للبنك دور هام في الحياة الاقتصادية
باعتباره الممول الأساسي للأنشطة الاقتصادية ونافدة المستثمرين، والبنك إذ يضطلع بهذه
المهام الأساسية يعتمد على مجموعة من المبادئ الثابتة التي كرستها المعاملات البنكية،
ويأتي مبدأ الالتزام بالسر المهني البنكي للمستهلك في
مصاف هذه المبادئ، إذ يلتزم البنك بمقتضاه بعدم إفشاء الأسرار البنكية
التي أودعها لديه زبنائه التي اطلع عليها بمناسبة ممارسته لمهامه وكل إخلال بهذا الإلتزام
يعرض البنك للمسؤولية. وفي هذه الفقرة سوف نتطرق (أولا) إلى الأشخاص الملزمون بالحفاظ
على السر المهني البنكي، على أن نعرج لدراسة المسؤولية الجنائية لإفشاء السر المهني
(ثانيا)
أولا: الأشخاص الملزمون بالحفاظ على السر المهني البنكي
. تعد السرية البنكية ثروة للاقتصاد الوطني ومورد حقيقي لجلب الأموال،
والالتزام بالحفاظ على السر المهني البنكي ، هو التزام يتصدر قائمة التزامات المؤسسة
البنكية حيث تتعهد بعدم إفشاء الأسرار البنكية التي أودعها الزبناء أو اطلعت عليها
بمناسبة ممارسة مهامها وكل إخلال بهذا الالتزام يعرض البنك للمسؤولية الجنائية وذلك
على أساس المادة 180من القانون 103.12المتعلق
بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها ، التي ألزمت
مجموعة من الأشخاص بكتمان السر المهني الذي اطلعت عليه بمناسبة ممارسة مهامهم وإخلالهم
بهذا الالتزام يعرضهم للعقوبات المنصوص عليها في الفصل 446من مجموعة القانون الجنائي المغربي، وهؤلاء الأشخاص
هم
- مديري مؤسسات الائتمان ومسيريها
- مستخدمي مؤسسات الائتمان
- أعضاء المجلس الوطني للائتمان والادخار أعضاء لجنة مؤسسات الائتمان
- أعضاء لجنة التنسيق بين أجهزة الرقابة بالقطاع المالي
- الأشخاص المكلفون بمراقبة المؤسسات الخاضعة لرقابة بنك المغرب
- لجنة التنسيق والرقابة على المخاطر الشمولية
- مجلس الإدارة - مستخدمي الشركة المسيرة
لكن تجدر الإشارة إلى أن المادة
181من القانون 103.12المتعلق بمؤسسات
الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها حددت على سبيل الحصر جهات لا تواجه بالسر البنكي
وتتمثل في:
- بنك المغرب والسلطات القضائية في إطار مسطرة جنائية أو أي سلطة تابعة
لدول أبرمت اتفاقية ثنائية مع المملكة المغربية تنص على تبادل المعلومات في المجال
الضريبي
- كشف الأسرار المتعلقة بحساب الزبون في إطار مكافحة تبيض الأموال
- حجز على حساب الزبون
- تجاه إدارة الضرائب
- في إطار صعوبات المقاولة
ففي هذه الحالات يعفى البنك من المسؤولية عن إفشاء الأسرار المهنية.
ثانيا: المسؤولية الجنائية لإفشاء السر المهني.
إن تحقق المسؤولية الجنائية عن
جريمة إفشاء السر المهني المنصوص عليه في الفصل 446من م.ق.ج.م ..."لو أقدم أحد
هؤلاء على إفشاء السر المهني الذي اطلع عليه بحكم ممارسته لمهامه قامت حينها مسؤوليته
ويعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من ألف ومائتين إلى عشرين ألف درهم"
وهذا ما أكده القضاء المغربي في أكثر من مرة حيث ذهب في حكم صادر عن المحكمة الإدارية
بالدار البيضاء بالقول "على أن الموظف ملزم بكتم السر المهني
في كل ما يخص الأعمال والأخبار التي يعملها أثناء تأدية مهامه أو بمناسبة مزاولتها..."
والمسؤولية تتحدد شريطة توافر ركنين ركن مادي وركن معنوي، إذ يتمثل الركن المادي لجريمة
إفشاء السر المهني البنكي في فعل الإفشاء، ويتحقق بارتكابه وذلك بمجرد السماح بالإطلاع
على حسابات الزبناء وودائعهم وأمانتهم وخزائنهم وكل المعاملات المتعلقة بهم
أما الركن المعنوي فيتخذ صورة القصد الجنائي ويقوم على عنصرين هما العلم
والإرادة وهكذا يتضح أن الجزاءات الناتجة عن إفشاء السر المهني البنكي تتمثل في المسؤولية
الجنائية في الحالات التي تعاقب على جنحة إفشاء الأسرار الشخصية المنصوص عليها وعلى
عقوبتها في القانون الجنائي.
إضافة إلى مقتضيات القانون البنكي والمجموعة الجنائية فالسر البنكي يخضع
كذلك لأحكام القانون رقم 09.08المتعلق بحماية
الأشخاص الذاتيين تجاه المعطيات ذات الطابع الشخصي، ويقر هذا القانون على ضرورة حماية
معطيات الأشخاص وقد نص المشرع في الباب التاسع منه على العقوبات التي تطال كل مخالف
لأحكامه والعقوبة تختلف بين غرامات مالية وحبسية بحسب نوع الجريمة
من هذا يتضح أنه لا يجوز للبنك إعطاء معلومات تخص حساب زبونه ويحتم عليه
ضرورة الحفاظ على السر المهني
الفقرة الثانية: الحماية الجنائية لمستهلكي القروض البنكية.
إن المشرع عمل على حماية حقوق
المستهلك في القروض الاستهلاكية بحمايته من مخاطر عمليات الائتمان 31وذلك من خلال القانون 31.08ويرتب عن الإخلال بهذه الحقوق إقامة المسؤولية،
وفي هذه الفقرة سوف نتطرق (أولا) إلى وسائل حماية المستهلك من القروض الاستهلاكية على
أن نتناول مظاهر الحماية الجنائية للمستهلك من القرض البنكي (ثانيا).
أولا: وسائل حماية المقرض من الشروط التعسفية.
إن المشرع المغربي عمل على حماية
المستهلك من الشروط التعسفية في عقود الائتمان الاستهلاكي بشكل عام في القسم الثالث
من خلال المواد 15إلى 20من قانون 31.08إذ افتتحه بتعريف الشرط التعسفي بأنه كل شرط
يكون الغرض منه أو يترتب عليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك،
وبهذا فالمشرع أقر حماية المستهلك تشريعيا وقضائيا فمن حيث التشريع فقانون 31.08ألزم المهني بإثبات كون الشروط موضوع النزاع
ليس تعسفيا معفيا بذلك المقترض من عبىء إثبات عناصر الشرط التعسفي حيث نصت المادة 18من
31.08على أنه في حالة وقوع نزاع حول عقد يتضمن شرطا تعسفيا يجب على المورد الإدلاء
بما يثبت الطابع غير التعسفي للشرط موضوع النزاع
وإذا ما ثبتت الصفة التعسفية للشرط موضوع النزاع، فإن ذلك يؤدي إلى بطلان
الشرط واعتباره كأن لم يكن . وما يعزز هذه
الحماية من الشروط التعسفية هو اعتبار مقتضيات القسم الثالث من هذا القانون 31.08من النظام العام وفقا للمادة 20من هذا القانون، وبهذا فبإمكان القاضي المعروض
عليه النزاع أن يثير الطابع التعسفي للشرط من تلقاء نفسه، كما يمكن لطالب المصلحة في
ذلك أن يثيره في جميع مراحل التقاضي.
إن أهمية ونجاعة القانون 31.08في حماية مستهلك القرض يبقى رهينا بحسن تفعيله
وتطبيقه من طرف القضاء، إذ نجد أن هناك اجتهادات قضائية لعبت دورا هاما في حماية المقترض
حيث اعتبرت المحكمة التجارية بمراكش أن الفوائد القانونية كافية لتغطية الأضرار الناتجة
عن عدم الأداء، وأن الفوائد الاتفاقية وفوائد التأخير والغرامات المنصوص عليها عقدا
تشكل في مجملها تعويضا، وما تستحقه المؤسسة البنكية من جراء توقف المقترض عن سداد الأقساط
المستحقة، هو الفوائد القانونية فقط والتي يتعين احتسابها ابتداء من تاريخ رفع طلب
الأداء.
ثانيا: الحماية الجنائية للمستهلك من سعر القرض البنكي
إنه كثيرا ما لا تحترم المؤسسات
البنكية السقف المحدد للفوائد البنكية في الدوريات الصادرة عن والي بنك المغرب، ولا
تعيرها أي اهتمام عندما تتجاوز هذا السقف مستغلة عدم إلمام المستهلك (المقترض) بمختلف
المقتضيات القانونية المطبقة على القرض بالإضافة إلى الحاجة الماسة للقرض.
إذ أن الوقوع تحت طائلة الإكراه
الاقتصادي هو ما يؤدي بالمستهلك إلى الموافقة على عقد قروض نموذجية معدة سلفا وغير
متفاوض بشأنها وتحتوي على فائدة بنكية يصعب على المقترض التمكن من طريقة احتسابها.
ولا تكتفي المؤسسات البنكية بتجاوز السعر المسموح به للفوائد البنكية بل تعتمد إلى
فرض فوائد تأخيرية يتحملها المقترض إذا ما تأخر عن سداد أي قسط حل أجله، إضافة إلى
أن البنك يحدد غرامات متعددة على المقترض المتوقف عن أداء الأقساط إذ يعمل أحيانا على
استخلاصها تلقائيا دون مراجعة القضاء ودون توجيه إنذار إلى المقترض يعلمه فيه أنه تأخر
عن دفع قسط أو عدة أقساط مستحقة
ويعتبر طلب المورد من المقترض مبلغا نقديا يزيد على سعر المتوسط المعمول
به فعلا جرميا يعاقب عليه بغرامة من 6.000درهم
إلى 20.000درهم بحسب المادتين 102و 187من قانون 31.08فيما يخص القروض الاستهلاكية
كما ذهبت المحكمة التجارية بمراكش بالقول " حيث أن سعر 15.552كفائدة بنكية مبالغ فيه مقارنة مع السعر الأقصى
الذي كان سائدا في المجال البنكي من قفل الحساب والذي لم يتجاوز 13.25في المئة علما
أن الحد الأقصى لسعر الفائدة الاتفاقية البنكية لا يعتبر طليقا، وإنما يخضع تحديده
لضوابط حددها قرار وزير المالية والإسثتمارات الخارجية عدد 155/9بتاريخ 20يناير 1997المتعلق بنسب الفائدة المطبقة على مؤسسات القرض
وبهذا فقد أحاط القضاء المغربي المستهلك المقترض بحماية قصوى من المبالغة
في سعر الفائدة البنكية، ونخلص إلى أن القواعد الموضوعية المتضمنة في قانون 31.08القاضي بتحديد تدابير المستهلك خاصة المتعلقة
بحماية المقترض جنائيا تساعد في إرجاع التوازن العقدي واستقرار المعاملات بين الأبناك
والمستهلكين وتؤدي إلى تحقيق الردع بنوعيه العام والخاص، ليتمكن المستهلك المقترض من
إشباع حاجياته الاستهلاكية وهو في مأمن من الأفعال المجرمة في قانون 31.08والتي ترتكبها مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة
في حكمها
خاتمة:
لقد حاولنا في هذا العرض سرد أهم
ما أشارت إليه الندوات الدولية والمشرع المغربي من خلال القانون البنكي وقانون حماية
المستهلك في ميدان الحماية القانونية بصفة عامة والجنائية بصفة خاصة للمستهلكين وتوضيح
أوجه التدخل القانوني لوقاية المستهلكين مما قد يصيبهم من مخاطر ومن الإثراء السلبية
جراء ممارسة البنوك لمهامها في جو تحكمه المنافسة،
حيث أن النظام البنكي المغربي قد آتى على وسائل قانونية مسطرة في نصوص
متفرقة تحمي المستهلك وتحفظ مركزه داخل علاقته مع البنك باعتباره الحلقة الأهم في هذه
العلاقة. ومن خلال هذه فإننا تناولنا أهم الضوابط الخاصة بممارسة المهنية البنكية إذ
أنه من المسلم به أن حماية المستهلكين (الزبناء) تفرض وضع شروط ينبغي أن تتوفر في كل
مؤسسة بنكية مع إمكانية إنزال عقوبات زجرية على المؤسسة التي لم تتقيد بواجب المهنة
الذي يضع مصلحة المستهلك في مرتبة أعلى نظرا لمركزه الضعيف في علاقته مع مؤسسات الائتمان
والهيئات المعتبرة في حكمها، كما تناولنا إضافة إلى ما سبق مسؤولية البنك تجاه عملائه.
وعليه فالقانون البنكي وبالرغم مما عرفه من تعديلات تعكس صورة حسنة للنظام
البنكي المغربي وتهدف أكثر لحماية حقوق الزبناء، إلا أننا نجد قصورا من حيث المقتضيات
الزجرية الواردة ضمن القانون الجنائي للأعمال، التي لا ترقى إلى ما هو مطلوب