-->
U3F1ZWV6ZTczODgxNjA1NzJfQWN0aXZhdGlvbjgzNjk3NjY4OTI5

رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ـ قانون الأعمال ـ تحت عنوان مخاطر القروض البنكية وآليات ضبطها

رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ـ قانون الأعمال ـ تحت عنوان مخاطر القروض البنكية وآليات ضبطها

 رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ـ قانون الأعمال ـ تحت عنوان مخاطر القروض البنكية وآليات ضبطها

مقدمة

إذا كانت المؤسسات البنكية من بين المؤسسات المالية المعنية بدعم وتنشيط دواليب الاقتصاد الوطني والعالمي والمحافظة على استقراره وتوازنه، فإنه وللقيام بهذا الدور المالي والتنموي يتعين على هذه المؤسسات مراعاة مجموعة من الضوابط والمعايير الرقابية عند تعاملها مع عملائها. وذلك من أجل تفادي الوقوع في بعض المخاطر المالية التي قد تؤدي حال تحققها إلى تعرض هذه المؤسسات لجملة من الصعوبات المالية التي قد تؤثر على حياتها التجارية. بل وعلى حياة كل الفاعلين الاقتصاديين المتعاملين معها من تجار أفراد ومقاولات صناعية وتجارية. بل وحتى مالية، الأمر الذي قد ينعكس في نهاية المطاف سلبا على الاقتصاد الوطني والعالمي.

ولعل ما يشهده العالم اليوم من اضطرابات اقتصادية ومالية همت كل الأسواق المالية الكبرى بدء من بورصة وول ستريت والبورصات الأوربية والآسيوية لأكبر دليل على حجم الصعوبات التي أصبحت تعاني منها اقتصاديات الدول الكبرى وذلك بفعل الانهيارات المتتالية لمجموعة من البنوك الأمريكية وفي مقدمتها بنك ليمان برادرز الأمريكي (1)، وذلك جراء قيام هذه المؤسسات البنكية بمنح قروض عقارية ذات مخاطر عالية دون مراعاة للمعايير والضوابط الرقابية المعمول بها في هذا المجال.

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى تغلغل الائتمان البنكي بصفة عامة في شرايين الاقتصاد العالمي كأحد أهم المصادر التمويلية للأفراد والمقاولات على اختلاف أنواعها وأشكالها.

فمما لاشك فيه أن الائتمان البنكي يعتبر أحد أهم المصادر التمويلية للمقاولة إن على المستوى الوطني أو الدولي. وبذلك فهو يحتل مركز الريادة في تمويل وتزويد            الأفراد  والمقاولات  على  حد  سواء  بمختلف احتياجاتهم المالية والتمويلية سواء منها الآنية

 

 (1) يعتبر بنك ليمان برادرز رابع اكبر بنك استثماري في الولايات المتحدة الأمريكية وعمره أكثر من قرن ونصف قرن. ولقد تعرض هذا البنك لخسائر مالية قدرت بحوالي سبع مليارات دولار وذلك بفعل أزمة الائتمان التي يعرفها القطاع البنكي الأمريكي.

     أنظر بهذا الخصوص : .Fr  www.Busnessdecision

 

أو المستقبلية، وذلك على الرغم من الصعوبات والإشكالات التي يطرحها هذا النوع من التمويل بين باقي وسائل وطرق التمويل الأخرى.

فالائتمان البنكي ماهو إلا نتيجة طبيعية للودائع التي تتلقاها المؤسسات البنكية من مختلف عملائها، وبالتالي فإن هذه المؤسسات تتاجر في غالب الأحيان في أموال ليست في ملكها وإنما هي  موضوعة لديها على سبيل الوديعة يمكن استرجاعها في أي وقت وحين، وهو الأمر الذي قد تكون له آثار سلبية، وذلك حينما يتهافت المودعين على سحب ودائعهم من الأبناك  نتيجة ظهور بعض الصعوبات أو الأزمات المالية التي قد تهدد استمرارية الحياة التجارية لهذه المؤسسات.

وعليه فإذا كانت البنوك قد قامت على تجارة النقود. باعتبار البنك وسيطا بين صاحب رأس المال الذي يودعه البنك وبين التاجر الذي يكون في حاجة إلى هذا المال ليقوم بنشاطه التجاري، فيقوم البنك بإقراضه ما يحتاجه من نقود. فإن دور البنك ليس مجرد التقريب بين أصحاب الودائع النقدية والتجار أو غيرهم ممن يطلبون الائتمان، وإنما تقوم البنوك في هذا المجال وهو توزيع الائتمان بأخطر أدوارها في الاقتصاد وهو توزيع المخاطر التي يتعرض لها نتيجة عدم الوفاء له بالقروض التي يمنحها لعملائه .

ومن تم كانت المخاطر التي ترافق عمليات القروض البنكية من بين أحد أهم المواضيع التي استأثرت باهتمام الخبراء والباحثين في المجال المالي والقانوني على حد سواء، وذلك منذ أواسط العقد الثامن من القرن الماضي. حينما ثم الاتفاق في مدينة بال السويسرية على جملة من المعايير المالية والرقابية التي يتعين على المؤسسات البنكية احترامها والأخذ بها عند قيامها بمختلف أنشطتها الائتمانية، وهي الاتفاقية التي عرفت لاحقا باتفاقية " بال الأولى لمعيار رأس المال " (1).

 (1) L’accord dit : Bâle I. adopté en 1988, à posé les bases d’un dispositif international d’adéquation des fonds propres. Il fixe les exigences minimales de fonds porpres (ration  « cooke) imposant ainsi aux banque de couvrir au moins 8% des crédits qu’elles octroient aux entreprises au moyen de leurs fonds propres .

   Arnaud de servigny en collaboration avec ivan Zelenko : le risque de crédit . Noveaux enjeux Bancaires. Dunod. Paris. 2001. P 7.

 

غير أن هذه الاتفاقية التي جاءت لتحصن المؤسسات البنكية من مختلف المخاطر التي تعرفها مهنة الصيرفة، لم تكن قادرة لوحدها على استيعاب جل المخاطر التي تتهدد هذه المهنة وذلك نتيجة للتطور السريع والمستمر في الأدوات والأساليب المستعملة في هذا المجال. الأمر الذي أدى إلى تعديل جزئي في محتوى هذه الاتفاقية سنة 1996 هم بالأساس مخاطر السوق. ثم تعديل جذري لنص الاتفاقية سنة 2004 وذلك بهدف مواكبة مختلف المستجدات التي يعرفها هذا القطاع المالي، ولاسيما إدراج مخاطر التشغيل ضمن قائمة المخاطر التي تتهدد النشاط البنكي (1).

ووعيا من المشرع المغربي بأهمية هذه المستجدات القانونية ودورها في حماية النظام البنكي والمالي على الصعيد الوطني. انخرط المغرب بدوره في سلسلة من الإصلاحات التشريعية والتنظيمية همت بالأساس قانون المال والأعمال أو ما أصبح يعرف بالقانون الاقتصادي. وذلك بهدف التوفر على أرضية قانونية صلبة ومتينة قادرة على مجابهة مختلف الإشكالات والصعوبات التي يعرفها هذا القطاع.

وتأسيسا على ذلك شهدت القوانين المؤطرة للنشاط المالي بصفة عامة طفرة تشريعية منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، تمثلت بالأساس في إصلاح كل من النظام البنكي عبر ظهير 6 يوليوز 1993. وخلق سوق مالي للأسهم والسندات عبر ظهير 21 شتنبر 1993 المتعلق بإحداث بورصة للقيم كما ثم تعديله وتتميمه، كما طال التغيير في مرحلة لاحقة جل القوانين ذات الصلة بقانون المال والأعمال، من قبيل مدونة التجارة وقانون شركات المساهمة وباقي أنواع الشركات الأخرى. إضافة إلى استحداث قوانين جديدة من مثل قانون حرية الأسعار والمنافسة وقانون تسنيد الديون الرهنية والقانون المنظم لعمليات الاستحفاظ والقانون المتعلق بهيآت توظيف الأموال بالمجازفة.

 (1) En juin 2004 : le comité de Bâle a puplié la version définitive du : Nouvel Accord sous l’appellation   « Convergence internationale sur les normes et l’évaluation des fonds propres ».

   Le nouvel accord de Bâle repose sur les trois piliers suivantes.

    - Des exigence minimales en fond propres.

    - Un processus de surveillance prudentielle renforcée.

    - La disciplines de marché moyennant la publication par les banques d’informations faibles et    périodique sur la nature, le volume et les méthodes de gestion des risques.

   MALIANI YOUSSEF : La gestion Bancaire du risque de crédit. mémoire de fin d’études pour  l’obtention du DESA en Sciences de gestion. Université Hassan II. Casablanca. 2004 – 2005. P 10.

ويبقى أهم تعديل جاء به المشرع المغربي في هذا الإطار هو ذاك الذي طال القطاع البنكي من خلال القانون رقم 76.03 المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب (1) والقانون رقم 34.03 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيآت المعتبرة في حكمها (2) وذلك بغية ضمان الاستقرار والاستمرارية للدورة المالية والاقتصادية حتى يتمكن القطاع البنكي من القيام بدوره في تعبئة المدخرات وتوزيع الائتمانات بالشكل الذي يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمختلف مكونات الاقتصاد المغربي.

وهكذا جاء هذا القانون البنكي من أجل دعم وتقوية الصلابة المالية لمؤسسات الائتمان وذلك من خلال تشديد الرقابة على الأنشطة الائتمانية لهذه المؤسسات. وأيضا  عبر التشدد في حساب القواعد الاحترازية المفروضة عليها وذلك بهدف تضييق الخناق على المخاطر التي ترافق العمليات الائتمانية للمؤسسات البنكية.

خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنه كان من جملة الدوافع التي أدت إلى اقتراح تعديل القانون البنكي السابق – ظهير 6 يوليوز 1993 – هو سلسلة الفضائح المالية التي انفجرت في عدة مؤسسات ائتمان كبرى. كالقرض العقاري والسياحي والبنك الوطني للإنماء الاقتصادي وغيرهما من المؤسسات. مما أثبت أن النظام الساري لا يوفر الضمانات المطلوبة لسلامة المتعاملين مع القطاع البنكي.

الأمر الذي أدى إلى بلورة تصور جديد لتنظيم القطاع البنكي ترجم على أرض الواقع بصدور قانون رقم 34.03. هذا الظهير الذي جاء بمجموعة من المستجدات في أساليب مراقبة وعمل مؤسسات الائتمان يمكن حصر أهمها فيما يلي :

- توسيع مجال تطبيق هذا القانون ليشمل هيآت أخرى تمارس النشاط البنكي.

- تعزيز استقلالية بنك المغرب وسلطاته في مجال الإشراف والرقابة.

 

 (1) ظهير شريف رقم 1.05.38 صادر في 20 من شوال 1426 (23 نوفمبر 2005) بتنفيذ القانون رقم 76.03 المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب الجريدة الرسمية عدد 21.5397 محرم 1427 (20 فبراير 2006) ص 427.

(2) ظهير شريف رقم 1.05.178 صادر في 15 من محرم 1427 (14 فبراير 2006) بتنفيذ القانون رقم 34.03 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيآت المعتبرة في حكمها الجريدة الرسمية عدد 21.5397 محرم 1427 (20 فبراير 2006) ص 435.

 

- توسيع صلاحيات مراقبي الحسابات والذين أصبحوا مطالبين بالإضافة إلى مراقبة حسابات مؤسسات الائتمان من التأكد من الإجراءات المتخذة لاحترام المقتضيات المحاسبية والاحترازية والمراقبة الداخلية.

- مراجعة المساطر المتعلقة بتدبير الأزمات.

- تقوية حماية المودعين.

- إحداث تعاون بين سلطات الرقابة على القطاع المالي على غرار ماهو معمول به دوليا وذلك بإحداث لجنة للتنسيق بين مختلف سلطات الرقابة.

على أن القيمة المضافة التي يتميز بها هذا القانون تكمن بالأساس في الأخذ بتوصيات لجنة بال الثانية وذلك فيما يخص إلزام مؤسسات الائتمان بوجوب التوفر على أنظمة داخلية لمراقبة وتسيير المخاطر البنكية، وأيضا فيما يخص إعطاء حيز أكبر للأدوات والمعاملات المالية في احتساب هذه المخاطر وذلك عبر التشدد في التدابير الاحترازية الجديدة، لاسيما وأن استفادة القطاع البنكي الوطني من تمويلات الهيآت الدولية ودعمها رهين بالتكيف مع المعايير الدولية لتدبير المخاطر وذلك على اعتبار أن الإشكالية البنكية ماهي إلا إشكالية دولية تعالج بالتوصيات وأن النص المطروح ماهو إلا انعكاس لهذه التوصيات.

وهكذا شكلت المخاطر البنكية بصفة عامة إحدى أهم الإشكالات التي تعرقل النشاط الطبيعي لمؤسسات الائتمان، وذلك على اعتبار أن هذه الأخيرة مهددة في عملها بالعديد من المخاطر تتدرج من احتمال ضياع حقوقها بفعل تعرض عملائها لصعوبات مالية إلى احتمال مساءلتها عند تدخلها لدعم وتمويل عملاء لا تتوفر فيهم شروط الائتمان (1) إلى غير ذلك من المخاطر التي تتنوع وتتعدد بتنوع وتعدد العمليات البنكية.

ولقد عرف بعض الفقه (2) المخاطر البنكية بصفة عامة بأنها تلك المخاطر التي تعرض البنك إلى خسائر غير متوقعة وغير مخطط لها. الأمر الذي يؤدي إلى تذبذب العائد

 

 (1) La manifestation du risque de crédit bancaire ne se résume pas seulement en une perte <séche> pouvant avoir des incidences sur la santé de la banque. Elle-même il peut également entraîner une mise en cause de sa responsabilité devant les tribunaux.

   NAJIB ibn ABDELJALIL : la Gestion du risque du crédit bancaire aux entreprises. Mémoire pour l’obtention du diplôme d’études supérieures approfondies. Université Hassan II. 2004 – 2005. P 15.

(2) محمد صبري : الأخطاء البنكية، أساس مسؤولية البنكي عن عدم ملاءمة الائتمان مع مصلحة الزبون، الطبعة الأولى 2007، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص 214.

المتوقع من استثمار معين. قد تنجم عنه عدة آثار سلبية تتولد عن أحداث مستقبلية محتملة الوقوع لها قدرة على التأثير على تحقيق البنك لأهدافه المعتمدة وتنفيذ استراتيجياته بنجاح.

في حين عرفها البعض الآخر (1) وفقا للمفهوم الضيق بأنها تلك المخاطر المصاحبة لمنح الائتمان البنكي وبعبارة أوضح جميع الاحتمالات القائمة والمرتكزة على أساس عدم قيام العميل بالوفاء بالتزاماته تجاه البنك.

والذي يهمنا في هذا السياق هو المفهوم الضيق للمخاطر البنكية المصاحبة لمنح الائتمان عن طريق عقد القرض البنكي، وذلك باعتبارها من بين أهم المخاطر التي تهدد الصلابة المالية لمؤسسات الائتمان، بالنظر إلى حجم القروض التي تقوم هذه المؤسسات بتوزيعها.

وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن القانون رقم 34.03 لم يتناول المخاطر البنكية في خصوصياتها وإنما تعرض لها عند الحديث عن القواعد الاحترازية الواجب على مؤسسات الائتمان احترامها والتقيد بها.

وعموما فإنه وقبل الخوض في طبيعة هذه المخاطر وأنواعها، فقد ارتأينا بادئ ذي بدء الحديث عن عقد القرض في عمومياته وذلك باعتباره العقد الذي تترتب عنه هذه المخاطر ولكون موضوع البحث لا يمكن أن يتم بمعزل عن تحديد مفهوم هذا العقد، وذلك وفقا للشكل التالي :

أولا : تعريف عقد القرض

ثانيا : أنواع القروض البنكية

ثالثا : عقد القرض البنكي والالتزامات المترتبة عنه

رابعا : أهمية الموضوع ومبررات اختياره

خامسا : الإشكالات التي يطرحها الموضوع

سادسا : خطة البحث.

 

 (1) محمد جنكل : الائتمان التجاري، عمليات الائتمان البنكي نموذجا، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، وحدة قانون الأعمال، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2000 – 2001، ص 272.

 

 

أولا : تعريف عقد القرض.

<><> 

القرض لغة : بمعنى القطع، قرضه، يقرضه بالكسر قرضا وقرَّضه قطعه.

والقَرض والقِرض ما يتجازى به الناس بينهم ويتقاضونه. وجمعه قروض وهو ما أسلفه من إحسان وإساءة وهو على التشبيه مصداقا لقول الله تعالى " وأقرضوا الله قرضا  حسنا " (1).

وهذا هو الأصل فيه ثم استعمل في السلف والسفر والشعر والمجازاة (2) والقرض في المكان العدول عنه (3).

واصطلاحا : قطع جزء من المال بالإعطاء على أن يرد بعينه أو يرد مثله بدلا منه (4) وعرفه فقهاء المالكية بأنه دفع المال على وجه القربة لله تعالى لينتفع به آخذه ثم يرد له مثله أو عينه (5).

ولقد تناول المشرع المغربي عقد القرض ضمن أحكام العارية في الفصول من 856 إلى 869 من ق ل ع. كما نظم القرض بفائدة في الفصول من 870 إلى 879 من نفس القانون (6) وهكذا عرف المشرع المغربي عقد القرض في الفصل 856 من ق ل ع كما يلي :

" عارية الاستهلاك أو القرض عقد بمقتضاه يسلم أحد الطرفين للآخر أشياء مما يستهلك بالاستعمال أو أشياء منقولة أخرى، لاستعمالها، بشرط أن يرد المستعير عند انقضاء الأجل المتفق عليه، أشياء أخرى مثلها في المقدار والنوع والصفة " (7).

 (1) ابن منظور الإفريقي المصري : لسان العرب للإمام العلامة أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري، دار بيروت، دار صادر للطباعة والنشر الجزء السابع، ص 216 وما بعدها.

(2) ومن هذا المعنى قول أبي الدرداء : " إن قارضت الناس قارضوك وإن تركتهم لم يتركوك وإن هربت منهم أدركوك ".

     أنظر بهذا الخصوص : محمد علي محمد أحمد البنا : القرض المصرفي دراسة تاريخية مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة الأولى 2006، ص 117.

(3) مصداقا لقوله تعالى : " وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال " سورة الكهف الآية 17.

(4) تعريف احمد الشرباصي، وارد بمرجع عائشة الشرقاوي المالقي : البنوك الإسلامية التجربة بين الفقه والقانون والتطبيق، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2000، ص 525.

(5) نزيه حماد : عقد القرض في الشريعة الإسلامية، عرض منهجي مقارن، دار القلم دمشق، الدار الشامية بيروت 1410هـ ، ص 9.

(6) نشير في هذا الإطار إلى أن المشرع المغربي قد ميز بين عارية الاستعمال وتنصب أساسا على الأشياء التي تستعمل وتبقى محافظة على ذاتيتها ثم ترد بعينها، (الفصول  من 830 إلى 855 ق ل ع) وعارية الاستهلاك وهي القرض وتنصب على الأشياء التي تستهلك بالاستعمال فيرد مثلها (الفصول من 856 إلى 869 ق ل ع).

    وهكذا نص الفصل 829 من ق ل ع على أن  : " العارية نوعان : عارية الاستعمال وعارية الاستهلاك أو القرض ".

(7) في حين جاء في الفصل 1892 من القانون المدني الفرنسي المطابق لنص الفصل 856 من ق ل ع بما يلي :

« Le prêt de consomation est un contrat par lequel l’une des parties livre à l’autre une certaine quantité de choses qui se consomment par l’usage à la charge par cette dernière de lui en rendre autant de même espèce et qualité ».

 

وبالموازاة مع ذلك نص الفصل 857 من نفس القانون على أنه :

" وتنعقد عارية الاستهلاك كذلك عندما يوجد مبلغ من النقود أو كمية من الأشياء المثلية بين يدي المدين على وجه الوديعة أو بأية صفة أخرى ويأذن له الدائن بالاحتفاظ بما بين يديه على سبيل القرض. وهنا يتم العقد بمجرد اتفاق الطرفين على الشروط الأساسية للقرض " (1).

فانطلاقا من هذه النصوص يتبين لنا أن عقد القرض ينصب دائما على شيء مثلي، وهو في الغالب الأعم عبارة عن مبلغ من النقود. بحيث ينقل المقرض إلى المقترض ملكية الشيء المقترض على أن يرد المقترض عند حلول الأجل أشياء أخرى مثلها في المقدار والنوع والصفة. فالقرض إذن يتمثل في تقديم شيء مثلي لشخص لينتفع به ويلتزم بإرجاع مثله في أجل معين.

ويخضع عقد القرض للقواعد العامة التي تؤطر انعقاد العقود الرضائية من حيث تطابق الإيجاب والقبول وتوفر الأهلية والسبب والمحل.

فالأهلية التي يجب أن تتوافر في المقرض هي أهلية التصرف. إذ هو ينقل ملكية الشيء المقترض. وهذا إذا كان القرض بفائدة أما إذا كان بغير فائدة فهو تبرع. ومن ثم يجب أن تتوافر في المقرض أهلية التبرع. وإذا أقرض القاصر أو المحجور بغير فائدة كان باطلا لأنه ضار به ضررا محضا. أما إذا أقرض بفائدة فإن القرض يكون قابلا للإبطال    لمصلحته (2).

ونشير في هذا السياق إلى أن عقد القرض البنكي يخضع لنفس القواعد العامة الواردة في ق ل ع. ما لم يوجد عرف بنكي يقضي بخلاف ذلك. وذلك على اعتبار أن أحكام القرض البنكي لا تختلف بكثير عن أحكام القرض المدني وخاصة منها ما يتعلق بتسليم المال موضوع العقد ورده وتحديد الضمانات اللازمة له إن اقتضى الحال.

 

 (1) عرفت المادة 538 من القانون المدني المصري عقد القرض بأنه :

    " عقد يلتزم به المقرض أن ينقل إلى المقترض ملكية مبلغ من النقود أو أي شيء آخر على أن يرد إليه المقترض عند نهاية القرض شيئا مثله في مقداره ونوعه وصفته ".

(2) عبد الرزاق احمد السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، الجزء الخامس، العقود التي تقع على الملكية، المجلد الثاني، الهبة والشركة والقرض والدخل الدائم والصلح. دار النهضة العربية، القاهرة 1962، ص 437.

 

وهذا التحديد يتماشى مع موقف المشرع المغربي الذي لم يتناول عقد القرض في مدونة التجارة كعقد من العقود البنكية الخاصة أو ضمن القانون البنكي. وبهذا فإن المشرع المغربي يكون قد أحال ضمنيا تنظيم أحكام هذا العقد على ق ل ع وعلى الأعراف البنكية المعمول بها في هذا المجال.

وينفذ الاتفاق على القرض البنكي بأن يدفع البنك فعلا مبلغا نقديا للعميل أو لشخص يعينه هذا العميل. والمقصود بدفع المبلغ هو أن يضعه البنك تحت أمر العميل الذي يملك التصرف فيه بلا شرط (1).

غير أنه في هذا الصدد يجب التفرقة بين القرض البنكي والقرض المدني في مجموعة من النقاط فالقرض البنكي يتميز عن القرض المدني بأنه يتم عن طريق دفع البنك للعميل المقترض أو لوكيله مبلغا معينا من النقود. أو عن طريق قيام البنك المقرض بإدراج هذا المبلغ المالي في الحساب البنكي المفتوح لديه من قبل العميل المعني بالأمر مقابل تعهد هذا الأخير برد مبلغ القرض في تاريخ معين مضافا إليه مبلغ الفائدة. إضافة إلى ذلك فإن القرض البنكي يعتبر من بين أبسط صور عمليات الائتمان التي تقوم بها الأبناك. وهذا عكس القرض المدني الذي يبقى حكرا على الأفراد بالدرجة الأولى. كما أن القرض البنكي يشترط دفع العميل فائدة إلى البنك إضافة إلى إرجاع مبلغ القرض. أي أن عقد القرض البنكي يعتبر عقد معاوضة في حين أن القرض المدني يمنع فيه التعامل بالفائدة بين المسلمين حسب صريح المادة 870 ق ل ع وبالتالي فالقرض المدني يعتبر كقاعدة عامة عقد تبرع.

وتأسيسا على كل ما سبق يمكن القول بأن عقد القرض لا يعتبر بطبيعته عملا تجاريا. ولكنه يكتسب الصفة التجارية إذا قامت به مؤسسات الائتمان في إطار عملياتها الائتمانية القائمة على عنصر الوساطة في التداول والمضاربة (2).

 

 (1) علي جمال الدين عوض : عمليات البنوك من الوجهة القانونية، دار النهضة العربية القاهرة، 1988، ص 465.

(2) هذا ما يستنتج من خلال الفقرة السابعة من المادة السادسة من مدونة التجارة التي نصت على ما يلي :

    " مع مراعاة أحكام الباب الثاني من القسم الرابع بعده المتعلق بالشهر في السجل التجاري، تكتسب صفة تاجر بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة التالية :

    7 – البنك والقرض والمعاملات المالية ".

وبالتالي فإن عقد القرض البنكي يخضع لقواعد الإثبات الواردة في مدونة التجارة وللقواعد الإجرائية الخاصة بالمحاكم التجارية من حيث الاختصاص والآجال كماهي واردة في القانون رقم 53.95 القاضي بإحداث محاكم تجارية(1).

والملاحظ أن هذا التنوع في التأطير القانوني للقروض. راجع بالأساس إلى التفرقة التقليدية بين القانونين المدني والتجاري. ونظرا لكون فعالية القروض أكبر في المجال التجاري وأن أعلى نسبة منها توزعها البنوك، ولذلك فإنها تكون من اختصاص القانون التجاري القادر على تطويعها لتتكيف مع متطلبات دنيا الأعمال، على أن يبقى القانون المدني مختصا بوضع المبادئ العامة لهذا العقد (2).

ثانيا : أنواع القروض البنكية.

يتلقى البنك الودائع النقدية على اختلاف أنواعها. ويستعمل جزء كبير منها في الأعمال الائتمانية. حيث تتنوع وتتعدد أنواع القروض التي يقوم البنك بتوزيعها وذلك حسب طبيعة النشاط المراد تمويله وذلك على اعتبار أن الأبناك تمنح الائتمان لكل القطاعات الاقتصادية.

ورغم تعدد أنواع هذه القروض. فإن العرف البنكي قد اعتمد أساسات لتقسيمها إلى ثلاثة أقسام رئيسية وذلك حسب مدتها (قروض قصيرة أو متوسطة وطويلة الأجل) أو حسب ضماناتها (قروض مضمونة وأخرى غير مضمونة) وأخيرا حسب استعمالها أو غرضها (قروض عقارية. قروض استهلاكية).

وعلى الرغم مما لهذه التقسيمات من أهمية قانونية فهي لا تخلو من تداخل وتشابك. أساسهما ارتباط الائتمان بالحياة الاقتصادية من جهة وخضوع جل القروض لنفس القواعد العامة المطبقة على عقد القرض من جهة أخرى.

1) تصنيف القروض على أساس مدة استحقاقها.

يمكن تقسيم القروض على أساس مدة استحقاقها إلى ثلاثة أنواع رئيسية وهي القروض قصيرة الأجل وقروض متوسطة وطويلة الأجل.

 (1) ظهير شريف رقم 1.97.65 صادر في 4 شوال 1417 (12 فبراير 1997) بتنفيذ القانون رقم 53.95، جريدة رسمية عدد 4482 بتاريخ 15 ماي 1997، ص 1141.

(2) عائشة الشرقاوي المالقي : البنوك الإسلامية، مرجع سابق، ص 543.

أ – القروض القصيرة الأجل : تعتبر القروض القصيرة الأجل، قروض تستحق في أجل قصير لا يتجاوز السنة. وهذا النوع من القروض يشكل أكبر نسبة من حجم القروض الموزعة من طرف مؤسسات الائتمان. إذ تمثل ما يقرب من 60% من حجم القروض الممنوحة. كما سجلت هذه القروض ارتفاعا ملحوظا سنة 2006 لتبلغ 138.1 مليار درهم أو 20,1% بدل نسبة 11,4 % سنة 2005 (1).

ب – القروض متوسطة الأجل : وهي القروض التي يتجاوز أجلها سنة واحدة ولكنها لا تتعدى خمس سنوات. ولقد عرفت هذه القروض بدورها تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة. إذ انتقلت من 43.354 مليون درهم سنة 2004 إلى 69.115 مليون درهم سنة 2006. مما يجعلها تحتل المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد القروض القصيرة الأجل (2).

ج) القروض الطويلة الأجل : هي تلك القروض التي يتجاوز أجل استحقاقها خمس سنوات لكنها لا تتعدى أكثر من خمس وعشرين سنة في أغلب الحالات. وتوجه هذه القروض عادة لتمويل الاستثمارات والمشاريع التجارية والصناعية الضخمة من أعمال تأسيس وبناء وشراء آلات ومعدات وتجهيزات.

ونظرا للمدة الطويلة التي يتميز بها هذا النوع من القروض فإنها تنطوي بطبيعتها على درجة مخاطر عالية يمكن أن تتسبب للمؤسسات المانحة في ظهور بعض الأزمات على مستوى السيولة، ناهيك عن احتمالات عدم السداد وذلك تبعا للتغيرات التي يمكن أن تطرأ على مستوى المركز المالي للمقترض.

ورغم ذلك فقد سجلت قيمة هذه القروض ارتفاعا ملحوظا إذ انتقلت بدورها من 52,614 مليون درهم سنة 2004 إلى 84,581 مليون درهم سنة 2006 ويعزى هذا التطور بالأساس إلى تزايد قروض السكن والتجهيز.

2) تصنيف القروض على أساس غرضها.

تنقسم القروض من حيث الغرض من استخدامها إلى عدة أنواع أهمها القروض الموجهة   للاستثمار   و القروض  العقارية  والقروض  الاستهلاكية  والقروض  الممنوحة

 

 (1) من التقرير السنوي لبنك المغرب 2006، ص15.

(2) من التقرير السنوي لبنك المغرب 2006، ص15.

 للمؤسسات المالية كالشركات التي تعتمد على بيع وشراء الأوراق التجارية في نشاطها وشركات التأمين وغيرها.

وسنقتصر في دراستنا لهذه القروض على أهمها من الناحية العملية وهي القروض العقارية والقروض الاستهلاكية.

أ) القروض العقارية.

تشكل القروض العقارية أحد أهم أنواع القروض التي تقدمها البنوك لعملائها، وتلعب هذه القروض دورا كبيرا في تسريع مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر مختلف القطاعات الحيوية وذلك من خلال تمويل قطاع السكن وتمويل استثمارات المنعشين  العقاريين وتمويل الاستثمارات السياحية كبناء الفنادق وتجهيزها. ونظرا لعدم قدرة الأبناك على تلبية كل طلبات الاقتراض الموجهة لتمويل هذه القطاعات الحيوية. وذلك اعتبارا لطول مدتها وكبر حجم المبالغ المطلوبة وارتفاع نسبة المخاطر المرتبطة بها. قامت الدولة بإنشاء مؤسسات وصناديق مالية متخصصة  ومدعمة من طرفها بهدف تمويل هذه القطاعات. ويتعلق الأمر بالخصوص بكل من صندوق الضمان الخاص بذوي الدخل المحدود وغير القار (FOGARIM) وصندوق الضمان الخاص بالموظفين وأعوان الدولة والجماعات المحلية ومستخدمي القطاع العام (FOGALOGE Public).

وعلى ضوء الاستقصاء الذي أجراه بنك المغرب لدى النظام البنكي حول تطور القروض للعقار خلال سنة 2006. تبين أن قيمة قروض السكن التي بلغت 66,5 مليار درهم. شكلت أكثر من 90% من مجموع القروض. مسجلة بذلك ارتفاعا بنسبة 26% بينما استفاد قطاع الإنعاش العقاري من البقية (1).

ويتضح من خلال التوزيع الجهوي للقروض للعقار تمركز هذه الأخيرة في كل من جهة الدار البيضاء وجهة الرباط – سلا – زمور – زعير. بالإضافة إلى ذلك أبرز الاستقصاء توجه البنوك نحو التمويل بأسعار فائدة متغيرة مع تمديد المدة المتوسطة في ما يتعلق  بقروض  السكن.  وهكذا  ثم  تطبيق  أسعار  متغيرة  على  نسبة 42%  من القروض

 

 (1) من التقرير السنوي لبنك المغرب 2006  ص44

 

الموزعة سنة 2006. فيما عرفت المدة المتوسطة للقروض تمديدا حيث انتقلت من 14,6 سنة 2005 إلى 15,8 سنة 2006 (1).

ب) القروض الاستهلاكية.

تقدم هذه القروض للأفراد من اجل تمويل احتياجاتهم الاستهلاكية. فهي قروض تنصب على تمويل الشراءات للأموال المنقولة وجميع الخدمات المنصبة على  استهلاك الأدوات المنزلية (2).

فالقروض الاستهلاكية موجهة مبدئيا لتنمية الاقتصاد ولرفاهية مواطني الدولة بصفة عامة فهي تسمح وتمكن المستهلك من شراء المنتوجات أو الأموال المادية الأخرى أو بالاستفادة من الخدمات. لكن ما يميز أداءها المؤجل عن الأداء الناض. هو أن المستهلك يحوز تلك الأموال والخدمات قبل أن يسوي مصاريفها مع التاجر أو المهني الذي قدمها له. فالمستهلك لا يبدأ في أداء ثمن تلك الأدوات أو الخدمات موضوع القرض الاستهلاكي إلا بعد مرور مدة يتفق عليها مع البائع أو المقرض أو مقدم الخدمة. وعليه فإن قرض الاستهلاك هو الذي يقدم لتمويل حاجيات شخصية أو عائلية أو تجهيز منزلي (3).

ومن أهم خصائص هذا النوع من القروض، كونها ليست لها وجهة محددة للتمويل عند التعاقد. لكنها تأخذ وجهتها عند استعمالها من طرف المستهلك، الذي يعود له الحق في استعمال قرضه بكل حرية لتمويل الشراءات والخدمات التي يقع اختياره عليها (4) ويتميز هذا النوع من القروض بموسمية الإقبال عليه، وكذا بمبلغه المحدود بين حدين أدنى و أعلى. ولقد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية أن هذا النوع من القروض تطبق عليه مقتضيات قانون الاستهلاك الفرنسي. حيث اعتبرت أن القرض الشخصي قرض استهلاك مهما كانت طبيعة تخصيصه (5) وعلى خلاف ذلك لم يشر مشروع قانون الاستهلاك المغربي لهذا النوع من القروض حيث يبقى حاليا خاضعا للقواعد العامة والخاصة التي يخضع لها تنظيم القروض البنكية.

(1) من التقرير السنوي لبنك المغرب 2006، ص

(2) Bruno Moschetto et André Plagnol : le crédit à la consomation, que sais je ? N° 1516 édition Puf. Paris 1973. P 5.

(3) Abdellah Boudahraine : le droit de la consommation au Maroc. 1ère édition 1999. édition AL Madariss. Casablanca. P 24.

(4)  Jean Calais – Auloy et Frank Steinmetz : Droit de la consomation, DALLOZ, précis droit privé. 1996, P 316.

(5) Revue juridique . DALLOZ, N° 2036. 1998. P 254.

ومن بين الإشكالات التي يطرحها هذا النوع من القروض نذكر إشكال الاستدانة المفرطة وهي حالة تراكم الديون المتمثلة في الاستحالة الواضحة بالنسبة لمستهلك ذي النية الحسنة على مواجهة كل ديونه غير المهنية الحالية والمستقبلية، الأمر الذي يؤدي إلى إحداث خلل في توازن ميزانيته يستحيل معها تسديد جميع مستحقات هذه الديون.

3) تصنيف القروض على أساس الضمان.

<><> 

 

يعتبر عنصر الضمان من بين أحد أهم الوسائل التي تلجأ لها مؤسسات الائتمان من أجل حماية نفسها ضد مخاطر القروض البنكية. فهذه الوسيلة تساعد الأبناك على استيفاء حقها وذلك حين تخلف العميل المقترض عن الوفاء بالتزاماته العقدية.

وتقسيم القروض البنكية في هذا المجال إلى قسمين رئيسيين. وهما القروض الموثوقة بضمان والقروض غير الموثوقة بضمان.

أ – القروض الموثوقة بضمان : هي تلك القروض التي تمنح بضمان معين. وكيفما كان نوع هذا الضمان. ويطلق على هذه الضمانات اسم ضمانات تكميلية لأنها تطلب استكمالا لعناصر الثقة الموجودة أصلا وليس بديلا عنها.

والضمان هو إعطاء حق معين للمقرض، يستطيع به أن يسترد المبلغ الذي له في ذمة المقترض. ويتوقف الضمان هنا على درجة المخاطرة الائتمانية التي يتحملها البنك في عمليات الإقراض.

وفي الواقع تختلف طبيعة الضمانات التي يطلبها البنك والأشكال التي يمكن أن تأخذها. ويمكن على العموم تصنيف هذه الضمانات إلى صنفين رئيسيين هما الضمانات الشخصية والضمانات العينية. وأهم الضمانات العينية هي الرهن خاصة الرهن العقاري ورهن الأصل التجاري والقيم المنقولة. أما الضمانات الشخصية فتتمثل في تقديم المقترض لكفيل له كضامن لملاءته من أجل تنفيذ جل الالتزامات المترتبة عن عقد القرض.

ب) القروض الغير موثوقة بضمان : هي تلك القروض التي تمنح بدون الاستناد إلى ضمان معين إلى عملاء اشتهروا باستقامتهم وبوفائهم بالتزاماتهم وبملاءة ذمتهم المالية. وأغلب البنوك من الناحية العملية لا تمنح هذا النوع من القروض إلا لبعض المؤسسات التي لها وزنها في الاقتصاد المغربي. كالمكتب الشريف للفوسفاط ومكتب استغلال الموانئ.

وعموما فمهما كان نوع القرض البنكي وطبيعته فإنه يبقى دائما عبارة عن عقد يربط بين البنك المقرض والعميل المقترض. وبالتالي فإنه يرتب التزامات متقابلة بين طرفيه تختلف بطبيعة الحال باختلاف المركز القانوني للمتعاقدين.

ثالثا  : عقد القرض والالتزامات المترتبة عنه.

إذا كان عقد القرض البنكي يخضع فيما يخص تكوينه وتنظيمه لمجموع القواعد القانونية الواردة بصفة عامة ضمن كل من قانون الالتزامات والعقود وبعض النصوص الخاصة، فإنه وكسائر العقود الأخرى يرتب مجموعة من الآثار والالتزامات القانونية في مواجهة طرفيه. وعليه فإننا سنعمل على تحديد أهم الالتزامات المترتبة عن هذا العقد وفقا للشكل التالي : 1) التزامات البنك المقرض.

         2) التزامات العميل المقترض.

1) التزامات البنك المقرض.

يلتزم البنك المقرض بتسليم مبلغ القرض المتفق عليه، كما يلتزم أيضا باحترام مدة السداد، وبتقديم النصح والإرشاد عند منحه للقرض. كما أنه قد يلتزم بمراقبة استعمال العميل لمبلغ القرض.

أ) الالتزام بتسليم مبلغ القرض.

يلتزم البنك بتسليم العميل المقترض مبلغ القرض المتفق عليه في العقد. وهذا ما يستفاد من نص المادة 856 ق ل ع. وهذا التسليم قد يكون دفعة واحدة. أي أن البنك يلتزم بتسليم مبلغ القرض بكامله دفعة واحدة إلى العميل المقترض، أو أن يتم التسليم على عدة دفعات، وذلك عن طريق تضمين عقد القرض المخصص مبلغه لغرض معين، ما يفيد أن التزام البنك بتسليم العميل للمبالغ المقترضة سيتم تنفيذه على مراحل بحسب تقدم العميل في استعمال هذا الجزء من القرض في الغرض المخصص له. بحيث يتم بناء على ذلك تجزئة أو تشطير مبلغ القرض إلى عدة أشطر.

وغني عن البيان هنا بأن تسليم البنك لمبلغ القرض للعميل يمكن أن يكون إما نقدا أو عن طريق إدراجه في الحساب البنكي للمقترض. وذلك حتى يتسنى له سحبه واستعماله متى شاء.

وفي هذا السياق ينبغي على البنك المقرض العمل على تحديد نوع القرض الذي يتناسب وطبيعة نشاط المقترض. وذلك على اعتبار أن البنكي كمهني يمارس عمليات الإقراض بصفة اعتيادية واحترافية وهو الذي يتحمل المسؤولية عما يلحق المقترض من أضرار ناجمة عن عدم ملاءمة القرض المعروض من طرفه لاحتياجات المقترض وبالتالي عدم ملاءمته مع مصلحته.

ب) احترام مدة السداد.

إذا كان البنك يتمتع بخصوص منح القرض أو عدم منحه بحرية كبيرة. فإنه وفي حالة إبرامه لعقد قرض مع عميل معين فإنه يلتزم باحترام مدة السداد المتفق عليها في عقد القرض. بحيث لا يمكنه للبنك مطالبة العميل بإرجاع مبلغ القرض أو جزء منه قبل حلول أجل السداد. وإلا عد مسؤولا عن كل تصرف يخالف ذلك.

وفي هذا الإطار لا يمكن للبنك تغيير مدة القرض إلا باتفاق صريح مع المقترض وهذا ما يستفاد من المادة 866 ق ل ع.

ج) التزام البنك بتقديم النصح والإرشاد للمقترض.

إن من مصلحة البنك المانح للقرض أن يقدم للعميل المقترض ما يكفي من المعلومات والنصائح التي ترشده لحسن استعمال مبلغ القرض، ويكون البنك في هذا الإطار ملزم بإرشاد العميل لكل ما قد يترتب عن عملية القرض هذه من التزامات في مواجهة الطرفين وحتى يكون هذا الأخير على بينة من حقوقه وواجباته.

ويقصد عموما بواجب النصح التزام صاحب الاختصاص في أي ميدان من الميادين بأن يبدي النصيحة لمن يتعامل معه في إطار العلاقة التي تربطهما بهدف توضيح الجوانب الخفية. والتي غالبا ما تكون تقنية لنشاط معين أو من أجل تجنيبه ما قد يترتب عن تلك العلاقة من مخاطر غير متوقعة تضربه في الحال أو في المآل (1).

 

 (1) محمد صبري : الأخطاء البنكية، مرجع سابق، ص 301.

 

 

د) التزام البنك بمراقبة كيفية استعمال العميل لمبلغ القرض.

<><> 

 

تكون مؤسسات الائتمان ملزمة بمراقبة كيفية استعمال المقترض لأقساط القرض وذلك من أجل الحيلولة دون استخدام القرض كذريعة مهنية من أجل قضاء مآرب شخصية.

ذلك أنه يكون من حق البنك، في حالة تضمين عقد القرض ما يفيد تخصيصا من هذا القبيل أن يعمل على مراقبة كيفية استخدام العميل لمبلغ القرض والتأكد من عدم خروج هذا الاستخدام عن الإطار المتفق عليه إبان منح الائتمان، إذ أن استعمال الأموال المقترضة في غير الغرض الذي على أساسه ثم إقراضها من شأنه أن يهدد قدرة المقترض على الوفاء بالتزامه المتمثل في رد ما اقترضه، مما يعطي للبنك المقرض الإمكانية في المطالبة بهذا الرد فورا وفسخ العقد نتيجة مخالفة العميل لتعهده الذي كان محل اعتبار رئيسي في هذا  العقد (1).

والغالب في الأمر أن يكون للعميل المستفيد من القرض البنكي حرية استعمال الأموال المقترضة فيما يناسبه من غير أن يكون للمؤسسة البنكية مانحة هذا القرض أي اعتراض على ذلك. ما لم ينص العقد الرابط بين الطرفين بهذا الشأن على تخصيص المبلغ المقترض لإنجاز عملية معينة أو غرض معين (2).

وإضافة إلى هذه الالتزامات فإن البنك المقرض يلتزم بعدم التعسف في شروط العقد. مع أن الواقع العملي يبين لنا بأن أغلب عقود القرض والعقود البنكية عموما هي عقود إذعان. حيث أن العميل يكتفي بإمضائها فقط ولا يكون له عادة دخل في تحديد شروطها.

2) التزامات العميل المقترض.

يلتزم العميل المقترض شأنه شأن المؤسسة البنكية المانحة للقرض بمجموعة من الالتزامات العقدية، تتمثل بالأساس في رد مبلغ القرض عند حلول الأجل أي وفقا للجدول الزمني المتفق عليه في العقد. إضافة إلى الفائدة المترتبة عن أصل القرض. كما يتعهد المقترض باستخدام مبلغ القرض في الغرض المخصص له إذا تضمن عقد القرض ما يفيد ذلك.

 

 (1) علي جمال الدين عوض : عمليات البنوك من الوجهة القانونية، المرجع السابق، ص 465.

(2) محمد لفروجي : العقود البنكية بين مدونة التجارة والقانون البنكي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، أكتوبر 1998، ص 288.

 

أ) رد مبلغ القرض عند حلول الأجل.

بما أن عقد القرض يعتبر من العقود التي ترد على الملكية، فمن المفروض أن المقرض في هذا العقد ينقل ملكية مبلغ القرض إلى المقترض منذ الوقت الذي يتم فيه العقد بتراضي الطرفين مع العلم أن الملكية تنتقل هنا إلى المقترض بالعقد وحده ولو قبل التسليم. ويترتب عما سبق بيانه أن المقترض يصير من تمام العقد مالكا ضامنا لمحل القرض ولو قبل التسليم. وإن كانت هذه القاعدة مكملة يصح الاتفاق على خلافها (1).

وتأسيسا على ما سبق يكون المقترض ملزما بأن يرجع مبلغ القرض مع الفائدة في الوقت المحدد إما دفعة واحدة أو على مراحل وذلك حسب ما ثم الاتفاق عليه في العقد، حيث تتخذ هذه الدفعات شكل أقساط شهرية أو دورية وذلك بهدف تسهيل وتيسير عملية السداد على المقترض.

ويبقى للبنك حق حبس مبلغ القرض بين يديه أو وقف مبالغ باقي أشطر القرض وذلك في الحالة التي يتوقف فيها العميل عن السداد، مع إعطائه مهلة من أجل تسوية وضعيته داخل أجل معين.

فإذا لم يقم العميل المعني بالأمر بتنفيذ ما طلب منه داخل الأجل الذي حدد له أو لم يقدم في مقابل ذلك مبررات مقبولة لعدم قيامه بذلك كأن يحصل مانع مؤقت يحول دونه والقيام بذلك يصبح البنك المقرض محقا في مطالبته بإرجاع ما تسلمه من أموال وبفسخ عقد القرض.

ب) استعمال مبلغ القرض في الغرض المخصص له.

يلتزم العميل المقترض باستعمال مبلغ القرض في الغرض المخصص له. وذلك إذا تضمن عقد القرض تخصيص مبلغ القرض لغرض معين.

وتقوم المؤسسات البنكية في الغالب بتشطير مبلغ القرض إلى أجزاء. مما يفيد التزام المقترض باستعمال مبلغ القرض على مراحل، بحيث لا يسلم له مبلغ الشطر الموالي إلا إذا أثبت أنه استعمل مبلغ الشطر الأول في الغرض المخصص له.

 (1) محمد جنكل : الائتمان التجاري ، مرجع سابق، ص 31.

 

وتلجأ الأبناك إلى هذه التقنية لأنه يصعب عليها من الناحية العملية مراقبة استخدام المقترض لمبلغ القرض في الغرض المخصص له. وبالتالي فإذا لم يثبت المقترض ما يفيد استخدام القرض في الغرض المتفق عليه فإن البنك يعمل على تعليق أو وقف باقي مبالغ أشطر القرض ويعطي مهلة للعميل المقترض من أجل تسوية وضعيته.

ج) الالتزام بدفع الفائدة المقررة.

يلتزم المقترض بدفع الفائدة عن مبلغ القرض الذي يستفيد منه والقاعدة في الفائدة هي أن تكون نسبتها مناسبة لرأس المال المعتمد في القرض وإلى مدة القرض الممنوح. وتختلف الفائدة من بنك لآخر. كما تختلف داخل المؤسسة البنكية من فئة إلى فئة أخرى من العملاء.

رابعا : أهمية الموضوع ومبررات اختياره.

أ) أهمية الموضوع.

تتجلى أهمية موضوع هذا البحث في كشف النقاب عن مخاطر القروض البنكية وعن مصادرها وتجلياتها بالنسبة لمؤسسات الائتمان. وذلك على اعتبار أن هذه المخاطر أصبحت تشكل اليوم إحدى أهم المعوقات الأساسية التي تقف في وجه تطور النشاط الائتماني لمؤسسات الائتمان وذلك من خلال تمويل الأفراد والمقاولات وبالتالي في تنمية ودعم الاقتصاد الوطني.

فلا يخفى على أحد الدور الهام الذي أصبحت تقوم به هذه المؤسسات في دعم وتمويل الحياة التجارية للعديد من المشروعات الاستثمارية والصناعية، وهو الأمر الذي يتطلب حمايتها من مختلف أنواع المخاطر التي قد تعصف باستمرارية استغلالها. وذلك من خلال التوفر على أرضية قانونية سليمة وعلى آليات رقابية وتقنية قادرة على خلق نوع من التوازن بين الوظيفة الائتمانية لهذه المؤسسات وبين صلابتها المالية.

ب) مبررات اختيار الموضوع.

وقع اختيارنا لموضوع مخاطر القروض البنكية، بناء على توجيه من استأذنا المشرف الدكتور عبد الرحمان لسلامي. إضافة إلى مجموعة أخرى من الأسباب يمكن حصر أهمها فيما يلي :

- قلة وندرة الدراسات القانونية التي تناولت موضوع هذا البحث بالتحليل والمناقشة.

- اقتصار معظم الباحثين على تناول الجانب التقني والفني لمخاطر القروض البنكية دون التركيز على الجانب القانوني.

- قيام المشرع المغربي بمواكبة مختلف المستجدات القانونية التي يعرفها موضوع هذا البحث. والتي توجت بالأساس بصدور ظهير 14 فبراير 2006.

- إعطاء فكرة ولو بسيطة للباحث المغربي عن موضوع مخاطر القروض البنكية وعن الآليات المعتمدة من طرف المشرع لاحتواء هذه المخاطر والتقليص من حدتها وآثارها على مؤسسات الائتمان.

خامسا : الإشكالات التي يطرحها الموضوع.

إن تناولنا لموضوع مخاطر القروض البنكية قد أثار مجموعة من التساؤلات والإشكالات حول ماهية وطبيعة هذه المخاطر. وذلك باعتباره موضوعا يثير أكثر من تساؤل وعلامة استفهام.

ولقد حاولنا من خلال هذا البحث التركيز على إشكالية مركزية جعلنا منها أساس هذا الموضوع وهي كالتالي :

" ما مدى قدرة مؤسسات الائتمان على التوفيق بين وظيفتها الائتمانية وبين تحصين نفسها ضد مخاطر القروض البنكية ".

ولقد تفرعت عن هذه الإشكالية المركزية مجموعة من التساؤلات حاولنا حصر أهمها فيما يلي :

1)- ماهو الإطار القانوني الذي ينظم موضوع مخاطر القروض البنكية وماهي القيمة القانونية التي يتمتع بها في مواجهة مؤسسات الائتمان ؟

2)- ماهي تجليات مخاطر القروض البنكية على مؤسسات الائتمان ؟

3)- ماذا نقصد بالديون المعلقة الأداء ؟

4)- هل تعتبر الضمانات البنكية بتعدد أشكالها وأنواعها أمرا كاف لاستيفاء مؤسسات الائتمان لمستحقاتها في مواجهة عملائها ؟

5)- ماهي أهم الصعوبات المسطرية التي تواجه مسطرة تحقيق الرهن الرسمي باعتبارها من أهم الضمانات البنكية ؟

6)- ماهي الحدود القانونية التي ينبغي على مؤسسات الائتمان عدم تجاوزها عند قيامها بإقراض مقاولات تعاني من صعوبات واضطرابات مالية ؟

7)- ما مدى أحقية البنك في إيقاف تنفيذ عقد القرض الذي يربطه بمقاولة تعاني من صعوبات مالية ؟

8)- هل يتوفر المغرب على سوق بنكية تنافسية قادرة على التأثير على أسعار الفائدة ارتفاعا ونزولا ؟ وما مدى تأثير ذلك على الأبناك المغربية ؟

9)- ماهي الآليات المعتمدة للحد من مخاطر القروض البنكية ؟

10)- ماهي قيمة المستجدات القانونية التي جاء بها ظهير 14 فبراير 2006 على مستوى الرقابة البنكية والقواعد الاحترازية ؟ وما مدى تفعيل ذلك على أرض الواقع ؟

11)- ماهو دور صناديق الضمان في حماية مؤسسات الائتمان من مخاطر القروض البنكية ؟

سادسا : خطة البحث .

<><> 

 

لقد ارتأينا تناول موضوع مخاطر القروض البنكية وفق منهجية محددة، اعتمدنا فيها على تقسيم هذا البحث إلى فصلين أساسيين. خصصنا الفصل الأول للحديث عن القواعد العامة التي تؤطر هذا الموضوع وذلك سواء عبر الحديث عن طبيعة هذه المخاطر وأساسها القانوني أو من خلال الحديث عن مصادرها وتجلياتها على مؤسسات الائتمان.

أما الفصل الثاني فقد قمنا من خلاله بالحديث عن أهم الآليات المعتمدة للحد من مخاطر القروض البنكية. والتي ترتكز بالأساس على آليات الرقابة الداخلية والخارجية لمؤسسات الائتمان عموما وأيضا على الدور المركزي لصناديق الضمان في حماية هذه المؤسسات.

وكما بدأنا بحثنا بمقدمة فقد أنهيناه بخاتمة سجلنا من خلالها بعض الملاحظات التي قد تساعد مؤسسات الائتمان مستقبلا في الاحتماء من هذه المخاطر.

وعموما فإن المنهجية التي اعتمدناها لتناول موضوع هذا البحث تتجلى فيما يلي :

الفصل الأول   : مخاطر القروض البنكية.

المبحث الأول : الأحكام العامة للمخاطر البنكية.

المبحث الثاني : تجليات مخاطر القروض البنكية.

الفصل الثاني : آليات ضبط مخاطر القروض البنكية.

المبحث الأول : الرقابة البنكية كآلية لضبط المخاطر.

المبحث الثاني : دور صناديق الضمان في تغطية مخاطر القروض البنكية.

<><> 

 

 

 

الفصــــل الأول :

مخاطر القروض البنكية.

مما لاشك فيه أن الوثيرة السريعة التي تتطور بها الحياة التجارية كان لها بالغ الأثر على نشاط مؤسسات الائتمان، والتجسيد الفعلي لهذا الأثر يتمثل في كثرة عمليات الائتمان التي تقوم بها هذه المؤسسات، لدرجة يصعب معه حصرها خاصة أمام تعدد العلاقات التجارية والعقود التي أصبحت تربط هذه المؤسسات بعملائها.

وإذا كانت القروض البنكية تأتي على قائمة عمليات الائتمان التي تقوم بها المؤسسات البنكية، فإن هذه العملية الائتمانية وعلى الرغم من بساطة تكوينها تنطوي بطبيعتها على العديد من المخاطر التي ترافقها وتصاحبها منذ بداية إنشائها وإلى غاية انتهائها.

وعليه فإنه أمام هذا الواقع الذي لا يمكن تجنبه، فإن الخطر باعتباره عنصرا ملازما للقرض البنكي، لا يمكن بأي حال من الأحوال إلغاؤه بصفة نهائية أو استبعاد إمكانية حدوثه ما دامت هناك فترة انتظار قبل حلول آجال استرداده.

فإن ذلك لا يعني التسليم بهذه الحقيقة بشكل مطلق، بل يجب التعامل معها بشكل موضوعي وواقعي وذلك على أساس العمل على التخفيض والتقليص من آثارها لأدنى حد.

وحتى يتأتى للمؤسسات البنكية تحقيق هذا الهدف، فإن عليها بداية فهم ماهية وطبيعة هذه المخاطر وتحديد مختلف المصادر التي يمكن أن تتسبب في حدوثها وذلك حتى تستطيع فيما بعد التحكم فيها ورقابتها.

وعليه فقد ارتأينا تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين، نتطرق في المبحث الأول للقواعد العامة التي تحكم هذه المخاطر، بينما نتناول في المبحث الثاني مختلف صور وتجليات هذه المخاطر على المؤسسات البنكية.

المبحث الأول : الأحكام العامة للمخاطر البنكية.

المبحث الثاني : تجليات مخاطر القروض البنكية.

 

 

المبحــــث الأول :

الأحكام العامة للمخاطر البنكية

<><> 

 

تعتبر المخاطر البنكية جزء لا يتجزأ من القرار الائتماني حيث أصبح من المستحيل أن نجد من الناحية العملية قرارا ائتمانيا خاليا من هذه المخاطر، ذلك أن درجة المخاطر الائتمانية المصاحبة لمنح الائتمان البنكي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصل إلى العدم وذلك لأنها تعتبر من صميم العمل البنكي، وعليه فإنه يمكن اعتبار المؤسسات البنكية مؤسسات مالية متعددة المخاطر ترتكز في وظيفتها على أخذ هذه المخاطر البنكية وتعمل على تقنينها والتحكم فيها من أجل تحويلها وترجمتها إلى خدمات ومنتجات بنكية.

وتحقيقا لهذا الغرض ألزم المشرع المغربي مؤسسات الائتمان بوجوب التحوط من هذه المخاطر وذلك عبر اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات الاحترازية والتي جاءت على شكل نصوص وقواعد قانونية (المطلب الأول) ثم عبر تحديد مجموع العوامل المؤثرة فيها والتي تساهم بشكل أو بآخر في التخفيض أو الرفع من مستواها وذلك بغية التحكم فيها ورقابتها (المطلب الثاني).

 

 

 

 

 

المطلب الأول :

التنظيم القانوني للمخاطر البنكية.

إن الحديث عن المخاطر البنكية تقتضي منا دراستها من زاويتين، الأولى تلزمنا بالتطرق للأساس القانوني لهذه المخاطر والثانية تجرنا للحديث عن طبيعة هذه المخاطر لذا فإننا سنحاول من خلال هذا المطلب العمل على دراسة السند القانوني للمخاطر البنكية وذلك على اعتبار أن تنظيمها من قبل دوريات ومناشير والي بنك المغرب إنما يعتبر مجرد جزء من كل. ثم بعد ذلك ننتقل للحديث عن طبيعتها وعن أهم التقسيمات التي اعتمدها الفقه في تصنيف هذه المخاطر.

الفقرة الأولى : الإطار القانوني لمخاطر القروض البنكية.

مما لاشك فيه أن القانون البنكي كأي فرع قانوني آخر من طبيعة مهنية ليس قانونا مستقلا. بمعنى أنه لا يتمتع باستقلالية تامة. فهو يجمع تحت تسمية واحدة قواعد متنوعة أصولها وطبيعتها مختلفة. تنتمي إلى قواعد القانون الخاص والعام إضافة إلى قواعد القانون الاقتصادي.

لذا كان من الطبيعي أن تتنوع مصادر القانون البنكي باعتباره قانونا ذا طبيعة خاصة (1) يتميز بفنيات وتقنيات جعلت منه قانونا تقنيا بالدرجة الأولى، ولما كانت أهمية أي فرع قانوني تتحدد بأهمية الموضوع الذي ينظمه. فإن أهمية القانون البنكي تتجلى من خلال الدور الذي أصبح يلعبه القطاع البنكي في الحياة الاقتصادية للدول والمجتمعات(2).

 

 (1) فالمشرع المغربي في القانون البنكي يضع قواعد قانونية خاصة ومتميزة دون مبالاة بالتصنيفات القانونية الموجودة، لأن غرضه الأساسي هو محاولة التحكم في الواقع الاقتصادي ومعطياته. والتي لا تتطابق بالضرورة والتصنيفات القانونية المعروفة.

    انظر بهذا الخصوص : عائشة الشرقاوي المالقي، الوجيز في القانون البنكي المغربي، الطبعة الثانية 2007، مطبعة دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، ص 16.

(2) حيث أصبح يلاحظ بأنه ما من شخص ذاتي أو معنوي يكاد يستغني اليوم عن اللجوء إلى الأبناك إما اختياريا أي بإرادته للحصول على قرض أو ائتمان أو فقط من أجل إيداع مدخراته، وإما إجباريا، ويتجلى ذلك من خلال إلزام مدونة التجارة كل تاجر بأن يفتح لأغراضه التجارية حسابا في مؤسسة بنكية أو في مركز للشيكات البريدية، وبأن كل وفاء من جانب التاجر يفوق مبلغه عشرة آلاف درهم، ينبغي أن يتم بواسطة شيك مسطر أو بتحويل (المادة 306 من مدونة التجارة).

 

 

          فالقانون البنكي مثله مثل أي قانون مهني ينظم مهنة معينة بكل علاقاتها وما ينتج عنها. لا يسلم من تأثير القانون العام على قواعده وعلى النشاط الذي يحكمه. فالدور الاقتصادي الهام الذي يقوم به القطاع البنكي دفع الدولة إلى التدخل فيه بفعالية كبيرة. فهناك رقابة منظمة من أجهزة حكومية لدرجة أن بعض الفقه وبعض الاجتهادات القضائية          – لا سيما في فرنسا – نجدهم يصفون البنوك بأنها تقوم بمهمة مرفقية. أي يربطون بين البنك والمرفق العام (1).

وفي هذا السياق نجد بنك المغرب كمؤسسة عمومية ذات شخصية معنوية واستقلال مالي من بين أهم الأجهزة المكلفة بمراقبة حسن سير النظام البنكي في المغرب وذلك بصريح نص المادة 9 من القانون رقم 76.03 (2) والتي جاء فيها :

" يتحقق البنك من حسن سير النظام البنكي ويسهر على تطبيق الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بنشاط ومراقبة مؤسسات الائتمان والهيآت المعتبرة في حكمها ".

وكنتيجة لما سبق. وبناء على الدور المنوط ببنك المغرب كجهاز ضابط للنشاط البنكي في المغرب. فقد صدر عن والي بنك المغرب مجموعة من المناشير والدوريات التي تقنن وتنظم نشاط مؤسسات الائتمان وتحميها من مختلف المخاطر التي تتهدد هذا القطاع.

وذلك على اعتبار أن قانون مؤسسات الائتمان الصادر بتاريخ 14 فبراير 2006. لم ينظم موضوع مخاطر القروض البنكية بصفة صريحة شأنه في ذلك شأن ظهير 6 يوليوز 1993. وإنما اكتفى بالإحالة على المناشير والدوريات الصادرة عن والي بنك المغرب في هذا الصدد.

 (1) أنظر : علي جمال الدين عوض : عمليات البنوك من الوجهة القانونية ، مرجع سابق، ص 5.

(2) قانون رقم 76.03 يتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب والصادر لتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.05.38 في 20 من شوال 1426 الموافق لـ 23 نوفمبر 2005، الجريدة الرسمية عدد 20.5397 فبراير 2006، ص 427.

 

وعليه فبالرجوع إلى الفصل الثاني من الباب الثالث من ظهير 14 فبراير 2006. والمتعلق بالقواعد الاحترازية الواجب على مؤسسات الائتمان التقيد بها وبالضبط المواد 50 و 51 و 52 (1) نجد المشرع هنا قد أشار إلى كلمة مخاطر ما يقرب من أربع مرات. وذلك دون تحديد لماهية هذه المخاطر أو أصنافها أو طبيعتها. ولكنه في المقابل أحال تنظيمها – كما سبقت الإشارة إلى ذلك – على المناشير التي يصدرها والي بنك المغرب في هذا    الإطار (2).

وبالفعل فقد صدر عن والي بنك المغرب بتواريخ متباينة مجموعة من المناشير التي تتناول موضوع المخاطر البنكية بصفة عامة ومخاطر القروض البنكية بصفة خاصة، إضافة إلى مجموعة من القواعد الاحترازية الواجب على مؤسسات الائتمان التقيد بها.

ويأتي على رأس هذه المناشير المنشور رقم 40/G/2007 (3) والذي صدر تطبيقا لنص المادة 51 من القانون البنكي (4) والتي جاءت بدورها تطبيقا لتوصيات اتفاقية بال الثانية بشأن الرقابة البنكية (5).

 (1) نصت المادة 50 من القانون البنكي على ما يلي :

     يجب على مؤسسات الائتمان للمحافظة على سيولتها وملاءتها وتوازن وضعيتها المالية أن تتقيد بصورة فردية ومثبتة أو مثبتة فرعية أو هما معا بالقواعد الاحترازية المحددة بمناشير يصدرها والي بنك المغرب بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان والمتمثلة في مراعاة الحفاظ على نسب ولاسيما :

    - بين جميع أو بعض ...

    - بين الأموال الذاتية وجميع أو بعض المخاطر المتعرض لها.

    - بين الأموال الذاتية ...

    - بين الأموال الذاتية وجميع المخاطر المتعرض لها بالنسبة إلى مستفيد واحد أو مجموعة من المستفيدين تجمع بينهم روابط قانونية أو مالية تجعل منهم مجموعة ذات مصالح مشتركة.

(2) تجدر الإشارة هنا إلى أن الأحكام المتعلقة بالقواعد الاحترازية كانت في إطار ظهير 6 يوليوز 1993 من اختصاص وزير المالية، إلا أن القانون البنكي الجديد جعل هذه الأحكام من اختصاص والي بنك المغرب، وذلك في إطار تعزيز استقلالية والي بنك المغرب عن وزير المالية.

(3) منشور والي بنك المغرب رقم 40/G/2007 الصادر في 2  أغسطس 2007 والمتعلق بالمراقبة الداخلية لمؤسسات الائتمان والمصادق عليه من قبل قرار لوزير المالية والخوصصة بتاريخ 23 اغسطس 2007. الجريدة الرسمية عدد 5581 بتاريخ 15 ذو القعدة الموافق لـ 26 نوفمبر 2007. ص 3649.

(4) تنص المادة 51 من القانون البنكي :

   " يجب على مؤسسات الائتمان أن تتوفر وفق الشروط المحددة بمنشور يصدره والي بنك المغرب بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان على نظام ملائم للمراقبة الداخلية يراد به تحديد جميع المخاطر التي تتعرض لها وقياسها ورقابتها وأن تقيم أجهزة تمكنها من قياس مردودية عملياتها ".

(5) هذا ما جاء في شرح وتقديم مواد قانون رقم 34.03 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيآت المعتبرة في حكمها. حيث تم التنصيص في شرح المادة 51 على ما يلي :

    تنفيذا لتوصيات " بال " تلزم جميع مؤسسات الائتمان بالتوفر على نظام مراقبة داخلية وذلك وفق الشروط المحددة بمنشور يصدره والي بنك المغرب .

     من تقرير لجنة المالية والتنمية الاقتصادية حول قانون رقم 34.03 الكتابة العامة لمجلس النواب، السنة التشريعية الرابعة، دورة أكتوبر 2005، مصلحة اللجان، ص 39.

 

 

هذا المنشور الذي يعتبر الدعامة الأساسية لموضوع المخاطر البنكية باعتباره قد عمد إلى تحديد مختلف المخاطر التي تهدد النشاط البنكي والأجهزة الكفيلة بقياسها والتحكم فيها ورقابتها. وهذا ما نصت عليه المادة 30 من المنشور حيث جاء فيها :

" يجب أن تمكن أجهزة قياس المخاطر والتحكم فيها ورقابتها من ضمان :

- التقييم والتحكم الجيدين في مجموع المخاطر التي تتعرض لها المؤسسة خصوصا مخاطر الائتمان ومخاطر السوق ومخاطر التشغيل ومخاطر سعر الفائدة في محفظة البنك ومخاطر تمركز القروض ومخاطر السيولة ومخاطر التسليم مقابل الأداء وكذا المخاطر المرتبطة بالأنشطة التي يتم إسنادها لجهات خارجية.

- وضع إجراءات تقييم الكفاية الإجمالية للأموال الذاتية الداخلية مقارنة مع هذه المخاطر ".

فهذه المادة قامت بجرد لمختلف أنواع المخاطر البنكية التي يمكن أن تتعرض لها مؤسسات الائتمان وهي بصدد قيامها بمختلف عملياتها الائتمانية المباشرة والغير المباشرة وعلى دور الأجهزة الداخلية لكل مؤسسة بنكية في السيطرة على هذه المخاطر والتحكم فيها تبعا لحجم ودرجة تعقيد أنشطة كل مؤسسة على حدة.

وعلى اعتبار أن المخاطر التي تهمنا في هذا البحث هي المخاطر التي لها علاقة مباشرة بالقروض البنكية. فإننا سنركز اهتمامنا من خلال هذا العمل المتواضع على مختلف المخاطر التي يمكن أن ترافق عملية القرض البنكي من بدايته وحتى مرحلة استخلاصه.

وعلى هذا الأساس فإن المخاطر التي ستكون موضوع دراستنا هي : مخاطر الائتمان بما فيها خطر تمركز القروض والصعوبات التي تواجه المؤسسات البنكية في استخلاص قروضها ومخاطر التشغيل باعتبارها مخاطر قد تثير مسؤولية البنك المدنية وأخيرا مخاطر سعر الفائدة البنكية.

وفي هذا السياق نجد أن هذا المنشور قد قام بتعريف كل خطر على حدة وعلى الإجراءات التي ينبغي القيام بها حال تحقق هذا الخطر. إضافة إلى إلزامه لمؤسسات الائتمان بوجوب إجراء عمليات اصطناع للأزمات تخص كل خطر وذلك بهدف تقييم قابلية محفظة المؤسسة للتأقلم حال تحقق هذا الخطر.

وبالإضافة إلى هذا المنشور (رقم 40) فقد صدر عن والي بنك المغرب مجموعة أخرى من المناشير التي تصب في نفس السياق وتهدف إلى تحقيق نوع من التوازن بين مختلف العمليات التي تقوم بها المؤسسات البنكية وبين مجموع المخاطر التي قد تتعرض لها.

وفي هذا الإطار نجد كلا من :

* المنشور رقم 41/G/2007 المتعلق بواجب اليقظة المفروض على مؤسسات الائتمان (1) هذا المنشور الذي يهدف إلى وجوب مراعاة مؤسسات الائتمان لمجموعة من المعايير والخطوات قبل إقدامها على التعامل مع عملائها. لاسيما تتبع ومراقبة العمليات التي تشكل درجة كبيرة من المخاطر على المؤسسة.

وفي هذا السياق يجب على المؤسسات البنكية العمل على تحديد هوية عملائها بشكل دقيق ومعمق. لاسيما الأشخاص المعنويين. بما في ذلك الشركات التي هي في طور التأسيس والمجموعات ذات النفع الاقتصادي أو النفع العام وشركات المساهمة المبسطة (2). كما يلزمها هذا المنشور بوجوب تصنيف عملائها إلى فئات مختلفة وذلك حسب نوعية المخاطر التي يمثلونها. وإلى وضع حدود دنيا لكل فئة أو نوع معين من العملاء يؤدي تجاوزها إلى اعتبار العمليات غير اعتيادية أو مشبوهة (المادة 16 من المنشور).

 (1) منشور والي بنك المغرب رقم 41/G/2007 مصادق عليه من قبل وزير المالية والخوصصة بتاريخ 23 أغسطس 2007، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5581 بتاريخ 15 ذو القعدة 1428 الموافق لـ 26 نوفمبر 2007، ص 3671.

(2) تنص المادة 6 من هذا المنشور :

        يتعين إعداد استمارة فتح الحساب باسم كل عميل من الأشخاص المعنويين ويجب أن تضمن فيها، حسب الطبيعة القانونية لهؤلاء الأشخاص، جميع البيانات التالية أو بعضها :

    - التسمية التجارية أو الشعار أو هما معا.

    - الشكل القانوني.

    - النشاط.

    - عنوان المقر الاجتماعي.

    - رقم التعريف الضريبي.

    - رقم التقييد في السجل التجاري للشخص المعنوي ولمؤسساته، عند الاقتضاء. وكذا مركز التسجيل.

    وتتضمن الوثائق التكميلية الواجب على الشركات التجارية الإدلاء بها ما يلي :

    - ...

    وبالنسبة للشركات التي هي في طور التأسيس. يجب على مؤسسة الائتمان طلب موافاتها بالشهادة السلبية وبمشروع النظام الأساسي وتجميع كافة عناصر البيانات لتحديد هوية مؤسسي الشركة والمكتتبين في رأسمالها.

    وبالنسبة للفئات الأخرى من الأشخاص المعنويين ( مجموعة ذات النفع الاقتصادي. مجموعة ذات النفع العام. شركة مساهمة مبسطة إلخ) تطلب مؤسسات الائتمان من بين ما تطلب، موافاتها بعناصر البيانات التكميلية التعريفية المحددة كما هي واردة في القوانين الجاري بها العمل.

 

 

* المنشور رقم 25/G/2006 المتعلق بالمعامل الأدنى لملاءة مؤسسات الائتمان والذي يحدد كيفية تغطية الأموال الذاتية لمخاطر الائتمان ومخاطر السوق التي تتعرض لها هذه المؤسسات. لاسيما وجوب مراعاة نسبة دنيا تبلغ 8% بين مجموع أموالها الذاتية من جهة ومجموع مخاطر الائتمان ومخاطر السوق من جهة أخرى.

* المنشور رقم 26/G/2006 المتعلق بالمتطلبات من الأموال الذاتية المرتبطة بمخاطر الائتمان ومخاطر السوق ومخاطر التشغيل التي تتعرض لها مؤسسات الائتمان.

* المنشور رقم 31/G/2006 المتعلق بالمعامل الأدنى لسيولة البنك والذي يجب على البنوك التقيد به.

* المنشور رقم 24/G/2006 المتعلق بالأموال الذاتية لمؤسسات الائتمان والذي حددت فيه الكيفية التي يجب أن تحسب وفقها الأموال الذاتية التي يتعين اعتبارها من أجل حساب المعاملات الاحترازية لمؤسسات الائتمان (1).

وتأسيسا على ما سبق نخلص إلى أن هذه المناشير الصادرة عن والي بنك المغرب تعتبر بمثابة الأساس القانوني لموضوع المخاطر البنكية بصفة عامة. حيث تقوم بعملية أجرأة لنصوص ومواد ظهير 14 فبراير 2006. وذلك على اعتبار أن كثيرا من مواد هذا الظهير تحيل صراحة عملية تنظيمها على مناشير والي بنك المغرب.

فهذه المناشير يمكن وصفها بالمفتاح الذي يسهل عملية الولوج لفهم واستيعاب موضوع المخاطر البنكية. خاصة وأن مواد القانون البنكي لوحدها لاتعين على فهم هذا الموضوع.

إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق يتمثل في القيمة القانونية لهذه المناشير ومدى إلزاميتها تجاه مؤسسات الائتمان والأغيار ؟

إن الجواب عن هذا السؤال يقتضي منا البحث في مصادر القانون البنكي وفي القواعد التي تؤطر وتنظم نشاط مؤسسات الائتمان.

 (1) هذه المناشير الأربع الأخيرة مصادق عليها من طرف وزير المالية والخوصصة بتاريخ 13 فبراير 2007. ومنشورة بالجريدة الرسمية عدد 5536 بتاريخ 5 جمادى الآخرة 1428 الموافق لـ 21 يونيو 2007. الصفحات 2097 – 2117 – 2154 – 2160 على التوالي.

 

بداية نشير إلى أن مصادر القانون البنكي متعددة ومتنوعة إلا أنه جرى العمل فقها على حصرها في ثلاث طوائف أساسية وذلك على النحو التالي :

1 – التشريع : ويضم كافة القواعد القانونية التي تحكم نشاط مؤسسات الائتمان والهيآت المعتبرة في حكمها. سواء ما ينتمي منها إلى القانون الخاص أو إلى القانون العام ويمكن إجمالها في :

- قواعد تشريعية خاصة كالقانون البنكي ومدونة التجارة.

- قواعد تشريعية عامة وتخص بالأساس القانون المدني.

- القواعد أو اللوائح المهنية.

- القرارات التنظيمية الصادرة عن البنك المركزي أو أجهزة الرقابة عموما.

- القواعد الزجرية ويقصد بها مختلف القواعد الجنائية التي تجرم أفعالا لها ارتباط بالعمل البنكي.

2 – العادات البنكية : وهي العادات التي استقر عليها التعامل في الميدان البنكي إلى أن باتت تعتبر ملزمة من قبل المتعاملين بها. وتتجلى أهميتها في كونها تسد الفراغ أو الثغرات التي يمكن أن تشوب التشريع الخاص.

3 – القواعد والأعراف الدولية الموحدة : ونخص بالذكر الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة في بعض مجالات النشاط البنكي. كالأوراق التجارية والاعتمادات المستندية. والرقابة البنكية.

والملاحظ أن تلك الاتفاقيات أو القواعد الموحدة ليست مصادر قانونية ملزمة بالمعنى الدقيق. وقوتها الإلزامية لا تسري على عملية ما إلا في الحدود التي يقرر فيها الأطراف ذلك أي أن تعتمدها مؤسسة الائتمان والعميل صراحة أو يفهم – على الأقل – من طبيعة العقد أن نيتهما قد اتجهت نحو اعتمادها، ولو ضمنا، والواقع العملي أثبت التزام البنوك بتلك الاتفاقيات أو القواعد الموحدة وقلة اعتراض العملاء عليها (1).

 

 (1) عائشة الشرقاوي المالقي : الوجيز في القانون البنكي : مرجع سابق، ص 18.

 

وانطلاقا مما سبق يتضح لنا مدى أهمية التشريع كأحد المصادر الرئيسية للقواعد التي تنظم وتقنن نشاط مؤسسات الائتمان والهيآت المعتبرة في حكمها باعتباره يضم مجموعة من القواعد التشريعية الخاصة والعامة إضافة إلى بعض القواعد أو اللوائح المهنية والقرارات التنظيمية الصادرة إما عن وزير المالية أو عن والي بنك المغرب.

والذي يهمنا في هذا الإطار هي المناشير الصادرة عن والي بنك المغرب ووزير المالية عموما والتي تتناول موضوع المخاطر البنكية بصفة عامة وذلك باعتبارها جزء لا يتجزأ من القاعدة القانونية المنظمة لنشاط مؤسسات الائتمان والهيآت المعتبرة في حكمها. وحتى يتأتى لنا تحديد القيمة القانونية لهذه المناشير ينبغي لنا أولا معرفة الفئة أو الصنف القانوني الذي تنتمي إليه هذه النصوص، ثم ثانيا معرفة مدى إلزاميتها في مواجهة مؤسسات الائتمان وفي مواجهة العملاء المتعاملين مع هذه المؤسسات.

بداية نشير إلى أن التشريع كمصدر رئيسي للقانون البنكي ينقسم من حيث قوته وأهميته إلى ثلاثة أنواع رئيسية. تتمثل بالأساس في الدستور أو التشريع الأساسي كأسمى قاعدة قانونية في البلاد ثم يليه في المرتبة التشريع العادي أو القانون بالمعنى الضيق وأخيرا يأتي التشريع الفرعي أو اللائحة كآخر صنف من أصناف التشريع.

وتدرج التشريعات بهذه الصورة يترتب عليه نتيجة قانونية هامة لأنه يعني اختلاف كل منها عن الآخر في قوته. هذه النتيجة هي أن التشريع الأدنى مرتبة لا يستطيع أن يخالف التشريع الأسمى أو أن يعدله أو أن يلغيه. بل يجب أن يكون مطابقا له. وهذا يعني من ناحية أخرى أن التشريع الأعلى مرتبة قد يلغي التشريع الأدنى أو يعدله (1).

وبناء على ما سبق نخلص إلى أنه إذا كان ظهير 14 فبراير 2006 ينتمي إلى فئة التشريع العادي أو القانون بصفة عامة وذلك لصدوره عن السلطة التشريعية، فإن المناشير الصادرة عن والي بنك المغرب والمصادق عليها من قبل وزير المالية تنتمي إلى الفئة

 

 (1) أنظر بهذا الخصوص : الطيب الفصايلي :  الوجيز في المدخل لدراسة القانون. الجزء الأول. نظرية القانون ، الطبعة الثانية 1993. مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء. ص 80.

 

 

الأخيرة من التشريع والتي تعرف بالتشريع الفرعي أو اللائحة (1) وذلك لصدورها عن سلطة إدارية وصية على القطاع البنكي ممثلة في والي بنك المغرب. وتمت المصادقة عليها من قبل وزير المالية والخوصصة باعتباره ممثلا عن السلطة التنفيذية.

ويرجع السبب في تكليف السلطة التنفيذية بإصدار التشريعات الفرعية نظرا لما تتمتع به من دراية دقيقة وخبرة فنية تجعلها قادرة على الإحاطة بمختلف التفاصيل والجزئيات التي تكون السلطة التشريعية غير ملمة بها.

وعليه وتأسيسا على ما سبق تكون المناشير الصادرة عن والي بنك المغرب والمصادق عليها من قبل وزير المالية تحمل صفة تشريعات فرعية تنفيذية أو لوائح    تنفيذية (2) على اعتبار أن الهدف من وضعها يتجلى في تنفيذ القوانين. أي وضع القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية موضع التطبيق. خاصة عندما تكون هذه القوانين قد وضعت في شكل قواعد عامة أو مبادئ أساسية وأحالت ما عدا ذلك من تفصيلات وجزئيات على السلطة المخولة بذلك من أجل تنظيمها وتنفيذها بحكم أنها أقدر من غيرها على ذلك.

لذا فإن التشريعات الفرعية تكون دائما مستندة في وجودها على قوانين قائمة بذاتها تحيل صراحة تنظيم بعض التفاصيل والجزئيات ذات الطابع التقني إلى جهات مختصة تتولى إصدارها ومراقبة تنفيذها (3) وهذا بالضبط ما نلمسه من خلال قراءة المواد 50 و 51 و 52 من ظهير 14 فبراير  2006. التي تحيل تنظيم موضوع المخاطر البنكية على والي بنك المغرب نظرا لما تتمتع به هذه المؤسسة من خبرة ودراية واسعة بمختلف جزئيات وتفاصيل النشاط البنكي.

 (1) يعرف التشريع الفرعي بأنه عبارة عن قرارات إدارية تنظيمية تصدرها السلطة التنفيذية بمقتضى الاختصاص المخول لها في الدستور. فهي تسن هذا التشريع بما لها من اختصاص أصيل وليس على أنها تحل محل السلطة التشريعية . أنظر بهذا الخصوص  الطيب الفصايلي نفس المرجع السابق، ص 84.

     - كما يعرف على أنه التشريع الصادر عن السلطة التنفيذية في المجال التنظيمي بحيث يطلق عليها في هذه الحالة السلطة التشريعية   الفرعية أو السلطة التنظيمية ويطلق على القواعد القانونية الصادرة عنها في هذا المجال بالتشريعات الفرعية أو اللوائح أو النصوص التنظيمية أو القرارات الإدارية.

    أنظر بهذا الخصوص : نجاة البضراني : مدخل لدراسة القانون. مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الثانية 2001،      ص 157.

(2) وذلك من أجل تمييزها عن القرارات الإدارية الفردية والإجراءات الشخصية الداخلية كالمنشورات والتعليمات المصلحية التي توجهها السلطات الرئاسية في الإدارات والمصالح إلى مرؤوسيهم. أنظر بهذا الخصوص : الطيب الفصايلي. مرجع سابق،       ص 85.

(3) نجاة البضراني : نفس المرجع السابق، ص 160.

 

 

ولكن وكما هو حال التشريع العادي فإن التشريع الفرعي أو المناشير الصادرة عن والي بنك المغرب لا تكتسب أية حجية في مواجهة المخاطبين بأحكامها إلا من تاريخ نشرها بالجريدة الرسمية وهذا ما أكدته المادة 17 من القانون البنكي والتي نصت على ما يلي :

" يصادق على المناشير الصادرة عن والي بنك المغرب تطبيقا لهذا القانون ولأحكام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل بقرارات يصدرها الوزير المكلف بالمالية وتنشر في الجريدة الرسمية ".

فالنشر في الجريدة الرسمية يعتبر الوسيلة القانونية التي حددها الدستور لنشر التشريع، سواء أكان التشريع أساسيا أو عاديا أو فرعيا. ولهذا يعتبر أمرا إلزاميا لا تغني عنه الوسائل الأخرى كالإعلان في الصحف أو الإذاعة أو التلفزيون. وبذلك لا يكون نافذا إلا إذا ثم نشره بالوسيلة التي حددها القانون (1).

ومادام أن هذه المناشير قد ثم نشرها في الجريدة الرسمية (2) فإنها تتمتع بقوة قانونية ملزمة تحتم على الخاضعين لأحكامها الامتثال لها والتقيد بمضامينها وذلك طبقا للمبدأ القانوني الذي يحكم نشر التشريع والذي يقضي بأنه لا تكليف إلا بما هو معلوم.

إضافة إلى ذلك فإن ما يعطي لهذه المناشير قوة إلزامية توجب على مؤسسات الائتمان التقيد بها هي خضوعها للمصادقة من طرف وزير المالية والخوصصة وذلك باعتباره ممثلا للسلطة التنفيذية التي خول لها الدستور إمكانية إصدار تشريعات فرعية.

على أنه متى تعارضت أحكام هذه المناشير مع بعض المقتضيات التي جاء بها ظهير 14 فبراير 2006 أو مدونة التجارة فإن الأسبقية في التطبيق – بطبيعة الحال – تكون لأحكام التشريع العادي وذلك نظرا للقوة الإلزامية التي يتمتع بها في مواجهة التشريع الفرعي.

وهكذا نخلص في الأخير إلى أنه مادامت هذه المناشير قد صدرت عن سلطات الوصاية  على  القطاع   البنكي   والممثلة   في   والي  بنك  المغرب وتمت المصادقة عليها

 (1) عبد الواحد شعير : المدخل البيداغوجي لدراسة القانون : نظرية القانون، مطبعة دار النشر المغربية، الطبعة الأولى 1996،        ص 143 . 144.

(2) نشير في هذا السياق إلى أن المناشير السابقة لصدور القانون البنكي رقم 34.03 والصادرة عن والي بنك المغرب لم تكن تنشر في الجريدة الرسمية وكان معظمها يصدر باللغة الفرنسية ومنها الدورية رقم 6/G/2001 والتي كانت إلى أمد قريب الدورية الوحيدة من نوعها التي تتناول موضوع المخاطر البنكية بالدراسة والتحليل.

Circulaire n° 6 retative au contrôle interne des établissement de crédit. Le gouverneur de BANK – AL MAGHRIB. Rabat le 25 Kaâda 1421, 19 Février 2001.

 

 

من قبل وزير المالية والخوصصة باعتباره ممثلا للسلطة التنفيذية. وثم نشر أحكامها بالجريدة الرسمية تطبيقا لنص المادة 17 من القانون البنكي. فإننا لا نرى أي مانع يحول دون اكتساب هذه المناشير لقوة إلزامية تحتم على مؤسسات الائتمان التقيد بمضامينها وتفرض على القضاء الأخذ بنصوصها.

الفقرة الثانية : طبيعة مخاطر القروض البنكية.

<><> 

 

إن الحديث عن مخاطر القروض البنكية تفترض منا بالضرورة الحديث عن طبيعة هذه المخاطر وعن التقسيمات المعتمدة لها من قبل الفقه والباحثين. وذلك على اعتبار أنها ليست من نوع واحد أو طبيعة واحدة وإنما تختلف وتتنوع تبعا لنوع العملية الائتمانية المزمع القيام بها وطبيعة وحجم نشاط العميل ومصدر الخطر ذاته.

وفي هذا الإطار تتداخل مجموعة من العوامل والمتغيرات في تركيبة المخاطر البنكية بصفة عامة ومخاطر القروض البنكية بصفة خاصة. لذلك نجدها في تغير دائم. فهي ذات طبيعة مركبة لأنها مستمدة من مصادر تمثل أطراف مختلفة ومتعددة. فهناك المخاطر المرتبطة بطبيعة وحجم نشاط العميل و المخاطر المرتبطة بطبيعة وحجم العملية أو العمليات الممولة. ومخاطر مرتبطة بالعميل نفسه أو بفعل الغير أو ناشئة عن الظروف الاقتصادية والتجارية والسياسية السائدة أو الناتجة بالأساس عن خطأ البنك نفسه، إلى غير ذلك من العوامل التي تتظافر فيما بينها لتمارس تأثيرها على العملية البنكية.

وإذا كانت المخاطر البنكية ذات طبيعة مركبة ومتشابكة من حيث المصدر والتأثير فهي من جهة أخرى قائمة دائما ومتغيرة. وذلك لارتباطها ارتباطا وثيقا بالائتمان البنكي. فلا ائتمان بدون مخاطر، وفي كونها لا يمكن أن تتصف بالثبات وذلك بالنظر إلى مجموعة من العوامل التي تتحكم في تحديدها. سواء أكانت عوامل داخلية أو عوامل خارجية (1).

وهكذا اتجه جانب من الفقه (2) إلى تقسيم هذه المخاطر إلى صنفين رئيسيين. يضم الصنف الأول المخاطر ذات الطبيعة المالية كخطر الائتمان وخطر السيولة. وصنف ثان ويضم باقي أصناف المخاطر على جميع أشكالها وتسمى بالمخاطر العملياتية.

 (1) محمد جنكل : الائتمان التجاري. عمليات الائتمان البنكي نموذجا. مرجع سابق، ص 274.

(2) محمد صبري : الأخطاء البنكية،مرجع سابق، ص 214 وما بعدها.

 

في حين ذهب جانب آخر من الفقه (1) إلى تقسيم هذه المخاطر إلى مخاطر عامة وأخرى خاصة، فالمخاطر الخاصة ترجع بالأساس إلى ظروف تتعلق بنشاط العميل أو بالصناعة التي ينتمي إليها ومدى تأثير ذلك على قدرته في سداد ما عليه من إلتزامات. ومخاطر عامة تتعرض لها كافة القروض بصرف النظر عن طبيعة وظروف المؤسسة المقترضة. ومن أمثلة ذلك مخاطر تغير أسعار الفائدة ومخاطر التضخم ومخاطر السوق.

وبالمقابل اعتبر البعض الآخر من الفقه (2) أنه من الصعب بما كان التمييز بين هذه المخاطر وذلك على اعتبار أن مخاطر القروض ماهي إلا عنصر من قائمة طويلة من المخاطر التي إضافة إلى تعددها غالبا ما تكون مرتبطة ببعضها البعض إلى حد يصعب فيه التمييز فيما بينها، خاصة منها تلك المتعلقة بتغيرات عوامل السوق. كما أنها قد تكون لها تسميات وتقسيمات تختلف من مؤلف لآخر .

إلا أن التقسيم الشائع لهذه المخاطر والذي يسير عليه أغلب الفقه والباحثين. وسارت عليه اتفاقية بال الثانية. هو الذي يميز بين ثلاثة أصناف رئيسية من هذه المخاطر.

- الصنف الأول : يضم مخاطر الائتمان أو مخاطر عدم السداد.

- الصنف الثاني : يضم مخاطر السوق أو المخاطر المرتبطة بالأدوات التي تدخل ضمن محفظة التداول إضافة إلى مخاطر الصرف.

- الصنف الثالث : ويضم مخاطر التشغيل والمخاطر التكنولوجية.

ونشير في هذا السياق إلى أن المنشور الصادر عن والي بنك المغرب رقم 40/G/2007 لم يتبنى التقسيم المعتمد من قبل اتفاقية بال الثانية للمخاطر البنكية. وإنما قام فقط بحصر وتعداد مختلف أصناف المخاطر البنكية التي يمكن  أن تهدد النشاط البنكي دون العمل على تقسيمها أو تصنيفها (3).

 (1) منير إبراهيم هندي : إدارة البنوك التجارية، مدخل اتخاذ القرارات، المكتب العربي الحديث، الإسكندرية، الطبعة الثالثة 1996،  ص 224 وما بعدها.

(2) تريكي كرين : الاستعلام المصرفي والتسيير الوقائي لخطر القرض في المصرف الجزائري. حوليات عدد 6/2005. منشورات مخبر الدراسات والبحوث حول المغرب العربي والبحر الأبيض المتوسط، ص 47.

(3) هذا ما أشارت إليه المادة 30 من المنشور السابق حيث جاء فيها :

    " يجب أن تمكن أجهزة قياس المخاطر والتحكم فيها ورقابتها من ضمان :

    التقييم والتحكم الجيدين في مجموع المخاطر التي تتعرض لها المؤسسة خصوصا مخاطر الائتمان ومخاطر السوق ومخاطر التشغيل ومخاطر سعر الفائدة في محفظة البنك ومخاطر تمركز القروض ومخاطر السيولة ومخاطر التسليم مقابل الأداء وكذا المخاطر المرتبطة بالأنشطة التي يتم إسنادها لجهات خارجية ".

 

ويتجلى الهدف من تحديد طبيعة المخاطر التي قد ترافق إحدى عمليات الائتمان البنكي من وضع مختلف الإجراءات والأنظمة الاستشرافية التي تتلاءم وطبيعة هذا الخطر وبالتالي القدرة على تقييم حجم الأموال الذاتية التي سترصد وتخصص لمواجهة هذا الخطر الأمر الذي سيسمح من الحد من تأثيره على المحفظة المالية للمؤسسة وسيساعد بالتالي على التحكم فيه ورقابته (1).

كما ترجع أهمية هذه الخطوة أيضا في كونها الأساس الذي سيساعد في تقدير أسعار الفائدة على القروض. إذ من المتوقع أن تتفاوت أسعار الفائدة على القروض بتفاوت حجم المخاطر التي يتعرض لها البنك من جراء قرار الإقراض. وهذا ما يسميه الفقه بالتوازن بين العائد والمخاطر. Risk Return Tradeoff ، فمع ثبات العوامل الأخرى على حالها يزداد معدل الفائدة المطلوبة على القرض كلما ازداد حجم المخاطر التي ينطوي عليها. وإذا ما اتضح أن القرض ينطوي على قدر كبير من المخاطر. حينئذ يكون من الأفضل استبعاده (2).

ولهذا السبب تلجأ البنوك في إطار سياستها الائتمانية إلى التخفيف من هذه المخاطر وذلك عن طريق إتباع مسلكين مترابطين يكمن الأول في تقدير حجم المخاطر المتوقعة وطبيعتها ونوعها ودراسة العملية الممولة ووضعية العميل المالية. في حين تضع في مرحلة ثانية وعلى ضوء تلك التقديرات والدراسات الحلول الناجعة الكفيلة بجعل تدخلها لصالح العميل مفيدا وبالتالي التقليل من حدة المخاطر المحتملة التي قد يواجهها البنك.

وعلى العموم فإن الذي نخلص إليه من كل ما سبق هو استحالة الحديث عن طبيعة واحدة وثابتة لهذه المخاطر وذلك نظرا لتداخل مجموعة من العوامل والمتغيرات في تركبة هذه المخاطر وهكذا يمكننا الحديث عن مخاطر ذات طبيعة مالية كمخاطر الائتمان ومخاطر السيولة إضافة إلى بعض الصعوبات التي يمكن أن تواجه مؤسسات الائتمان عند قيامها بتحقيق بعض الضمانات البنكية على اعتبار أنها مخاطر تترتب عنها أيضا خسائر مالية جد

 (1) وهو الأمر الذي نصت عليه المادة 32 من المنشور رقم 40/G/2007 حيث جاء فيها :

    تتوفر المؤسسات على استراتيجيات تحدد أهدافها في ما يتعلق بالأموال الذاتية الداخلية، ويجب أن تتلاءم هذه الأخيرة مع نوعية مخاطرها.

   وتضع المؤسسات أنظمة وإجراءات موثوق منها وشاملة واستشرافية من أجل تقييم مستويات وفئات الأموال الذاتية. وكذا تخصيصها والمحافظة عليها باستمرار مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة ومستوى المخاطر التي تتعرض لها حاليا أو التي قد تتعرض لها في المستقبل.

(2) منير إبراهيم هندي : إدارة البنوك التجارية، مرجع سابق، ص 224.

 

مهمة. ومخاطر ذات طبيعة مهنية أو تشغيلية تنتج عن سوء تسيير أو توظيف موارد البنك كالخطر القانوني ومخاطر السوق ومخاطر سعر الفائدة البنكية.

هذا بالإضافة إلى مخاطر ذات طبيعة عامة مرتبطة بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلد الذي تمارس فيه مؤسسة الائتمان نشاطها.

هذا التعدد والتنوع في المخاطر البنكية هو الذي سيدفعنا للحديث في المطلب الثاني عن مختلف أسباب ومصادر هذه المخاطر.

المطلب الثاني :

مصادر المخاطر البنكية

يتعرض النشاط البنكي في ضوء طبيعة الأموال التي يحصل عليها من مصادرها المختلفة وأوجه استخداماتها إلى العديد من المخاطر التي قد تنشأ بسبب عوامل داخلية ترتبط بنشاط وإدارة البنك ذاته أو ترتبط بعوامل خارجية تنشأ عن تغير الظروف أو البيئة التي يعمل البنكي في ظلها، لذا فإننا سنحاول من خلال هذا المطلب تحديد مختلف مصادر المخاطر البنكية والتي تؤثر سلبا على نشاط مؤسسات الائتمان (1) سواء أكانت – هذه المخاطر – ذات طابع داخلي تهم بالأساس البنك المقرض والعميل المقترض (الفقرة الأولى) أم كانت ذات طابع خارجي تهم الظروف العامة التي تمارس فيها الأبناك مختلف نشاطاتها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : المصادر الداخلية للمخاطر البنكية.

إن المخاطر التي تهدد نشاط مؤسسات الائتمان والتي يمكن وصف مصدرها بالداخلي تنحصر بالأساس في المخاطر المرتبطة بالبنك وسياسته الائتمانية (أولا) وفي المخاطر المرتبطة بالعميل ومدى قدرته على السداد (ثانيا).

 (1) ألزمت المادة 16 من منشور والي بنك المغربي رقم 40/G/2007 مؤسسات الائتمان بوجوب العمل على تحديد مصادر المخاطر التي تهدد نشاطاتها وذلك بهدف التحكم فيها والسيطرة عليها. حيث نصت هذه المادة على ما يلي :

"  يتولى جهاز الإدارة مهمة إعداد ووضع نظام للمراقبة الداخلية ويقوم لهذا الغرض بما يلي :

   - إعداد الهيكل التنظيمي المناسب ...

   - تحديد مجموع مصادر المخاطر الداخلية والخارجية.

   - وضع المساطر المناسبة للمراقبة الداخلية ".

 

 

أولا : المخاطر المرتبطة بالسياسة الائتمانية للبنك.

تعتبر القروض أهم أوجه استثمار للموارد المالية للبنك، إذ تمثل الجانب الأكبر من الأصول، كما يمثل العائد المتولد عنها الجانب الأكبر من الإيرادات، لذا يصبح من المنطقي أن يولي المسؤولين في البنك عناية خاصة لهذا النوع من الأصول وذلك بوضع السياسات الملائمة التي تضمن سلامة إدارتها (1).

لذا فإن الأبناك عندما تريد توزيع مواردها المالية في شكل قروض بنكية، فهي بطبيعة الحال تحاول أن تختار أفضل العملاء وأفضل الاستعمالات الممكنة لهذه الموارد وذلك بالاعتماد على مجموعة من المعايير والاعتبارات المالية وغير المالية.

فأما الاعتبارات المالية فترتبط بمعايير الربحية والمردودية والسيولة، هذه المعايير التي تمثل مجموعة من الأهداف التي يتعين على مؤسسات الائتمان إيجاد المعادلة المناسبة من أجل تحقيقها وخلق نوع من التوازن والترابط فيما بينهما، أما الاعتبارات الغير المالية فتتمثل في التغييرات التي يمكن أن تحدث للعميل ما بين لحظة منح القرض ولحظة استرداده والتي ستؤثر سلبا على قدراته المالية وبالتالي على التزاماته اتجاه المؤسسة المقرضة.

هذه المعايير وغيرها – كالمنافسة – يتم إدراجها في السياسة الائتمانية لكل مؤسسة بنكية وذلك من أجل رسم الحدود الدنيا التي يتعين احترامها فيما يخص حجم الأموال المتاحة للإقراض و نوع القروض المرتقب منحها.

وهكذا فإن كل مؤسسة ائتمان تعمل على رسم سياسة ائتمانية خاصة بها تتعلق بأنواع القروض التي يمكن أن تمنحها ومداها وذلك بما يتلاءم ومواردها المالية، وعادة ما تنص هذه السياسات على أن لا تزيد القيمة الإجمالية للقروض في أية لحظة عن نسبة معينة من الموارد المالية المتاحة للمؤسسة والمتمثلة أساسا في الودائع والقروض ورأس المال.

ويقصد عموما بالسياسة الائتمانية في هذا الصدد مجموعة المبادئ والمفاهيم التي يضعها مجلس إدارة البنك لكي تهتدي بها مختلف المستويات الإدارية عند وضع برامج وإجراءات الإقراض، ويسترشد بها متخذو القرارات عند البث في طلبات الاقتراض، ويلتزم بها المنفذون عند بحث تلك الطلبات وبعد اتخاذ قرارات بشأنها (2).

(1) منير إبراهيم هندي : مرجع سابق، ص 207.

(2) منير إبراهيم هندي : مرجع سابق، ص 207.

وجدير بالذكر أن السياسة الائتمانية تختلف من مؤسسة لأخرى وذلك حسب المنطقة التي تخدمها أو الفرع بالمنطقة وأيضا حسب قرار مجلس إدارة المؤسسة وتجاربه السابقة وهكذا فإنه من الصعب أن نجد سياسة ائتمانية موحدة (1).

على أنه – وفي مقابل ذلك – توجد مجموعة من العوامل والمتغيرات الظرفية مكانا وزمانا هي التي تحدد أهم معالم السياسة الائتمانية وتوجهاتها المستقبلية (2).

وعادة ما تغري الأرباح العالية التي تحققها عمليات الإقراض إدارة البنك للزيادة في مستويات الإقراض لديها وبالتالي التوسع في منح الائتمان حتى ولو كان ذلك على حساب متطلبات السيولة، الأمر الذي قد يقود إلى إضعاف قدرة البنك على الوفاء بالتزاماته المستقبلية اتجاه المودعين. وبالتالي التعرض لصعوبات مالية قد تؤثر على الاستقرار المالي للمؤسسة، وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن نشأة بعض الأسباب الرئيسية المؤدية لتحقق بعض مخاطر القروض البنكية وتعثر الديون ترجع إلى عوامل تنشأ من داخل البنك وتتمثل غالبا في ضعف أنظمة العمل الداخلية وقصور أجهزة المتابعة.

وعليه فإن مصدر الخطر في مثل هذه الحالات ينحصر في اعتماد مؤسسات الائتمان لسياسات ائتمانية لا تتناسب وقدراتها على الوفاء بالتزاماتها. ومن مثل ذلك التوسع الغير الحذر في توزيع القروض أو منح قروض مقابل ضمانات هشة أو غير قائمة على أسس متينة. كمنح قروض بناءا على اعتبارات شخصية أو سياسية أو غيرها من أشكال المجاملة وبالتالي اعتماد سياسة ائتمانية معيبة لا تراعي الاعتبارات الاقتصادية أو الضوابط التنظيمية والموضوعية المعمول بها في هذا المجال، الأمر الذي يؤثر لا محالة على سيولة المؤسسة ويجعلها عرضة لخطر الإفلاس.

ولقد أظهرت نتائج بعض الدراسات في كثير من دول العالم وخصوصا تلك التي شهدت  أزمات بنكية، أن  معظم  مشاكل الائتمان تعكس بصفة رئيسية ضعف عمليات إدارة

(1) عبد المعطي رضا ارشيد  محفوظ أحمد جودة  إدارة الائتمان، دار وائل للنشر، 1999 عمان، ص 18.

(2) وفي هذا السياق توجد مجموعة من المعايير والمتغيرات التي تؤخذ بعين الاعتبار في تحديد السياسة الائتمانية للبنك من بينها السقوف الائتمانية للبنك Crédit ceiling حيث تعتبر من أهم  الأبعاد الكمية التي تحد من النشاط الائتماني للبنك على اعتبار أن هناك سقف ائتماني يتعلق بحجم الائتمان يجب عدم تجاوزه وذلك من أجل تحقيق التوازن بين اعتبارات الأمان والاحتياطيات النقدية التي تشكل نسبة السيولة العامة للبنك، فهناك سقف ائتماني يعتمده كل بنك لكل نشاط أو قطاع معين ولكل موقع جغرافي ولكل عميل. للمزيد من الاطلاع حول هذه النقطة راجع :

    عبد الحميد محمد الشواربي. محمد عبد الحميد الشواربي : إدارة المخاطر الائتمانية من وجهتي النظر المصرفية والقانونية. منشأة المعارف بالإسكندرية 2002، ص 88 وما بعدها.

 

وضمان الائتمان وأن نسبة كبيرة من خسائر البنوك الناتجة عن الائتمان يمكن تجنبها من خلال اعتماد نظام داخلي لإدارة عمليات الائتمان.

كما دلت نتائج نفس الدراسات في دول مختلفة على أن كثيرا من البنوك لا تبذل المجهود اللازم والكافي لتقييم عملية الائتمان بدقة وذلك قبل الإقدام على منحه (1).

وما يلاحظ عمليا على أنه في كثير من الأحيان يتم منح بعض القروض البنكية لفائدة بعض العملاء المقربين للبنك وذلك قبل استيفاء الضمانات المقررة، أو كون مبالغ القروض الممنوحة في بعض الحالات ضخمة وتفوق بكثير قيمة العقار أو العقارات المقدمة كضمانة بنكية والغريب في الأمر هو أن القروض الصغيرة، والموجهة لاقتناء السكن الاجتماعي مثلا أو الخدمات المهنية والحرفية لا تعرف هذه الظاهرة كثيرا، بل تعرف تشددا من طرف الأبناك في طلب الضمانات الكافية، وذلك خلافا لما هو عليه الأمر في القروض الضخمة والتي تقدر بالملايير أحيانا (2).

ولم تعد هذه الظاهرة مقتصرة على المؤسسات العمومية والشبه العمومية، ولكنها امتدت لتشمل الأبناك ومؤسسات التمويل الخاصة.

كما تتجلى عيوب السياسة الائتمانية لبعض الأبناك في الاعتماد المفرط على الضمانات العينية أو الشخصية، وواقع الحال أثبت أن الضمانات وفق العرف البنكي لا تشكل سوى وسيلة دفاع أخيرة للاحتماء من مخاطر الائتمان، أي أن البنك لا يلجأ إلى تحقيق هذه الضمانات إلا بعد استنفاذ كافة الوسائل الودية مع العميل من أجل استرجاع مبلغ القروض، إضافة إلى الصعوبات المسطرية التي قد ترافق أو تصاحب عملية التنفيذ وما يترتب عنها من تأخير مما قد ينعكس سلبا على التزامات البنك اتجاه مودعيه.

وإجمالا يمكن حصر بعض مظاهر وتجليات السياسة الائتمانية المعيبة لبعض مؤسسات الائتمان فيما يلي (3).

 

(1) عبد الحميد محمد الشواربي : محمد عبد الحميد الشواربي، إدارة المخاطر الائتمانية، مرجع سابق، ص 71.

(2) ملف الحجز العقاري عدد 98.25 بابتدائية الجديدة يتعلق بقرض قيمته ستة ملايين درهم. والضمانة عقار ذي مساحة صغيرة ويقع   بمدينة كرسيف وتبث من الخبرة بأن ثمنه لا يساوي عشر مبلغ القرض.

    - ملف الحجز العقاري عدد 16/97 بابتدائية ابن امسيك سيدي عثمان بالدار البيضاء يتعلق بقرض مبلغه ثلاثة عشر مليون درهم  والعقار المرهون لم تتجاوز قيمته مليوني درهم.

    راجع بهذا الخصوص محمد سلام. مسطرة تحقيق الرهن الرسمي في القانون المغربي، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون   المدني، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء،  السنة الجامعية 1998 – 1999، ص 28.

(3) رمضان الشراح : تركي الشمري، محمد العسكر: البنوك التجارية، منشورات ذات السلاسل 2006، الكويت ، ص 105.

 

* منح القروض قبل الانتهاء من الإجراءات المطلوبة.

* المبالغة في تقييم الضمانات المقدمة.

* تجاوز البنكي لصلاحياته في منح القروض.

* السماح بزيادة أو تمديد مبلغ القرض بدون الزيادة في الضمانات.

* عدم الدقة في دراسة وقياس قدرة المقترض على السداد.

* عدم قيام البنك بمتابعة القرض بالصورة المطلوبة.

* استخدام المقترض للقرض في غير المجال المتفق عليه مع مؤسسة الائتمان.

ثانيا : المخاطر المرتبطة بالعميل.

إن أية عملية ائتمان لابد وأن تكون محفوفة بالمخاطر، فقد يعجز العميل عن سداد أصل القرض وفوائده، وقد يكون له القدرة المالية على السداد لكنه لا يرغب لسبب أو لآخر في السداد.

ومخاطر الائتمان تتضمن الخسائر الممكن أن يتحملها البنك بسبب عدم قدرة العميل أو عدم وجود النية لديه لسداد أصل القرض وفوائده.

والجدير بالذكر أن هنالك عدة أنواع من المخاطر ينبغي على إدارة البنك اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي أضرارها، ومن أهم هذه المخاطر نجد خطر عجز المقترض عن الوفاء بالتزاماته التعاقدية اتجاه البنك.

فمصدر الخطر هنا ينشأ عن العميل المقترض سواء أكان شخصا ذاتيا أو معنويا، وسواء أكان عجزه عن الأداء ينصرف إلى انعدام موارده المالية أم فقط إلى رغبته في عدم الأداء لسبب أو لآخر. بل إن مجرد تأخره في الأداء قد يتسبب للبنك في خسائر مالية جد مهمة، على اعتبار أن هذا الأخير يتاجر في أموال ليست في ملكه وإنما هي موضوعة لديه على سبيل الوديعة. وبالتالي فإنه ملزم بإرجاعها في كل آن وحين (1) إضافة إلى الفائدة المترتبة عنها، لذلك فإن البنك يسعى إلى إيجاد نوع من التوازن بين الخسائر التي يتكبدها في حالة توقف عميل ما عن السداد، وبين الالتزامات الملقاة على عاتقه كمؤسسة ائتمان (2).

(1) نصت المادة 2 من قانون مؤسسات الائتمان على أنه :

   " تعتبر أموالا متلقاة من الجمهور الأموال التي يتسلمها شخص من الغير على سبيل الوديعة، أو غير ذلك ويحق له أن يتصرف فيها لحسابه الخاص على أساس الالتزام بإرجاعها لأصحابها ".

(2) BERRADA. Mohamed . AZZEDINE : Les Techniques de Banque de crédit et de commerce extérieur au Maroc. 5ème Edition 2007. SECEA. P 812.

الأمر الذي يجعل الأبناك تقوم بمجموعة من الدراسات والأبحاث حول طالب القرض وذلك قبل إقدامها على منح ثقتها للمقترض وبالتالي الموافقة على طلب القرض، على اعتبار أن منح الائتمان ماهو إلا منح للثقة وبالتالي منح حرية التصرف الفعلي والمباشر في مال حقيقي أو قدرة شرائية معينة (1).

ويكون الغرض من هذه الأبحاث هو تكوين صورة واضحة وحقيقية عن هذا العميل، وذلك بالاعتماد على مجموعة من المعايير (2) التي تكشف نقاط قوته ونقاط ضعفه، وهذا ما يعرف بمؤشرات الجدارة الائتمانية (3) والتي تسمح بالتالي من تحديد مكامن الخطر عند التعامل مع هذا العميل.

وتعتبر هذه الخطوة من أهم الخطوات اللازمة لاتخاذ قرار الائتمان، ويقصد بها عادة تصنيف المقترض وتصنيف المخاطر، وذلك بهدف الوصول إلى تحديد رتبة القرض التي في ضوئها ستحدد مصير طلب القرض أو التسهيلات بالموافقة أو بالرفض، ثم بعد ذلك وفي حال الموافقة على الطلب ستتم عملية التسعير أي تحديد معدل الفائدة وكذلك نوع الضمانات المقدمة.

وتجدر الإشارة إلى أن عملية البحث والتقصي حول العميل تدق أكثر في حالة القروض المتوسطة والطويلة الأجل، وذلك نظرا لكون البنك في مثل هذه العمليات يرهن أمواله لسنوات طويلة، وخلال هذه السنوات قد تحدث تطورات جديدة وتظهر متغيرات من المحتمل أنها لم تؤخذ في الحسبان لحظة الموافقة على طلب القرض.

 (1) عبد الحميد محمد الشواربي : محمد عبد الحميد الشواربي : إدارة المخاطر الائتمانية، مرجع سابق، ص 578.

(2) وهي المعايير الخاصة بدراسة العميل، وتسمى في معظم المراجع المتخصصة بـ « 5C’5 » وهي على الترتيب التالي :     شخصية المقترض، كفاءته، ملاءته المالية، الضمانات المقدمة، الظروف المحيطة بنشاط العميل. انظر بهذا الخصوص :

    - رمضان الشراح، تركي الشمري، محمد العسكر : البنوك التجارية، مرجع سابق، ص 106 وما بعدها.

    - عبد الحميد محمد الشواربي- محمد عبد الحميد الشواربي : إدارة المخاطر الائتمانية، مرجع سابق، ص 571 وما بعدها.

 (3) مؤشرات الجدراة الائتمانية هي مقاييس لتقييم احتمالات خطر عدم سداد المقترض لقيمة القرض المستحق عليه، ويتم بناءا عليها تصنيف المقترضين سواء أكانوا من القطاع العام أم الخاص.

    للمزيد من التوسع حول هذه النقطة راجع : ناجي التوني : مؤشرات الجدارة الائتمانية، مقال منشور في مجلة جسر التنمية عدد 44، 2003، ص 2 وما بعدها.

 

 

هذه المتغيرات التي تحدث عادة في نشاط العميل والتي تؤثر سلبا على مقدرته على الوفاء بالتزاماته التعاقدية مع البنك، يصنفها بعض الفقه (1) ضمن المخاطر المهنية والتي تختلف درجتها باختلاف نوع النشاط الذي يمارسه العميل وقدرته التنافسية داخل السوق.

الأمر الذي يدفع بالأبناك وقبل التعاقد مع أي مقترض إلى طرح نوعين من الأسئلة حول نشاط العميل، ويتعلق السؤال الأول حول طبيعة المنافسين وقوتهم والثاني حول مدى قدرة العميل على المحافظة على وضعه التنافسي داخل محيط ديناميكي.

وهكذا وتأسيسا على ما سبق نخلص إلى أن المخاطر المرتبطة بالعميل ترتبط بالأساس بالعناصر الرئيسية التي تمثل الجدارة الائتمانية، ومن ذلك عدم حرص العميل على الوفاء بالتزاماته المستحقة للآخرين، أو تعرض مقاولته لأزمة اقتصادية ترتب عليها خضوعه للتسوية القضائية، أو انهيار سمعته الشخصية نتيجة سلوكات طرأت على سلوكه الشخصي بعد منحه للائتمان إلى غير ذلك من الأسباب المرتبطة أساسا بعناصر الجدارة الائتمانية المتمثلة في الشخصية والكفاءة والملاءة المالية والضمانات المقدمة والظروف المحيطة بنشاط العميل.

الفقرة الثانية : المصادر الخارجية للمخاطر البنكية :

<><> 

 

إذا كانت المخاطر ذات المصدر الداخلي محصورة بالأساس في السياسة الائتمانية للبنك وفي قدرة العميل على السداد، فإنه وعلى العكس من ذلك يصعب تحديد مصدر واحد أو مصدرين اثنين لهذا النوع من المخاطر وذلك نظرا لكثرة العوامل والظروف التي تساعد على نشأتها.

فهذه المخاطر ترتبط بالظروف العامة التي تخرج عن إرادة كل من العميل المقترض والبنك  المقرض  والتي  قد  يصعب التنبؤ بها عند اتخاذ القرار الائتماني، كما لا تتصل هذه

 

 (1) BERRADA – MOHAMED – AZZADINE : Les Techniques de banque, op cit, P 313.

       le risque professionnel : lié comme son nom l’indique à l’activité même de la clientèle, le risque professionnel peut apparaître et s’aggraver lors de modifications brusques ou de changements profonds affectant les habitudes d’une profession tels principalement :

      - Les changement de mode.

      - Les découvertes et les révolutions des techniques et des Technologies .

      - La fermeture de marchés éxtérieurs.

      - Les variations importantes dans les prix mondiaux.

 

المخاطر بنشاط العميل فقط أو بالقطاع الاقتصادي الذي ينتمي إليه فحسب، ولكنها تمتد أحيانا لتؤثر في كافة القطاعات والمنشآت والأنشطة داخل المجتمع.

لذا وصفها بعض الفقه (1) بالمخاطر العامة التي يصعب التنبؤ بها نظرا لتضافر عدة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية في نشأتها.

بالمقابل عرفها بعض الفقه بكونها المخاطر المتعلقة بالخسائر المالية المتوقعة والتي قد تنشأ بسبب مشاكل اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية خاصة بدولة ما (2).

وعادة ما يتوافر لدى البنوك أجهزة متخصصة لتوفير المعلومات عن الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتوقعة، وتحليل آثارها المتوقعة عل مختلف الأنشطة التي تمارسها. وكذا تحليل أثرها على قدرة العملاء في الوفاء بما عليهم من التزامات.

ورغم قيام مؤسسات الائتمان بتحليل استراتيجي للمعطيات الاقتصادية والاجتماعية ووضع إستراتيجية معقولة وفعالة للتحكم بهذه العوامل، فإن هذا لا يعني بالضرورة إلغاء هذا النوع من الخطر بشكل كامل، فهذا الخطر موجود مادام هناك مستقبل لا يمكن التحكم في كل متغيراته (3).

لذا فإن كل ما يمكننا القيام به هو تحديد بعض العوامل والأسباب التي قد تؤدي إلى ظهور مثل هذا النوع العام من المخاطر والتي تنحصر بالأساس في كل من الظروف الاقتصادية والسياسة والضوابط التشريعية والكوارث الطبيعية.

أولا : الظروف الاقتصادية العامة :

تؤثر الظروف الاقتصادية على الأوضاع التجارية والائتمانية بصفة عامة بحيث إذا كانت البلاد تمر بحالة كساد اقتصادي فإن البنك عادة ما يتشدد في عملية منح الائتمان، بينما في أوقات الرواج قد يسود التفاؤل وبالتالي يلجأ البنك إلى التوسع في منح الائتمان (4).

 

 (1) BERRADA. MOHAMED. AZZEDINE : Les techniques des banques. Op cit, P 312.

(2) عبد الحميد محمد الشواربي : محمد عبد الحميد الشواربي، إدارة المخاطر الائتمانية، مرجع سابق، ص 1304.

(3) الطاهر لطرش : تقنيات البنوك، دراسة في طرق استخدام النقود من طرف البنوك، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، الطبعة الثانية 2003، ص 143.

 (4) عبد المعطي رضا ارشيد : محفوظ أحمد جودة، إدارة الائتمان، مرجع سابق، ص 204.

 

ويقصد بالظروف الاقتصادية عموما تأثير الحالة الاقتصادية السائدة على نشاط العميل المقترض والتي تنعكس بدورها على مقدرته على تنفيذ التزاماته تجاه المؤسسة المقرضة، مما يساهم بالتالي في الرفع من حجم المخاطر البنكية.

لذلك يعتبر قصور الموارد التمويلية في الاقتصاد أحد مصادر المخاطر البنكية، على اعتبار أن هذا القصور يأتي نتيجة الجمود وضيق نطاق النشاط الاقتصادي السائد في البلاد. مما ينتج عنه ضيق في البدائل المتاحة للبنوك للاستثمار فيها. ويعتبر هذا القصور والضعف من أهم خصائص اقتصاديات الدول النامية وهو ما ينعكس سلبا على السياسة الائتمانية للمؤسسات البنكية نتيجة ارتفاع مستوى المخاطر الائتمانية.

لذلك فإن السياسة الائتمانية للبنوك غالبا ما تطبعها الفوضى وعدم التحكم في ضبط آلياتها نتيجة للصعوبة الكبيرة في الاعتماد على البيانات والمعلومات المالية والمحاسبية بصورة دقيقة.

ثانيا : الظروف السياسية :

لما كان الاقتصاد وثيق الصلة بالجانب السياسي أكثر من غيره، فإنه ينبغي أن يعالج من خلال هذا الجانب قبل كل شيء، وعليه فإن نجاح وتطور القطاع المالي وفي مقدمته القطاع البنكي في أي بلد رهين بمدى قدرة السلطات النقدية والمالية على توفير جو من الثقة والطمأنينة والاستقرار.

فغياب شروط ومقومات الاستقرار السياسي وغياب الديمقراطية والمشاركة السياسية يفسح المجال لتفشي ظواهر عديدة كالفساد الإداري والسياسي والاقتصادي بمختلف مظاهره (الرشوة، غسيل الأموال، التهرب الضريبي) مما ينتج عنه تدني في مستوى الرقابة المطبقة على القطاعات الاقتصادية والمالية.

ويرى بعض الباحثين (1) أن إدخال الإصلاحات الاقتصادية في ظل غياب الشروط والمقومات السياسية سيكون دون جدوى، ذلك أن الرأي الغالب يرى أن الإصلاح الاقتصادي واستقرار  نظام  السوق  يتطلب على التوازي إصلاحا سياسيا مزامنا، ويضيف نفس الباحث

(1) عمر العسري : تحريك أسواق الرساميل وإستراتيجية تنشيط الاستثمار بالمغرب، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام تخصص وحدة المالية العامة، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2001 – 2002، الجزء الأول، ص 134.

 

أن غياب الإصلاحات السياسية تفسح المجال أمام طبقات النخبة السياسية والاقتصادية للاغتناء والاستحواذ على الثروة الوطنية بمختلف الطرق المشروعة وغير المشروعة.

ثالثا : الضوابط التشريعية :

إن تدني مستوى الرقابة المطبقة على القطاعات المالية بصفة عامة والقطاع البنكي بصفة خاصة يرجع بالأساس إلى غياب نصوص قانونية فعالة تقنن النشاط البنكي وتواكب مختلف المستجدات التي يعرفها هذا القطاع إن على المستوى الوطني أو الدولي، الأمر الذي يخلق جوا من عدم الثقة بين الأبناك وعملائها ويشجع على إبرام صفقات صورية بضمانات وهمية تتيح إمكانية اقتراض مبالغ ضخمة من أجل تمويل احتياجات خاصة غير معلنة.

وفي ظل غياب شروط ومقومات المتابعة وضعف التنظيم والمراقبة فإن احتمال تعرض مؤسسة ائتمان لأزمة مالية – ولو كانت صغيرة – ستؤدي لا محالة إلى انتقال العدوى إلى باقي مكونات الجهاز البنكي ومنه إلى القطاع المالي وذلك نظرا لكون مؤسسات الائتمان من بين أكثر المؤسسات المالية ارتباطا ببعضها البعض (1).

رابعا : الكوارث الطبيعية :

تساهم الطبيعة بدورها في التأثير على الاستقرار الائتماني لبلد ما، أو منطقة جغرافية معينة، فالزلازل والفيضانات والجفاف عوامل مؤثرة في توجيه السياسة الائتمانية لمؤسسة ما، حيث تلعب دورا أساسيا في الرفع من حجم القروض التي يمكن أن تستفيد منها منطقة جغرافية معينة على حساب أخرى أو العكس.

 

(1) هناك من الباحثين من سمى هذا النوع من الخطر بالخطر الأخلاقي، حيث يسرع المودعين لسحب ودائعهم من البنك، بمعدلات كبيرة وهو ما يعرف بظاهرة الهرولة عليها – وهو أمر نفسي يرتبط بالمصداقية أكثر من اعتماده على التقييم الحقيقي للأصول البنكية. انظر طارق الله خان. حبيب أحمد : إدارة المخاطر، منشورات البنك الإسلامي للتنمية سنة 2003، ص 96 و 97.

 

 

المبحث الثاني :

تجليات مخاطر القروض البنكية.

مما لاشك فيه أن تسابق وتنافس مؤسسات الائتمان على جلب أكبر عدد ممكن من العملاء بهدف الدخول معهم في معاملات بنكية لهو أمر من شأنه أن يجعل هذه المؤسسات تحيد عن الخط الذي رسمه لها المشرع في هذا الإطار وبالتالي تعرض نفسها وتعرض الغير المتعاقد معها لمجموعة من المخاطر التي قد تؤدي حالة تحققها إلى الإضرار بمصالحها وبمصالح المتعاقدين معها.

وعليه فإذا كان العمل البنكي ينطوي بطبيعته على العديد من المخاطر، فإن توزيع القروض البنكية على مختلف الفاعلين الاقتصاديين والمستهلكين لم يشذ بدوره عن هذه القاعدة وذلك على اعتبار أن هناك مخاطر من طبيعة معينة ترافق وتصاحب عمليات الإقراض البنكي.

وتتجلى هذه المخاطر بالأساس في المخاطر ذات الطبيعة المالية والتي تمس مباشرة بالمحفظة المالية للمؤسسة البنكية والمخاطر ذات الطبيعة التشغيلية والتي تنتج عن قصور أو نقصان في تدبير وتسيير الموارد المالية للبنك.

وتأسيسا على ذلك سنعمل على تناول هذا المبحث وفقا للتقسيم التالي :

المطلب الأول : المخاطر ذات الطبيعة المالية.

المطلب الثاني : المخاطر ذات الطبيعة التشغيلية.

 

 

المطلب الأول :

المخاطر ذات الطبيعة المالية.

<><> 

 

إذا كانت القاعدة السائدة في عمليات الائتمان البنكي تقضي بأن كل عملية ائتمان لابد وأن تكون محفوفة بمجموعة من المخاطر، فإن القروض البنكية لم تخرج بدورها عن هذه القاعدة رغم بساطة تكوينها.

ويأتي على رأس المخاطر التي تؤرق بال العديد من المؤسسات البنكية، المخاطر ذات الطبيعة المالية وذلك على اعتبار أنها مخاطر تتصل مباشرة بإدارة أصول وموجودات البنك، وتتمثل أساسا في مخاطر الائتمان أو خطر عدم وفاء المقترض بالتزاماته التعاقدية اتجاه المؤسسة البنكية (الفقرة الأولى) ومخاطر الصعوبات المسطرية التي تواجه المؤسسة البنكية عند قيامها بتحقيق بعض الضمانات البنكية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : مخاطر الائتمان وتعثر القروض البنكية.

تنشأ مخاطر الائتمان حينما يتعثر العميل المقترض عن الوفاء بالتزاماته التعاقدية اتجاه المؤسسة المقرضة الأمر الذي قد يؤدي حالة تعدد حالات المتعثرين وارتفاع نسبة الديون المعلقة الأداء مقارنة بنسبة الديون المستخلصة إلى أزمات وصعوبات مالية قد تنعكس سلبا على أداء المؤسسة البنكية.

لهذا يعتبر خطر الائتمان من بين أهم المخاطر على الإطلاق التي تواجه المؤسسات البنكية (أولا) وذلك على اعتبار أن خسائره في بعض الحالات قد تكون مرتفعة مقارنة بأي خطر آخر إذا ما ارتفعت نسبة الديون أو القروض المتعثرة (ثانيا).

أولا : ماهية خطر الائتمان :

بداية نشير إلى أن البنك الذي يطلب منه الائتمان ليس هناك قانونا ما يلزمه بذلك وذلك على اعتبار أن للبنوك كامل الحرية في دراسة طلبات الاقتراض والاستجابة لها أو رفضها من غير أن تكون ملزمة بتعليل قرارها لأي جهة كانت، وذلك نظرا لكون عمليات الائتمان البنكي من العمليات التجارية التي تقوم أساسا على الاعتبار الشخصي لطالب الائتمان.

وعلى هذا الأساس تكون مؤسسات الائتمان ملزمة بالعمل على توزيع قروض قادرة على استقطاب عملاء قادرين على تسديدها. لأنه إن لم تراع التعامل مع مقترضين جيدين فإنها ستفقد أموال المودعين والمودعين أنفسهم إضافة للأرباح التي كان يفترض أن تحققها.

وعليه فما دام الائتمان يقوم على الثقة والزمن وإمكانية الوفاء بالدين في ميعاد الاستحقاق (1) فإن خطر الائتمان (2) ينشأ حينما يتعثر المقترض في الوفاء بالدين الذي بذمته اتجاه مؤسسة الائتمان إضافة إلى مبلغ الفائدة المترتبة عليه.

وهكذا عرف بعض الفقه (3) خطر الائتمان بكونه تلك المخاطرة التي ترتبط بالطرف الآخر في العقد ومدى قدرته على الوفاء بالتزاماته التعاقدية كاملة وفي موعدها المحدد في العقد. ونتيجة لهذه المخاطرة هنالك حالة عدم تأكد من صافي الدخل ومن القيمة السوقية للأصول تنشأ من عدم السداد كلية أو من التأخير في سداد أصل القرض والفوائد المستحقة عليه.

كما عرفه البعض الآخر (4) بأنه احتمال عجز المقترض عن تسديد أقساط القروض وفوائدها وفقا للجدول الزمني المتفق عليه عند إبرام عقد القرض أو بأنه إمكانية فشل المقترض في الوفاء بالتزاماته طبقا للبنود المتفق عليها. مما يعني أن المدين لن يتمكن من دفع الفائدة أو سداد أصل القرض (5).

وعلى العموم فإن ما يمكن إبداؤه بخصوص هذه التعاريف رغم تعددها أنها لا تختلف كثيرا فيما بينها حيث تركز دائما وبشكل أساسي على الطرف المقابل في عقد القرض، وهو المقترض ومدى قدرته على الوفاء بالتزاماته التعاقدية داخل الأجل المحدد (6).

 

(1) امحمد لفروجي : العقود البنكية بين مدونة التجارة والقانون البنكي، مرجع سابق، ص 281.

(2) Le risque de crédit ou risque de défaut de remboursement des prêts est le plus ancien et, encore aujourd’hui, le principal risque pour une banque.

     Michel Dietsch et joêl Petey : Mesure et gestion du risque de crédit dans les institutions Financières. Revue banque. Edition – jouve, Paris 2003. P 15.

(3) طارق الله خان : حبيب أحمد : إدارة المخاطر : مرجع سابق، ص 30.

(4) رمضان الشراح : تركي الشمري محمد العسكر : البنوك التجارية، مرجع سابق، ص 246.

(5) هالة حلمي السعيد : دور الدولة في إدارة مخاطر الائتمان في الجهاز المصرفي خلال فترة التسعينات، مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية، جامعة القاهرة، العدد 30 يونيو 2004، ص 5.

(6) on trouve dans la réglementation bancaire et Financeière du comité de la réglementation bancaire et Financière (CRBF) une définition du risque de crédit. L’article 4 du règlement 97.05, Dispose que le risque de crédit est « Le risque encouru en cas de défaillance d’une contrepartie ou de contre parties considérées comme un bénéficiaire au sens de l’article 3 du règlement 93.05 susvisé.

   Alain Gauvin : droit des dérivés de crédit. Revue banque Edition . jouve. Paris 2003. P 65.

 

 

وهو نفس النهج الذي تبناه منشور والي بنك المغرب رقم 40/G/2007 عند تعريفه لخطر الائتمان ضمن المادة 41 والتي جاء فيها :

" يقصد بخطر الائتمان خطر عدم قدرة أحد الأطراف المقابلة على الوفاء بالتزاماته اتجاه المؤسسة " (1).

هذا التعريف الصادر ضمن منشور والي بنك المغرب لم يختلف كثيرا عن سابقه الوارد ضمن الدورية رقم 6 المشار إليها سابقا، سوى في شيء واحد وهو اللغة التي ورد بها هذا التعريف، وذلك على اعتبار أن الدوريات الصادرة عن والي بنك المغرب قبل صدور ظهير 14 فبراير 2006 كانت كلها تصدر باللغة الفرنسية فقط (2).

وعلى العموم وتأسيسا على ما سبق يمكن لنا تعريف خطر الائتمان بكونه تلك المخاطرة الناتجة عن الثقة التي توليها مؤسسات الائتمان في عملائها وفي قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم التعاقدية اتجاهها داخل الأجل المحدد.

وفي نفس السياق نود الإشارة إلى خطر من صنف جديد أشار إليه منشور والي بنك المغرب رقم 40/G/2006 ضمن المادة 55، خطر يمكن إدراجه ضمن خانة مخاطر الائتمان مادام يتعلق بعدم قدرة المقترضين أو المقترض الواحد على إرجاع ما بذمته لمؤسسات الائتمان وهو خطر لا يختلف كثيرا عن سابقه سوى في آثاره القوية على الصلابة المالية لمؤسسات الائتمان وهو خطر تمركز القروض.

ولقد عرفت المادة 55 من المنشور السابق هذا الخطر بكونه :

" يقصد بخطر تمركز القروض الخطر الملازم لتعرض من شأنه أن يؤدي إلى خسائر كبيرة قد تهدد الصلابة المالية لمؤسسة أو قدرتها على متابعة أنشطتها الأساسية.

وقد ينتج خطر تمركز القرض عن التعرض إزاء :

- أطراف مقابلة فردية.

- مجموعات ذات نفع.

 

(1) نشير هنا إلى أن المقصود بالمؤسسة هي مؤسسة الائتمان، وذلك حسب مدلول المادة الأولى من نفس المنشور والتي جاء فيها :

   " يجب على مؤسسات الائتمان المشار إليها في ما بعد بالمؤسسات ".

(2) L’article 31 de circulaire n° 6. de bank AL MAGHRIB définie le risque de crédit comme suite :

    « On entend par risque de crédit, le risque q’un client ne soit pas en mesure d’honorer ses engagements à l’égard de l’établissement de crédit ».

- أطراف مقابلة تنتمي إلى نفس مجال العمل أو إلى نفس المنطقة الجغرافية.

- أطراف مقابلة تكون نتائجها المالية متوقفة على نفس النشاط أو نفس المادة  الأساسية ".

وهكذا ومن خلال هذه المادة يتضح لنا أن هذا الخطر ينتج حينما تقوم مؤسسات الائتمان بتركيز عملياتها الائتمانية مع مؤسسة واحدة أو مؤسسات متعددة لكنها تنتمي لقطاع واحد أو منطقة جغرافية واحدة (1) حيث يترتب عن هذا التركيز – حالة تخلف هذه المؤسسات عن الأداء لسبب أو لآخر – خسائر مالية جد مهمة للمؤسسات البنكية قد تتسبب في الإخلال باستمرارية نشاطها.

ونود الإشارة إلى أن المادة 5 من منشور والي بنك المغرب رقم 25/G/2006 قد أشارت إلى كيفية حساب مؤسسات الائتمان لمبلغ خطر الائتمان المرجح، وذلك بضرب عناصر الأصول وعناصر خارج الحصيلة التي تؤخذ بعين الاعتبار في معاملات الترجيح الموافقة لها .

وقد تم تقسيم معاملات الترجيح إلى أربعة أوزان مختلفة تختلف باختلاف عناصر الأصول وهكذا نجد وزن 0% ويضم الديون الممتازة والتي تكون نسبة عدم استرجاعها معدومة ثم وزن 20% وتضم ديونا أقل جودة من سابقتها ثم وزن 50% وأخيرا وزن 100%.

وعليه فإن العملية الحسابية تتم على الشكل الآتي :

(عناصر الأصول × معامل الترجيح الموافق لها) + (عناصر خارج الحصيلة × معامل الترجيح الموافقة لها) = مبلغ خطر الائتمان المرجح.

وعلى العموم ومن خلال كل ما سبق يتضح لنا مدى خطورة وحساسية مخاطر الائتمان على ملاءة وسيولة مؤسسات الائتمان، باعتبارها مخاطر تؤثر سلبا على توازن محفظتها المالية وتفرض عليها في نفس الوقت تخصيص مبالغ أخرى تستخدم كمؤن أو احتياطات مالية بنسب توازي نسبة المبالغ الغير المستخلصة.

(1) ولعل أهم المؤسسات البنكية التي قد تعاني من خطر مماثل هي المؤسسات المختصة في تمويل قطاعات معنية بالذات كالقرض العقاري والسياحي أو مؤسسة القرض الفلاحي.

 

 

فالأبناك وكما هو معلوم ملزمة بتكوين تموينات على الديون المتنازع بشأنها، هذه التموينات تخصم من الأرباح لكل سنة مالية، وبالتالي فهي ملزمة بخصم جزء من أرباحها يكون موازيا لقيمة الديون التي تخشى عدم استرجاعها (1) فمثلا عند عدم استخلاص قرض ما تحرك الأبناك دعوى أمام القضاء وفي نفس الوقت تضع احتياطات مالية بنسبة 100% من حجم هذه القروض في حصيلتها تحسبا لعدم استرجاعها، وإذا طالت الدعوى ثلاث أو أربع سنوات تبقى هذه الاحتياطات بدون استعمال، وتقلص بالتالي من إمكانية البنك لمنح قروض لعملاء آخرين وهذا ما يعيق عملها في تمويل الاقتصاد (2).

وهي خسارة اعتبرها بعض الفقه (3) لا ترقى لحجم الأرباح التي يجنيها البنك من العملية ككل لو أن العميل أدى ما بذمته في الموعد المحدد.

ونشير في هذا السياق إلى أن حجم هذه الخسائر يختلف بطبيعة الحال باختلاف حجم مؤسسات الائتمان فالأبناك الصغيرة أو المتوسطة لا تكون معرضة لنفس حجم مخاطر الائتمان التي تتعرض لها أبناك الأعمال أو الأبناك الدولية وذلك نظرا لاختلاف حجم ونوعية القروض التي يقوم كل بنك بتوزيعها.

ثانيا : تعثر القروض البنكية :

مما لاشك فيه أن معظم مؤسسات الائتمان أصبحت تواجه اليوم ظاهرة القروض المتعثرة أو الديون المعلقة الأداء، - ولو بنسب مختلفة - وذلك تبعا لحجم وطبيعة نشاط هذه المؤسسة.

هذه الظاهرة التي نشأت في أواخر السبعينات بفعل تزايد حدة مخاطر الائتمان وتفاقمت في منتصف الثمانينات لأسباب مختلفة اشتركت فيها كل من مؤسسات الائتمان والعملاء على حد سواء فضلا عن تدخل بعض المتغيرات الاقتصادية، أصبحت تشكل اليوم إحدى  أهم  الظواهر  السلبية  التي  تعيق  نشاط الأبناك كفاعل أساسي في الاقتصاد الوطني،

(1) سعد بورقادي : مستجدات العمل البنكي خلال الخمس سنوات المنصرمة. مقال منشور ضمن الندوة الثالثة للعمل القضائي والبنكي، مطبعة الأمنية، 1993، الرباط،  ص 28.

(2) عبد اللطيف الجواهري : كلمة افتتاحية للندوة الثالثة للعمل القضائي والبنكي، مرجع سابق، ص 17.

(3) Sylvie de coussergues : Gestion de la banque, du diagnostic à la stratégie 4ème Edition, Dunod.2004, P 106.

    - De ce Fait, la banque subit une perte en capital (créance non remboursée) et en revenu (intérêt non perçue ) , perte qui est considérablement plus importante que le profit réalisé sur cette même contrepartie non défaillante .

(4) فمثلا القروض الموجهة لتمويل قطاع الإسكان تعتبر أقل خطورة من القروض الموجهة لتمويل خزينة المقاولة.

 

حيث إن انتشار هذه الظاهرة بين مختلف مؤسسات الائتمان ساهم بشكل مباشر وأساسي في تقليص عدد المستفيدين من الائتمان البنكي وبالتالي في تضييق الخناق على أحد أهم الموارد المالية للمقاولة المغربية.

وفي هذا السياق قام مجموعة من الفقه بتعريف القروض المتعثرة حيث اعتبرها البعض (1) بكونها تلك القروض التي لا يقوم المقترض بتسديدها حسب جدول السداد المتفق عليه، مع مماطلة المقترض في تزويد البنك بالبيانات والمستندات المطلوبة.

في حين عرفها البعض الآخر (2) بكونها تلك التسهيلات الائتمانية بجميع أنواعها التي منحتها البنوك لبعض العملاء في الماضي ولم يهتموا بسداد قيمتها والفائدة المستحقة عليها في آجال استحقاقها وبمرور الوقت تحولت حسابات هذه التسهيلات الائتمانية إلى حسابات مدينة راكدة أو مجمدة.

والملاحظ بخصوص هذه التعاريف أنها لم تضع حدا فاصلا بين مفهوم القروض البنكية المتعثرة وبين مفهوم مخاطر الائتمان، حيث إن هناك تقاربا وتشابها في التعاريف المعطاة لكل منهما، وهو الأمر الذي لا نتفق معه وذلك على اعتبار أن توقف العميل عن الأداء هو الذي يؤدي إلى ظاهرة القروض المتعثرة أو الديون المعلقة الأداء.

وعليه فإنه يمكن لنا تمييز هذه الظاهرة عن مخاطر الائتمان باعتبارها أحد أهم الآثار التي تترتب عن تحقق هذه المخاطر.

وهكذا يمكن لنا تعريف ظاهرة الديون المعلقة الأداء بكونها تلك الديون التي تترتب عن تحقق مخاطر الائتمان والتي لم تنجح المؤسسة البنكية في استخلاص قيمتها رغم كل المساعي الودية.

وللحد من آثار هذه الظاهرة المرتبطة بالمخاطر الائتمانية والمصاحبة لعملية منح الائتمان البنكي، قام بنك المغرب منذ سنة 1993 بإصدار قواعد جديدة تتعلق بتصني

 

(1) عبد المعطي رضا ارشيد : محفوظ أحمد جودة، إدارة الإئتمان : مرجع سابق، ص 279.

(2) محمد صبري : الأخطاء البنكية، مرجع سابق، ص 376.

 

الديون المعلقة الأداء (1)، كان آخرها الدورية الصادرة بتاريخ 23 دحنبر 2002 تحت رقم 19/G/2002 والتي عدلت جزئيا بتاريخ 9 دجنبر 2004 (2).

هذه القواعد الصادرة عن بنك المغرب تهدف بالأساس إلى متابعة ديون مؤسسات الائتمان بشكل منتظم وفعال وذلك من أجل معرفة حجم الديون الغير المسترجعة أو المشكوك في استرجاعها وبالتالي توفير المؤونة اللازمة لتغطيتها تحسبا لخطر عدم استرجاعها في وقتها.

حيث يتم تحويل هذه المؤونات إلى الجزء الخاص بخصوم البنك إلى حين استرجاع الدين، لتتم المقاصة بينهما إما بصفة كلية أو جزئية بحسب نسبة الاستخماد، وهو الأمر الذي يؤثر على الوعاء الضريبي للمؤسسة البنكية، حيث يتصاعد أو ينخفض تضريب البنك بحسب تكوين هذه المؤونات.

والمؤونة إضافة إلى أدوارها السابقة، فإنها كذلك تساعد المؤسسات البنكية على دق ناقوس الخطر بالنسبة لطبيعة بعض الديون المعلقة الأداء، ودورية بنك المغرب تلعب هذا الدور لتحذير الأبناك من أجل مواجهة هذه الديون وبالتالي إيجاد الصيغة الأكثر فاعلية لاستخلاصها (3).

ويتجلى ذلك بالأساس من خلال قيام هذه الدورية (رقم 19/G/2002 والتعديل الذي عرفته بتاريخ 9 دجنبر 2004) بتقسيم ديون المؤسسات البنكية بصفة عامة إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي كالتالي .

1 – الديون العادية « Les créances saines » (4)

2 – الديون معلقة الأداء « Les créances en souffrance » (5)

 

 (1) ويتعلق الأمر بالدورية السابقة لبنك المغرب رقم 2/G/93 الصادرة بتاريخ 14 ماي 1993 والتعديلات التي عرفتها بمقتضى الدورية الصادرة بتاريخ 6 دجنبر 1995.

(2) Circulaire N° 19. Relative à la classification des créances et a leur couverture par les provisions . Bank AL MAGHRIB. N° 19. G – 2002. Rabat . Le 23 Décembre 2002. Modifiée Le 9 Décembre 2004 est entrée en figure dès le 1 janvier 2005.

(3) EL HADI CHAIBAINOU : La nouvelle loi bancaire . édition DATAPRESS 1993. P 142. 144.

(4) « sont considérées comme créances saines, les créances dont le règlement s’effectue normalement à l’échéance et qui sont détenues sur des contreparties dont la capacité à honorer leurs engagements immédiats et / ou futurs, ne présente pas de motif d’inquietude ».

(5) « sont considérés comme créances en souffrance, les créances qui présentent un risque de non recouvrement total ou partiel, eu égard à la détérioration de la capacité de remboursement immédiate et / ou futur de la contrepartie ».

 

3 – الديون غير النظامية « Les créances irrégulières » (1)

كما ثم أيضا تقسيم الديون المعلقة الأداء (2) وذلك تبعا لدرجة وحجم الخطر الذي يمثله هذا الدين وفقا  للشكل التالي :

1 – ديون على وشك أن يكون مشكوكا في استردادها « Les créances pré douteuses »

2 – ديون مشكوك في استردادها « Les créances – douteuses »

3 – ديون غير قابلة للاسترداد « Les créances compromises »

ومما يلاحظ بخصوص هذا التصنيف أنه تم بشكل تصاعدي تبعا لدرجة الخطر الذي ترافق عملية استرجاع هذا الدين وتبعا للمدة التي بقي فيها هذا الدين أو الحساب معلق الأداء وذلك لهدف ضريبي يرمي إلى جعل حصيلة نهاية السنة بالنسبة للأبناك مرآة شفافة تعكس حالة الديون التي وزعها البنك لفائدة عملائه وما مدى حظوظ استرجاعها.

أما فيما يخص الاحتياطات المالية أو المؤونات (3) التي ينبغي توفيرها بالنسبة لكل دين متعثر أو معلق الأداء فإنها تختلف باختلاف طبيعة هذا الدين، فالمادة 13 من الدورية السابقة حددت لكل دين متعثر نسبة معينة وذلك على الشكل التالي :

- الديون التي على وشك أن يكون مشكوكا في استردادها تخصص لها مؤونة كافية بنسبة 20% .

- الديون المشكوك في استردادها تخصص لها مؤونة بنسبة 50%.

- الديون الغير القابلة للاسترداد أو المعدومة فتخصص لها مؤونة تساوي 100% من قيمتها.

ونشير في هذا الصدد إلى أن القروض المشكوك في استردادها تختلف عن القروض الغير القابلة للاسترداد أو المعدومة وذلك على اعتبار أن الديون الأولى لازال هناك أمل في

 

 (1) « sont considérés comme créances irrégulières, les créances présentant les critères de classification parmi les créances en souffrances, mais qui sont intégralement couvertes par l’une des garanties énumérées au 1) de l’article 15 ci-dessous).

(2) عرفت الدورية السابقة الديون المعلقة الأداء بأنها تلك الديون التي تبدي خطرا لعدم استرجاعها بشكل كلي أو جزئي وذلك بسبب تراجع قدرة العميل على الأداء في الوقت الحاضر أو في المستقبل.

(3) Taux des provisions.

 

 

استرجاع بعض أقساطها سواء عن طريق القضاء أو عن طريق الصلح (1) أما القروض المعدومة فإنها قروض استنفذت كافة الوسائل الممكنة لتحصيلها، حيث أصبح من المستحيل تحصيلها أو تحصيل جزء منها على أرض الواقع.

وعلى العموم فإن هذا التصنيف يساعد الأبناك على الكشف المبكر لحالات التعثر وبالتالي يساهم في تخفيض خسائر البنك المحتملة وذلك عبر اتخاذ مجموع الإجراءات اللازمة لمحاولة تفادي التوقف الكلي للعميل عن الدفع، ولعل الخطاطة التالية توضح بشكل جلي طريقة معالجة المؤسسات البنكية لإشكالية القروض المتعثرة.

معالجة القروض المتعثرة (2)

تأجيل تحصيل المستحقات مؤقتا

 

تقديم حلول مقترحة

 
 


     حالات يمكن معالجتها

 

 

 

 


اعتبار القرض كله أو جزء منه مشكوك في استرداده

 

اتخاذ إجراءات للمحافظة على حقوق البنك

 
       حالات ميؤوس منها

 

 


فهذه الخطاطة تمثل بالضبط المراحل التي تمر منها المؤسسة البنكية من أجل معالجة مشكل القروض المتعثرة، حيث تبدأ بعملية تحديد القروض المتعثرة ثم تحليل المركز المالي والنقدي للعميل وبناء عليه يتم تقسيم القروض المتعثرة إلى حالات يمكن معالجتها وحالات ميؤوس منها وذلك على اعتبار أن البنك قد يتمكن من تسوية النزاع مع المقترض بعيدا عن تعقيدات ساحة القضاء كتأجيل تواريخ السداد مثلا أو إعادة جدولة الديون من جديد أو تخفيض نسبة الفوائد أو حتى منح تسهيلات إضافية للعميل من أجل حل مشكلته.

 

(1) بناء على اقتراح من بنك المغرب قامت المجموعة المهنية لبنوك المغرب بوضع مشروع قانون يتعلق بإجراءات الوساطة البنكية لحل النزاعات بين المؤسسات البنكية وبين عملائها وذلك بعيدا عن تعقيدات ساحة القضاء، أنظر الملحق رقم : 4.

(2) أنظر بهذا الخصوص : منير صالح هندي : إدارة البنوك التجارية، مرجع سابق، ص 246.

أما بالنسبة للحالات الميؤوس منها فإن البنك يقوم باتخاذ الإجراءات الكفيلة بحفظ حقوقه والتي قد تصل إلى إعلان إفلاس العميل وبالتالي السير بالإجراءات القانونية وملاحقة العميل قانونيا

وفي هذا الإطار نشير إلى أن تقرير بنك المغرب السنوي لسنة 2006 قد شهد تراجعا تدريجيا لحجم الديون المعلقة الأداء وهو أمر يدل على الحزم الذي تتبعه مؤسسات الائتمان في تتبع ومعالجة هذا النوع من الديون .

السنوات

حجم الديون المعلقة الأداء بملايين الدراهم

- دجنبر 2004

- نونبر 2005

- دجنبر 2005

- نونبر 2006

- دجنبر 2006

48070 م د

48417 م د

45291 د م

37352 د م

35790 م د

المصدر : من التقرير السنوي لبنك المغرب 2006.

وهكذا يلاحظ أنه بفضل الجهود المبذولة من قبل مؤسسات الائتمان من أجل احتواء ظاهرة الديون المعلقة الأداء وبالتالي إصلاح حصيلة البنوك، فإن هذه الديون قد تراجعت من جديد بقيمة 8 مليارات أو 18,3% لتصل إلى 35,6 مليار درهم.

وبانخفاضها إلى هذا المستوى شكلت هذه الديون 10,9% من محفظة قروض البنوك         و 7,4%  منها بغض النظر عن البنوك المتخصصة عوض 15,7% و 9,6% على التوالي سنة 2005، وقد تحسنت نسبة تغطية هذه الديون بالمؤونات حيث انتقلت من 67,2% إلى 71,3% بالنسبة لمجموع البنوك ومن 74% إلى 78% في ما يتعلق بالبنوك التجارية ومن 60,7% إلى 62,9% في ما يخص البنوك العمومية المتخصصة.

الفقرة الثانية : صعوبة تحقيق الضمانات البنكية.

<><> 

 

إن من بين المهام الأساسية للبنك تمويل الاقتصاد الوطني عن طريق إمداد الخواص ومؤسسات القطاع الخاص والعام بالقروض والتسهيلات الائتمانية بجميع أشكالها، غير أن قيام الأبناك بهذا الدور لا يخلو من عقبات ومخاطر ائتمانية، تتمثل بالأساس في حجم الديون غير المؤداة التي أصبحت تثقل كاهل المؤسسات البنكية.

الأمر الذي دفع بالأبناك إلى المغالاة في مطالبة عملائها بتقديم ضمانات متنوعة قصد الحد من توابع عدم الوفاء عند الاستحقاق، مما جعلها محط انتقاد من بعض الأوساط.

غير أن هذا التوجه البراغماتي حسب تعبير بعض الفقه (1) من طرف المؤسسات البنكية لا يشكل حلا ناجعا للحد من تفاقم آثار الديون الغير المؤداة على حجم القروض الموزعة من طرف البنوك، حيث أن إنشاء الضمانات رغم تعدد أشكالها وتنوعها، غالبا ما يعد غير كاف لاستيفاء مستحقات البنك اتجاه عملائه، خصوصا إذا ما اعتبرنا الصعوبات العملية والمسطرية التي تعوق تحقيق الضمانات البنكية أمام المحاكم، هذا مع العلم أن عامل الوقت يعتبر جوهريا في عملية الاستيفاء.

وعليه فإشكالية تحقيق الضمانات البنكية أمام الهيآت القضائية يمكن اعتبارها بمثابة خطر غير مباشر من مخاطر القروض البنكية، خطر يلازم ويرافق خطر الائتمان، ويبرز هذا الخطر ويتجلى كلما تأخر البنك في تحقيق الضمانة البنكية وفي استرجاع جزء من مبالغه المقترضة، وذلك بحكم أن الدين الغير المؤدى أو الغير المستخلص يبقى مجمدا مدة من الزمن – طوال مرحلة تحقيق الضمانة – مما لا يتيح للمؤسسة البنكية إعادة استغلال أموالها من جديد في قروض وتمويلات مختلفة.

وعلى هذا الأساس فإذا ما أخل المقترض بالتزامه التعاقدي المتمثل في عدم أدائه للدين المستحق عليه، فإن البنك لا يجد أمامه أي وسيلة أخرى غير تلك التي جعلها المشرع في متناوله وهي الالتجاء إلى القضاء من أجل تحقيق الضمانات التي بين يديه وبالتالي استيفاء حقه وهذا أمر غير متيسر في كثير من الحالات. إذ أن هناك صعوبات وعراقيل كثيرة تحد من فعالية هذه الضمانات ودورها كخط دفاع ثان تلجأ إليه مؤسسات الائتمان عند تحقق خطر عدم الوفاء، وسنعمل في هذا السياق على تناول بعض أهم الصعوبات التي تواجه مسطرة تحقيق الرهن الرسمي باعتبارها تشكل الضمانة الأكثر استعمالا من طرف الأبناك .

(1) سعيد بربال : إشكالات تحقيق الضمانات البنكية، مقال منشور في  الندوة الرابعة للعمل القضائي والبنكي، سلسلة الندوات واللقاءات والأيام الدراسية، مطبعة دار السلام، الطبعة الأولى، يناير 2004، الرباط، ص 302.

 

لكن وقبل الخوض في غمار هذه الصعوبات، لابأس أن نشير في البداية وباختصار إلى مفهوم وماهية الرهن الرسمي.

أولا : ماهية الرهن الرسمي :

يتصدر الرهن الرسمي مختلف أنواع الضمانات بصفة عامة وذلك نظرا لطبيعته العقارية ولارتباطه الوثيق بالقروض البنكية على اختلاف أنواعها الأمر الذي جعل منه وسيلة فعالة يتم اللجوء إليها عند تحقق خطر الائتمان أو خطر عدم الوفاء.

وتتجلى الخاصية الحمائية للرهن الرسمي كضمانة عينية عقارية تساهم في دعم الائتمان التجاري في وعائه العقاري، على اعتبار أن العقارات وحدها هي التي يمكن أن تكون محلا له (الفصل 158 من ظهير 2 يونيو 1915) (1).

وقد عرف المشرع المغربي (2) الرهن الرسمي في الفصل 157 من ظهير 2 يونيو 1915 والذي جاء فيه : " الرهن الرسمي حق عيني عقاري على العقارات المخصصة لأداء التزام، وهو بطبيعته لا يتجزأ  ويبقى بأكمله على العقارات المخصصة له وعلى كل واحد وعلى كل جزء منها ويتبعها في أي يد انتقلت إليها ".

فمن خلال هذا التعريف يتضح لنا أن المشرع المغربي قد اعتبر الرهن الرسمي حقا عينيا عقاريا تبعيا. لا يقبل التجزئة ولا يقوم على الحيازة ولا يقع إلا على العقارات، وتأسيسا على ما سبق يمكن لنا إجمال بعض خصائص الرهن الرسمي فيما يلي :

1) كونه حقا عينيا : ومعنى ذلك أنه يعطي صاحبه حق الأولوية على غيره من الدائنين في استيفاء دينه من ثمن العقار المرهون وهذا الحق هو ما يسمى بالاصطلاح الفقهي حق التقدم أو حق الأفضلية (3).

(1) نص الفصل 158 من ظهير 2 يونيو 1915 على ما يلي :

    إن العقارات القابلة وحدها للرهون الرسمية هي :

    1) العقارات المشيدة أو الغير المشيدة الموجودة في التعامل وبمعيتها ملحقاتها المعتبرة عقارات .

    2) الانتفاع بهذه الأملاك بذاتها وملحقاتها وذلك طيلة مدة الانتفاع.

    3) الكراء الطويل الأمد طيلة مدته.

    4) حق السطحية المقرر على هذه العقارات ذاتها. 5) الحقوق الإسلامية المشار لها بالفقرة العاشرة بالفصل الثامن من هذا الظهير وحق الانتفاع المؤبد على الأملاك الجماعية المنصوص عليها في الفصلين الثامن والتاسع من الظهير المؤرخ في 29 رجب 1337 موافق 27 أبريل 1919 المنظم للوصاية الإدارية والمحدد لإدارة الأملاك الجماعية وتفويتها.

(2) في حين تناول المشرع المصري تعريف الرهن الرسمي في المادة 1030 من القانون المدني والتي جاء فيها : " الرهن الرسمي عقد يكسب الدائن على عقار مخصص لوفاء دينه حقا عينيا ليكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التاليين له في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد يكون.

(3) محمد فركت : الرهن الرسمي والإجراءات المسطرية، الندوة الأولى للعمل القضائي والبنكي، نشر المعهد الوطني للدراسات القضائية والمجموعة المهنية لبنوك المغرب، الرباط 1987، ص 110.

 

2) كونه حقا تبعيا : إن اعتبار الرهن الرسمي حقا عينيا تبعيا يفيد أنه تابع للالتزام الذي أنشأه فهو يقوم بقيام الالتزام الأصلي وينعدم بانعدامه وينتقل بانتقاله.

3) كونه حق لا يقبل التجزئة : ومعنى ذلك أن العقار محل الرهن يبقى بكل أجزائه ضامنا للدين أو لما تبقى منه، ولا يرفع الرهن إلا بالوفاء الكلي لمجموع الدين وهذا ما نصت عليه المادة 1180 من ق  ل ع حيث جاء فيها." الرهن بطبيعته لا يتجزأ، فكل جزء من الشيء المرهون رهنا حيازيا أو رسميا، يضمن كل الدين ".

ففي حالة تعدد أجزاء الدين من حيث حلول أجل الأداء فإن أداء الجزء الحال أجله يبقي العقار كله ضامنا للأجزاء المتبقية من الدين، ونفس المبدأ يطبق في حالة وجود عدة عقارات ضامنة لدين واحد. إذ أن أداء جزء من الدين يقابل عقارا منها لا يخلصه من الرهن، ومفهوم هذه القاعدة هو ما نصت عليه المادة 157 من الظهير السابق " ... وهو بطبيعته لا يتجزأ ويبقى بأكمله على العقارات المخصصة له، وعلى كل واحد، وعلى كل جزء       منها ... " (1).

4) كونه حق لا يتطلب خروج العقار من حيازة المدين : فهو رهن لا يقوم على الحيازة، حيث يبقى العقار المرهون بين يدي مالكه المدين يتصرف فيه كيفما شاء وذلك على خلاف الرهن الحيازي.

 والرهن الرسمي على العموم حسب مقتضيات الفصل 162 من الظهير السابق إما أن يكون رهنا إجباريا أو اتفاقيا، والرهن الجبري هو الذي يكون بمقتضى حكم قضائي بدون رضى المدين وفي حالات حددها المشرع بصفة حصرية، في حين أن الرهن الإتفاقي ينشأ برضى الأطراف بمقتضى عقد رسمي أو عقد عرفي ولا يكون لهذا العقد أي أثر نافذ بين المتعاقدين أو في مواجهة الغير إلا إذا ثم تسجيله في السجل العقاري.

وذلك على اعتبار أن الرهن الرسمي مؤسسة مقترنة بفكرة التقييد، لأن قوة الضمان فيها هو تقييد الرهن في سجلات رسمية على رسوم ملكية العقار المرهون بحيث يلتصق الرهن العقاري فيتوفر بذلك الضمان المطلوب لأداء الالتزام (2).

 

(1) محمد فركت : الرهن الرسمي والإجراءات المسطرية، مرجع سابق، ص 132.

(2) حليمة بن حفو : تقييد الرهن الرسمي في السجل العقاري، أعمال اليوم الدراسي حول العقار والإسكان الذي نظمه مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بمراكش يوم 24 ابريل 2003، منشور بسلسلة الندوات والأيام الدراسية عدد 20، الطبعة الأولى 2003، ص 169.

 

وكل عقد رهن يجب أن يعين لزوما اسم العقار الواقع عليه الرهن ورقم رسمه ومكانه (المادة 177 من الظهير)، وإذا كان الرهن الرسمي ينشأ مبدئيا بالتسجيل فإن هناك استثناء يتعلق بالرهن المؤجل الذي يعتبر موجودا في نظر القانون حتى قبل تسجيله، وهو رهن رضائي يبرم لضمان قروض قصيرة الأجل لمدة من الزمن لا تتجاوز 90 يوما، يجوز خلالها تأجيل إشهاره أو قيده بالرسم العقاري دون أن يكون الدائن معرضا لفقدان مرتبة دينه، حيث يبقى الدائن متمتعا بالرتبة التي اكتسبها منذ تقديمه لعقد الرهن للمحافظة العقارية، شرط احترام مقتضيات الفصول 183 و 184 من الظهير.

وإذا حصل وأن تقدم دائن مرتهن آخر بطلب يرمي إلى تسجيل حقه على العقار أثناء سريان الأجل، يتعين على المحافظ أن يسجل أولا الرهن المؤجل الذي يأخذ رتبته بأثر رجعي أي ابتداء من يوم الإيداع، أما إذا انتهى أجل التسعين يوما دون أن يتقدم خلالها أي شخص بطلب تقييد حق له على ذلك العقار المرهون. فإن للدائن المرتهن الخيار إما أن يطلب من المحافظ التسجيل التام لحقه الذي لم يبق مضمونا لما قام به من إيداع المعتبر بمثابة اعتراض، وإما أن يسحب وثائقه وينتهي بذلك حق الرهن، لأن الرهن المؤجل لا يقبل التجديد بعد انقضاء أجل التسعين يوما (1).

والرهن الرسمي متى توافرت شروطه وثم تقييده في السجل العقاري رتب مجموعة من الآثار وقام حجة فيما بين المتعاقدين وفي مواجهة الغير حسن النية (2).

ومن بين أهم الآثار القانونية التي تترتب عن الرهن الرسمي في مواجهة المدين الراهن كون هذا الرهن لا ينقص شيئا من حق الملكية التي يتمتع بها، حيث يحتفظ بجميع السلطات التي يخولها له هذا الحق على عقاره. من تصرف وإدارة واستغلال، بشرط أن لا يترتب عن تصرفه هذا أي إضرار بحقوق الدائن المرتهن.

أما فيما يخص الدائن المرتهن فإن الرهن الرسمي يشكل خط الدفاع الثاني الذي يلجأ إليه للحصول على حقوقه من المدين المقترض في حالة عجزه عن الوفاء بالتزاماته، ومن أهم الآثار التي يرتبها الرهن الرسمي للدائن المرتهن نذكر حق الأولوية وحق التتبع.

(1) حليمة بن حفو : مرجع سابق، ص 174.

(2) أما بالنسبة للغير سيء النية الذي يعلم عند تسجيل الحق العيني على اسمه في السجل العقاري العيوب اللاحقة برسم من تلقى الحق عنه، فإن حجية التسجيل تتلاشى بالنسبة له. وبالتالي لا يستطيع أن يدرأ عن نفسه بطلان أو إبطال ما قيد بالرسم العقاري.

    أنظر بهذا الخصوص، حليمة بن حفو، مرجع سابق، ص 175.

 

فحق الأولوية هو الذي يعطي للدائن الضمانة الكفيلة باسترجاع دينه حين تعدد الدائنين لذا فإن الدائن غالبا ما يحرس على أن يكون الرهن المسجل لفائدته من الدرجة الأولى.

فالدائن المرتهن رهنا رسميا له أن يستوفي دينه من قيمة العقار المرهون قبل غيره من الدائنين وحتى إذا تعدد الدائنون المرتهنون رهنا رسميا فالأفضلية فيما بينهم تكون بأسبقية تسجيل رهنهم في السجل العقاري.

غير أن هناك استثناء لهذا الحق، أقرته المادة 1244 من ق ل ع، ويتعلق الأمر هنا بالدين الممتاز. فهذه المادة نصت على ما يلي :

" الدين الممتاز مقدم على كافة الديون الأخرى، ولو كانت مضمونة برهون   رسمية ".

أما حق التتبع فإنه يخول للدائن المرتهن تتبع العقار المرهون في أي يد انتقلت إليه وممارسة إجراءات التنفيذ في حقه على الرغم من انتقال ملكيته من يد المدين الراهن إلى يد الغير. وهذا الحق يعبر في حقيقة الأمر عن التكامل الذي يتميز به الرهن الرسمي من حيث الحقوق والواجبات التي يرتبها على كل من المدين الراهن والدائن المرتهن، ويعتبر في نفس الوقت قيدا على الحق الذي يتمتع به المدين من حرية التصرف في العقار المرهون.

وحتى يثبت هذا الحق للدائن المرتهن لابد من توافر شرطين اثنين إذ بدونهما لا يمكن أن يتبع العقار المرهون في يد من انتقل إليه.

أولهما أن يكون أجل دينه قد حل. إذ الحائز له أن يستفيد من الأجل الممنوح للمدين الراهن، وثانيهما أن يكون الدائن المرتهن قد قيد رهنه بالسجل العقاري طبقا للمقتضيات الجاري بها العمل، وأن يكون هذا القيد سابقا لتسجيل انتقال الملكية من المدين الراهن إلى الغير (1).

 

 (1) محمد فركت : مرجع سابق، ص 170.

 

ويبقى الرهن الرسمي منتجا لآثاره إلى أن يشطب عليه إما بمقتضى الاتفاق وهو ما يعرف بالتشطيب الاتفاقي، بناء على عقد الإبراء من الدين أو شهادة فك الرهن المسلمة من الدائن المرتهن بعد استيفاء جميع حقوقه المضمونة في عقد الرهن، وإما بموجب حكم قضائي وهو ما يطلق عليه بالتشطيب القضائي.

وعلى العموم وتأسيسا على ما سبق نلاحظ أن الرهن الرسمي يتصدر قائمة الضمانات العينية ويمثل واحدة من أفضل الصيغ التي تضمن القروض البنكية، نظرا لما يقدمه من ضمانات فعلية نتيجة لثبات أسعار العقار في السوق، وعدم تعرضها للتذبذب، حيث يصنف العقار بوجه عام ضمن خانة أحسن الضمانات المقبولة لدى البنوك.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، هل مسطرة تحقيق الرهن الرسمي كمسطرة خاصة حققت الهدف المتوخى من وراء وجودها ؟ أم أنها لم تختلف عن غيرها من المساطر القضائية.

ثانيا : الصعوبات المرتبطة بمسطرة تحقيق الرهن الرسمي.

مما لا شك فيه أن مسطرة تحقيق الرهن الرسمي تعتبر من المساطر الطويلة والمعقدة والتي تستلزم إجراءات وشكليات معينة يترتب عن عدم احترامها بطلان هذه المسطرة.

ويتم اللجوء عادة إلى مسطرة تحقيق الرهن الرسمي عندما يحل أجل تسديد الدين ولا يبادر المدين إلى الوفاء بالدين الذي بذمته، وتهدف هذه المسطرة بصفة عامة إلى البيع الجبري للعقار المرهون واستخلاص الدائن لدينه كاملا أو ما تبقى منه بالأسبقية على باقي الدائنين العاديين، وإذا كانت هذه المسطرة تفتتح بتوجيه إنذار إلى المدين قصد منحه أجلا للأداء، فإن هذا الأخير قد يلجأ إلى بعض الوسائل الاحتيالية بهدف ربح بعض الوقت وإخراج المسطرة عن مسارها الطبيعي وبالتالي إدخالها في متاهات ومساطر في الموضوع قد تطول لعدة سنوات.

والصعوبات التي تعترض مسطرة تحقيق الرهن الرسمي عديدة ومتنوعة لكننا سنحاول التركيز على أهمها بدءا بالتبليغات ومرورا بالخبرة العقارية أو المحاسبية وانتهاء بدعوى البطلان.

 

1) على مستوى التبليغات :

يشكل تبليغ الإنذار العقاري (1) إحدى الصعوبات العملية التي تواجه مسطرة تحقيق الرهن الرسمي وذلك على اعتبار أن المدين وفي حالات كثيرة لا يكون متواجدا بالعنوان المضمن في عقد الرهن، حيث غالبا ما يرجع هذا الإنذار بملاحظة إغلاق المحل أو كونه غادره إلى مكان مجهول.

وبناء على هذا الطرح يكون تحقيق الرهن متعذرا بصفة دائمة مادام محل المدين مغلقا بل وعلى العكس من هذا تماما فإن الإغلاق أو عدم التوصل بالإنذار بطريقة إرادية من طرف المدين يجعله يتحكم في سير مسطرة التحقيق (2).

وفي هذا السياق تساءل بعض الفقه (3) عن إمكانية اللجوء لمسطرة التبليغ عن طريق القيم مادام أن غياب المدين سيحول دون إتمام إجراءات التنفيذ، وبالتالي يثار التساؤل حول إمكانية اللجوء إلى هذه المسطرة دون إتباع مساطر احترازية أخرى ؟

بالرجوع إلى قانون المسطرة المدنية، نجد المشرع المغربي قد أشار إلى مؤسسة القيم ضمن الفقرة الأخيرة من الفصل 39، وهي المتعلقة بالحالة التي يكون فيها تبليغ الاستدعاء للمدعى عليه متعذرا في موطنه أو في محل إقامته، كما نص أيضا على حالة أخرى لتنصيب القيم وهي المتعلقة بتبليغ الأحكام والقرارات وذلك ضمن المادة 54 من ق م م والتي تحيل على مقتضيات المادة 441 من نفس القانون وهي المادة التي تتضمن شكليات وإجراءات تبليغ الأحكام والقرارات إلى القيم.

إضافة إلى بعض المواد المنصوص عليها في بعض النصوص الخاصة مثل المادة 192 من ظهير 2 يونيو 1915 والمتعلقة بتخلي الغير الحائز عن ملك مرتهن. والمادة 46 من قانون نزع الملكية، وعلى العموم يمكن تعيين قيم كلما نص القانون على ذلك، على اعتبار  أن  مسطرة  القيم تطبق  أمام  المحاكم  الابتدائية  والإدارية والتجارية وأمام محكمة

 

(1) يعرف الإنذار العقاري بأنه إشعار يوجهه الدائن المرتهن إلى المدين الراهن بواسطة عون التبليغ يطالب فيه بأداء الدين المضمون بالرهن تحت طائلة نزع ملكية العقار المرهون وبيعه بالمزاد العلني لتسديد هذا الدين وفوائده ومصاريفه.

     راجع : محمد سلام  : مرجع سابق، ص 11.

(2) سعيد بريال : إشكالات تحقيق الضمانات البنكية، مرجع سابق، ص 306.

(3) عبد العزيز تريد : تحقيق الضمانات البنكية، مقال منشور بمجلة القسطاس، عدد 3،  2004، ص 48.

 

الاستئناف، كما تطبق أمام المجلس الأعلى ومرحلة الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة والطعن بإعادة النظر (1).

وتأسيسا على ما سبق نجد أن ق م م لم يشر إلى أي مقتضى قانوني يحيلنا على مؤسسة القيم في حال تعذر تبليغ الأوامر المبنية على طلب خاصة الإنذارات منها.

وعلى الرغم من سكوت المشرع المغربي عن هذا المقتضى فقد استقر رأي بعض الفقه (2) والعمل القضائي على سد هذه الثغرة وذلك بالسماح بتنصيب القيم عن المدين الراهن المجهول العنوان (وذلك حتى دون احترام الآجال والشكليات المنصوص عليها في المادة 441 ق م م) بواسطة أمر قضائي مبني على طلب، ويبقى لكتابة الضبط صلاحية إضفاء الصيغة التنفيذية على الأمر بمجرد تبليغه للقيم. ويجب التنبيه هنا إلى أن مجرد رجوع الإنذار بملاحظة عدم العثور على الشخص في موطنه أو بملاحظة أنه غائب لا يبرر تعيين قيم عنه، وإنما يوجب استدعاؤه بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل، لأن عدم العثور عليه بالعنوان أثناء تنقل العون إليه لا يفيد أنه مجهول العنوان أو غير معروف، وإنما يفيد عدم وجوده في ذلك الوقت الذي انتقل إليه العون وهذا ما أقره المجلس الأعلى في قراره رقم 1854 بتاريخ 19/9/1990 الذي ورد فيه أن رجوع الاستدعاء بملاحظة – يتعين بيان العنوان – لا يبرر وجوب تعيين قيم (3).

ومن جهة أخرى نشير إلى أنه بعد تجاوز الدائن لهذه المرحلة وتخطي صعوبة تبليغ الإنذار العقاري ينتقل بعد ذلك إلى مرحلة الحجز التنفيذي العقاري، وما تثيره أيضا من صعوبات على مستوى التبليغ تؤثر على السير العادي والطبيعي لمسطرة الرهن الرسمي.

وعموما تبتدئ مرحلة الحجز التنفيذي العقاري بعد تبليغ المدين بالإنذار العقاري ومضي الأجل المحدد في الإنذار وعدم قيامه بالأداء داخل الأجل، ليتم بعد ذلك الشروع في إجراءات النزع الجبري للملكية وفي مقدمتها القيام بالحجز التنفيذي.

 (1) عبد اللطيف مشبال : مسطرة القيم في قانون المسطرة المدنية، مجلة المحاكم المغربية، عدد 70، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص 29.

(2) عبد العزيز تريد : نفس المرجع السابق، ص 48.

(3) راجع بهذا الخصوص : إبراهيم بحماني : تنفيذ الأحكام العقارية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء،  الطبعة الأولى 2001،   ص 65.

 

على أن هناك جانب من الفقه (1) اعتبر أن مضي الأجل المحدد في الإنذار دون قيام المدين بالوفاء يؤدي إلى تحول هذا الإنذار بصفة تلقائية إلى حجز تنفيذي عقاري، وهو الأمر الذي عارضه جانب آخر من الفقه (2) ارتأوا أنه لابد من القيام بإجراءات الحجز التنفيذي بالرغم من توجيه وتبليغ الإنذار العقاري. وأنه لا يمكن الاستغناء عن ذلك وهو ما يعني بأن الإنذار لا يتحول إلى حجز تنفيذي بالرغم من أنه يرتب بعض أثاره كغل يد المدين عن التصرف في العقار موضوع الإنذار.

وتفتتح إجراءات الحجز العقاري بانتقال عون التنفيذ إلى العقار المطلوب حجزه من أجل معاينته وتحرير محضر بالحجز العقاري يبين فيه موقع العقار ومساحته وحدوده ومرافقه وجميع الحقوق والالتزامات التي له والتي عليه. ويشير العون في محضره إلى حضور أو عدم حضور المدين المحجوز عليه أثناء عملية الحجز ليعمل في حالة تغيبه على تبليغه بهذا المحضر وذلك وفق ما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 470 ق م م ثم يعمل بعد ذلك على تبليغ محضر الحجز إلى كل من المحافظ على الأملاك العقارية وإلى باقي الأطراف الذين يعنيهم الأمر كالمكتري وحائز العقار مثلا.

ثم يسهر على تسجيل هذا المحضر بالرسم العقاري (الفصل 207 من ظهير 2 يونيو 1915) ويتجلى الهدف من إيداع محضر كل من الإنذار والحجز العقاريين لدى المحافظ وتسجيلهما بالرسم العقاري إلى جانب منع المدين من التصرف في العقار هو تمكين العموم من الإحاطة والإطلاع على وضعية الرسم العقاري، وأيضا التهييئ لتسجيل محضر البيع بالمزاد العلني.

وبناء الإجراءات الشكلية الضرورية لذلك إذ لا يمكن تسجيل محضر البيع إذ لم يسبقه محضر الحجز وتسجيل هذا الأخير بدوره متوقف على تسجيل الإنذار العقاري.

 

(1) محمد فركت : الرهن الرسمي والإجراءات المسطرية، مرجع سابق، ص 177.

    محمد صبري : الأخطاء البنكية، مرجع سابق، ص 140.

(2) محمد سلام : مرجع سابق، ص 19.

 

غير أن هذه الإجراءات وفي كثير من الأحيان لا تسير وفق ما ابتغاه المشرع المغربي من مسطرة الرهن الرسمي، حيث تصطدم بدورها بمسالة تبليغ محضر الحجز التنفيذي إلى المدين الغائب عن عملية الحجز وفي حال تعذر ذلك يلجأ الدائن إلى مؤسسة القيم، مع ما يستتبع ذلك من بحث وآجال يصعب تحديد مدة إنجازها، تؤثر سلبا على السير العادي لهذه المسطرة.

وفي هذا السياق نجد الفصل 470 من ق م م ينص على وجوب تبليغ محضر الحجز للمنفذ عليه حال وقوع هذا الحجز في غيبته(1) وذلك وفقا لمقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 469 ق م م وهي الفقرة التي تحيل بدورها على الفصل 39  ق م م. وذلك حين تعذر التبليغ بالطريق العادي.

ولقد سبق وأن بينا الإشكال الذي يطرحه التبليغ عن طريق القيم وما قد يثيره من صعوبات على مستوى الإنذار العقاري، على أن الخاصية التي تميز تبليغ محضر الحجز عن تبليغ الإنذار تتمثل في وجود أساس قانوني صريح يحيل في حالة تعذر تبليغ محضر الحجز بالطريق العادي إلى اللجوء إلى مؤسسة القيم.

غير أن الإشكال الذي يطرح في هذا المجال يتمثل في كون الآجال المنصوص عليها في الفصل 39 لا تنسجم بتاتا مع الآجال المنصوص عليها في الفصول المنظمة للحجز التنفيذي والبيع الجبري بالمزاد العلني للعقار (2) وذلك على اعتبار أن مسطرة القيم تتطلب إجراء أبحاث يصعب تحديد مدة إنجازها.

ولقد سبق لمحكمة الاستئناف بالرباط أن صرحت في قرارها 777 في 22 يناير 1929 بأنه تعد صحيحة مسطرة الحجز العقاري المشتملة على تبليغ الإنذار والأحكام بالحجز إلى قيم المحجوز عليه المجهول العنوان (3).

 (1) تنص الفقرة الثانية من الفصل 470 على ما يلي :

   " إذا وقع الحجز في غيبة المنفذ عليه بلغ إليه ضمن الشروط المشار إليه في الفقرة الثالثة من الفصل 469".

(2) إبراهيم بحماني : تنفيذ الأحكام العقارية، مرجع سابق، ص 154.

(3) قرار محكمة الاستئناف بالرباط عدد 777. بتاريخ 22 يناير 1929، قرار وارد بمقال محمد فركت، مرجع سابق، ص 178.

 

ومؤسسة القيم بكتابة الضبط لا تهم إجراءات الحجز العقاري وحده، ولكنها حاضرة في جميع مراحل التقاضي وتنفيذ الأحكام والقرارات، وقد وجهت لهذه المؤسسة انتقادات كثيرة في مقدمتها أنها شكلية وقاصرة عن القيام بالهدف المتوخى منها وتتسبب في ضياع الحقوق والتحايل على القانون (1).

وعلى كل، فإن القيم المنصب عن المدين الراهن ينبغي أن يقوم بالبحث عن هذا الشخص بواسطة النيابة العامة والسلطات الإدارية، ويقدم جميع المعلومات المفيدة عنه، وعليه أن يخبر العون المكلف بالتنفيذ والقاضي الذي عينه عند العثور على الشخص المبحوث عنه.

ولقد اعتبر بعض الفقه (2) على أن التبليغ للقيم إذا كان العقار محفظا أو في طور التحفيظ يكفي فيه توجيه التبليغ إلى النيابة العامة طبقا لما ينص عليه الفصل 26 من القرار الوزيري المؤرخ في 3/6/1915 المتضمن لكيفية تطبيق ظهير 2 يونيو 1915، هذا الفصل الذي ينص على ما يلي :

" كل طالب وكل متدخل أو متعرض وكل شخص يطلب في اسمه القيام بتسجيل أو تقييد في السجلات العقارية. يجب عليه لزوما تعيين موظف للمخابرة بمقر المحافظة، إذا لم يكن موطنه الفعلي بدائرة المحافظة المذكورة، فإذا لم يقم بذلك فإن جميع الإعلامات والتبليغات توجه له إلى النيابة العامة ويكفي ذلك لاعتبارها صحيحة ".

وينبغي أخيرا التأكيد على أنه يمنع على المنفذ عليه بمجرد تبليغه بالحجز أن يقوم بأي تفويت في العقار أو إنشاء حق عيني أو شخصي لفائدته أو لفائدة الغير بعوض أو بدونه وذلك تحت طائلة البطلان.

وعلى العموم فإنه بعد تخطي الدائن لجميع الإجراءات السالفة الذكر وتجاوزه لكل الصعوبات التي تواجهه في سبيل تبليغ الإنذار العقاري والقيام بإجراءات الحجز التنفيذي العقاري وتبليغ محضره من جديد إلى المدين المحجوز عليه وإلى المحافظ على الأملاك العقارية، تأتي مرحلة بيع العقار بالمزاد العلني.

(1) محمد سلام : مرجع سابق، ص 22.

(2) إبراهيم بحماني : مرجع سابق، ص 154.

 

لكن وقبل الإقدام على هذا البيع يكون على الدائن القيام بعدة إجراءات ضرورية لإعداد العقار للبيع وفي مقدمتها ضبط وثائق ملكية العقار ووضعيته القانونية والواقعية وتحديد الثمن الأساسي لبيعه والذي غالبا ما يحدد عن طريق الخبرة القضائية.

ووضع دفتر التحملات الذي يحدد شروط البيع مع إشهاره في الأماكن بالوسائل المنصوص عليها قانونا، وأخيرا تبليغ واستدعاء الأطراف المعنية لحضور جلسة المزاد العلني.

إلا أن كل ما سبق ذكره يتعلق فقط بالجانب النظري أما على المستوى العلمي فإن الأمور لا تمر كذلك بحيث تثار بشأنها عدة صعوبات تحول دون تحقيق الهدف المتوخى من هذه المسطرة، وتبقى من بين أهم الصعوبات التي قد تواجه مسطرة تحقيق الرهن خلال هذه المرحلة نذكر مسألة الخبرة وما قد تفرزه من نزاعات تجر مسطرة الرهن الرسمي إلى متاهات وقضايا ثانوية لا تنتهي إلا بعد تدخل قضاء الموضوع للحسم فيها. الأمر الذي قد يؤخر هذه المسطرة ويوقف إجراءات التنفيذ لعدة سنوات وهو الأمر الذي سنعمل على تناوله من خلال الفقرة التالية.

2) على مستوى الخبرة القضائية :

<><> 

 

ترتبط الخبرة القضائية بدور القاضي في حسم النزاع وذلك عن طريق تعيين خبير معين في النازلة بحيث يعتبر عمل الخبير حاسما في المسائل الفنية والتقنية وهي تعتبر إحدى إجراءات التحقيق في الدعوى وقد نص المشرع المغربي عليها في الفصل 55 و59 من ق م م  (1).

ولقد عمد الفقه إلى التمييز بين الخبرة الودية أو غير الرسمية وهي التي تجري باتفاق بين الأطراف بدون أمر قضائي وبين الخبرة القضائية التي تأمر بها المحكمة وذلك للاستعانة برأي ذوي الاختصاص لتوضيح مسألة غامضة يحتاج فهمها إلى دراية علمية وفنية تخرج عن إطار تكوين القاضي.

(1) نص الفصل 59 من ق م م على ما يلي :

   "  إذا أمر القاضي بإجراء خبرة عين الخبير الذي يقوم بهذه المهمة تلقائيا أو باقتراح الأطراف واتفاقهم.

     ....

     يحدد القاضي النقط التي تجري الخبرة فيها في شكل أسئلة فنية لا علاقة لها مطلقا بالقانون ".

 

بيد أن الخبرة التي تعرفها مسطرة الرهن الرسمي تتعلق إما بالخبرة الحسابية والتي تثار بطلب من أحد الأطراف خاصة المدين الذي ينازع في أساس المديونية وقيمتها وإما الخبرة العقارية والتي تهدف إلى تحديد قيمة العقار وتعيين ثمن افتتاحي يعتمد كأساس لانطلاق البيع بالمزاد العلني.

أ – الخبرة المحاسبية :

يتم عادة اللجوء إلى الخبرة المحاسبية عند ما ينازع المدين في قيمة الدين المطالب به من طرف الدائن - والذي غالبا ما يكون مؤسسة ائتمان - أو يدعي بإن المبالغ المطالب بها غير مرتكزة على أساس أو أن الفوائد مبالغ فيها أو أنها قبضت مرتين.

ونظرا لما تعرفه العمليات البنكية من تعقيدات تتطلب كفاءة فنية وتقنية خاصة فإن المحكمة غالبا ما تعين خبيرا مختصا في هذا المجال يساعدها على الكشف عن حقيقة الدين المتنازع عليه. خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن معظم الأداءات في كثير من عمليات الائتمان تتم بواسطة اقتطاعات بنكية من وإلى حساب المدين.

ومعلوم أن المنازعة في المديونية أو في مقدار الدين يترتب عنه الأثر الموقف لإجراءات التنفيذ (1) وذلك إلى حين البث في موضوع النزاع وهو الأمر الذي يؤدي إلى عرقلة إجراءات التنفيذ وتعطيل مسطرة الرهن الرسمي، بحيث أن الخبرة قد تمتد لفترة طويلة تتعدى السنة والسنتين وخلالها يصادف الدائن المرتهن كل أوجه ووسائل المماطلة.

وفي هذا السياق نورد مثالا (2) عن حكم لابتدائية بركان بتاريخ 18/06/1993 علقت المحكمة خلاله إجراءات التنفيذ إلى حين البث في دعوى الموضوع بالمنازعة في الدين، والتي بدورها عرفت منحى معقدا من تعدد الخبرات المحاسبية تناقضت فيما بينها تناقضا شديدا.

(1) أيد المجلس الأعلى في قرار له بتاريخ 30/11/91 عدد 2773 الاتجاه القاضي بترتيب الأثر الموقف للدعوى حيث جاء فيه :

     يكون مقبولا ومنتجا طلب إيقاف إجراءات البيع العقاري للعقار المرهون، والمحجوز متى استند إلى وجود منازعة قضائية في المبالغ المطلوب تحصيلها عن طريق البيع.

     إن المنازعة في الصفة وفي مقدار الدين تشكل الأسباب الخطيرة والمبررة المنصوص عليها في الفصل 478 ق م م ).

    قرار وارد بمرجع محمد سلام. مرجع سابق، ص 70.

(2) مثال وارد بمقال سعيد بربال : إشكالات تحقيق الضمانات البنكية، مرجع سابق، ص 307 و 308.

 

حيث وفي معرض متابعة مسطرة تحقيق الرهن ابتداء من سنة 1993 من طرف البنك الدائن المرتهن جاء قرار السيد رئيس المحكمة الابتدائية بإيقاف مسطرة تحقيق الرهن وذلك في انتظار مآل دعوى المدين بالمنازعة في الدين. والتي من خلالها سبق أن أمر القاضي بإجراء خبرة محاسبية بتاريخ 28/03/1994 قضت بمديونية البنك اتجاه العميل بمبلغ قدره 15.000 درهم وذلك بسبب غياب وثائق البنك المحاسبية التي تثبت قيمة الدين. وبعد إجراء خبرة ثانية بطلب من الطرفين بتاريخ 30/06/1997 جاء تقرير الخبير ليؤكد مديونية البنك للعميل وبمبلغ قدره 950.000 درهم.

غير أنه وفي المرحلة الاستئنافية أمرت المحكمة من جديد بإجراء خبرة ثالثة بتاريخ 04/01/2000 جاء تقريرها مخالفا لتقارير الخبرات السابقة حيث أكدت مديونية العميل للبنك بمبلغ 1.123.866 درهم، مما دفع بالمحكمة وبطلب من الطرف المدين بإجراء خبرة مضادة إلى الأمر بخبرة حسابية جديدة أسندت لثلاث خبراء من مدينة الدار البيضاء فتراجعوا عن المهمة الموكولة إليهم لتسندها من جديد لثلاث خبراء جدد بدلهم من مدينة مكناس دون أن تحدد المدة المشمولة بالخبرة.

فهذا المثال يعد نموذجا خالصا يجسد حجم الصعوبات والعراقيل التي قد تعترض مسطرة تحقيق الرهن الرسمي بسبب الخبرة وتضارب تقارير الخبراء. مما قد يجعل من هذا الإجراء الذي وجد أساسا لمساعدة المحكمة على فهم واستيعاب بعض المسائل الفنية ذات الطبيعة التقنية سببا من الأسباب التي تنضاف إلى جملة المعوقات التي تؤخر تنفيذ الأحكام القضائية.

وعلى العموم فإذا كانت الخبرة الحسابية تعرقل مسطرة الرهن الرسمي فإن الخبير العقاري لا يشد عن هذه القاعدة، فالمحاكم عندما تلجأ لهذا الأخير من أجل تقويم الأملاك والعقارات التي تعين بيعها عن طريق المزاد العلني فإنه غالبا ما يحدد أثمانا افتتاحية جد عالية لا تتناسب والقيمة الحقيقية للعقار المراد بيعه، الأمر الذي يؤدي إلى عرقلة البيع وتعطيل المسطرة.

 

ب – الخبرة العقارية :

من الثابت في العرف البنكي أن البنك لا يقدم على منح أي قرض للعميل إلا بعد أن يتأكد من قيمة الضمانة وحجمها ومن أنها تفوق مبلغ القرض وتكفي لاسترداده مع فوائده ومصاريفه عند الاقتضاء.

          ولما كان العقار يعتبر من الناحية العملية من بين أحسن الضمانات المقبولة لدى البنوك نسبة لما يتمتع به من ثبات في الأسعار، فإن أغلب مؤسسات الائتمان أحدثت لجانا تقنية مختصة في دراسة وتقييم الضمانات المقدمة إليها من طرف عملائها.

وفي هذا السياق عمدت هذه اللجان على انتداب خبراء ومختصين في الشؤون العقارية لتحديد القيمة التجارية لأي عقار يقدم كضمان بنكي، ومن هنا يفترض أن جميع العقارات المرهونة إذا ما عرضت للبيع في إطار مسطرة تحقيق الرهن ستباع بأثمان تفوق مبلغ القرض مع تغطية فوائده ومصاريفه.

وتبقى الوسيلة المعتمدة لتقييم العقارات أثناء تحقيق مسطرة الرهن الرسمي هي اللجوء إلى خبرة يقوم بها خبير معتمد في هيئة الخبراء، يعمل على تحديد الثمن الافتتاحي لبيع العقار بالمزاد العلني، وذلك بعد قيامه بالانتقال إلى عين المكان ومعاينة  العقار المحجوز وتحديد موقعه ومساحته ومشمولاته.

وبعد أن تجتمع لدى الخبير كافة العناصر الكافية لتحديد الثمن الأساسي يقوم بإنجاز مهمته ويودع تقريرا مفصلا بكتابة الضبط يضم للملف التنفيذي يحدد فيه ثمن بيع العقار.

غير أن الإشكال الذي يطرح في هذا السياق يتمثل غالبا في كون الثمن المحدد من قبل الخبير للعقار المحجوز يكون مبالغا فيه بشكل كبير الأمر الذي يجعل من العقار موضوع السمسرة غير قابل للبيع إذ لا يتقدم أي متزايد للشراء مما يؤدي بدوره إلى المماطلة وتطويل المسطرة.

وفي هذه الحالة يلجأ الدائن إلى المطالبة بإجراء خبرة جديدة تكون ملائمة لسومة العقار مع الأخذ بعين الاعتبار ثمن السوق وهذا لا يزيد المسطرة إلا تعقيدا.

وفي الحالات التي انتدب فيها الخبراء لتخفيض الثمن الأساسي الأول يبدو واضحا بأن بعض الخبراء لا يعتمدون مقاييس موضوعية عند تحديدهم لثمن العقارات، فالعقار نفسه يحدد له الخبير ثمنا ويحدد له خبيرا آخر ثمنا يضاعفه عدة مرات، (ملف الحجز العقاري عدد 16 – 97 بابتدائية ابن امسيك سابقا) والذي حدد له خبير مبلغ مليوني درهم وحدد له خبير آخر مبلغ أربعة ملايين درهم في حين رفع خبير آخر الثمن إلى 15 مليون درهم (1).

وهو الأمر الذي يجعل من تقارير الخبرة تقارير نسبية لا ترتكز على أسس موضوعية ولا تتصف بالمصداقية والذي يؤكد هذا الطرح هو التناقض الذي تعرفه تقارير الخبرة في الملف الواحد، حيث أصبح من شبه المستحيل أن نجد توافقا وانسجاما لتقارير الخبرة حول ملف واحد. وهو الأمر الذي جعل من الخبراء هدفا لانتقادات عنيفة.

غير أننا بهذه الملاحظات على الخبرة والخبراء فإننا لا نريد بذلك استبعادها كوسيلة تستعين بها المحكمة عند الاقتضاء وإنما حاولنا فقط إبراز بعض النقاط السلبية التي تكتنف هذا الإجراء والتي تعرقل السير العادي والطبيعي لمسطرة الرهن الرسمي.

وبانتهاء إجراءات الخبرة وتحديد الثمن الأساسي يتم الانتقال إلى مرحلة  البيع بالمزاد العلني.

3) إيقاف إجراءات البيع بالمزاد العلني.

تعتبر مرحلة البيع بالمزاد العلني من أهم وأدق مراحل التنفيذ القضائي بصفة عامة، وذلك بالنظر إلى الآثار التي تنتج عن هذا البيع والتي تتمثل أساسا في تجريد المدين من ملكيته وتمكين الدائن من دينه.

ولا يمكن إيقاف إجراءات البيع بالمزاد العلني إلا إذا أقيمت دعوى موضوعية ترمي إما إلى  استحقاق العقار المحجوز (2) وهذه الدعوى يقيمها الأغيار أو ترمي إلى التصريح بإبطال إجراءات الحجز ويقيمها المدين أو من له مصلحة في ذلك.

ودعوى بطلان إجراءات الحجز العقاري إما أن تكون مبنية على وجود إخلالات شكلية في هذه الإجراءات وفي هذه الحالة يكون الهدف من الدعوى هو إعادة الإجراءات المعيبة، وإما أن تكون مبنية على أسباب جوهرية تنازع في أحقية الدائن في اللجوء إلى الحجز.

(1) محمد سلام : مرجع سابق، ص 30.

(2) وتسمى بدعوى الاستحقاق الفرعية لأنها متفرعة عن التنفيذ أولا وتمييزا لها عن دعوى الاستحقاق الأصلية، ثانيا وهذه الدعوى نادرة وذلك لأنه يصعب من الناحية القانونية تصور ادعاء شخص غير مسجل بالمحافظة العقارية في الرسم العقاري ويطالب باستحقاق ذلك العقار.

 

وفي جميع الأحوال تكمن الغاية من وراء إقامة هذه الدعوى في وقف إجراءات التنفيذ إلى حين البث في هذه الدعوى. وهي غاية مشروعة إذا كانت هذه الدعوى جدية ومبنية على أسباب وجيهة ولكنها قد لا تكون كذلك في حالات كثيرة عندما يتعلق الأمر بمجرد دعاوي كيدية يقيمها المدين سيء النية بهدف تأخير مسطرة تحقيق الرهن وبالتالي تأجيل البيع إلى وقت غير معلوم.

ولتحقيق التوازن بين حقوق الطرفين كان المشرع حكيما في الفصل 483 من  ق م م حيث رتب على مجرد إقامة دعوى البطلان أثرا موقفا لإجراءات التنفيذ ولكنه في نفس الوقت أعطى الصلاحية للمحكمة لتأمر بمواصلة التنفيذ عندما لا تكون الدعوى معززة بالوثائق التي يبدو منها أن الدعوى جدية.

غير أن الفصل المذكور شكل محل خلاف فقهي كبير على اعتبار أن هناك من ارتأى أن مجرد إقامة دعوى البطلان ترتب الأثر الموقف للتنفيذ وبصفة تلقائية وذلك إلى حين البث بحكم نهائي في موضوعها (1).

وفي مقابل هذا الاتجاه، ارتأى البعض الآخر بأن ترتيب الأثر الموقف لدعوى البطلان سيفتح الباب على مصراعيه لذوي النيات السيئة من المدينين، الذين سيقدمون على رفع هذه الدعاوى الكيدية في كل وقت وحين، الأمر الذي سيؤدي إلى عرقلة إجراءات التنفيذ وبالتالي إفراغ مسطرة الرهن الرسمي من محتواها، لذلك ينبغي عدم ترتيب أثر وقف مسطرة التنفيذ على مجرد إقامة دعوى البطلان (2).

وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كان لدعوى البطلان أثر موقف لإجراءات التنفيذ، فإن هذا الأثر منحصر فقط في دعوى البطلان الأولى التي ترفع قبل المزاد العلني، أما بقية دعاوى البطلان الموالية لها. أو تلك التي لا تقام إلا بعد إرساء المزاد فلا يتصور أن يكون لها مثل هذا الأثر كالدعوى الرامية إلى إبطال السمسرة ولو كانت مبنية على أسباب سابقة تعود لما قبل إجراء المزاد (3).

(1) محمد فركت : مرجع سابق، ص 180.

(2) عبد الإله  أبو عباد الله : تعليق حول إيقاف إجراءات التنفيذ العقاري، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 53، ص 75.

(3) راجع بهذا الخصوص محمد سلام : مرجع سابق، ص 71.

 

 

المطلب الثاني :

المخاطر ذات الطبيعة التشغيلية.

<><> 

 

إذا كانت مخاطر القروض البنكية ذات طبيعة مركبة تختلف باختلاف مصدر الخطر ذاته فهذا يدل على أنها ليست من صنف أو طبيعة واحدة. بل لها صور وأصناف متعددة. وفي هذا الإطار تعتبر المخاطر ذات الطبيعة التشغيلية الحلقة الثانية من المخاطر التي ترافق عمليات الإقراض البنكي وتتمثل بالأساس في مخاطر سعر الفائدة البنكية ( الفقرة الثانية ) والمخاطر القانونية ( الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى : المخاطر القانونية للقروض البنكية.

يشكل الخطر القانوني أحد أهم المخاطر التي تتعرض لها مؤسسات الائتمان وهي بصدد مزاولة أنشطتها الائتمانية بمختلف صورها، والتي يندرج ضمنها بطبيعة الحال عقد القرض البنكي باعتباره من أبسط صور الائتمان.

ومهما يكن نوع القرض فإنه قبل كل شيء عقد يربط بين البنك والعميل، وكسائر العقود الأخرى فإن عدم تنفيذ الالتزام أو التنفيذ المعيب له يرتب المسؤولية المدنية للمخل بالالتزام.

هذا وإذا كان نطاق الخطر القانوني محصور بالأساس في المسؤولية بصفة عامة بجميع أوجهها، فإن موضوع البحث يحتم علينا التركيز على المسؤولية المدنية للبنك وهو بصدد منح وإيقاف القروض، لذا فإننا قبل الخوض في نطاق الخطر القانوني (ثانيا) فإننا سنحاول بداية إعطاء صورة أولية عن ماهية هذا الخطر (أولا).

أولا : ماهية الخطر القانوني :

إذا كان مصطلح المخاطر القانونية من بين المصطلحات الحديثة التي بدأت تستعمل مؤخرا بكثرة إن على المستوى القانوني أو الاقتصادي، فإنه مقابل هذا الاستعمال لا نجد أي

 

 

 تعريف محدد ودقيق لمثل هذا النوع من الخطر (1) وهذا إن دل على شيء فإنما يدل في حقيقة الأمر على مدى غموض هذا المصطلح في حد ذاته.

خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار كون المنشور رقم 40/G/2007 لم يقم هو الآخر بوضع تعريف محدد لهذا النوع من الخطر، بل اكتفى فقط بالتنصيص عليه ضمن المادة 77 من المنشور كأحد المخاطر التي تندرج ضمن فئة مخاطر التشغيل، حيث نصت هذه المادة على ما يلي :

" يقصد بمخاطر التشغيل مخاطر الخسارة الناجمة عن وجود قصور أو عيوب تعزى إلى المساطر أو المستخدمين أو الأنظمة الداخلية أو أحداث خارجية ويتضمن هذا التعريف الخطر القانوني ... ".

فما يلاحظ بخصوص هذه المادة أنها قامت بتعريف مخاطر التشغيل، وجاءت في نهاية هذا التعريف لتنص على كون الخطر القانوني يندرج ضمن هذا التعريف وذلك دون تحديد دقيق لماهيته ومضمونه، وبالتالي فإن هذه المادة اعتبرت الخطر القانوني جزء من مخاطر التشغيل، وهو نفس التوجه الذي اعتمدته لجنة بال الثانية بشأن الرقابة البنكية وذلك حينما اعتبرت المخاطر القانونية جزء من مخاطر التشغيل، وهو أيضا نفس التوجه الذي سار عليه مجموعة من الباحثين (2) الذين اعتبروا أن مخاطر التشغيل ليست بالأساس مخاطر تخص النشاط المالي فحسب لمؤسسات الائتمان، وإنما تتجاوزه إلى أمور أخرى وذلك على عكس باقي أنواع المخاطر.

فنشأة مخاطر التشغيل قد تعزى إلى قصور في المساطر أو الأنظمة أو المستخدمين، الأمر الذي يجعل من هذا الخطر ذا طبيعة معقدة وذلك نظرا لتعدد مصادره.

وطالما أن هنالك عددا من المصادر التي تنشأ منها مخاطر التشغيل فإنه يتعين التعامل مع هذه المخاطر بطرق مختلفة، وعلى وجه التحديد فالمخاطر التي مصدرها العاملون تحتاج

 (1) Frank Verdun : La Gestion des risques juridiques. Edition d’organisation groupe Eyrolles . 2006,     P 4.

(2) Christian Servais : Gestion des risques dans les banques. RAROC. 2007, www.Busnessdecision.fr   / 66 gestion – des – risques – dans – les – banques – raroc. HTM.

 

 

إلى إدارة فاعلة ورصد وتحكم، وهذه بدورها تحتاج إلى قيام إجراءات عمل كافية، على أن العنصر المهم للتحكم في مخاطر التشغيل يكمن في الفصل الواضح في المسؤوليات (1).

وإذا كان الخطر القانوني من بين مخاطر التشغيل فإن بعض الفقه (2) قد ربط بين نشأة هذا الخطر وبين عدم وضع العقود المالية موضع التنفيذ، أي أنه يرتبط بالنظام الأساسي للمؤسسة والتشريعات والأوامر الرقابية التي تحكم الإلتزام بالعقود والصفقات.

في حين ربط بعض الفقه (3) بين تعريف الخطر القانوني وبين الآثار السلبية التي يمكن أن تنتج عنه، حيث اعتبروا الخطر القانوني حالة أو حدث تترتب عنه الآثار التالية :

1) إثارة المسؤولية المدنية أو الجنائية.

2) تحمل خسائر ناتجة عن عدم تنفيذ العقود.

3) التعرض لخسائر نتيجة تغيير في القوانين والتشريعات المطبقة.

فما يلاحظ بخصوص هذا التعريف أنه ركز على الآثار المترتبة عن الخطر القانوني أكثر من تعريف هذا الخطر في حد ذاته، لتبقى الدورية السابقة لوالي بنك المغرب رقم 6 – السابق الإشارة إليها – والمتعلقة بالمراقبة الداخلية لمؤسسات الائتمان الوحيدة من نوعها التي قامت بتعريف هذا الخطر، حيث جاء في المادة 66 من هذه الدورية ما يلي :

Le risque juridique s’entend comme le risque de survenance de litiges susceptibles d’engager le responsabilité de l’établissement de crédit du fait d’imprécision. Le lacunes ou d’insuffisances dans les contrats et autres actes de nature juridique le liant à des tiers.

فهذه المادة عرفت الخطر القانوني بكونه خطر حدوث نزاع قابل لإثارة مسؤولية مؤسسة الائتمان بسبب عدم الدقة أو الغموض الذي قد يشوب تحرير العقود، أو باقي التصرفات ذات الطبيعة القانونية في مواجهة الأغيار.

(1) طارق الله خان : حبيب أحمد، إدارة المخاطر، مرجع سابق، ص 45 – 46.

(2) طارق الله خان : حبيب أحمد، نفس المرجع السابق، ص 32.

(3) رمضان الشراح – تركي الشمري – محمد العسكر : البنوك التجارية، مرجع سابق، ص 270.

 

فباستثناء هذا التعريف الذي حاول حصر نطاق الخطر القانوني في المسؤولية بصفة عامة، فإننا نجد أنفسنا أمام خطر غامض قابل للتفسير والتأويل إلى عدة آراء وتعاريف مختلفة.

وبناء على ما سبق يمكن لنا تعريف الخطر القانوني بكونه ذلك الخطر الذي يرتب مسؤولية مؤسسة الائتمان نتيجة تقصيرها في تنفيذ العقود أو إخلالها بواجب قانوني عام يفرضه عليها القانون.

لنخلص في الأخير إلى أن الخطر القانوني هو خطر يرتب المسؤولية المدنية للأبناك نتيجة عدم قيامها بتنفيذ التزاماتها أو التنفيذ المعيب لها كالإنهاء التعسفي لبعض العقود المبرمة في هذا الإطار بينها وبين عملائها وذلك دون سبب وجيه أو قانوني يبرر هذا التصرف من جانبها.

وعليه فإن نطاق الخطر القانوني ينحصر في إثارة المسؤولية المدنية للمؤسسة البنكية عن القطع التعسفي لعقد القرض البنكي أو عن قيامها بإقراض مقاولات أو مؤسسات تجارية لا تتوفر فيها الشروط المطلوبة للحصول على الائتمان، وهذا ما سنعمل على تحديده في الفقرة الموالية.

ثانيا : نطاق الخطر القانوني في القروض البنكية :

بعد تحديد ماهية الخطر القانوني وحصر نطاقه في المسؤولية المدنية بصفة عامة، فإننا سنعمل خلال هذه الفقرة على التركيز على المسؤولية المدنية للأبناك وهي بصدد منح وإيقاف القروض لعملائها باعتبارها المسؤولية الأكثر إثارة للعديد من التساؤلات.

بداية نشير إلى أن لجوء بعض المقاولات إلى الأبناك من أجل الاقتراض أو الاستدانة  يكون إما بسبب حاجتها إلى التمويل من أجل إنشاء مشاريع جديدة أو توسيع أخرى قائمة، وإما كخيار أخير تلجأ إليه هذه المقاولات من أجل تغطية جزء من ديونها وتكاليفها وذلك حتى تستطيع الاستمرار في نشاطها ولو لفترة من الزمن.

والغريب في الأمر أن مثل هذه المقاولات التي تعاني من صعوبات تستطيع إقناع الأبناك بمدها بما تحتاج إليه من قروض رغم حالتها المستعصية، الأمر الذي قد يرتب مسؤولية البنك التقصيرية في مواجهة الأغيار.

وذلك على اعتبار أن طبيعة المسؤولية المدنية للبنك تختلف وذلك باختلاف المتضرر وكذا باختلاف نوع الخطأ الذي ارتكبه البنك، حيث نكون أمام مسؤولية عقدية متى كان المتضرر طرفا في العقد ووقع الإخلال بالتزام عقدي، في حين نكون أمام مسؤولية تقصيرية متى كان المتضرر غيرا عن العقد ووقع الإخلال بالتزام قانوني عام (1).

وعمليا يلاحظ أنه إذا كانت الحاجة إلى البنك تعوز المقاولة وهي في حالة السلامة والظروف مواتية فإن هذه الحاجة يصبح إشباعها مسألة أساسية إذا ما ظهرت الأزمات التي يتزعزع معها التوازن المالي، والذي قد يصل إلى حد عدم قدرتها على سداد الديون المستحقة عليها عند الحلول (2).

وهو الأمر الذي يجعل تعامل البنك مع هذه المقاولة يعرضه لخطر المساءلة المدنية بشقيها التقصيرية والعقدية، على اعتبار أنه مسؤول عن كل نشاط يمارسه بل عن كل موقف يتخذه اتجاهها وذلك عندما تلجأ إليه لمساعدتها على اجتياز الصعوبات التي تعترضها، حيث يكون البنك أمام خيارين.

* الخيار الأول : لا يمكنه أن يضع حدا للائتمان الممنوح أو أن يخفض من قيمته عندما تصبح وضعية المقاولة غير صحيحة (مسؤولية عقدية).

* الخيار الثاني : هو عكس الخيار الأول حيث تكون الوضعية المالية للمقاولة غير جديرة بالائتمان، وبالتالي لا يمكن أن يقدم لها أي دعم مالي وذلك تفاديا للإطالة المصطنعة لحياتها التجارية وتجنبا لتعطيل فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية في مواجهتها، ومع ذلك فإنه يقوم بإقراضها وتمويلها الأمر الذي يؤدي إلى الإضرار بحقوق الدائنين وذلك عن طريق الزيادة في الخصوم وتقليص الأصول (مسؤولية تقصيرية).

(1) A L’égard de ses clients la responsabilité serait contractuelle. En effet tout opération effectué par le banquier pour son client suppose naturellement à la base une relation contractuelle.

      Et a l’égard des tiers, la responsabilité du banquier deviendrait quasi délictuelle.

      Voir . Abdelhak. NACIRI. Bennani : La responsabilité du banquier dans l’octroi du crédit aux entreprises en difficulté en droit marocaine, thèse pour doctorat en droit (mention droit privé), université de perpignan. 7 juillet 2001. P 13 et 14.

(2) مينة حربى : موقف البنك من تمويل المقاولة التي تعترضها صعوبات مالية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص. وحدة قانون التجارة والأعمال. جامعة محمد الخامس، السويسي، الرباط، السنة الجامعية 2003 – 2004. ص 4 وما بعدها.

 

أمام هذا الطرح يبرز الإشكال الذي يقع فيه البنك، فهو من جهة يعمل على تلبية حاجيات عملائه ومساعدتهم عندما تعترضهم صعوبات وفي نفس الوقت يكون ملزما بتوخي قواعد الحيطة والحذر أثناء توزيعه للائتمان.

وهكذا فإننا سنتناول أولا مسؤولية البنك العقدية وهو بصدد إيقاف أقساط القرض المستحقة للعميل المستفيد منها، ثم ننتقل بعد ذلك للحديث عن المسؤولية التقصيرية للبنك في مواجهة الأغيار وهو بصدد إقراض مقاولة في وضعية صعبة.

1) مسؤولية البنك العقدية عن الإنهاء التعسفي لعقد القرض البنكي.

إذا كانت علاقة المقاولة بالبنك علاقة وطيدة ومستمرة (1) حيث لا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر، نظرا للدور المتبادل الذي تلعبه كل منهما في تنشيط الاقتصاد وخلق مشاريع جديدة تساهم في التنمية الاقتصادية، فإن هذه العلاقة غالبا ما يشوبها بعض التوتر نتيجة تعرض المقاولة لبعض الصعوبات المالية والاقتصادية، الأمر الذي يجعل البنك يقدم على قطع علاقته بالمقاولة وبالتالي رفض تزويدها بباقي أقساط القرض.

وفي هذا الصدد يتبادر إلى ذهننا سؤال حول أحقية البنك في إيقاف تنفيذ عقد القرض الذي يربطه بالمقاولة وذلك حينما تعاني هذه الأخيرة من صعوبات مالية، أو بعبارة أخرى متى يكون البنك محقا في قطع علاقته بالمقاولة وذلك دون ترتيب لمسؤوليته العقدية .

مما لاشك فيه أن إقدام البنك على فسخ عقد القرض الذي يربطه بعميله من جانب واحد وبصورة تعسفية يرتب مسؤوليته العقدية وذلك باعتباره الطرف المدين بالالتزام، خاصة إذا ما تسبب للمقاولة بأضرار نتيجة لهذا الفسخ التعسفي (2).

 

(1) تبدأ هذه العلاقة منذ طور التأسيس، حيث ألزم المشرع المغربي المقاولة بأن تودع المبالغ المستخلصة نقديا للاكتتاب في رأسمالها في حساب بنكي خاص يفتح لهذا الغرض، انظر المادة 22 من القانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة. والفقرة الأخيرة من المادة 51 من القانون 5.96 وذلك فيما يخص الشركة ذات المسؤولية المحدودة.

(2) نقصد بالفسخ التعسفي هنا الفسخ الذي يقدم عليه البنك، وذلك دون وجود أسباب مشروعة تلزمه بذلك، على اعتبار أن عقد القرض من العقود التي تقوم على الاعتبار الشخصي، ومن مثل هذه الأسباب، وفاة المستفيد، انعدام أهليته، صدور حكم جنائي ضده أو ارتكابه خطأ جسيم في حق البنك.

 

وهو ما يستفاد من نازلة في الموضوع تتلخص وقائعها في أن أحد المستثمرين الأجانب أبرم عقد قرض بقيمة خمسة ملايين درهم مع مؤسسة بنكية من أجل إنجاز مشروع سياحي بمدينة مراكش مقابل رهنه لها عقاراته بهذه المدينة، إلا أن البنك نفذ جزئيا فقط العقد المبرم بينه وبين هذا المستثمر وذلك بذريعة أنه بعد دراسة المشروع تبين له أن المبلغ المطلوب مبالغ فيه، وأن تمويلا في حدود مليوني درهم كاف لإنجاز المشروع، فقضت المحكمة بمسؤولية البنك المدنية . وقد جاء في حيثيات هذا القرار الصادر بتاريخ 1998/05/28 ما يلي.

" وحيث إن البنك لم ينفذ ما التزم به إلا في حدود مليوني درهم بعلة أنه تبين له بعد دراسة المشروع أن ما يطلبه – المستأنف عليه – مبالغ فيه وأنه قد وافق على مبلغ مليوني درهم حين توقيعه على أداء الأقساط .

وحيث إن ما يدعيه البنك لا يستقيم مع طبيعة عمله كبنك له دراية واسعة في ميدان الأعمال التجارية، فلا يعقل أن يوافق على مبلغ القرض ويقوم المقترض برهن عقاراته لفائدة البنك ثم بعد ذلك يشرع في دراسة المشروع وهل يستحق مبلغ القرض أم لا ؟

وحيث يتجلى مما ذكر أن البنك قد أخل بالتزاماته اتجاه المستأنف عليه، وأن ما قضى به الحكم المستأنف بخصوص تنفيذ عقد القرض كان في محله.

وحيث أنه نظرا للأضرار التي لحقت بالمستأنف عليه والتي تتجلى في عدم استفادته من مبلغ القرض كله، الشيء الذي نتج عنه عدم إنجازه لمشروعه في وقته، وتحمله لفوائد مرتفعة كل ذلك يستحق عنه تعويضا " (1).

ولقد سارت محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء على نفس المنوال وذلك حينما اعتبرت في قرار صادر لها بتاريخ 4/7/2006 بين شركة القرض الفلاحي للمغرب وبين شركة مطاحن عين السبع.

أن هذه الأخيرة تستحق تعويضا وقدره خمسة ملايين درهم، وذلك من جراء إخلال الطاعن (شركة القرض الفلاحي للمغرب) بالتزاماته التعاقدية. حيث جاء في إحدى حيثيات المحكمة ما يلي :

(1) قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء بتاريخ 28.5.98 بشان ثلاث ملفات مضمومة عدد 365.6 - 97 و 97 – 4024 و 1005.98 (غير منشور).

" فالثابت قانونا أن التعويض يكون بقدر الأضرار المباشرة المترتبة عن الإخلال وأن اعتماد الخبير على رقم المعاملات وتقديرات الربح الإجمالي لمدة ست سنوات على نسبة 8% جاء مبالغا فيه وأن الخسائر الحقيقية التي لحقت شركة مطاحن عين السبع هي المبالغ التي صرفتها وكانت مخصصة لتسيير الشركة وإعادة هيكلتها الشيء الذي جعلها غير قادرة على سداد ديونها بالخارج والتي التزمت بها انطلاقا من عقد القرض التوطيدي. والذي تقدره المحكمة اعتبارا من كل ما ذكر في مبلغ 5.000.000 درهم.

لذلك فإن الطاعن أخل بالتزاماته بخصوص تنفيذ بنود عقد الاستثمار وأن إخلاله ألحق ضررا بالمستأنف عليها يتمثل في اعتمادها على تمويلها الذاتي في إنجاز المشروع على حساب مصاريف الاستغلال " (1).

بل إن الاجتهاد القضائي المغربي قد ذهب إلى أبعد من ذلك حينما اعتبر أن عدم تنفيذ البنك المقرض لالتزامه كاملا في مواجهة المقترض لا يخوله التنفيذ على الضمانات العينية التي وضعها هذا الأخير كضمانة لفائدة البنك.

حيث جاء في إحدى تعليلات هذه المحكمة :

" وحيث إن موضوع الطلب هو الحكم بصحة تعرض المستأنف عليه على الإنذار الذي توصل به بصفته كفيلا عينيا لشركة سيفوم المقترضة.

وحيث إن الثابت من أوراق الملف والخبرة المنجزة أن المستأنف تعهد والتزم وفق عقد القرض المدلى به بتمويل المشروع في حدود دين يبلغ 2.300.000 درهم.

وحيث إن المقرض لم يؤد منه في أجله إلا 1.656.000 درهم.

وحيث إن عدم أداء جميع الدين وفق المتفق عليه لا يعطي الحق للدائن المطالبة بغير المستحق والحال أنه لم يصرف منه إلا ما ذكر.

وحيث إن الشركة لما لم تستفد من كامل الدين لم تستطع مسايرة المصاريف، ثم تحللها من التزاماتها اتجاه المقرضين، وعدم تنفيذ البنك التزاماته لا يمكن إلا وصفه عنصرا تسبب في خلل ميزانية الشركة لا تتحمل وزره.

(1) قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 4/7/2006 تحت رقم 3695 / 2006. رقمه بمحكمة الاستئناف التجارية 4317/2002/6 (غير منشور).

 

وحيث والحالة هذه لا يمكن فعلا لمن يعتبر نفسه دائنا مطالبة مدينه بتنفيذ التزامه دون أن يكون هو أدى أو عرض ما عليه في أجله " (1).

فمن خلال هذه القرارات وغيرها يتضح لنا أن القضاء المغربي يسير في اتجاه إقرار مسؤولية البنك العقدية وذلك حين إخلاله ببنود وشروط العقد الذي يربطه مع عملائه، خاصة وأن عدم تنفيذ العقد من جهة البنك يتسبب للمستفيد من القرض بعدة أضرار مادية ومعنوية.

وهو نفس الاتجاه الذي سار عليه حكم صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 95/4/27 حيث جاء في إحدى تعليلات المحكمة بهذا الخصوص.

" حيث إنه إضافة لذلك فإن المستأنفة التي تدعي عدم موافقة المجلس الإداري على منح القرض للمستأنف ضدها لم تدل بما يفيد إشعار المستأنف ضدها بذلك الرفض.

وحيث يبقى بذلك الخطأ ثابتا والمتمثل في عدم وضع مبلغ القرض بحساب المستأنف ضدها رغم تعهدها بذلك بمقتضى العقد، ورجوع الشيكات المدفوعة من طرف المستأنف ضدها بدون أداء، وأن ذلك من شأنه أن يؤدي لحرمان هذه الأخيرة من السيولة المالية التي تمكنها من تنفيذ التزاماتها في حدود المبلغ المقترض وبالتالي يبقى البنك مسؤولا عن الأضرارالتي لحقت بالمستأنف ضدها نتيجة عدم احترام البنك لالتزاماته " (2).

لنخلص في الأخير إلى كون عدم قيام البنك بتنفيذ التزامه في مواجهة عميله يعرضه لخطر قانوني يرتب مسؤوليته العقدية والتي يترتب عنها في حالة ثبوت خطأ البنك تعويض العميل المقترض عن الأضرار التي لحقت به من جراء إخلال البنك بالتزامه، ولا يمكن للبنك في مثل هذه الحالات، التستر وراء تبريرات واهية وذلك باعتباره مهني وحرفي على إطلاع دائم  بكل صغيرة وكبيرة، ومثل ذلك الدفع مثلا بكون المشروع على حافة الإفلاس أو الانهيار بدعوى أن باقي مصادر التمويل الأخرى قد ثم الإخلال بها في تمويل المشروع، أو كون قيمة مساهمته بالنسبة للمبلغ الإجمالي للمشروع ككل لا تصل بأي حال من الأحوال إلى مستوى يكون فيه مبلغ القرض الممنوح من طرفها يشكل خطرا جسيما على سير المشروع بالنظر إلى نسبته بالمقارنة مع القيمة الإجمالية للمشروع.

(1) قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 03/06/2004 رقم 953/1/2002 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 101 – مارس أبريل 2006، مطبعة فضالة المحمدية، ص 132.

(2) قرار صادر عن محكمة الاستئناف عدد 95.329 بتاريخ 1995/4/27، أشارت إليه الباحثة مينى حربي في المرجع السابق،      ص 36.

 

وهو الاتجاه الذي سار عليه قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 20/12/2005 تحت رقم 794/2002 بين شركة سيفوم وبين البنك الوطني للإنماء الاقتصادي والبنك المغربي للتجارة الخارجية والصندوق المركزي للضمان (1).

هذا القرار من الأهمية بما كان باعتباره رد جميع دفوعات الأبناك والتي توقفت عن تمويل المشروع بدعوى توقف الشركة عن أداء أقساط القرض المستحقة عليها، حيث جاء في إحدى تعليلات المحكمة ما يلي :

" وحيث إن من الثابت من وثائق الملف أن إنذارات متعددة بعثت بها الشركة للبنكين مطالبة إياهما بأداء باقي المستحقات من القرضين اللذين سبق للبنكين أن وافقا عليهما وبدأ في تنفيذهما.

وحيث إن الالتزام بتمويل المشروع المتجسد بعقدي القرض يسبق الالتزام بأداء الأقساط المتبقية عن القرض وحيث إن الثابت من النسخة المستخرجة من السجل التجاري للشركة أن القائمين عليها نفذوا الالتزام المتعلق بالزيادة في الرأسمال كما أدلوا بشهادات مفادها أن شراكة تمت بينهم وبين فعاليات اقتصادية أجنبية، وحيث إنه بذلك يكون الالتزام الملقى على عاتق الشركة من تمويل وشروط ذاتية قد ثم احترامه.

وحيث إن مطالبة الأبناك بأداء الأقساط دون إثبات الإفراج عن القرض وبشكل وفق المتفق عليه وداخل الآجال المحددة يجعل البنك مرتكبا لخطئ مهني.

وحيث إن تمسك البنك بأن المشروع ولد ميتا لا يمكن الاعتداد به مادام البنكان قد منحا قروضا وبغض النظر عن الوثائق المدلى بها بالملف.

وحيث يتعين لذلك وبعد إلغاء الحكم فيما قضى به من رفض الطلب المضاد. الحكم من جديد بأداء البنكين تضامنا في غياب ما يفيد مسؤولية كل طرف بشكل مستقل عن الآخر، بالتعويض لفائدة الشركة مبلغا محددا في 25.522.000,000 درهم ".

هذا الحكم الذي كرس مسؤولية البنكين العقدية في مواجهة الشركة وحكم ضدهما بتعويض  تضامني  فيما  بينهما  يرسخ الدور الذي يلعبه القضاء في مساءلة الأبناك كمهنيين

 

(1) قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بتاريخ 20/12/2005 تحت عدد 794/2002، منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 101. مارس أبريل 2006، مطبعة فضالة المحمدية، ص 141.

عن الأخطاء التي يرتكبونها في حق عملائهم، وذلك على الرغم من غياب أية مقتضيات خاصة تؤطر علاقة الأبناك بعملائها فيما يخص المسؤولية، وهو ما يدل على قصور تشريعي في مجال النشاط البنكي نتمنى أن يتدخل المشرع لسده خاصة في مجال منح الائتمان الذي يعد الأداة الفعالة في كل معاملة تجارية.

ونود الإشارة في هذا السياق إلى كون إيقاف البنك تعامله مع المقاولة قد لا يكون لأسباب واهية وذلك على اعتبار أن عقد القرض من العقود التي تقوم على الاعتبار الشخصي، وبالتالي فإن وقوع أية مستجدات على الوضعية المالية والاقتصادية للمقترض قد تجعل البنك مسؤولا اتجاه الأغيار عن استمراره في تمويل هذه المقاولة، وبالتالي إعطائها صورة وهمية عن وضعها الاقتصادي والمالي. فهل توقف البنك عن تزويد المقاولة بالأقساط المالية نتيجة تدهور الوضع المالي للمقاولة هو أمر مبرر قانونا مع العلم أنها لم تتخلف عن السداد ؟ (1) خاصة إذا علمنا أن المقاولة قد تعاقدت مع البنك وهي في وضعية جيدة وأن ما تمر به من صعوبات لا يعدوا أن يكون مجرد أمر عابر.

بالرجوع إلى الفصول المنظمة لعقد القرض في إطار قانون الالتزامات والعقود نجد أن المشرع المغربي قد خول للمقرض حق حبس الشيء المقترض وذلك في الحالة التي تسوء فيها أحوال المقترض، وذلك بموجب المادة 863 من ق ل ع والتي جاء فيها :

" غير أن للمقرض الحق في أن يحبس بين يديه الشيء المقترض إذا كانت أحوال المقترض قد ساءت منذ العقد بحيث يتوقع ضياع مال القرض كله أو بعضه. ويثبت له هذا الحق في الحبس ولو كان سوء حالة المقترض يرجع إلى وقت سابق على العقد، إذا لم يطلع عليه المقرض إلا بعده ".

فحسب مقتضيات هذا الفصل فإن البنك يكون له حق حبس أموال القرض التي بين يديه وذلك عندما تسوء أحوال المقترض، بشكل يجعل المقرض يتوقع ضياع مال القرض كله  أو  بعضه  وهو  الأمر  الذي  يطرح أكثر من تساؤل، وذلك على اعتبار أن سوء أحوال

 

(1) حيث تلجأ الأبناك في كثير من الأحيان إلى إدراج شرط فاسخ في عقد القرض، يخولها إنهاء هذا العقد بإرادة منفردة ودون إشعار، وذلك في الحالة التي يتخلف فيها العميل عن سداد قسط من أقساط الدين، وهو الأمر الذي يخولها التوقف عن تقديم الدفعات المستحقة عليها، واسترجاع المبالغ التي سبق وأن دفعتها وكذا مبلغ الفوائد التي نتجت عنها والعمولة عن الخدمات المقدمة.

المقترض هي من المفردات العامة التي لا يمكن من خلالها الاستدلال على كون أموال البنك معرضة للضياع وأن اعتماد البنك على هذه المادة من أجل إيقاف أقساط القرض قد تكون فيه محاباة للمقترض الذي هو في غالب الأحيان مقاولة تجارية تتأثر بتغيرات السوق وتتعرض بين الفينة والأخرى لمجموعة من الصعوبات.

وبالتالي هل يمكن اعتبار هذه العبارة والتي جاءت في سياق تاريخي معين لم تعد تفي بالمطلوب خاصة في ظل تعديل معظم تشريعات بداية القرن العشرين.

بداية نشير إلى أن التعديل الذي عرفه قانون التجارة المغربي (ظهير 12 غشت 1913) بمدونة التجارة لسنة 1996 كان من بين أسبابه هو عدم ملائمة قانون الإفلاس المعمول به آنذاك لوضعية المقاولة كخلية اقتصادية واجتماعية، حيث سعى القانون الجديد إلى تكريس حماية فعالة للمقاولة التي تعاني من صعوبات وذلك عبر عدة آليات قانونية تبتدئ بمساطر المعالجة وتنتهي بمسطرة التصفية القضائية، وهذا ما جعل المشرع المغربي يعيد النظر في السبب الموجب لفتح مسطرة التصفية القضائية في وجه المقاولة  ولا يأذن بها إلا إذا تبين أن وضعية هذه الأخيرة مختلة بشكل لا رجعة فيه.

وبالتالي فإن اعتماد الأبناك على سوء أحوال المقترض كأساس قانوني يبرر إيقاف تنفيذ عقد القرض لا يتماشى والأهداف المسطرة من قبل المشرع المغربي في ظل جل القوانين الصادرة حديثا. والتي غالبا ما تسير في اتجاه دعم نشاط المقاولة وذلك باعتبارها خلية اقتصادية واجتماعية، وعليه فإننا نرى ضرورة تعويض العبارة الواردة بالفصل 863 من ق ل ع بعبارة أدق منها تعمل على الحفاظ على حقوق البنك كمؤسسة ائتمان وتخول في نفس الوقت للمقترض فرصة الاستمرار في نشاطه رغم الصعوبات الوقتية التي قد تواجهه.

ومن مثل هذه العبارات نذكر العبارة الواردة في الفصل 525 من مدونة التجارة والتي جاء فيها ما يلي : " ...

سواء كان الاعتماد مفتوحا لمدة معينة أو غير معينة فإنه يمكن للمؤسسة البنكية قفل الاعتماد بدون أجل، في حالة توقف بين للمستفيد عن الدفع ".

بل ولم لا السير في الاتجاه الذي أقرته محكمة النقض الفرنسية في بعض قراراتها حينما اعتبرت أن شرط عدم قابلية الوضع المالي للمستفيد من الإصلاح بالمرة [ والذي تعلق المادة 60 من القانون البنكي الفرنسي لـ 24 يناير 1984 على وجوده تخويل الحق للبنك في إنهاء عقد فتح الاعتماد دون مهلة إشعار ولو كان محدد المدة] لا يعتبر متوافرا في حالة افتتاح مسطرة التقويم القضائي وإخضاع المقاولة المعنية بالأمر لفترة الملاحظة، حيث عللت المحكمة موقفها كما يلي :

" حيث إن المقاولة لا يمكن اعتبارها والحالة هذه في وضعية مالية غير قابلة للتقويم بالمرة مادام أن فترة الملاحظة تفتح بالأساس لتشخيصها ولمعرفة ما إذا كانت هناك إمكانية لاستمرارها أم لا. وأن مجرد التوقف عن الدفع لا يكفي وحده لاعتبار وضعية المقاولة التي يعنيها الأمر غير قابلة للإصلاح بالمرة ".

هذا الاتجاه القضائي يرى بعض الفقه المغربي (1) وجوب الأخذ به. وذلك في ظل غياب اجتهاد قضائي مغربي بهذا الخصوص.

وتجدر الإشارة في نهاية هذه الفقرة أن القضاء المغربي رد في عدة قضايا عرضت عليه في هذا الموضوع مسؤولية البنك لعدم ثبوت عناصرها بكاملها أو لعدم تمكن المدعي من إثبات الضرر وعلاقته السببية بخطأ البنك.

2) مسؤولية البنك التقصيرية عن إقراض مقاولة في وضعية صعبة.

إلى وقت قريب كان الأثر الوحيد لمسؤولية البنك ينحصر في إمكانية خسارة جزء من مبلغ الائتمان أو كله في حالة خطئه في تقدير مدى يسر المدين وملاءة ذمته. وفي حالة إفلاسه فإن الجزاء الذي يهدد البنك كان يتمثل في ضياع الضمانة التي تغطي دينه إذا ما ثم التعاقد بشأنها داخل فترة الريبة ولم يكن أحد يقول بأن الخطأ في منح الائتمان من طرف البنك قد يعرضه للمسؤولية في مواجهة الغير (2).

فمسؤولية البنك اتجاه الأغيار تخضع لأحكام المسؤولية التقصيرية التي ينظمها الفصل 77 وما يليه من قانون الالتزامات والعقود. وذلك طبعا في ظل غياب قواعد خاصة تنظم المسؤولية البنكية بصفة عامة. وتنتج هذه المسؤولية بالأساس نتيجة للأخطاء التي يرتكبها البنك عند تعامله مع مؤسسة على وشك التوقف عن الدفع.

(1) امحمد لفروجي : القانون البنكي المغربي وحماية حقوق الزبناء، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، السنة الجامعية 1996 – 1997، ص 256 – 257.

(2) محمد بوطالب : منح وإيقاف القروض، مقال منشور في العمل القضائي وتطورات القطاع البنكي بالمغرب، الندوة الثالثة للعمل القضائي والبنكي ، مطبعة الأمنية، الرباط، 1993، ص 313.

فإذا كانت عملية الائتمان تنطوي في حد ذاتها على مخاطر، فقد تزداد هذه المخاطر لما يتعامل البنك مع مقاولة تمر من وضعية صعبة أو هي على وشك التوقف عن الدفع (1) فيكون في هذه الحالة قد ركب مخاطر غير عادية ويمكن أن يعاب عليه أنه بمنحه قرضا لهذا النوع من الشركات يكون قد أسهم في تمديد حياتها بشكل يضر بمصالح الدائنين ويؤدي أيضا إلى تأخير اللجوء إلى مساطر الإفلاس أو التسوية أو التصفية القضائية، بحيث يكون من شأن تصرف البنك هذا إعطاء المقاولة حالة صورية أو ظاهرية خادعة تؤدي إلى تكاثر عدد الدائنين ضحايا هذه الوضعية (2).

على أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو : أليس من المثير أن نجد البنك مكبلا بواجبين متنافرين أحدهما يقضي بوجوب مساعدة عملائه على تجاوز الصعوبات المؤقتة التي تواجههم. والثاني يقضي بمساءلته من قبل الأغيار عن مده يد المساعدة لعميله. وذلك بمنحه تمويلا ساهم في خلق صورة وهمية للوضعية الاقتصادية والمالية لهذه    المقاولة ؟

أمام هذين الخيارين يطرح الإشكال حول مدى إمكانية وضع قواعد تساعد البنك على تبني موقف معين يكون هو السليم يقيه سيف المسؤولية من جهة ويجنبه في نفس الوقت مخاطر التمويل والائتمان. وبالتالي تسطر للمؤسسات البنكية كيفية التعامل مع مقاولة تعرف صعوبات مالية بمختلف درجاتها (3).

بداية يجب أن نميز بين إقراض البنك لمقاولة تمر من صعوبات مالية ومقاولة متوقفة تماما عن الدفع، على اعتبار أن الصعوبات التي تعترض المقاولة وتؤثر على وضعيتها الاقتصادية والمالية تختلف درجتها وحدتها وبالتالي تأثيرها على استمرارية الاستغلال.

 

(1) محمد صبري : الائتمان البنكي مسؤولية البنك المدنية عند تجاوز أذون الاعتمادات، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى، 2001، ص 113.

(2) السعدية بلمير : الصعوبات التي تطرأ على الشركات ودور البنوك، العمل القضائي وتطورات القطاع البنكي بالمغرب، الندوة الثالثة للعمل القضائي والبنكي ، مطبعة الأمنية، الرباط، 1993، ص 346.

(3) مينة حربى : موقف البنك من تمويل المقاولة التي تعترضها صعوبات مالية، مرجع سابق، ص 5

 

فيمكن أن تكون الوضعية المالية والاقتصادية للمقاولة سيئة دون أن تكون ميئوس منها. فهناك مقاولات تشبه الإنسان. يمكن أن تعاني من مرض دائم دون أن يظهر. وللتمييز فيما بينهم يمكن الاعتماد على معيار بسيط وهو معيار التوقف عن الدفع. وهذا ما عبر عنه بعض الفقه الفرنسي (1) كما يلي :

« Mais la situation peut être mauvaise sans être désespérée, Il en est des entreprises comme des êtres humains, on peut souffrir d’un maladie chronique sans être mari ban, le tri se fais en fonction d’un critère simple, celui de la cessation des paiements ».

فهذه الصعوبات التي تعاني منها المقاولة دون أن تؤدي إلى توقفها عن الدفع نص عليها المشرع المغربي في المادة 546 من مدونة التجارة حيث عبر عنها بمفهوم الوقائع التي من شأنها الإخلال باستمرارية الاستغلال. وعلى الرغم من غموض هذه العبارة وعدم دقتها فقد مثل بعض الفقه (2) المغربي لمثل هذه الوقائع والصعوبات التي من شأنها الإخلال باستمرارية الاستغلال في سوء التسيير وضعف مستوى تكوين الأطر أو عند طلب تجديد أو تأخير تواريخ الاستحقاق. أو في حالة عدم أداء الواجبات الضريبية واشتراكات الضمان الاجتماعي.

ويبقى للبنك باعتباره مؤسسة تجارية لها من الوسائل والتقنيات ما تساعده على اتخاذ القرار السليم حول الوضعية الحقيقية للمقاولة. وما إذا كان بالإمكان تمويل هذه المقاولة وإنعاشها وذلك دون تعريض نفسه لخطر المساءلة المدنية.

فإذا كانت المقاولة في وضعية صعبة لكن غير ميؤوس منها لأسباب عديدة، فإن تدارك هذه الصعوبات ممكن عن طريق مدها بدعم مالي على شكل ائتمان شريطة أن يساهم في إخراجها من هذه الأزمة العابرة. وبالتالي فإن ذلك لا يعتبر من قبيل إطالة حياتها الاقتصادية التي يسأل عنها البنك قبل الأغيار (3) ولكن حينما يكون مبلغ القرض أو الائتمان

 

 (1) GOZIAN (Maurice) & VIANDER (Alain) : « droit des société », 7ème édition Litek 1994. P 159.

(2) أحمد شكري السباعي : الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها، دراسة معمقة في قانون التجارة المغربي الجديد والقانون المقارن، الجزء الثاني، الرباط، دار النشر المعرفة 1998 – 2000، ص 186.

(3) محمد صبري : الائتمان البنكي، مسؤولية البنك المدنية عند تجاوز أذون الاعتمادات، مرجع سابق، ص 110.

 

سواء بالنظر إلى مبلغه أو بالنظر إلى نوعه ومدته أو بالنظر إلى الشروط التي أبرم بها لا يستطيع إنقاذ المقاولة، حيث لا يكون والحالة هذه إلا تمديدا لفترة احتضارها (1) فإن البنك يكون مسؤولا اتجاه الأغيار عن الأضرار التي تسبب لهم فيها على اعتبار أن الخطأ هنا مرتبط بالغير المخدوع بمظهر مالي ومرتبط بوضعية ساهم البنكي في خلقها بدعم لم يكن الهدف منه مساعدة المقاولة المدينة على الإقلاع وتحسين مكانتها ضمن دائرة نشاطها الاقتصادي أو دعمها ماديا من أجل الخروج من وضعية مالية غير مريحة، بقدر ما كانت الغاية منه هو إعطاؤها الوسائل الناجعة للاحتيال على الغير (2).

ويبقى خطأ البنكي في هذه الحالة قائما باعتباره ساهم في تمديد الحياة التجارية للمقاولة بشكل مصطنع وذلك عبر تصرفه الغير الحذر، على اعتبار أن القانون ألزمه بواجب الاستعلام حول وضعية عميله قبل الإقدام على التعامل معه (3).

وهذا ما نصت عليه المادة الأولى من منشور والي بنك المغرب رقم  41/G/2007 والمتعلق بواجب اليقظة المفروض على مؤسسات الائتمان حيث جاء في هذه المادة ما يلي : " يجب على مؤسسات الائتمان وضع الإجراءات الضرورية التي تمكنها من :

* تحديد هوية عملائها ومعرفتهم بشكل معمق.

* القيام بتتبع ومراقبة العمليات التي ينجزها العملاء ولاسيما تلك التي تشكل درجة كبيرة من المخاطر.

* حفظ وتحيين الوثائق المتعلقة بالعملاء وبالعمليات التي يقومون بها ويجب على مؤسسات الائتمان أيضا تحسيس مستخدميها وتكوينهم في ما يخص تقنيات رصد العمليات ذات الطابع غير الاعتيادي أو المشبوه والوقاية منها ".

 

(1) هشام العماري : مريم اضريبين : مسؤولية البنك عن عملية الائتمان، مجلة الإشعاع، عدد 30 – 31 2006، ص 96.

(2) محمد صبري : الأخطاء البنكية، مرجع سابق، ص 290.

(3) BECHIR BENHADJ YAHIA : La responsabilité du banquier dispensateur de crédit. Publication du centre d’Etudes juridiques et judiciaires 2000, P 21.

 

لذلك فإن القضاء الفرنسي ذهب إلى التشدد في إقرار واجب الاستعلام، حيث افترض في البنك قرينة العلم. فلم يكتف بالمعلومات المتوفرة لديه فعلا فحسب، بل حاسبه بما كان يتعين عليه أن يعلمه، وهنا تجدر الإشارة إلى الموقف الذي اتخذته محكمة النقض الفرنسية في إحدى قراراتها، حيث قضت بقيام مسؤولية البنك المعني بالأمر، للخطأ الذي وقع فيه المسيرون الذين طلبوا باسمها ائتمانا بنكيا بالرغم من أنها توجد في وضعية مالية صعبة لا رجعة    فيها (1).

ويبقى دور القضاء جد حاسم في مثل هذه المنازعات حيث يجب على القاضي المعروض عليه نزاعا من مثل هذا النوع تقدير مدى سلامة قرار البنك من تمويل هذه المقاولة وذلك ليس بالنظر إلى نتيجة تدخل البنك ولكن بالنظر إلى الاحتمال الذي كان سائدا قبيل تنفيذ عملية الائتمان، وهذا ما سار عليه اجتهاد لمحكمة النقض الفرنسية حينما حملت البنك المسؤولية المدنية رغم قدرة المدين المقترض على السداد. وذلك بسبب تراجع البنك عن الأخذ بنتائج دراسة كان قد  قام بها حول عميله المدين. حيث إن البنك لم يلتزم بنتائج تلك الدراسة (2) .

وعلى الرغم من كل ما سبق يجب الاعتراف بصعوبة موقف القضاء من تحديد مدى سلامة قرار مؤسسة الائتمان من مسألة تمويل مقاولة تمر بصعوبات مؤقتة. وتبقى المنهجية الأكثر استعمالا من طرف القاضي في مثل هذه المواقف تكمن في المقارنة بين موقف هذا البنك من مسألة التمويل والموقف الذي سيتخذه أي بنك آخر في نفس الوضعية (3).

وعلى العموم فإنه في مجال النشاط البنكي، فإن الخطأ يتحدد على ضوء نقصان في واجب أو إخلال بالتزام سابق، طالما أنه ليس هناك تحديد مسبق لأنواع الخطأ الذي قد يرتكبه البنك عند ممارسته لنشاطه بصفة عامة وفيما يخص أنشطته الائتمانية             بصفة   خاصة (4) وهو  نفس  الاتجاه  الذي  أكدته  محكمة  النقض الفرنسية في قرار صادر

(1) cour de cassation Française : Arrêt commercial 20 – 7 – 1980. bulletin 1998, P 317.

(2) Cass. Com2. Mai 1983 – Dalloz. 1984, informations rapides, 1989. Observation vasseur.

قرار وارد بمؤلف راضية بن صالح : مسؤولية الصيرفي، منشورات مركز الدراسات القانونية والقضائية بوزارة العدل، 2000،   ص 28.

(3) Bechir Ben HADJ YAHIA : La responsabilité du banquier, op cit, P 22.

(4) Rives Lange (Jean – Louis) : « Droit bancaire » 6ème édition, 1995, Dalloz, Delta, P 601.

 

بتاريخ 28 – 11 – 1960 جاء في بعض حيثياته : " وإن كان ليس من الضروري وضع قائمة بمختلف أنواع الخطأ الذي قد يرتكبه البنكي، فإنه وبالمقابل من الضروري معرفة الواجبات التي تطوق البنكي، وهكذا فإن الخطأ يتحدد على ضوء نقصان في واجب أو إخلال بالتزام سابق " (1).

وعلى العموم فإنه إذا كان الأمر كذلك حينما يقوم البنك بإقراض مقاولة تمر بصعوبات مالية واقتصادية فإن الوضع يختلف عن ذلك حينما يتعامل البنك مع مقاولة متوقفة عن الدفع. وذلك على اعتبار أن إثارة مسؤولية البنك عن دعمه لمقاولة في حالة صعبة تطرح بحدة قبل فتح مسطرة الوقاية أو المعالجة في وجهها لأن تصرف البنك في هذه الحالة يكون بناء على تقديره وحده دون غيره، وبذلك عليه أن يزيد في الاحتياط والاستعلام حول وضعية المقاولة وما إذا كان وضعها قابلا للإصلاح أو مختلا بشكل لا رجعة فيه. أما بعد فتح المساطر الجماعية وحيث يكون تدخل المحكمة جلي بشكل كبير مما يسمح للبنك بدفع المسؤولية عنه. خاصة في الحالة التي يمنح فيها الائتمان بناء على طلب من المصالح (2).

وهو نفس الطرح الذي تبناه بعض الفقه المغربي (3) حينما اعتبر أن تدخل البنك لتمويل مقاولة تخضع لمخطط الإصلاح أو التقويم لا يمكن اعتباره بمثابة خطأ يرتب مسؤولية البنك التقصيرية وذلك على الرغم من كون هذا التمويل لم يحقق الهدف المنشود منه . وذلك نظرا لكون البنك في هذه الحالة يستطيع دفع المسؤولية عنه أمام الأغيار بعلة أن توقف المقاولة عن الدفع يعبر صراحة عن وضعيتها المالية وأن تدخل البنك في هذه الحالة لم يكن سوى بهدف مساعدتها على تجاوز الصعوبات التي تعاني منها وأنه بذلك لا يساهم بأي شكل من الأشكال في خلق صورة وهمية عن وضعية هذه المقاولة تدفع الغير للتعامل معها إضافة  إلى  أن  تدخل  البنك  عادة  ما يكون  بعد تدخل المحكمة التي غالبا ما تعين مصالحا

(1) قرار لمحكمة النقض الفرنسية بتاريخ 28 – 11 – 1960 وارد بمقال صقلي حسيني محمد : المسؤولية المدنية للبنك (في مراجعة المتعاقد أو الغير) في الندوة الثالثة للعمل القضائي والبنكي ، مطبعة الأمنية الرباط، 1993، ص 404.

(2) مينة حربى : موقف البنك من تمويل المقاولة التي تعترضها صعوبات مالية، مرجع سابق، ص 70.

(3) NACIRI – BENANNI – ABDELHAK : La responsabilité du banquier dans l’octroi du crédit aux entreprise en difficulté en droit marocaine, op cit, P 220.

 

(عندما تكون وضعية المقاولة قابلة للتصحيح) يعمل على التوفيق بين مصالح الدائنين ومصالح المقاولة قصد إنجاز وإبرام اتفاق التسوية الودية (1). وبالتالي فإنه في هذه الحالة يصعب إثارة مسؤولية البنك باعتباره ساهم في خلق صورة وهمية عن وضعية المقاولة دفعت بالغير للتعامل معها على هذا الأساس.

وتأسيسا على ما سبق فإنه إذا رفض رئيس المحكمة تعيين المصالح، فالبنك ملزم بالتأكد من أسباب هذا الرفض، لأنه يدل على أن وضعية المقاولة في حالة مستعصية تمثل واقعة التوقف عن الدفع وبالتالي على البنك أن يمتنع عن منح الائتمان الجديد، وإلا فإن مسؤوليته تكون مؤكدة في حالة المخالفة.

وفي الأخير نود الإشارة إلى عنصر أساسي لتحقق مسؤولية البنك اتجاه الأغيار ألا وهو عنصر الضرر. باعتباره يشكل الركن الثاني من أركان المسؤولية، فلا يكفي لإثارة مسؤولية البنك وقوع خطأ من جانب هذا الأخير بل يتعين أن يترتب عنه ضرر للغير، وإلا ما استطاع هؤلاء المطالبة بالتعويض نظرا لغياب مصلحتهم في الإدعاء.

والضرر هنا يتمثل في إنقاص الضمان العام لهؤلاء الدائنين بسبب تخفيض أصول المدين والرفع من خصومه، ولتحديد الضرر الذي لحق بالغير وعلاقته بخطأ البنكي فإن الأمر يقتضي منا التمييز بين الضرر الجماعي الذي لحق الدائنين بصفة عامة والضرر الفردي الذي أصاب كل دائن على حدة.

فالضرر الفردي هو ذلك الضرر الشخصي اللاحق بكل دائن والذي يرمي إلى إصلاحه وجنيه لثمار الدعوى لوحده باعتبار هذا الضرر متميز عن الضرر الجماعي (2).

أما الضرر الجماعي فهو ذلك الضرر الذي يتسم بالعمومية والذي لا يمكن أن يلحق بدائن دون آخر وإن اختلف حجمه بالنسبة لكل واحد من الدائنين باعتباره أدى في نهاية المطاف إلى نقص في أصول مدينهم والزيادة في خصومه.

 

(1) أنظر بهذا الخصوص : أحمد شكري السباعي : الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات ومعالجتها، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص 263.

(2) صقلي حسيني : المسؤولية المدنية للبنك، مرجع سابق، ص 406.

 

وعليه فإن الضرر الفردي ضرر شخصي ينفرد به دائن دون غيره، أما الضرر الجماعي فهو عام يصيب كتلة الدائنين مجتمعة. ويترتب عن هذا التمييز بين الضرر الفردي والضرر الجماعي عدة آثار تطرح أكثر من إشكال يبقى أهمها هو تحديد من له الحق في ممارسة دعوى التعويض ضد البنك عند خضوع المقاولة للمساطر الجماعية ؟

بداية نشير إلى أنه إذا كان الضرر الفردي لا يثير أي إشكال فيما يخص صفة المدعي طالب التعويض. فإن الأمر يختلف حينما يتعلق الأمر بالضرر الجماعي الذي يصيب الدائنين عند خضوع المقاولة لمسطرة التصفية القضائية. حيث يثار التساؤل حول من يكون له الحق في تمثيل الدائنين في هذه الحالة ؟

يجيبنا على هذا التساؤل نص المادة 619 من مدونة التجارة والتي جاء فيها :

" يؤدي الحكم القاضي بالتصفية القضائية إلى تخلي المدين بقوة القانون عن تسيير أمواله والتصرف فيها وحتى تلك التي امتلكها بأي وجه من الوجوه مادامت التصفية القضائية لم تقفل بعد. يقوم السنديك بممارسة حقوق المدين وإقامة دعاوى بشأن ذمته المالية طيلة فترة التصفية القضائية ".

فهذا النص صريح في منح السنديك وحده صلاحية الإدعاء لحساب المقاولة طيلة فترة التصفية القضائية للمطالبة بتعويض الأضرار التي لحقتها نتيجة السلوك الخاطئ للبنك. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو هل يحق للسنديك التقاضي باسم الدائنين في دعاويهم ضد البنك ؟

بالرجوع إلى نص المادة 642 من مدونة التجارة نجدها تنص على   أنه :  " للسنديك وحده الصفة للتصرف باسم الدائنين ولفائدتهم " فهذا النص صريح في تكريس أحقية السنديك في تمثيل الدائنين والتصرف لفائدتهم، غير أن مجال تطبيقه ينحصر في علاقة هؤلاء الدائنين بمدينهم. أما فيما يخص علاقتهم بالبنك فإن الأمر يختلف عن ذلك، على اعتبار أن هذا الأخير هو غير بالنسبة لهم. وبالتالي هل يمكن القول بأن لكل دائن الحق في رفع دعوى فردية ضد البنك. مع ما يترتب عن ذلك من تعدد للدعاوى المرفوعة ضد هذا الأخير، الأمر الذي قد يترتب عنه صدور أحكام متعارضة .

لذا فإننا نرى وبهدف اختصار الوقت وتوفير النفقات واقتصاد في الإجراءات تخويل السنديك حق تمثيل الدائنين في دعواهم ضد البنك. وذلك كلما كان الضرر الذي أصابهم يصطبغ بصبغة جماعية باعتباره نتاج للضرر الذي لحق بمدينهم.

وذلك مراعاة لمبدأ المساواة بين الدائنين في حقوقهم اتجاه المدين الخاضع لمسطرة المعالجة (1) لكن هذا لا يعني أن الأموال التي ستعود لذمة هذه المقاولة ستقسم على الدائنين بالتساوي لأن الضرر ولو كان جماعيا فإن وقعه يختلف، فلا يمكن مقارنة الدائن الذي نشأت دائنيته قبل منح الائتمان للمقاولة المدينة مع الدائن الذي نشأ دينه بعد منح الائتمان وربما بسببه لأنه اعتقد بملاءتها نتيجة للثقة التي وضعها البنك فيها (2).

على أن الأمر يدق أكثر حينما يكون البنك المطالب بالتعويض دائنا من بين دائني المقاولة، حيث يتصف البنك في هذه الحالة بصفتين تجعل منه مدعي باعتباره من دائني هذه المقاولة ومدعى عليه باعتباره المسؤول عن الضرر الذي لحق بالدائنين.

اتجهت محكمة النقض الفرنسية في قرار صادر لها بتاريخ 6 يناير 1976 (وهو القرار المعرف بقرار لاروش) نحو الاعتراف بصفة السنديك في تمثيل الدائنين لإثارة مسؤولية البنك. ولو كان هذا الأخير عضوا في جماعة الدائنين، إذ يمكن رجوع السنديك على مديري المقاولة المفتوح في وجهها مسطرة المعالجة لتحميلهم بكل أو بعض خصومها رغم أن هؤلاء المديرين يدخلون في جماعة الدائنين عندما يتقدمون بما لهم قبل الشركة من ديون وأجور (3).

لكن في ظل إلغاء قواعد الإفلاس وتعديلها بقواعد التقويم والتصفية القضائية ابتداء من  تاريخ 25 يناير 1985 طرح  التساؤل  من  جديد حول إمكانية السنديك الإدعاء لحساب

 

(1) نميز هنا بين نوعين من الدائنين :

    الدائنون السابقون للقرض : ويتمثل الضرر اللاحق بهم في تقلص أكثر للضمان العائد لهم والذي هو أصول الزبون المقترض، ذلك أن القرض الذي منحه البنك لهذا الأخير من غير تبصر ولا حسن تدبير سيجعله يستفيد من قروض جديدة من شركات أخرى تموله بالسلع أو الخدمات لأنها في هذه الحالة ستعتمد على مظهره الخارجي وعلى اليسر الذي يبديه في الاستجابة لبعض المصاريف لتزوده بالمزيد من سلعها أو خدماتها. فالضرر اللاحق بالأغيار الدائنين يعادل الفرق الذي كان سيحصل عليه هؤلاء الدائنون في التفليسة لو أن تصفية المال حصلت بتاريخ سابق لمنح القرض.

    * الدائنون اللاحقون للقرض : وهؤلاء يمكنهم التظلم بسبب تعاقدهم مع مقترض مظهره الخارجي يوحي باليسر نتيجة قروض حصل عليها، أما ضررهم فيوازي الفرق بين مبلغ ديونهم وما حصلوا عليه في التفليسة في إطار تصفية أموال المقترض عامة.

    أنظر : محمد صبري : الائتمان البنكي، مسؤولية البنك المدنية عند تجاوز أذون الاعتمادات، مرجع سابق، ص 178.

(2) مينة حربى : مرجع سابق، ص 96.

(3) مينة حربى : مرجع سابق، ص 95.

 

الدائنين كما هو الشأن في ظل القانون القديم وذلك رغم إلغاء فكرة كتلة الدائنين (1) التي ارتكز عليها الحكم السابق في تخويل السنديك صفة تمثيل الدائنين.

بالرجوع إلى نص المادة 46 من قانون 25 يناير 1985 الفرنسي والذي هو صورة طبق الأصل للمادة 642 من مدونة التجارة نجده يخول السنديك وحده الصفة للتصرف باسم الدائنين ولفائدتهم، وبالتالي فإنه يمكن أن نجد في هذا النص السند القانوني لتبرير حق السنديك في تمثيل الدائنين والإدعاء لفائدتهم ضد البنك. متى كان هذا الأخير دائنا من بين الدائنين، وذلك تفاديا لكثرة الإجراءات والمساطر التي ستؤدي لا محالة إلى تعقيد مهام القضاء عند الحكم بالتعويض.

وأمام غياب تطبيق قضائي مغربي في هذا الباب كنا نأمل أن يأتي قانون 34.03 بالجديد فيما يخص هذا الموضوع. إلا أن الأمر كان على عكس ذلك حيث لم يتناول القانون البنكي الجديد أية مقتضيات تتناول علاقة مؤسسات الائتمان بالمقاولة التي تمر بأزمات مالية واقتصادية، حيث كان على المشرع المغربي تخصيص أو إفراد مقتضيات قانونية خاصة بهذا النوع من المقاولات فيما يخص علاقتها بمؤسسات الائتمان. وذلك دعما منه للمقاولة كخلية اقتصادية واجتماعية تساهم في التنمية الاقتصادية وتكريسا لحق  البنك في التعامل مع هذا النوع من المقاولات دون الخوف من تعرضه لمخاطر قانونية هو في غنى عنها، الأمر الذي سيؤدي لا محالة إلى خلق نوع من التوازن بين طرفي هذه العلاقة.

الفقرة الثانية : مخاطر سعر الفائدة البنكية.

<><> 

 

من بين التقنينات المتعارف عليها والمعمول بها في القطاع البنكي أن البنك لا يعتمد في منح الائتمان لعملائه على مجرد أمواله الذاتية، وإنما يعمل في قيامه بهذا الشق من نشاطه الرئيسي على استخدام الأموال المودعة لديه من قبل المودعين. بل الأكثر من ذلك أن البنك غالبا ما يلجأ إلى المؤسسات المالية الأجنبية أو الوطنية ليقترض منها ما يحتاجه من أموال للاستجابة إلى طلبات الاقتراض التي يتقدم بها إليه عملاؤه من أجل تمويل مشاريعهم ومختلف عملياتهم.

(1) مينة  حربى : نفس المرجع السابق، ص 95.

 

وكما هو معلوم فإن لجوء البنك إلى استعمال ودائع العملاء في عملياته الائتمانية وكذا لجوئه بهذا الخصوص إلى الاقتراض من بنك المغرب أو المؤسسات الوطنية أو الأجنبية لا يكون بالمجان، إذ أن البنك المعني بالأمر يؤدي في مقابل ذلك فوائد عن أموال العملاء المودعة في حسابات لأجل وعن الأموال المقترضة من المؤسسات المالية   المذكورة (1).

لذا فإن البنكي – مثله مثل أي تاجر – يهدف من عملية منح الائتمان إلى تحقيق بعض الربح، والذي يتمثل في الفرق بين قيمة ومعدل الفائدة على القروض التي يمنحها لعملائه وبين قيمة ومعدل الفائدة على الودائع، هذا الفرق بين الفوائد الدائنة والمدينة يتيح لمؤسسات الائتمان هامشا كبيرا من الربح يسمح بتغطية المصروفات الإدارية للبنك، بالإضافة إلى هامش ربح يوزع على حملة الأسهم (2).

وفي هذا الصدد نرى أنه من المفيد فيما يخص تناول مخاطر سعر الفائدة البنكية أن نتعرض في بداية الأمر لأساسها القانوني، وذلك على اعتبار أن اشتراط التعامل بالفائدة في المغرب قد تدرج عبر عدة نصوص تشريعية حتى غدت شيئا مألوفا في مختلف العمليات البنكية (أولا) وذلك قبل التطرق للمخاطر التي تترتب عن تغير سعر الفائدة البنكية (ثانيا).

أولا : التطور التشريعي للتعامل بالفائدة .

تتوزع النصوص القانونية المؤطرة للفائدة في القانون المغربي بين عدة فصول ومواد منها ماهو منظم في إطار القواعد العامة، ومنها ماهو منصوص عليه في إطار نصوص خاصة. إضافة إلى بعض القرارات والدوريات الصادرة عن وزير المالية أو والي بنك المغرب.

وتأسيسا على ما سبق فإننا سنعمل على تناول هذه النصوص وفق التدرج التاريخي لصدورها وذلك حتى نتمكن من رصد تطور موقف المشرع المغربي من مسألة التعامل بالفائدة.

 

(1) امحمد لفروجي : القانون البنكي المغربي وحماية حقوق الزبناء،  مرجع سابق، ص 279.

(2) محمد صبري : الأخطاء البنكية، مرجع سابق، ص 20.

 

1) الفائدة في إطار القواعد العامة :

تناول المشرع المغربي موضوع الفائدة في إطار قانون الالتزامات والعقود ضمن ثمانية فصول أوردها بالباب الثالث تحت عنوان " القرض بفائدة " وذلك ابتداء من الفصل 870.

هذا الفصل الذي أقر مبدأ بطلان اشتراط التعامل بالفائدة بين المسلمين وبالتبعية بطلان العقد ككل وذلك بغض  النظر عن الشكل الذي يمكن أن تتخذه تلك الفائدة (1) جاءت مقتضياته منطقية مع معطيات وواقع المجتمع المغربي الإسلامي الذي يربط مفهوم الفائدة بالربا من منطلق أنها كل زيادة على أصل الدين (2).

وعلى خلاف ذلك جاء الفصل 871 ق ل ع لينص على جواز التعامل بالفائدة في الحالات الأخرى إذا كان اشتراطها كتابة بل وافترض هذا الاشتراط إذا كان أحد الأطراف تاجرا (3) ليفتح الباب على مصراعيه للشك والجدل فيما سبق أن جاء به الفصل 870.

فالمشرع المغربي حسب منطق وتسلسل الفصول أقر مبدأ بطلان اشتراط التعامل بالفائدة بين المسلمين ثم عاد مباشرة في الفصل الموالي ليجيز اشتراطها كتابة وذلك في الحالات الأخرى – أي الحالات التي يكون فيها أحد طرفي العقد غير مسلم – بل وافترض هذا الاشتراط إذا كان أحد الأطراف تاجرا، فهل يعني ذلك أن المشرع المغربي قد وضع مبدأ عاما في الفصل 870 وجعل له استثناء في الفصل 871، أم أن إراداته قد انصرفت إلى شيء آخر لم يتبين من خلال سطور الفصل المذكور، وبالتالي فإلى أي حد يمكن التوفيق بين الفصلين المذكورين، وماهو نطاق تطبيق كل منهما ؟

إن موقف المشرع المغربي هذا فتح الباب على مصراعيه لنوع جديد من المناقشات حول مسألة التعامل بالفائدة، حيث ثم تجاوز حدود الفقه الإسلامي ليمتد إلى مستوى الخلاف القانوني، الأمر الذي ترتبت عنه عدة مواقف فقهية وقضائية متباينة.

(1) نص الفصل 870 من ق ل ع على ما يلي :

   " اشتراط الفائدة بين المسلمين باطل  ومبطل للعقد الذي يتضمنه سواء جاء صريحا أو اتخذ شكل هدية أو أي نفع آخر للمقرض أو لأي  شخص غيره يتخذ وسيطاله.

(2) ذهب بعض المفكرين الغربيين إلى القول بأن المسلمين خلطوا ويخلطون بين الفائدة والربا، بعكس الفكر الغربي الذي يميز بينهما، حيث تعتبر الربا تلك الفائدة ذات السعر المرتفع الموصوف بالفاحش.

    للمزيد من المعلومات حول هذه النقطة راجع : عائشة الشرقاوي المالقي، البنوك الإسلامية، مرجع سابق، ص 548.

(3) نص الفصل 871 ق ل ع على ما يلي :

  " وفي الحالات الأخرى، لا تستحق الفوائد إلا إذا كانت قد اشترطت كتابة، ويفترض هذا الاشتراط إذا كان أحد الطرفين تاجرا ".

 

وبذلك انقسم الفقه بين مؤيد ومعارض للتعامل بالفائدة، حيث ذهب أنصار الإتجاه الأول إلى القول بأن الفصل 870 المقرر لمبدأ منع التعامل بالفائدة بين المسلمين يخضع لاستثناء يقلص من مداه ما جاء به الفصل 871 الذي أجاز اشتراط الفائدة بين التجار ولو كانوا مسلمين (1).

وفي نفس الاتجاه ارتأى البعض (2) بأن القانون قد انتقص من القاعدة الواردة بالفصل 870 لأسباب اقتصادية وتمويلية معتبرا بأن اشتراط الفائدة بين المسلمين غير باطل، وهو الطرح الذي تبناه البعض الآخر من الفقه (3) حيث ركزوا على الصفة التجارية للمتعامل بالفائدة وطبيعة الأنشطة التي يقوم بها باعتبارها الأساس الذي يسمح له بالتعامل بالفائدة مع الغير.

وبالتالي فإن هذا الاتجاه قد رسخ مبدأ التعامل بالفائدة بين التجار ولو كانوا مسلمين وذلك اعتمادا على نص الفصل 871، ومن ثم فإن تعامل مؤسسات الائتمان بالفائدة حسب هذا الطرح ينبثق من صفتها التجارية وطبيعة الأنشطة والخدمات التي تقدمها.

وفي مقابل هذا الاتجاه اتجه مجموعة من الفقه إلى تفسير مقتضيات كل من الفصل 870 و 871 ق ل ع تفسيرا مخالفا لما استقرت عليه اجتهادات الاتجاه الأول ويأتي على رأس هذا الفقه (4) أستاذنا الدكتور عبد اللطيف هداية الله، الذي اعتبر أن الفصل 870 ماهو إلا تكريس لمبدأ إسلامي راسخ لمسألة التعامل بالفائدة في إطار دولة مسلمة، حيث يرى في هذا الفصل التزاما من قانون الالتزامات والعقود بقواعد التشريع الإسلامي، وتكريسا منه للحكم الإسلامي في القرض بالفائدة بدليل أن الفصل 870 لم يكتف بإقرار بطلان اشتراط الفائدة التي ترد في عقد القرض بل إنه أبطل العقد ككل.

بل ذهب إلى أكثر من ذلك حينما اعتبر أن الفصل 870 قد حسم كل نقاش يدور حول جواز التعامل بالفائدة بين المسلمين، وأنه لا يمكن الجمع بين مقتضيات الفصل 870 و 871

 (1) انظر : عبد الكريم شهبون : الشافي في شرح قانون الالتزامات والعقود المغربي. الكتاب الثاني، العقود المسماة وما شبهها، الجزء الثاني، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2002،ص 501.

(2) أنظر : أحمد شكري السباعي : نظرية بطلان العقود في القانون المدني المغربي والفقه الإسلامي والقانون المقارن، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية 1987، ص 115.

(3) انظر : آسية ولعلو : الفائدة البنكية من خلال العمل القضائي، الندوة الثالثة للعمل القضائي وتطورات القطاع البنكي بالمغرب، مطبعة الأمنية، الرباط 1993، ص 263.

(4) أنظر : عبد اللطيف هداية الله : مقابلة بين الفصل 871 من قانون الالتزامات والعقود، والفصل 130 من القانون التجاري. منشور في المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية، العدد 134 – 1994، الصفحات 19 – 23 – 27 – 30.

 

معا على اعتبار أن الأول صريح في تحريم اشتراط الفائدة بين المسلمين سواء أكانوا تجارا، أم غير تجار أما الفصل الثاني فإنما يتعلق بحالات غير المسلمين وأن القول بخلاف ذلك يعني أن ما حرمه الفصل 870 أباحه الفصل 871 وهذا لغو ينعدم معه المنطق القانوني السليم.

وعلى نفس المنوال ذهب بعض من الفقه (1) إلى القول بأن الفصل 870 من ق ل ع إنما وضع لجعل اشتراط الفائدة بين المسلمين باطلا ومبطلا للعقد الذي يتضمنه سواء تعلق الأمر بالتجار منهم أو غير التجار، أما الفصل 871 فهو قد وضع ليستثني من الخضوع لأحكام الفصل السابق الأشخاص غير المسلمين بصرف النظر عن الديانات الأخرى التي يدينون بها.

أضف إلى ذلك أن الفصل 871 يتضمن بدوره قاعدة واستثناء. أما عن القاعدة الواردة فيه فهي أن الفائدة لا تستحق في الحالات التي لا يتعلق فيها الأمر بالمسلمين إلا إذا كانت قد اشترطت كتابة، أما الاستثناء من هذه القاعدة فهو ذلك الذي ورد في الفقرة الثانية من ذات الفصل، ويتعلق بالاشتراط المفترض للفائدة إذا كان أحد الطرفين تاجرا (2).

ليخلص صاحب هذا الرأي في الأخير إلى أنه من غير المقبول منطقيا وقانونيا اعتماد مقتضيات الفصل 871 من ق  ل ع كأساس لتقاضي البنوك بالمغرب للفوائد عن القروض التي تمنحها لعملائها من المسلمين.

ولعل ما يثير الملاحظة في هذا الإطار هو مدى جدوى بقاء العمل بالقاعدة المنصوص عليها  بالفصل  870 (3) من ق ل ع  وخاصة  بعد  مرور خمسة وتسعين سنة، أي ما يقارب القرن على وضع الفصل المذكور وذلك بالنظر للمعطيات الاقتصادية الحديثة والتطور الذي عرفه القطاع البنكي وتزايد عدد المتعاملين مع هذا الأخير.

(1) أنظر : امحمد لفروجي : القانون البنكي المغربي وحماية حقوق الزبناء، مرجع سابق، ص 282.

(2) راجع بهذا الخصوص : امحمد لفروجي : الفوائد البنكية بين السعر القانوني والسعر الاتفاقي، وجهة نظر في موضوع الفوائد البنكية، المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات عدد 1/2003، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص 139.

(3) موازاة مع نصوص ق ل ع المغربي ذهب المشرع التونسي في مجلة الالتزامات والعقود في الفصل 1095 إلى أن : " اشترط الفائض باطل ومبطل للعقد بين المسلمين سواء كان صريحا أو اتخذ صورة هدية أو فائدة بوسيط " وقد نسخ هذا الفصل بالقانون رقم 148 سنة 1959 المؤرخ في 7 نونبر 1959 والذي أصبح ينص على ما يلي : " الفائض لا يكون لازما بالنسبة للعقود الواقعة بين غير التجار إلا إذا اشترط كتابة ويحمل الأمر على اشتراطه إذا كان المتعاقدين من التجار ".

    - كما نص المشرع الكويتي في الفصل 547 من القانون المدني : على أن الاقتراض يكون بغير فائدة وأنه يقع باطلا كل شرط يقضي بخلاف ذلك دون مساس بعقد القرض ذاته وأنه يعتبر في حكم الفائدة كل منفعة يشترطها المقترض.

 

لنخلص في الأخير إلى أن نصوص ق ل ع لم تحسم في أمر التعامل بالفائدة خاصة أمام وجود نصين يحمل المعنى الظاهر لإحداهما نقيضا للآخر الأمر الذي ترتب عنه وجود اتجاهين مختلفين حول شرعية وأساس التعامل بالفائدة في المغرب، وأن لكل اتجاه تفسيراته وتبريراته الخاصة به الشيء الذي أدى إلى ترك باب النقاش والجدال مفتوحا حول التعامل بالفائدة، مما انعكس بدوره على أحكام وقرارات المحاكم المغربية، حيث كان لموقف الفقه السابق الأثر الكبير على توجهات المحاكم التي لم تستطع بدورها حسم النزاع بشأن التعامل بالفائدة.

2) الفائدة في إطار النصوص الخاصة :

عديدة هي النصوص الخاصة التي تناولت موضوع الفائدة (1) غير أنه وبالنظر لسياق البحث والذي نتناول فيه موضوع الفائدة البنكية بالأساس فإننا سنقتصر فقط على المقتضيات الواردة بكل من مدون  التجارة (أولا) وقانون مؤسسات الائتمان (ثانيا).

أ - السند القانوني للفائدة من خلال مدونة التجارة.

خصت مدونة التجارة لسنة 1996 موضوع الفائدة بمجموعة من النصوص حاولت من خلالها ملامسة بعض الجوانب القانونية المتعلقة بالفائدة البنكية على وجه الخصوص، وهكذا نصت المادة 162 من مدونة التجارة على جواز اشتراط الفائدة على مبلغ الكمبيالة المستحقة عند الاطلاع أو بعد مدة من الإطلاع. خاصة إذا علمنا أن القرض البنكي قد يتم في شكل كمبيالة محررة من طرف المقترض لفائدة البنك المقرض وهكذا نصت هذه المادة :    " يجوز لساحب كمبيالة عند الإطلاع أو بعد مدة من الإطلاع أن يشترط فائدة على مبلغ الكمبيالة ويعتبر هذا الشرط غير موجود في أنواع الكمبيالات الأخرى.

يجب تعيين سعر الفائدة في الكمبيالة وإلا اعتبر هذا الشرط كأن لم يكن.

 يحسب سريان الفوائد ابتداء من تاريخ إنشاء الكمبيالة ما لم يعين تاريخ آخر ".

وفضلا عن هذه المادة جاءت المادة 495 لتقر مبدأ آخر جعلت من خلاله سريان الفوائد  لفائدة  البنك  يكون  بقوة القانون وهو ما يعتبر في رأيي الخاص أساسا قانونيا لتعامل

(1) ظهير شريف صادر في أكتوبر 1913 يتعلق بتعيين كمية الفائض القانوني ونهاية الفائض الاختياري في الأمور المدنية والتجارية كما وقع تعديله وتتميمه.

    - ظهير شريف صادر في 16 يونيو 1950 في تغيير الظهير الشريف المؤرخ في 9 أكتوبر 1913 المحدد بموجبه في الأمور المدنية والتجارية مقدار الفوائد القانونية وأقصى مقدار الفوائد الاتفاقية.

    - ظهير شريف صادر في 31 غشت 1926 يتعلق بزجر من يسلف مالا بفائدة مفرطة في المنطقة الفرنسوية بإيالتنا الشريفة.

 

مؤسسات الائتمان بالفائدة، حيث نصت هذه المادة على ما يلي : " تسري الفوائد بقوة القانون لفائدة البنك " وهو امتياز أقرته مدونة التجارة لفائدة الأبناك جعلت من خلاله الفوائد التي تستخلصها هذه الأخيرة لا تحتاج إلى اشتراط تعاقدي بينها وبين عملائها، وذلك على خلاف العملاء الذين لا تسري الفوائد لصالحهم إلا إذا كانت مشترطة (1).

وتأسيسا على ما سبق يمكن القول بأن نصوص مواد مدونة التجارة جاءت صريحة وغير غامضة مقارنة بغيرها في معالجة مسألة الفائدة، وهكذا اعتبر بعض الباحثين (2) أن مقتضيات المواد الواردة بمدونة التجارة هي تطبيق للفصل 871 من ق ل ع . طالما أن مواد هذه المدونة لم تخرج عن الاستثناء الذي قرره الفصل 871 والذي جعل أساس تعامل الأطراف بالفائدة هو اشتراطها، وخاصة أن البنك شخص معنوي تاجر وأن اشتراط الفائدة يكون مفترضا إذا كان أحد الأطراف تاجرا.

وبالتالي فإن تأسيس التعامل بالفائدة يمكن أن يجد سنده ضمن مواد مدونة التجارة طالما أن الفائدة  البنكية من العمليات التي يتعامل بها البنك كتاجر. ومادام قانون التجارة هو قانون خاص بفئة التجار ينظم مسائل تنتمي أيضا إلى إطار خاص هو مجال التجارة وأن كل المسائل التجارية يجب أن يرجع الفصل فيها للقوانين والأعراف والعادات الخاصة     بالتجارة (3).

وعلى هذا الأساس اعتبر بعض الفقه (4) أن الأولوية في التطبيق هي للنص الخاص الذي هو مدونة التجارة باعتبارها لاحقة في الصدور على قانون الالتزامات والعقود. وأنها جاءت  بما يخالف بعض المبادئ العامة الواردة بهذا القانون على اعتبار أن مدونة التجارية

(1) حيث نصت المادة 507 من مدونة التجارة على هذه القاعدة :

   " لا تدفع الفوائد المشترطة لفائدة الزبون إلا في ميعاد الاستحقاق ".

(2) انظر : هشام البلاوي : الفوائد البنكية في القانون المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة قانون المقاولات، جامعة محمد الخامس، اكدال، الرباط، السنة الجامعية 2003 – 2004، ص 30.

(3) وهي القاعدة التي نصت عليها المادة الثانية من مدونة التجارة التي جاء نصها كما يلي :

   " يفصل في المسائل التجارية بمقتضى قوانين وأعراف وعادات التجارة أو

     بمقتضى القانون المدني مالم تتعارض قواعده مع المبادئ الأساسية للقانون التجاري ".

(4) انظر : عبد الكبير طبيح : المحاكم التجارية، الأسباب والغايات، سلسلة حقوق الناس، مطبعة دار القرويين، الطبعة الأولى يناير 2000، منشورات الرهان الآخر، الدار البيضاء، ص 96.

 

لاحقة في الصدور على ظهير ق ل ع وبالتالي فهي تنشئ قاعدة فاسخة للقواعد السابقة تطبيقا للفصل 474 من ق ل ع (1).

ب - السند القانوني للفائدة في إطار ظهير 14 فبراير 2006.

يعتبر ظهير 14 فبراير 2006 نتاجا لما أفرزته المعاملات البنكية لما يقارب عقد ونصف من الزمن إن على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي، وذلك على اعتبار أن الإشكالية البنكية ماهي إلا إشكالية دولية تعالج بالتوصيات وأن هذا النص ماهو إلا انعكاس لهذه التوصيات.

ولقد كان منتظرا من هذا الظهير أن يحسم أيضا في مسألة الفائدة البنكية، على غرار مدونة التجارة. غير أنه انطلق في معالجة الفائدة من منطلق التسليم الفعلي بها، وذلك دون تخصيصه لأي مقتضى قانوني يؤسس لتعامل الأبناك بالفائدة، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المستجد الذي جاء به هذا الظهير والمتمثل في الحذف الذي طال المقتضيات التي كانت تخول لوزير المالية سلطة تحديد أسعار الفائدة الدائنة والمدينة (2) وهو ما يعتبر تراجعا ضمنيا من طرف المشرع المغربي عن وزير المالية كسلطة مكلفة بتحديد سعر الفائدة، وذلك دون تحديد الجهة المكلفة بذلك، لتبقى هذه النقطة غامضة ومعلقة وذلك إلى حين صدور مناشير ودوريات عن والي بنك المغرب تتناول الموضوع (3).

وبالتالي فإن ما كان يعتبر في إطار القانون السابق أساسا قانونيا لتعامل الأبناك بالفائدة لم يعد يجد له أي صدى ضمن مقتضيات القانون البنكي الجديد، على اعتبار أن هناك من أسس لتعامل الأبناك بالفائدة على مقتضيات المادتان 13 و 105 من الظهير الملغى واللتان كانتا تمنحا لوزير المالية سلطة تحديد أسعار الفائدة.

(1) تنص المادة 474 ق ل ع على ما يلي :

   "  لا تلغى القوانين إلا بقوانين لاحقة، وذلك إذا نصت هذه القوانين اللاحقة صراحة على الإلغاء أو كان القانون الجديد متعارضا مع قانون سابق أو منظما لكل الموضوع الذي ينظمه ".

(2) تجدر  الإشارة إلى أن تحديد سعر الفائدة كان من اختصاص السلطة المكلفة بالمالية ممثلة في وزير المالية، وهذا ما كانت تنص    عليه كل من المادة 13 والفقرة الثانية من المادة 105 من ظهير 6 يوليوز 1993 الملغى، وأن المواد اللتان عوضتهما في إطار ظهير 14 فبراير 2006 هما على التوالي : المادة 42 والمادة 115 لا يوجد ضمن مقتضياتهما أية إشارة للسلطة المكلفة بتحديد سعر الفائدة.

(3) بالرجوع إلى تقرير لجنة المالية والتنمية الاقتصادية حول قانون 34.03 نلاحظ أنه قد تم أثناء مناقشة مواد هذا القانون وجواب الحكومة عليها التساؤل في هذا السياق عن الجهة المكلفة بتحديد السعر القانوني للفوائد الواردة ضمن المادة 115، وكذا عن السعر المرجعي لتحديد نسبة الفائدة التي تعتمدها الأبناك.

    وعند الإجابة عن هذا التساؤل من طرف السيد وزير المالية والخوصصة أكد – كما جاء في التقرير بان الأبناك تبقى ملزمة بتحديد معدل الفائدة في نسبة تقل عن الحد الأعلى للفوائد والمحددة في 13,41% وذلك دون الجواب عن الشق الأول من السؤال والمتعلق بالجهة المكلفة بتحديد سعر الفائدة. - راجع ص 7 من التقرير، مرجع سابق

 

ونظرا لكون هذا الاتجاه تعرض حينها للانتقاد من بعض الفقه (1) الذي اعتبر بان القول بكون البنوك المغربية تستمد جواز تعاملها بالفوائد مع عملائها من القوانين الخاصة بتنظيم ومراقبة المهنة البنكية هو قول لا يمكن تصوره، ذلك أن هذه القوانين لا تتعلق في باب تعرضها للفائدة البنكية، بتحريم أو إباحة اشتغال البنوك بها، وإنما تتعلق فقط بأسعار هذه الفائدة وكيفيات تحديدها والجهات الرسمية التي لها الصلاحية في هذا الشأن وذلك استثناء من أحكام المادة 875 ق  ل ع.

وتأسيسا على كل ما سبق نخلص إلى أن المقتضيات الحالية للقانون البنكي لا تتضمن أي أساس قانوني يبرر تعامل الأبناك بالفائدة، وذلك على الرغم من المقتضى الذي أتت به المادة 115 من ظهير 14 فبراير 2006 والتي استثنت من خلاله عمليات الإيداع والائتمان التي تقوم بهما مؤسسات الائتمان من الخضوع لظهير 9 أكتوبر 1913 كما وقع تغييره وتعديله.

في حين يمكن القول بأن ما يبرر تعامل الأبناك بالفائدة لا يرجع إلى نصوص ظهير 14 فبراير 2006 أكثر مما يرجع إلى الواقع الاقتصادي الذي يتمثل في كون الأموال المستعملة من طرف الأبناك في عمليات الائتمان ليست في ملكها وإنما تحصل عليها من مصادر مختلفة مقابل فوائد معينة، كالفوائد الدائنة المدفوعة لأصحاب الودائع أو معدل إعادة الخصم لدى البنك المركزي.

ثانيا : مخاطر تغير سعر الفائدة البنكية.

<><> 

 

إذا كان للمواد والخدمات المتداولة ثمن يحدد مستواه في غالب الأحيان قانون العرض والطلب في السوق، فللأموال كذلك ثمن يحدد بنفس الطريقة، وهذا الثمن هو ما نسميه سعر الفائدة، وهو عبارة عن نسبة مئوية يؤديها المستفيد من القرض عن المبالغ التي منحت له في شكل قروض أو تؤدى إلى صاحب الادخار مقابل الودائع التي يسلمها لمؤسسات الائتمان (2).

(1) رجع امحمد لفروجي : القانون البنكي المغربي وحماية حقوق الزبناء، مرجع سابق، ص 283.

(2) حميد وهيب : سياسة معدلات الفائدة، مقال منشور في الدورة التخصصية في المادة التجارية، سلسلة الندوات واللقاءات والأيام الدراسية، مكتبة دار السلام الرباط،  يونيو 2004،  ص 51.

 

ويعرف سعر الفائدة أيضا بأنه أجر كراء النقود يلتزم المقترض بدفعه إلى البنك مقابل التنازل المؤقت له على السيولة (1).

كما عرفه البعض (2) بأنه تلك النسبة المئوية التي تحتسب استنادا إلى اتفاقيات معدة سلفا، فهو يقيس بصورة تركيبية خلال فترة معينة المردودية بالنسبة للمقرض والتكلفة المترتبة عن مخطط الأداء وما يتولد عنه من مد مالي بالنسبة للمقترض.

وتدخل اعتبارات كثيرة في تحديد سعر الفائدة منها ما يرتبط بنوع القرض ذاته ومنها ما يرتبط بوضعية السوق النقدية وطبيعة نشاط العميل ودرجة المخاطرة المرتبطة بالقرض، فمثلا سعر الفائدة المطبقة على القروض العادية تفوق بكثير سعر الفائدة المطبقة على القروض العقارية.

وأسعار الفائدة على القروض قصيرة الأجل تكون عادة أدنى من أسعار الفائدة على القروض الطويلة الأجل لأن درجات المخاطرة المرتبطة بالتسليف القصير الأجل أقل من درجات المخاطرة المرتبطة بالتسليف الطويل الأجل.

وفي هذا السياق نود الإشارة إلى أن سعر الفائدة ليس على نوع واحد فهو إما ثابت أو متحرك أو معرض للمراجعة أو حسابي.

فالثابت هو الذي لا يعرف أي تغيير خلال مدة القرض، والمتحرك هو الذي يقاس إما بالرجوع إلى معدل التضخم حيث يرتفع بارتفاعه وينخفض بانخفاضه أو يقاس بمعدل مرجع السوق النقدي.

في حين أن السعر المعرض للمراجعة هو الذي يكون فيه لأطراف العقد جواز المطالبة بمراجعته ضمن شروط معينة، وأخيرا قد يكون معدل الفائدة حسابيا ومعناه أن المردودية الحقيقية للالتزام تكون تبعا لثمن الشراء ومدة القرض (3).

وينشأ خطر سعر الفائدة البنكية نتيجة التغير الذي تعرفه هذه الأسعار في السوق ارتفاعا  وانخفاضا  فاحتمال  تغير  أسعار  الفائدة  البنكية في المستقبل يشكل إحدى المخاطر

(1) الطاهر لطرش : تقنيات البنوك، مرجع سابق، ص 70.

(2) محمد صبري : الأخطاء البنكية، مرجع سابق، ص 202.

(3) راجع بهذا الخصوص محمد صبري : نفس المرجع السابق، ص 203.

 

التي تهدد المحفظة المالية للبنك وذلك حينما يكون هذا التغير في الأسعار لا يتلاءم ونوعية القروض التي قام البنك بمنحها.

وفي هذا السياق عرف بعض الباحثين (1) خطر سعر الفائدة بأنه تلك الخسارة المحتملة للبنك في حال حدوث تغير سلبي لأسعار الفائدة، وأضاف أنه يختلف عن باقي أصناف المخاطر البنكية الأخرى بكونه يحمل في طياته في نفس الوقت احتمال الخسارة والربح.

في حين ارتأى البعض (2) أن هذا النوع من الخطر ينتج عن التغير المحتمل في صافي الدخل من أسعار الفائدة أي الفرق بين عائد الفائدة من الأصول وتكلفة الفائدة على الخصوم وذلك نتيجة للتغير في أسعار الفائدة في السوق.

ولقد عرف منشور والي بنك المغرب رقم 40/G/2007 خطر سعر الفائدة ضمن الباب الخامس من القسم الثالث من المنشور وبالضبط المادة 66 والتي جاء فيها :

" يعرف خطر سعر الفائدة في المحفظة البنكية بكونه التأثير السلبي الذي قد ينتج عن تطور غير ملائم لأسعار الفائدة على الوضعية المالية للمؤسسة، نتيجة لمجموع عمليات الحصيلة وخارج الحصيلة ...

وما يلاحظ  بخصوص هذا التعريف انه لم يختلف كثيرا عن التعريف الذي سبق وأن ورد ضمن الدورية رقم 6 لوالي بنك المغرب (السابق الإشارة إليها) (3).

وعلى العموم يمكن تعريف خطر سعر الفائدة بأنه احتمال تقلب أسعار الفائدة مستقبلا بشكل لا يتلاءم ونوعية القروض الممنوحة من طرف البنك.

وجدير بالذكر هنا إلى أن تغير أسعار الفائدة البنكية في السوق قد لا يشكل دائما خطرا على الأبناك بل يمكن أن يكون سببا للربح، وذلك حينما تتغير هذه الأسعار بشكل يتلاءم مع مصلحة مؤسسات الائتمان.

 (1) Said Nouhi : L’évaluation du risque de crédit et le positionnement du client, Bâlle II. Nouveaux enjeux pour les établissements bancaire, mémoire pour l’obtention du diplôme d’Etudes supérieures approfondies. Université. MOHAMED V – Souissi – Rabat. Décembre 2005, P 24.

(2) رمضان الشراح : تركي الشمري : محمد العسكر : البنوك التجارية، مرجع سابق، ص 247.

(3) L’article 49 de circulaire N° 6 de Bank AL MAGHRIB à définie le risque de taux comme suit :

    Le risque global de taux d’intérêt se définit comme limpact négatif que pourrait avoir une évolution défavorable des taux d’intérêt sur la situation financière de l’établissement de crédit.

 

وبالتالي فإن تأثير خطر سعر الفائدة على المحفظة المالية للبنك يختلف تبعا لنوعية القروض التي يقوم البنك بمنحها لعملائه وتبعا للتوقعات المحتملة لسعر الفائدة في السوق.

فبالنسبة مثلا لخطر ارتفاع أسعار الفائدة في السوق قد يكون له تأثير سلبي على البنك متى قام هذا الأخير بمنح قروض طويلة الأجل بسعر فائدة ثابت، ففي هذه الحالة تكون تكلفة الأموال التي يحصل عليها البنك من مصادره المختلفة (الفوائد الدائنة) من أجل تمويل هذه القروض تفوق المردودية التي يجنيها من الفوائد المطبقة عليها (الفوائد المدينة).

على اعتبار أن البنك سيؤدي فوائد مرتفعة للمودعين في مقابل حصوله على فوائد منخفضة وثابتة عند توظيف هذه الأموال في قروض طويلة الأجل (1).

فمثلا سعر الفائدة المعمول به في قروض طويلة الأجل خاصة منها قرض المقاولين الشباب وفقا لتعليمات وزارة المالية هو 5% على الجزء الممول من طرف الدولة، أما سعر الفائدة المطبق على الجزء الممول من طرف البنك فتحديده يكون باتفاق بين الطرفين على ألا يتعدى في غالب الأحيان 9% (2).

لهذا غالبا ما يعمل البنك في مثل هذه الحالات على الاتفاق مع العميل على استبدال القرض طويل الأجل بقرض قصير الأجل يتجدد لعدة مرات وذلك بهدف محاولة زيادة مبلغ الفوائد المقبوضة من طرف العميل، كما يعمل البنك على التركيز خلال هذه الفترة على القروض قصيرة الأجل مثل القروض الاستهلاكية وبأسعار فائدة متحركة.

أما فيما يخص خطر انخفاض أسعار الفائدة فإنه غالبا ما يرتبط بالقروض قصيرة الأجل، على اعتبار أن البنك حينما يقوم  بتوظيف  الأموال المحصل عليها بفوائد مرتفعة في

 

(1) تختلف طريقة سداد القروض طويلة الأجل عن القروض الصغيرة والمتوسطة الأجل، حيث إن سداد القروض طويلة الأجل يرتبط عادة في وقت توفر عائد للاستثمار على أمد طويل لدى المقترض، وبالتالي فإن القروض التي تستثمر في المشروعات الكبيرة تسدد على فترات أطول.

    ومن أهم طرق سداد القروض طويلة الأجل نجد :

    - سداد أصل القرض وفوائده على أقساط متساوية : حيث يتم بموجب هذه الطريقة سداد القرض وفوائده على أقساط متساوية تدفع في نهاية كل فترة دورية غالبا ما تكون سنة. وتتميز هذه الطريقة عن غيرها بأن الفوائد المستحقة في نهاية كل فترة دورية تتناقص قيمتها بصفة دائمة عن الفوائد المستحقة في نهاية الفترة التي قبلها.

    - سداد أصل القرض بمبالغ متساوية مع سداد الفوائد على الرصيد : فحسب هذه الطريقة يتم سداد أصل القرض بمبالغ متساوية من حيث القيمة والفترة الزمنية التي تفصل بين كل أداء وآخر. أما فيما يتعلق بالفوائد فإنه تحسب على رصيد أصل القرض الموجود في بداية كل فترة زمنية.

    - وأخيرا يمكن سداد أصل القرض وفوائده على فترات زمنية غير منتظمة وبمبالغ مختلفة.

      للمزيد من التوسع حول هذه النقطة :  أنظر :

    عبد المعطي رضا ارشيد، محفوظ أحمد جودة، إدارة الائتمان ، مرجع سابق، ص 304 وما بعدها.

(2) محمد صبري : الأخطاء البنكية، مرجع سابق، ص 42.

 

قروض قصيرة الأجل بسعر فائدة منخفض، فإن ذلك ينعكس سلبا على مداخيله، لكون تكلفة الأموال لا تتلاءم والمردودية المتوقعة منها (1).

لذا فإن البنك يعمل خلال هذه المرحلة وخوفا من تدني جديد لأسعار الفائدة على منح قروض طويلة الأجل بسعر فائدة ثابت، ذلك أنه حتى ولو انخفضت أسعار الفائدة في المستقبل فإن البنك سيستمر في تحصيل فوائد أكبر (2).

ونشير إلى أن سعر الفائدة المعمول به حاليا في قروض الاستثمار متوسطة الأمد محدد في نسبة 7,25% مع قدر من التمويل الذاتي لا تقل عن نسبة 30%، إلا أن هذه النسبة قد تتدنى إلى 15% فقط إذا ما اشترك بنك آخر في التمويل (3).

لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام، هو هل يتوفر المغرب على سوق بنكية تنافسية قادرة على التأثير على أسعار الفائدة ارتفاعا ونزولا ؟ وبالتالي مدى تأثير هذا الخطر على الأبناك المغربية.

بداية نشير إلى أن تبني المغرب لنظام اقتصادي ليبرالي كان هدفه بالأساس جعل قاعدة العرض والطلب القاعدة الأساسية في تحديد الأثمان، وهو ما ينطبق بدوره على  أسعار الفوائد، لذا فقد سعى المغرب إلى تحرير أسعار الفائدة (4) في القطاع البنكي بهدف جعل السوق المالية بالمغرب أكثر تنافسية.

(1) وفي هذا السياق نشير إلى أن هناك عدة طرق لسداد القروض قصيرة الأجل والتي تختلف باختلاف طبيعة الاتفاق بين البنك والعميل.

     فمثلا يمكن سداد القرض وفوائده دفعة واحدة في نهاية المدة المتفق عليها أو سداد أصل القرض وفوائده على أقساط دورية متساوية وثابتة حيث يدفع العميل في نهاية كل فترة زمنية محددة قسط دوري ثابت، أو سداد الفوائد مقدما مع سداد الأصل على أقساط دورية للمزيد من الإطلاع حول هذه النقطة راجع :

    عبد المعطي رضا ارشيد محفوظ أحمد جودة : إدارة الائتمان ، مرجع سابق، ص 298 وما بعدها.

 (2) عندما تنخفض معدلات الفائدة، تتزايد القروض بكل أشكالها، وتزايد القروض ينمي طلبات المقاولات والأفراد، مما تترتب عليه الزيادة في الطلب الإجمالي وهو ما يسميه الاقتصاديون بـ La demande globale  ، وبطبيعة الحال فهذه الزيادة في الطلب الإجمالي تؤدي بدورها إلى ارتفاع الأثمان أي إلى التضخم المالي، وعندما يكون هناك تضخم مالي، تعمل السلطات النقدية على الرفع من مستويات نسب الفائدة لتقلل من حجم الطلب وتحد من ارتفاع الأثمان، هكذا إذن توظف معدلات الفائدة لمكافحة ارتفاع الأثمان.

    للمزيد من التوسع حول هذه النقطة راجع حميد وهيب، سياسة معدلات الفائدة، مرجع سابق، ص 57.

(3) محمد صبري : الأخطاء البنكية، مرجع سابق، ص 41.

(4) عمدت السلطات النقدية أولا على تحرير أسعار الفائدة الدائنة قصد خلق جو من المنافسة بين الأبناك منذ بداية سنة 1990 وذلك باستثناء المعدلات الممنوحة للحسابات على الدفتر والحسابات لمدة 3 أشهر، ثم بعد ذلك قامت في نفس السنة بتحرير أسعار الفائدة المدينة وذلك بالنسبة للقروض التي تفوق مدتها سنتين، في حين أن القروض لأجل قصير لم يتم تحريرها إلا ابتداء من يناير 1991.

     وقد تم الإبقاء على حد أقصى للمعدلات المدينة إلى غاية سنة 1996، حيث ظلت مرتبطة بالمعدلات المرجعية لكل صنف من   القروض وذلك لضمان تطورها بشكل تدريجي.

    للمزيد من الإطلاع حول هذه النقطة، أنظر عمر العسري، تحريك أسواق الرساميل واستراتيجية تنشيط الاستثمار بالمغرب، مرجع سابق، ص 235 – 236.

 

فهل استطاع المغرب فعلا تحقيق الهدف المنشود من سياسة التحرير بفتح باب المنافسة وتخفيض سعر الفائدة (1).

اتجه جانب من الفقه (2) إلى اعتبار أن الهدف الذي كان من المفروض أن يتحقق لم تستطع الأبناك الالتزام به على مستوى الواقع العملي، حيث أن الغالبية العظمى من الأبناك تلجأ إلى فرض سعر اتفاقي بينها وبين بعضها وهو ما يؤدي إلى تغييب عنصر المنافسة.

وهو ما لوحظ عمليا ابتداء من فبراير 1996 السنة التي عمد فيها المغرب إلى إلغاء الحدود القصوى لمعدلات الفائدة المدينة بشكل رسمي (وذلك بواسطة دورية بنك المغرب رقم 8/G/96) حيث فوجئ الجميع بإعلان الأبناك لأسعار موحدة وكأن الأمر يتعلق باتفاق مسبق فيما بينها.

حيث ثم خلال هذه السنة تبني الأبناك لسعر موحد حدد في 9,75% بالنسبة للقروض القصيرة الأجل و 10,50% فيما يخص القروض المتوسطة الأجل و 12,25% على القروض طويلة الأمد، علما أن المعدل المرجعي المحدد من طرف بنك المغرب آنذاك كان هو 8,5% (3).

الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول الآلية القانونية التي يمكن اعتمادها في حالة تكرار مثل هذه الممارسات.

وذلك على اعتبار أن مثل هذه الاتفاقات السرية فيما بين الأبناك حول حصر سعر الفائدة البنكية في معدلات معينة تشكل ممارسات مخلة بالمنافسة تتنافى والهدف المتوخى من سياسة تحرير أسعار الفائدة البنكية، الأمر الذي يقود إلى عرقلة حرية المنافسة في السوق وبالتالي مخالفة مقتضيات قانون حرية الأسعار والمنافسة.

إلا أن الإشكال الذي يطرح نفسه في هذا السياق يتمحور حول الجهة المسوؤلة عن ردع الأبناك عند القيام بتصرفات مماثلة؟

 (1) فما يجب التذكير به هو أن نسب الفوائد حتى بعد تحريرها لازالت تعتبر أهم أداة في السياسة النقدية وبالتالي فإنه يتم استعمال هذه الأداة من أجل تحديد معالم السياسة النقدية وذلك بواسطة طرق غير مباشرة تتمثل بالأساس في تدخل البنك المركزي في السوق النقدية عبر الحجم الإجمالي لإعادة التمويل أي المبالغ التي يقرضها بنك المغرب لمختلف مؤسسات الائتمان وأيضا عبر تقنية تكلفة إعادة التمويل.

(2) AZZEDINE himit : «  La libéralisation des taux d’intérêt » AL Wassit Magazine, N° 15, Avril – Mai 1997, P 19.

(3) عمر العسري : نفس المرجع السابق، ص 238.

 

وبالتالي التساؤل حول من تكون له الصفة للتدخل للحد من مثل هذه الممارسات كمجلس المنافسة أو بنك المغرب أو حتى المقترض المتضرر ؟

وفي نفس السياق هناك من اعتبر أنه رغم تحرير أسعار الفائدة في المغرب فإن الأسعار المفروضة على عمليات الائتمان تبقى جد عالية مقارنة بدول لها نفس مستوى الاقتصاد المغربي (1).

في حين اعتبر جانب من الفقه (2) أنه على الرغم من كون سياسة تحرير أسعار الفائدة لم تحقق الهدف المتوخى منها في ضبط آلية العرض والطلب على القروض كما يحدث في دول مختلفة، فإن السبب في ذلك يعود بالأساس إلى ضعف البنية الهيكلية للمقاولات الوطنية.

وفي مقابل ذلك يرى أن سياسة التحرير استطاعت خلق جو جديد من المنافسة فيما بين الأبناك ترجم على الساحة العملية باللجوء إلى أسعار فائدة متغيرة في عقود القرض البنكي.

وقد برر ذلك من خلال التغير الملحوظ في أسعار الفائدة ما بين سنة 1996 وسنة 2006 حيث إذا كانت هذه الأسعار في ظل سنة 1996 محددة في سعر معين من قبل جميع الأبناك فإنه في سنة 2006 اختلف مستواها من مؤسسة إلى أخرى.

ففيما يخص قروض التصدير فإن نسبتها محددة في 8,75% ويمكن أن تخفض إلى نسبة تتراوح ما بين 7% و 7,50% حسب الأبناك.

أما القروض القصيرة الأجل فنسبتها محددة في 9,75% ويمكن أن تخفض إلى نسبة تتراوح ما بين 7,25% و 8% حسب الأبناك.

أما القروض متوسطة الأجل فهي محددة في 10,50% ويمكن تخفيضها إلى نسبة تتراوح ما بين 7,25% و 8,25%.

وأخيرا فإن القروض الطويلة الأجل محددة نسبتها في 11,25% وتخفض إلى نسبة تتراوح بين 8,25% و 9%.

(1) Karima Amara : « Taux d’intérêt – plus libre plus chers enjeux » Magazine de l’entreprise et de l’économie, N° 30 – 1991, P 14 – 16.

(2) BERRADA. Mohamed . AZZEDINE, Les Technique de banque de crédit , op cit, P 98.

 

وعلى الرغم من هذا التفاوت في أسعار الفائدة بين الأبناك المغربية الذي يعكس إلى حد ما وجود سوق شبه تنافسية، فإن تأثير خطر سعر الفائدة على المحفظة المالية للأبناك يبقى جد محدود، نظرا لكون مؤسسات الائتمان غالبا ما تتحكم في ارتفاع وانخفاض أسعار الفائدة بما يتماشى ومصالحها، وبالتالي تقليص هامش الخسارة إلى أقصى الحدود وهذا ما أكده لنا مجموعة من المسؤولين أثناء زيارتنا لبعض مؤسسات الائتمان.

فقد أجمع جل مسؤوليها على كون هذا النوع من الخطر لا يشكل تهديدا حقيقيا وكبيرا إذا ما قورن بغيره من المخاطر، وذلك إما بفعل ضعف التنافسية في السوق البنكية وإما بفعل الرقابة الصارمة للسلطات النقدية في هذا المجال (1).

(1) ذلك أنه في إطار تحرير أنشطة القطاع البنكي أو ما يسمى بالليبرالية في السياسة الاقتصادية بصفة عامة. وبعد أن تخلت السلطات النقدية عن سياسة التدخل المباشر في توجيه  نشاط المؤسسات البنكية مثلما تخلت الدولة عن التدخل المباشر في المجال الاقتصادي، بعد هذا إذن، أصبحت ميكانيزمات السياسة النقدية تتخذ أشكالا غير مباشرة، وأصبحت وسائل هذه السياسة تنحصر أساسا في التأثير بوسائل مختلفة على نسبة أسعار الفائدة كوسيلة بغية الحصول على أهداف نقدية معينة ومرسومة مسبقا.

    راجع بهذا الخصوص حميد وهيب : سياسة معدلات الفائدة، مرجع سابق، ص 52.

 

الفصــــل الثــــاني :

آليات ضبط مخاطر القروض البنكية

إذا كان تحرير القطاع المالي بفضل رفع التأطير عن القروض وتحرير الفوائد البنكية وإلغاء بعض الاستخدامات الإجبارية وتحرير الصرف وغيرها، قد أعطى صلاحيات أوسع لمؤسسات الائتمان من أجل التصرف في موجوداتها. فإنه ومن جهة أخرى قد زاد من احتمال المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها هذه المؤسسات وخاصة منها البنوك. علما بأن هذه المخاطر يمكن أن تتحول، إذا لم يتم علاجها في الوقت المناسب إلى أزمة قد تمس النظام البنكي بأكمله.

وتحقيقا لهذا الغرض سعت الدولة إلى خلق مجموعة من الآليات والأجهزة لضبط هذه المخاطر والتحكم فيها وذلك على اعتبار أن ترك الحرية المطلقة لهذه المؤسسات في مزاولة عملها وفق ما تمليه عليها مصالحها الذاتية المبنية على قاعدة الربح والخسارة من شأنه أن يفضي إلى نتيجة تعاكس تماما ما يهدف إليه المشرع المغربي من وراء إخضاع مزاولة النشاط البنكي لمجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية .

وفي نفس الإطار قامت الدولة بخلق وإحداث مجموعة من صناديق الضمان بهدف تشجيع المؤسسات البنكية على التعامل مع فئات جديدة من العملاء لا تتوفر فيهم شروط الائتمان.

وبالتالي توجيه القروض البنكية نحو قطاعات معينة ترغب الدولة في تنميتها وتطويرها وذلك عبر قيام هذه الصناديق بضمان وتغطية مختلف المخاطر التي يمكن أن تترتب عن مثل هذه المعاملات.

وتأسيسا على ما سبق فإننا سنعمل على توزيع دراستنا لهذا الفصل على مبحثين، نعالج في أولهما مختلف مظاهر الرقابة على أنشطة مؤسسات الائتمان، على أن نخصص المبحث الثاني لدور صناديق الضمان في تغطية وضمان مخاطر القروض البنكية.

 

 

 

المبحــــث الأول :

الرقابة البنكية كآلية لضبط المخاطر.

<><> 

 

إذا كانت الإصلاحات التي شرع فيها المشرع المغربي منذ أواسط الثمانينات من القرن الماضي والتي همت القطاع البنكي بصفة خاصة قد أدت إلى صدور قانون 1993. الذي غير كليا من المفاهيم والأدوات التي كانت تؤطر الرقابة على البنوك ونشاطها وذلك تبعا للتوجه الليبرالي الذي انتهجته الدولة المغربية في مختلف المجالات ذات الطابع المالي والاقتصادي، فإن صدور ظهير 14 فبراير 2006 جاء ليؤكد على نفس النهج الذي تبناه ظهير 1993 مع توجه أكثر تشددا في تفعيل عملية الرقابة على البنوك لاسيما فيما يخص القواعد القانونية الجديدة المتعلقة بالأموال الذاتية وتدبير المخاطر كما حددتها وثيقة لجنة بال الثانية.

وهكذا تعددت أساليب مراقبة تسيير مؤسسات الائتمان بين رقابة داخلية تسند لمجموعة من الأجهزة الداخلية بالمؤسسة تتأكد من مدى احترام مجموعة من التدابير والقواعد الاحترازية لممارسة النشاط البنكي، وبين رقابة خارجية تكلف بها هيآت ومجموعات مهنية واستشارية تعمل على تقنين النشاط البنكي والتأكد من مدى احترام المؤسسات البنكية لمجموع القواعد القانونية والتنظيمية المعمول بها في هذا المجال.

ولكي نقف على هذه النقط سوف نتناول هذا المبحث من خلال :

المطلب الأول : نظام الرقابة الخارجية .

المطلب الثاني : نظام الرقابة الداخلية.

 

 

 

المطلـــــب الأول :

نظام الرقابة الخارجية .

في إطار الوضع الجديد الذي يتسم بحرية المبادرة وقواعد السوق في العمل البنكي، تتزايد المخاطر المرتبطة بالقروض البنكية نتيجة تهافت المؤسسات البنكية على جلب أكبر عدد ممكن من العملاء مما قد يجعل هذه الأخير تحيد عن الخط الذي رسمه لها المشرع في هذا الإطار.

ولضمان عدم حدوث ذلك سعت الدولة إلى تنظيم هذا القطاع وذلك عبر خلق مجموعة من الأجهزة المكلفة بمراقبة وتوجيه السياسة النقدية والائتمانية للبلاد (الفقرة الأولى) وأيضا عبر خلق هيآت مهنية واستشارية من أجل دعم وتنسيق التشاور على الصعيد المهني بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين في هذا القطاع (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : الرقابة عبر السلطات النقدية .

إن السلطات النقدية اليوم مطالبة ببذل المزيد من الحذر والاحتراس من خلال ضبط الائتمان وتوجيه السوق البنكية وخلق نوع من المنافسة لتنشيط القطاعات المالية وذلك من أجل خدمة الاقتصاد الوطني.

ولعل سوء ضبط الائتمان وعدم الاحتراس وازدياد عمليات الإقراض غير المنظمة هو السبب لما شهدته العديد من الدول في جنوب شرق آسيا خلال السنوات الأخيرة من انزلاقات مالية عصفت بقطاعاتها المالية وانعكست سلبا على أداء اقتصادياتها الوطنية (1) .

وعموما فإذا كانت القوانين البنكية المغربية وعلى مر التاريخ قد جاءت لتكرس رقابة السلطات النقدية على القطاع البنكي والمالي بصفة عامة باعتبارها سلطات وصاية وإشراف، فإن ظهير 14 فبراير 2006 قد تبنى نفس الطرح السابق ولكن مع تغيير في موازين قوى هذه السلطات، بحيث تراجعت مكانة وزير المالية وتقهقرت سلطاته عما كان عليه الأمر في ظل ظهير 1993 الملغى (ثانيا) وذلك على اعتبار أن الاختصاصات التي كانت تجعل منه مركز القوة في هذا القطاع قد سحبت منه وأسندت لوالي بنك المغرب (أولا).

(1) عمر العسري : تحريك أسواق الرساميل، مرجع سابق، ص 172.

 

أولا :  بنك المغرب :

يعد بنك المغرب كبنك مركزي لدولة المغرب مؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلال المالي وبالشخصية المعنوية، إذ تملك الدولة مجموع رأسماله (1) ويرأسه والي بنك المغرب الذي صار يعين بظهير شريف بمقتضى ظهير 6 أكتوبر 1993 (2).

وقد تم إحداث بنك المغرب بمقتضى الظهير الشريف الصادر بتاريخ 30 يونيو 1959 هذا الظهير المعتبر بمثابة القانون الأساسي لبنك المغرب – تم تعديله بموجب ظهير 6 أكتوبر 1993، وعدل أخيرا بمقتضى القانون رقم 76.03 المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب والصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.05.38 بتاريخ 23 نوفمبر 2005 (3).

وللإشارة فبنك المغرب يقوم إلى جانب مهامه التقليدية (4) بدور رقابي أساسي على البنوك في إطار كل من ظهير 23 نوفمير 2005 وظهير 14 فبراير 2006، ويمارس البنك المركزي رقابته عن طريق الوالي وهو رئيس هذا البنك أو من ينتدبه لذلك.

وإذا كان قانون 6 يوليوز 1993 قد وسع من اختصاصات والي بنك المغرب مقارنة مع قانون 1967، فإن قانون 2006 لبى طموحه في تحقيق استقلالية شبه مطلقة تجاه السلطة الوصية التقليدية على القطاع وهي وزارة المالية (5).

(1) وذلك على اعتبار أن أغلب البنوك المركزية ذات رأس مال عمومي أو على الأقل بنسبة 50% أو ما فوق وهي بذلك تكون في ملك الدولة، لأنها تعتبر مؤسسات تنظيمية هدفها الصالح العام.

     وتعتبر السويد السباقة إلى إحداث فكرة بنك مركزي في العالم سنة 1668، تلتها فيما بعد الدول الأوربية والأمريكية وباقي دول العالم. خاصة بعد إعلان مؤتمر بروكسيل المنعقد سنة 1920 الذي أكد على ضرورة إنشاء بنك مركزي في كل دولة قصد إصلاح الأنظمة النقدية والمصرفية.

     أما في المغرب فقد تم تأسيس بنك الدولة بمقتضى عقد الجزيرة الخضراء المنعقد في 16 يناير 1906 ونظم بموجب البنود من 31 إلى 58 وأصبح يقوم بدور الخزينة، ومنح كامل الصلاحية في سك النقود ومراجعتها على أن تقوم حكومة المخزن بمراقبة هذا البنك عن طريق مندوب سامي مكلف بالإشراف على مراقبة إصدار النقد والختم عليه.

    وقد انطلق العمل ببنك الدولة هذا رسميا سنة 1907 بعد توقيف وكالات الخصم الباريزية التي كانت تقوم بتلك الاختصاصات فيما  قبل، في كل من مدن الدار البيضاء وطنجة والصويرة، بينما حدد رأسماله في 14,4 مليون فرنك فرنسي، وقد كان لهذا البنك مقرين : المقر التجاري بطنجة والمقر الإداري بباريس، للمزيد من الإطلاع حول هذه النقطة راجع :

    عمر العسري : تحريك أسواق الرساميل ... مرجع سابق، الجزء الأول ، ص 53 وما بعدها.

(2) منذ سنة 1993 أصبح والي بنك المغرب بعين مباشرة من طرف جلالة الملك دون اقتراحه من طرف الوزير المكلف بالمالية، وهذه الخطوة لها أكثر من دلالة فيما يخص تعزيز استقلالية والي بنك المغرب عن وزير المالية.

(3) منشور بالجريدة الرسمية عدد 5397 بتاريخ 20 فبراير 2006.

(4) وذلك على اعتبار أن مهام بنك المغرب وعلى غرار باقي البنوك المركزية متعددة ومتنوعة وقد تم التنصيص عليها ضمن المواد من 5 إلى 10 من القانون الأساسي لبنك المغرب وهي تنحصر بالأساس في السهر على استقرار قيمة النقد الوطني وذلك بممارسته لامتياز إصدار النقود الائتمانية وكذا السهر على حسن سير نظام الأداء، إلى جانب اضطلاعه بتحديد أدوات السياسة النقدية بهدف ضمان استقرار الأسعار وقيامه بإدارة احتياطي  البلاد من العملات الأجنبية فضلا عن مراقبة الجهاز البنكي.

(5) عائشة الشرقاوي المالقي : الوجيز في القانون البنكي المغربي، مرجع سابق، ص 75.

 

حيث تعزز دور بنك المغرب في مراقبة مؤسسات الائتمان بشكل كبير في ظل القانون البنكي الحالي وذلك على حساب دور الوزير المكلف بالمالية الذي تقلص دوره كثيرا عما كان عليه في ظل القانون البنكي الملغى، وهكذا نجد أن بنك المغرب حاضر في جميع الهيآت الاستشارية بدء بالمجلس الوطني للائتمان والادخار حيث يقوم بنك المغرب بأعمال سكرتارية المجلس (الفقرة الأخيرة المادة 18) ولجنة مؤسسات الائتمان حيث يرأسها والي بنك المغرب (المادة 19) مرورا باللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان . حيث يرأسها نائب والي بنك المغرب أو مديره العام أو ممثل له يعينه الوالي (المادة 21) وانتهاءا بلجنة التنسيق بين أجهزة الرقابة على القطاع المالي والتي يوجد على  رأس أعضائها بنك المغرب (المادة 81) كما يتولى بنك المغرب تدبير الصندوق الجماعي لضمان الودائع (المادة 110/1).

فهذا التواجد المكثف للبنك المركزي في مختلف الأجهزة الرقابية لهو أكبر دليل على الدور الرائد الذي أصبح يقوم به هذا البنك في مجال الرقابة والإشراف. بحيث أصبح كل ما يتعلق بمؤسسات الائتمان تأسيسا أو نشاطا أو مراقبة، أصبح كل ذلك من الاختصاص المطلق لوالي بنك المغرب.

فسلطات بنك المغرب في المراقبة – في ظل القانون الحالي – واسعة جدا وتبدو من خلال مختلف المواد المخصصة لأحكام مراقبة مؤسسات الائتمان وذلك بدءا بالمادة 53 التي جاء فيها :

" يعهد إلى بنك المغرب بمراقبة تقيد مؤسسات الائتمان بأحكام هذا القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه.

ويتأكد من ملاءمة التنظيم الإداري والمحاسبي ونظام المراقبة الداخلية للمؤسسات المذكورة ويسهر على جودة وضعيتها المالية ".

فهذه المادة قررت قاعدة أساسية مفادها أن بنك المغرب هو الجهة المخولة للإشراف على القطاع البنكي بصفة رئيسية وذلك سواء من حيث التقيد بأحكام هذا القانون أو من حيث التسيير والإدارة، وهو أمر يدل على النهج الذي تبناه المشرع المغربي في تغليب سلطات والي بنك المغرب على سلطات وزير المالية.

وهو الأمر الذي أكدته أيضا المادة 9 من القانون الأساسي لبنك المغرب لسنة 2005 والتي جاء فيها :

" يتحقق البنك – بنك المغرب – من حسن سير النظام البنكي ويسهر على تطبيق الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بنشاط مؤسسات الائتمان والهيآت المعتبرة في حكمها ".

وهكذا وحتى يقوم بنك المغرب بالدور المنوط به أحسن قيام مكنه القانون من القيام بزيارات ميدانية لمؤسسات الائتمان ومراقبة وثائق المؤسسة المعنية ومدى احترامها للقواعد الاحترازية مع إمكانية تمديد المراقبة إلى الشركات التابعة والأشخاص المعنوية التي تراقبها هذه المؤسسات.

ولكي يضطلع بنك المغرب بمهامه في مجموع التراب الوطني، فهو يشتمل على 20 وكالة بما فيها فرعان وذلك بالمدن الآتية : الرباط، الدار البيضاء، القنيطرة، العرائش، طنجة، تطوان، الحسيمة، الناضور، وجدة، بني ملال، مكناس، فاس، مراكش، الجديدة، آسفي، أكادير والعيون، هذا ويحظى فرع الدار البيضاء بمكانة متميزة تأتي من وجوده بمدينة تحتضن المقرات الرئيسية لأغلب مؤسسات الائتمان والمؤسسات المالية الأخرى، وتستقطب الجزء الأعظم من النشاط الاقتصادي والمالي للبلاد، يأتي بعده فرع الرباط لوجوده بعاصمة المملكة التي تأوي المرافق العمومية المركزية وخاصة منها الخزينة  العامة (1).

وفي هذا الإطار قام بنك المغرب خلال سنة 2006 بـ 17 مهمة مراقبة، إحدى عشر ذات طابع عام وثلاث مهمات تفتيشية، وثلاث مهمات شاملة، واستهدفت المهام ذات الطابع العام، بصفة خاصة تقييم أسس الحكامة وآليات المراقبة الداخلية وجودة الأصول ودراسة النظام المحاسبي والمعلوماتي.

 

(1) فريد بلغازي : البنك المركزي (نبدة تاريخية، الإطار المؤسساتي – المهام) مقال منشور بسلسلة الندوات واللقاءات والأيام الدراسية، الدورة التخصصية في المادة التجارية، مكتبة دار السلام، يونيو 2004، الرباط، ص 26.

 

أما مهام التفتيش الشاملة فتناولت العلاقات بين مؤسسات الائتمان وعملائها، وركزت على تسعير الخدمات البنكية وعلى مسألة عوارض الأداء، ووجوب التصريح بها لدى المصلحة المركزية لعوارض الأداء التابعة لبنك المغرب وكذا على الجوانب المرتبطة بقواعد الحيطة والحذر.

كما أولى بنك المغرب خلال سنة 2006 اهتماما خاصا لآليات المراقبة الدائمة وذلك بهدف تقييم آليات تدبير المخاطر والمراقبة الداخلية لمؤسسات الائتمان، لاسيما من خلال تكثيف الاجتماعات الدورية مع مسيري هذه المؤسسات. وقد تناولت الاجتماعات كذلك السياسات والاختيارات الاستراتيجية لمؤسسات الائتمان والمشاكل التي تتعرض لها وكذا التدابير الواجب اتخاذها لتدارك أوجه القصور. كما عقدت اجتماعات مع مراقبي حسابات مؤسسات الائتمان.

وبالموازاة مع ذلك ومن أجل تعزيز منظومة المراقبة الوقائية، وضع بنك المغرب خلال سنة 2006 نظاما للمساعدة على تصنيف مؤسسات الائتمان أطلق عليه اختصار إسم (SANEC). ويهدف هذا النظام إلى إحداث أداة للتحليل والوقاية من المخاطر البنكية. كما قام بنك المغرب بإعداد دليل لمعالجة الصعوبات التي تعترض مؤسسات الائتمان (1).

وفضلا عن هذه المراقبة الميدانية التي يجريها مفتشوا بنك المغرب من أجل التحقق من صدق الوثائق والمستندات المصرح بها من قبل الأبناك والوقوف على مدى احترام مقتضيات النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمهنة البنكية.

فإن المشرع المغربي ورغبة منه في تمكين بنك المغرب من الإحاطة بمختلف الأمور التي تقوم بها مؤسسات الائتمان، فإنه ألزم هذه الأخيرة ومسؤوليها بوجوب تبليغ بنك المغرب بمجموعة من البيانات والإلزامات التي تتعلق بمحاسبتها وتسييرها وكل تغيير يطرأ على تكوينها الرقابي أو الإداري، وذلك حتى يتمكن هذا البنك من القيام بوظيفته الرقابية على القطاع بكيفية تسمح له من التدخل في الوقت المناسب لاتخاذ كافة التدابير التي يراها ملائمة لجعل المؤسسة البنكية الملاحظ عليها عدم التقيد بالقوانين والنظم الجاري بها العمل، تلتزم باحترام ما ينص عليه القانون في هذا الإطار.

(1) من التقرير السنوي لبنك المغرب 2006، ص 142.

 

وتطبيقا لذلك يتعين على المؤسسات البنكية طبقا لأحكام القانون البنكي أن تبلغ بنك المغرب بكل ما من شأنه تعزيز دور هذه المؤسسة على القطاع ولاسيما :

- حقه في أن يبلغ بالقوائم التركيبية الخاصة بالمؤسسات الموجودة مقرها الاجتماعي بالمغرب غير مؤسسات الائتمان والشركات المالية التي تراقب إحدى مؤسسات الائتمان.ويشترط للقوائم التركيبية المذكورة أن تكون معدة بصورة فردية، ومثبتة أو مثبتة فرعية مشفوعة بتقرير مراقبي حساباتها وذلك وفق الكيفيات المحددة بمنشور يصدره والي بنك المغرب بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان ولاسيما عند اختتام كل سنة محاسبية أو عند نهاية الستة الأشهر الأولى من كل سنة محاسبية .

وفي هذا الإطار نجد أن المادة 45 من القانون البنكي قد ألزمت مؤسسات الائتمان بمسك محاسبتها وفق الشروط المحددة بمناشير يصدرها والي بنك المغرب بعد استطلاع رأي كل من لجنة  مؤسسات الائتمان والمجلس الوطني للمحاسبة وذلك استثناء من أحكام القانون رقم 9.88 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها.

- حقه في أن يبلغ بشأن كل خلل أو حادث خطير يلاحظ في نشاط أي مؤسسة ائتمان أو تدبيرها ويكون من شأنه أن يضر بوضعيتها أو يمس بسمعة المهنة. ويكون واجب التبليغ في هذه الحالة ملقى على عاتق الرئيس المدير العام والمدير العام وأعضاء مجلس الإدارة الجماعية وكل شخص يتقلد منصبا مماثلا لذلك (المادة 57).

وهو أمر في حقيقة الأمر يقلد مدراء مؤسسات الائتمان وأعضاء مجالس إداراتها مسؤولية التبليغ عن كل حادث أو خلل خطير في تسيير المؤسسة أو في قيامها بوظائفها التقليدية (والمتمثلة أساسا في عمليات الإيداع وعمليات توزيع الائتمان) ويكون من شأنه التأثير على حسن سير نشاطها، غير أن الملاحظ في هذا الصدد أن هذه المادة لم تحدد الجزاء المفروض على هؤلاء المدراء في حالة عدم التبليغ أو حتى على الأجل الذي ينبغي التبليغ داخله، وذلك على اعتبار أن التبليغ في بداية وقوع الحادث أو الخلل ليس كالتبليغ بعد مرور مدة من الزمن.

- وفي هذا الإطار يمكن أيضا لبنك المغرب أن يأمر مؤسسات الائتمان التي يرى أن تدبيرها إداريا أو ماليا لا يوفر الضمانات الكافية على مستوى الملاءة أو السيولة أو المردودية، أو لاحظ وجود ثغرات مهمة في نظام مراقبتها الداخلية – أن يأمرها – بتصحيح الوضعية غير السليمة في أجل يحدد لها. وله في هذه الحالة أن يطلب موافاته بمخطط تقويم مدعما إذا ارتأى ذلك ضروريا بتقرير يعده خبير مستقل يحدد بشكل خاص الإجراءات المتخذة  والتدابير المزمع القيام بها وكذا التوزيع الزمني لتنفيذها (المادة 59).

ويبقى لبنك المغرب إذا لاحظ عدم كفاية الوسائل التمويلية المقترحة في مخطط التقويم أن يطلب من المساهمين أو الشركاء الذين يملكون بصفة مباشرة أو غير مباشرة مساهمة تساوي أو تفوق 5% من رأس المال وينتمون إلى أجهزة الإدارة أو التسيير أو التدبير تقديم الدعم الضروري للمؤسسة المعنية (المادة 60).

على أنه إذا أراد بنك المغرب عدم اللجوء إلى تنفيذ الأمر المنصوص على مقتضياته في كل من المادة 59 والمادة 60 أن يقوم عوض ذلك بتوجيه إنذار مباشر إلى مؤسسة الائتمان المعنية يطالبها فيه بتحسين مناهج تدبيرها وتقوية وضعيتها المالية أو تقويم الخلل الملاحظ في نظام المراقبة الداخلية وذلك داخل أجل يحدد لها.

وعليه وتأسيسا على أحكام المواد 59 و 60 و 61 نلاحظ الخيارات التي وضعها المشرع المغربي لبنك المغرب من أجل التدخل – حسب ما يراه مناسبا – لتصحيح الوضعية المالية لمؤسسات الائتمان التي تبدي نوعا من عدم الاتزان أو الثبات على مستوى المردودية أو الملاءة أو السيولة.

فإذا لم تكف هذه الوسائل لدعم المؤسسة التي تعاني من صعوبات على مستوى التسيير أو التمويل خاصة إذا تبين أن التدابير المزمع اتخاذها في مخطط التقويم المشار إليها سابقا غير كافية لضمان استمرارية نشاط المؤسسة، أن يأمر والي بنك المغرب بتعيين مدير مؤقت لهذه المؤسسة وذلك بعد استطلاع رأي اللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان، يكون دوره محددا في رفع تقرير إلى بنك المغرب داخل أجل يحدده هذا الأخير يبين فيه طبيعة الصعوبات التي تعترض هذه المؤسسة ومصدرها وأهميتها وكذا كل التدابير الكفيلة بتقويمها أو على العكس من ذلك يقترح تفويتها كلا أو بعضا أو تصفيتها عندما تعتبر وضعيتها مختلة بشكل لا رجعة فيه.

- حقه في التدخل في التسيير الداخلي لأي مؤسسة ائتمان وذلك عن طريق التعرض على تعيين أي شخص يكون له دور في إدارة أو تسيير أو تدبير المؤسسة، إذا تبين لبنك المغرب أن هذا الشخص غير مؤهل أخلاقيا أو مهنيا لمنصب مماثل، خاصة إذا تبين أنه لا يتوفر على الاستقامة أو التجربة اللازمة لمزاولة مهامه.

على أن القانون يشترط لقبول التعرض المقدم من بنك المغرب ضد هذا الشخص وجوب تعليل مقرر الرفض حتى يكون نافذا في مواجهته، وفي مقابل ذلك لم يشر القانون لا من قريب ولا من بعيد إلى الجهة التي يمكن للمتضرر من قرار مماثل أن يلجأ إليها للطعن في مصداقية هذا القرار.

ويعتبر هذا المقتضى المنصوص على أحكامه في المادة 65 من القانون البنكي من بين أهم المستجدات التي أتى بها ظهير 14 فبراير 2006 وذلك على اعتبار أنه خول لبنك المغرب سلطة رقابية قبلية على أجهزة وإدارة مؤسسات الائتمان وأعطاه بالتالي إمكانية التدخل في قرارات تخص التسيير الداخلي لمؤسسات الائتمان.

وحتى يستطيع بنك المغرب القيام بهذه المهمة، ألزمت الفقرة الثانية من المادة 65 مؤسسات الائتمان وجوب إبلاغه وفق الكيفيات التي يحددها بمنشور يصدره والي بنك المغرب بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان بكل تغيير يطرأ على تركيبة أجهزتها.

وفي نفس الإطار نجد المادة 66 من قانون 2006 قد ألزمت كل شخص يملك بصورة مباشرة أو غير مباشرة مساهمة تساوي أو تفوق 5% من رأس مال إحدى مؤسسات الائتمان أو حقوق التصويت فيها بأن يصرح إلى بنك المغرب بالقسط الذي يملكه فيها. وذلك بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع الإشعار بالتسلم داخل أجل ثلاثين يوما الموالية للتاريخ الذي بلغت فيه المساهمة النسبة المذكورة.

ودعما لنفس الاتجاه الرامي إلى زيادة سلطات بنك المغرب تجاه مؤسسات الائتمان نجد أن المادة 67 قد ألزمت كل شخص طبيعي أو معنوي يريد أن يتملك أو يفوت بصفة مباشرة أو غير مباشرة مساهمة في رأس مال إحدى مؤسسات الائتمان تخول على الأقل نسبة 10% أو 20% أو %30 من رأس مال الشركة أو حقوق التصويت داخل الجمعيات العامة. وجوب الحصول مسبقا على موافقة بنك المغرب قبل الإقدام على تملك أو تفويت المساهمة المذكورة. ويكون على الأشخاص المشار إليهم سابقا أن يبلغوا بنك المغرب بجميع المعلومات التي يمكن أن يطلبها منهم في إطار مزاولة مهامهم.

ونتيجة لهذه المراقبة التي يقوم بها بنك المغرب على مؤسسات الائتمان فإنه يكون ملزما بنشر تقرير سنوي يقيم فيه نشاط مؤسسات الائتمان ويبين فيه نتائج المراقبة التي يقوم بها في هذا الإطار.

وحتى يكون لرقابة بنك المغرب تأثير على مؤسسات الائتمان، نجد أن المشرع المغربي قد خوله صلاحية إيقاع عقوبات تأديبية أو مالية على المؤسسات المخالفة بشرط ألا تتجاوز مبلغ هذه العقوبات 5/1 خمس رأس المال هذه المؤسسة.

وتقتطع المبالغ المطابقة للعقوبات المالية مباشرة من حسابات مؤسسات الائتمان التي تتوفر عليها لدى بنك المغرب. أما المؤسسات التي لا تتوفر على الحسابات المذكورة فيكون عليها أن تدفع مبلغ العقوبة مباشرة إلى شبابيك بنك المغرب وذلك داخل أجل 8 أيام من تاريخ توجيه التبليغ إلى المؤسسة، وتدفع حصيلة هذه العقوبات إلى الخزينة العامة وذلك عند انتهاء كل سنة محاسبية.

وفي نفس السياق خولت المادة 133 لوالي بنك المغرب بعد استطلاع رأي اللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان إمكانية توقيف واحد أو أكثر من المسيرين للمؤسسة المخالفة لمقتضيات القانون البنكي والنصوص التنظيمية الجاري بها العمل في هذا المجال، أو المنع من القيام ببعض العمليات أو حتى سحب الاعتماد إذا دعت الضرورة إلى ذلك.

وبالإضافة إلى كل ما سبق نجد أن ظهير 14 فبراير 2006 قد خول لكل شخص يعتبر نفسه متضررا من جراء عدم تقيد إحدى مؤسسات الائتمان بأحكام هذا القانون أن يرفع الأمر إلى بنك المغرب الذي يتخذ في شأن طلبه القرار الذي يراه ملائما لذلك (المادة 119).

وهو الأمر الذي يمكن اعتباره بمثابة تظلم إداري منحه القانون لعملاء مؤسسات الائتمان حتى يتمكنوا من رفع الضرر الذي قد يصيبهم في إطار علاقتهم بهذه المؤسسات وذلك دعما لثقتهم في هذا القطاع وفي مختلف مؤسساته، كما يمنحهم وسيلة بديلة لاقتضاء حقوقهم بعيدا عن تعقيدات ساحة القضاء.

وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن سلطة بنك المغرب قد ازدادت في الانبساط في ظل قانون 34.03 مقارنة بوزير المالية (1) وهو الأمر الذي يعكس توجهات المشرع المغربي فيما يخص تعزيز استقلالية هذا البنك عن باقي السلطات النقدية وذلك ضمانا لتنفيذ التوجهات المرسومة من قبل الدولة في مجال النقد والمالية. الأمر الذي سيتضح لنا جليا من خلال الفقرة الموالية.

ثانيا : وزير المالية :

كان وزير المالية قبل صدور قانون 14 فبراير 2006. يأتي على رأس السلطات الوصية على القطاع البنكي التي لها حق اتخاذ القرار باعتباره ممثلا للسلطات العمومية، والمكلفة باتخاذ التدابير اللازمة لضمان حسن سير السياسة النقدية. ولكن صدور قانون 14 فبراير 2006 سحب منه هذه المكانة لصالح والي بنك المغرب بحجة توسيع اختصاصات بنك المغرب وتعزيز استقلاليته لإحكام سلطته على قطاع الائتمان مؤسسات وعمليات ورقابة (2).

وهكذا فإن دور وزير المالية في تنظيم النشاط البنكي وإعداد السياسة النقدية وكذا المراقبة والإشراف على مؤسسات الائتمان قد تقلص كثيرا لصالح بنك المغرب عما كان عليه في إطار ظهير 1993 الملغى، ويتضح ذلك جليا من خلال إجراء مقارنة بين قانون 1993 وقانون 2006.

ففي الأول نجد أن وزير المالية كانت له صلاحيات واسعة لتنظيم المهنة البنكية والرقابة عليها سواء عند التأسيس أو أثناء سير العمل (3) أما في الثاني فإننا نجد أن هذه

 (1) Jamais un texte de loi n’a donné autant de pouvoirs à un gouverneur de la Banque centrale. Non seulement ce dernier récupère la quasi-totalité des attributions qui relèvent du ministre chargé des finances. Mais il se trouve investi de nouvelles fonctions qui lui permettent d’avoir un droit de regard sur la gestion  quotidienne d’une Banque.

   TAHR . DAOUDI : Les opérations de banque, collection Banque. IMP : EL MAARIF EL JADIDA 2003, P 37.

(2) عائشة الشرقاوي المالقي : الوجيز في القانون البنكي المغربي ، مرجع سابق ، ص 69.

(3) حيث كان يمنح رخصة الممارسة لأي مؤسسة بنكية ترغب في العمل فوق التراب الوطني، وذلك بعد أخذ موافقة لجنة مؤسسات الائتمان.

    كما كان يعمل على منح رخص الاعتماد في حالة الاندماج أو الضم أو عند حدوث تغيير في جنسية أو مراقبة أو مقر أو طبيعة عمليات المؤسسة.

    - وكان يختص بإصدار القرارات الخاصة بالمعاملات والنسب التي على البنوك الالتزام بها على ألا يخل هنا بسلطات بنك المغرب في الموضوع وبعد أخذ رأي المجلس الوطني للعملة والادخار.

    - كما كان يختص بإصدار قواعد الحيطة والحذر التي يجب على مؤسسات الائتمان الالتزام بها إضافة إلى مجموعة من الصلاحيات والاختصاصات الأخرى والتي لا يتسع المقام لبسطها بشكل مفصل.

 

 

الاختصاصات  التي كانت  تجعل من وزير المالية مركز القوة في هذا القطاع قد سحبت منه وأسندت لوالي بنك المغرب، وأن دور الوزير المذكور قد تقلص كثيرا وأصبح يهم بعض الأمور فقط والتي يمكن استخلاصها من خلال قراءة مواد القانون البنكي الجديد.

وهكذا فباستثناء ترأسه للمجلس الوطني للائتمان والادخار – كما ورد في المادة 18 من ظهير 2006 (1) والتي نسخت المادة 17 من ظهير 1993 – وتمثيله في الجهازين الاستشاريين  الباقين  أي  في  لجنة  مؤسسات  الائتمان  بواسطة  ممثلين  هما مدير مديرية الخزينة والمالية الخارجية (المادة 19 من ظهير 2006). وفي اللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان بممثلين اثنين (المادة 22 من ظهير 2006). فإن دور وزير المالية يبقى محصورا فيما يلي :

- تحديد قائمة العمليات التي يؤذن بها لبعض مؤسسات الائتمان غير تلك الواردة في المادتين 1 و 7 من القانون البنكي وذلك بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان.

- إصدار قرارات لتمديد أحكام بعض مواد القانون البنكي على بعض المؤسسات المالية الأخرى وذلك بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان، ونخص بالذكر هنا المصالح المالية لبريد المغرب وصندوق الإيداع والتدبير وصندوق الضمان المركزي وجمعيات السلفات الصغيرة والبنوك الحرة.

- تكليفه بإصدار قرارات اعتماد وذلك بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان تتضمن شروطا خاصة ببعض المنشآت ولاسيما تلك التي تحترف بصفة اعتيادية، القيام بعمليات الوساطة الخاصة بتحويل الأموال والمتعلقة بتلقي الأموال أو إرسالها بجميع الوسائل داخل التراب الوطني أو خارجه.

أو المنشآت التي تحترف بصفة اعتيادية تقديم الإرشاد والمساعدة فيما يتعلق بتدبير الممتلكات باستثناء الشركات المرخص لها قانونا بتكوين وإدارة محفظة القيم المنقولة.

 (1) وتنص هذه المادة على ما يلي :

  "  يحدث مجلس يسمى " المجلس الوطني للائتمان والادخار " ويتألف من ...

    - ...

    - ...

    - ...

    - ويجوز له أن يطلب من بنك المغرب والإدارات المختصة موافاته بكل المعلومات المفيدة للقيام بمهمته، ويرأس الوزير المكلف بالمالية المجلس الوطني للائتمان والادخار.

 

- يصادق على النظامين الأساسيين لكل من المجموعة المهنية لبنوك المغرب والجمعية المهنية لشركات التمويل وذلك بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان وعلى جميع التغييرات التي يمكن أن يعرفها هذين النظامين.

- منحه حق استشارة الجمعيات المهنية لمؤسسات الائتمان في كل مسألة تهم المهنة وأن ينظر في أي اقتراح تتقدم به إليه.

- تكليفه جوازا بإصدار قرارات يحدد فيها الشروط المتعلقة بجمع الأموال من الجمهور وتوزيع القروض وذلك بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان فيما يخص جميع مؤسسات الائتمان أو كل صنف أو صنف فرعي من هذه المؤسسات وذلك بهدف تنمية الاقتصاد والدفاع عن العملة وحماية المودعين  والمقترضين.

أما فيما يخص دور وزير المالية في المراقبة فإننا نلاحظ أنه انحصر بالأساس في كل من المادتين التاليتين من ظهير 2006. ونخص بالذكر هنا المادة 57 والتي ألزمت – كما سبق ورأينا – مدراء مؤسسات الائتمان بوجوب إخبار كل من وزير المالية إلى جانب والي بنك المغرب بكل خلل أو حادث خطير يلاحظ في نشاط مؤسسة الائتمان أو في تدبيرها ويكون من شأنه أن يضر بوضعيتها أو يمس بسمعة المهنة.

والمادة 82 التي تتعلق بحالة الاتفاقيات الثنائية بين المغرب ودولة أجنبية والخاصة بمراقبة مؤسسات الائتمان، حيث يلزم بنك المغرب بإخبار الوزير المكلف بالمالية بكل اتفاقية ثم إبرامها مع جهاز أجنبي من أجل الرقابة على مؤسسات الائتمان.

والملاحظ عموما واعتمادا على ما سبق أن الاختصاصات الممنوحة لوزير المالية في ظل القانون البنكي الجديد بعيدة كل البعد عن مفهوم الوصاية والرقابة كما كانا معروفين من قبل . وذلك على اعتبار أن هذا الجهاز لم تعد له علاقة لا بمنح الاعتماد لمؤسسات الائتمان ولا بتحديد شروط مزاولة المهنة ولا بسحب الاعتماد. بل إن قرار السحب لم يعد يبلغ لوزير المالية كما هو الحال بالنسبة لقرار منح الاعتماد.

إضافة إلى أن وزير المالية لم تعد له علاقة بوضع القواعد التي تتعلق بالمحاسبة ولا بالقواعد الاحترازية ولا بمراقبة مؤسسات الائتمان باستثناء المادتان السابقتان اللتان ثم ذكرهما، ولا بمراقبة مراقبي الحسابات ولا دور له في معالجة الصعوبات التي قد تعترض إحدى مؤسسات الائتمان.

على أنه يبقى في نظرنا أهم دور يقوم به وزير المالية في هذا الإطار يتمثل بالأساس في المصادقة التي كلفه بها المشرع (في إطار المادة 17 من ظهير 2006) على المناشير التي يصدرها والي بنك المغرب.

وعليه فإذا كانت أغلب قرارات وزير المالية لا تنفذ إلا بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان فإنه وبالمقابل لا تنشر المنشورات الصادرة عن والي بنك المغرب في الجريدة الرسمية إلا بعد مصادقة وزير المالية عليها.

وهذا التشابك في العلاقات بين مختلف الأجهزة الرقابية على القطاع البنكي إنما يعكس في حقيقة الأمر دمقرطة هذا القطاع وعدم جعل القرار منفردا بيد جهاز معين على حساب الآخر، وإن كانت الغلبة في ذلك تعود لبنك المغرب ممثلا في واليه على حساب باقي الأجهزة.

الفقرة الثانية : الرقابة عبر الهيآت الاستشارية والمهنية.

<><> 

 

أحدث المشرع المغربي بموجب القانون المنظم لنشاط مؤسسات الائتمان، مجموعة من الهيآت الاستشارية المختصة بالنظر في جميع القضايا التي تهم توجهات السياسة النقدية والائتمانية ووسائل تنفيذها وذلك عبر تقديم جميع الاقتراحات المتعلقة بتنظيم الجوانب التقنية والتنظيمية لعمل مؤسسات الائتمان (أولا).

وفي نفس الإطار أحدث بشكل مواز مع هذه الهيآت الاستشارية، هيآت مهنية يناط بها مهمة المساهمة في ضبط الأعراف والقواعد المهنية والعمل على تنمية وتطوير القطاع البنكي (ثانيا).

أولا : الهيآت الاستشارية :

إذا كان ظهير 6 يوليوز 1993 الملغى قد غير جوهريا من الهيآت المكلفة بالاستشارة والتنسيق التي كان ينظمها المرسوم الملكي بتاريخ 21 أبريل 1967 من حيث التسمية والتأليف وذلك على ضوء توجهات المشرع الجديدة في محاولة لإيجاد أنسب الصيغ لتحقيق أهدافه.

فباستثناء المجموعة المهنية لبنوك المغرب، تخلى المشرع عن الهيآت الاستشارية الأخرى في شكلها القديم ولاسيما مجلس القرض والسوق المالية واللجنة المصغرة لمجلس القرض والسوق المالية، وأحدث بالمقابل هيآت استشارية جديدة كالمجلس الوطني للعملة والادخار ولجنة مؤسسات الائتمان واللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان.

فإن ظهير 14 فبراير 2006 أدخل بدوره جملة من التعديلات على هذه الهيآت الاستشارية سواء من حيث التسمية والتأليف، وهكذا تغير اسم المجلس الوطني للعملة والادخار إلى اسم المجلس الوطني للائتمان والادخار وثم إحداث لجنة جديدة للتنسيق بين أجهزة الرقابة على القطاع المالي، إضافة إلى مجموعة أخرى من التعديلات همت الهيآت الأخرى سنعمل على التطرق لها في حينها.

وبذلك يكون ظهير 2006 قد أعطى ديناميكية جديدة لهيآت التنسيق والتشاور بحيث ثم تحديث الهيآت القديمة ولاسيما المجلس الوطني للائتمان والادخار (أولا) ولجنة  مؤسسات الائتمان (ثانيا) واللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان (ثالثا) وثم خلق هيئة جديدة للتنسيق بين أجهزة الرقابة على القطاع المالي (رابعا).

1) المجلس الوطني للائتمان والادخار.

هذه هي التسمية الجديدة التي أطلقها ظهير 14 فبراير 2006 على هذا المجلس عوض تسميته القديمة في ظل ظهير 6 يوليوز 1993 وهي " المجلس الوطني للعملة والادخار " والتي حلت بدورها محل تسمية " مجلس القرض والسوق المالي " في إطار قانون 1967.

وهذا ما نصت عليه المادة 18 من قانون 2006 حيث جاء فيها :

" يحدث مجلس يسمى " المجلس الوطني للائتمان والادخار " ويتألف من ممثلين للإدارة وممثلين لهيآت ذات طابع مالي وممثلين للغرف المهنية وممثلين للجمعيات المهنية والأشخاص الذين يعينهم الوزير الأول رعيا لما لهم من كفاءة في الميدان الاقتصادي والمالي.

ويحدد تأليف المجلس المذكور وكيفيات سيره بمرسوم ".

وبالفعل فقد صدر مرسوم عن الوزير الأول يحدد تأليف وكيفيات سير المجلس الوطني للائتمان والادخار بتاريخ 3 يوليو 2007 (1).

وتتضح أهمية هذا المجلس من خلال النظر إلى تركيبته التي تضم علاوة على وزير المالية رئيس هذا المجلس ووالي بنك المغرب نائبا له كلا من :

- ممثلين للإدارة : وهم كالتالي المندوب السامي للتخطيط، الكاتب العام للوزارة المكلفة بالمالية، نائب الوالي أو المدير العام لبنك المغرب، الكاتب العام للوزارة المكلفة بالصناعة، الكاتب العام للوزارة المكلفة بالفلاحة، مدير الخزينة والمالية الخارجية بالوزارة المكلفة بالمالية، مدير التأمينات والاحتياط الاجتماعي بالوزارة المكلفة بالمالية، المدير العام للجماعات المحلية بوزارة الداخلية ممثلان عن بنك المغرب يعينهما والي بنك المغرب.

- ممثلين للهيآت ذات الطابع المالي : المدير العام لصندوق الإيداع والتدبير، المدير العام لبريد المغرب، مدير مكتب الصرف، المدير العام لمجلس القيم المنقولة، المدير العام لصندوق الضمان المركزي، المدير العام للوديع لمركزي، رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات السلفات الصغيرة، رئيس مجلس الإدارة الجماعية للشركة المسيرة لبورصة القيم.

- ممثلين للغرف المهنية : رئيس الجامعة الوطنية للغرف الفلاحية، رئيس الجامعة الوطنية لغرف التجارة والصناعة والخدمات، رئيس الجامعة الوطنية لغرف الصناعة التقليدية، رئيس الجامعة الوطنية لغرف الصيد البحري.

- ممثلين للجمعيات المهنية : رئيس المجموعة المهنية لبنوك المغرب وتسعة من أعضائها، رئيس الجمعية المهنية لشركات التمويل وعضوان من أعضائها، رئيس الكنفدرالية العامة لمقاولات المغرب وعضوان من أعضائها، رئيس الجامعة الوطنية لشركات التأمين وإعادة التأمين، رئيس الجمعية المهنية لشركات البورصة، رئيس جمعية شركات التدبير وصناديق الاستثمار المغربية.

 (1) مرسوم رقم 2.06.224 صادر في 17 من جمادى الآخرة 1428 (3 يوليو 2007)، جريدة رسمية عدد 5540، 5 يوليو 2007، ص 2251.

 

- أشخاص يعينهم الوزير الأول : ممثل عن الوزير الأول، عضوان يعينهما الوزير الأول رعيا لما لهما من كفاءة في الميدان الاقتصادي والمالي.

ويجتمع المجلس بدعوة من رئيسه مرة في السنة على الأقل ويشترط لصحة مداولات المجلس أن يحضرها ما لا يقل عن نصف أعضائه ويبدي اقتراحاته بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين فإن تعادلت رجح الجانب الذي يكون فيه الرئيس.

وللمجلس الحق في تأسيس مجموعات عمل في حظيرته للقيام بالدراسات التي يعهد بها إليه الوزير المكلف بالمالية أو التي يرى فيها فائدة، فيما يخص بوجه خاص كل مسألة تهم تنمية الادخار وتطوير نشاط مؤسسات الائتمان ويعمل في نفس الوقت على تقديم اقتراحات إلى الحكومة في الميادين التي تدخل في نطاق اختصاصه.

ومما يلاحظ بهذا الخصوص أنه بالرغم مما يكتسبه المجلس الوطني للائتمان والادخار من أهمية من حيث التأليف والاختصاصات فإنه يبقى مع ذلك دون المستوى المطلوب مقارنة مع نظرائه في بعض الدول ذات التنظيم البنكي الحديث، فما يجب تسجيله في هذا الصدد أن النصوص القانونية المتعلقة بتنظيم واختصاصات المجلس المذكور تنطوي على بعض الثغرات التي من شأنها أن تحول دون هذا الأخير وأداء وظيفته وعلى الخصوص أن المشرع لم يضع أي قاعدة قانونية تمنع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس المذكور من المشاركة في الاجتماعات والمداولات بواسطة ممثلين أو نواب عنهم، كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الفرنسي الذي منع إمكانية التمثيل أو الإنابة هذه بكيفية صريحة بموجب القانون البنكي (1).

2) لجنة مؤسسات الائتمان :

احتفظ ظهير 14 فبراير 2006 لهذه اللجنة بنفس التسمية التي كانت تحملها في ظل قانون 1993، بعد أن كان يطلق عليها في قانون 1967 : " اللجنة المصغرة للجنة القرض والسوق المالي ". والملاحظ أنه إذا كان المشرع في ظل ظهير 1993 قد غير تسميتها     مع  احتفاظه  لها بنفس الاختصاصات ومنحها سلطات أكبر في ممارسة تلك الاختصاصات،

(1) امحمد لفروجي : القانون البنكي المغربي وحماية حقوق الزبناء، مرجع سابق، ص 102.

 

فإن قانون 2006 احتفظ لها بنفس التسمية ووسع بالمقابل من اختصاصاتها ومن سلطات مزاولتها.

وهكذا جاء في المادة 19 من القانون البنكي : تحدث لجنة تسمى " لجنة مؤسسات الائتمان " يستطلع رأيها والي بنك المغرب في كل مسألة ذات طابع عام أو فردي لها علاقة بنشاط مؤسسات الائتمان والهيآت الأخرى المعتبرة في حكمها ...

وتقوم اللجنة كذلك بجميع الدراسات المتعلقة بنشاط مؤسسات الائتمان ولاسيما بعلاقاتها مع العملاء وبإعلام الجمهور ".

وقد تم تنظيم هذه اللجنة وهيكلتها بموجب نفس المادة من ظهير 14 فبراير 2006 وذلك على عكس ما كان عليه الأمر في ظل قانون 1993. حيث أحال تنظيمها وهيكلتها على مرسوم يصدر عن الوزير الأول.

وهكذا ضمت هذه اللجنة في عضويتها كلا من :

والي بنك المغرب بصفته رئيسا وممثلا لبنك المغرب نائبا للرئيس، وممثلين اثنين للوزارة المكلفة بالمالية منهما مدير مديرية الخزينة والمالية الخارجية.

وممثلين اثنين للمجموعة المهنية لبنوك المغرب منهما الرئيس وممثلين اثنين للجمعية المهنية لشركات التمويل منهما الرئيس.

وتتوفر اللجنة على سكرتارية يديرها بنك المغرب وتجتمع مرة كل ستة أشهر على الأقل إما بمسعى من رئيسها وإما بطلب من ثلاثة أعضائها على الأقل عندما تعرض عليها مسائل تهم نشاط مؤسسات الائتمان وتكتسي طابعا عاما.

كما يمكن أن تجتمع اللجنة بمسعى من رئيسها كلما دعت الحاجة إلى ذلك لدراسة المسائل التي تكتسي طابعا فرديا، ويشترط لصحة مداولات اللجنة أن يحضرها ما لا يقل عن نصف أعضائها، وتبدي آرائها وتوصياتها بأغلبية أصوات أعضائها الحاضرين، فإن تعادلت رجح الجانب الذي يكون فيه الرئيس (2) .

(1) محمد لفروجي : القانون البنكي المغربي وحماية حقوق الزبناء، مرجع سابق، ص 102.

(2) راجع المرسوم رقم 2.06.223 بتاريخ 3 يوليو 2007، الجريدة الرسمية عدد 5540 بتاريخ 5 يوليو 2007، ص 2250.

 

وقد حددت المادة 19 من قانون 2006 المذكور أعلاه اختصاصات هذه اللجنة وذلك عندما أقرت قاعدة عامة مفادها أن رأي هذه اللجنة مطلوب في كل مسألة ذات طابع عام أو فردي لها علاقة بنشاط مؤسسات الائتمان والهيآت الأخرى المعتبرة في حكمها المشار إليها في المواد 13 و 14 و 15 من نفس القانون.

إضافة إلى إلزامها بالقيام بجميع الدراسات المتعلقة بنشاط مؤسسات الائتمان ولاسيما بعلاقاتها مع العملاء وبإعلام الجمهور.

وعلاوة على ما سبق فقد قامت المادة 20 من نفس القانون بتفصيل المسائل التي يجب عرضها على لجنة مؤسسات الائتمان لإبداء الرأي فيها سواء أكانت تكتسي طابعا عاما أو طابعا فرديا.

وفي هذا الإطار سوف نعمل على تفصيل اختصاصات هذه اللجنة ذات الطابع العام والفردي تبعا للتسلسل الذي وردت به في المادة 20 من قانون 2006. مع استثناء الأمور التي لا تخص مؤسسات الائتمان.

أ -  الاختصاصات ذات الطابع العام :

تعرض على لجنة مؤسسات الائتمان لإبداء الرأي فيها المسائل الآتي بيانها والتي تهم نشاط مؤسسات الائتمان وتكتسي طابعا عاما وهي كما وردت في المادة 20 من قانون 2006 :

1 – طرق تطبيق الأحكام الخاصة بشروط مساهمة مؤسسات الائتمان في المنشآت الموجودة أو المزمع إنشاؤها وذلك بمنشور يصدره والي بنك المغرب.

2 – العمليات التي يمكن أن يؤذن لمؤسسات الائتمان القيام بها، تطبيقا لنص المادة 9 من القانون البنكي والتي تحدد بقرار يصدره الوزير المكلف بالمالية.

3 – التدابير التي يتخذها وزير المالية تطبيقا لأحكام المادة 15 والتي تتعلق بالمنشآت التي تحترف بصفة اعتيادية القيام بعمليات الوساطة الخاصة بتحويل الأموال أو عمليات تقديم الإرشاد والمساعدة فيما يتعلق بتدبير الممتلكات.

4 – الأنظمة الأساسية للجمعيات المهنية والتغييرات الممكن إدخالها عليها.

5 – مبلغ رأس المال أو المخصصات الدنيا المفروض على مؤسسات الائتمان التوفر عليه في موازنتها كما هو محدد في منشور يصدره والي بنك المغرب.

6 – طرق تطبيق أحكام المادة 30 من القانون والمتعلقة بالأموال الذاتية الدنيا لمؤسسات الائتمان التي يجب أن تتوفر عليها في كل آن وحين وذلك بمنشور يصدره والي بنك المغرب.

7 – طرق وشروط فتح مكاتب في المغرب للإعلام أو الاتصال أو التمثيل من طرف مؤسسات الائتمان التي توجد مقارها الاجتماعية بالخارج وذلك بمنشور يصدره والي بنك المغرب.

8 – التدابير المتخذة من أجل إطلاع بنك المغرب على الوثائق والمعلومات الضرورية لسير المصالح ذات الاهتمام المشترك من جهة، ومن جهة أخرى تلك المتعلقة بشروط وكيفيات حصول الجمهور على تلك المعلومات وذلك بالاعتماد على منشور يصدره والي بنك المغرب في هذا الصدد.

9 – الشروط المتعلقة بجمع الأموال من الجمهور وتوزيع القروض كما هو مشار إليها في المادة 42 من هذا القانون والتي يتكفل بتحديدها الوزير المكلف بالمالية.

10 – التدابير المتخذة لتطبيق أحكام المادة 45 والمتعلقة بالالتزامات المحاسبية لمؤسسات الائتمان والمحددة بمناشير يصدرها والي بنك المغرب.

11 – شروط نشر القوائم التركيبية لمؤسسات الائتمان والمحددة بمنشور يصدر عن والي بنك المغرب.

12 – التدابير المتخذة فيما يخص القواعد الاحترازية الواجب على مؤسسات الائتمان التقيد بها تطبيقا لأحكام المادتين 50 و 51 من القانون المذكور أعلاه وذلك وفقا لمناشير صادرة عن والي بنك المغرب.

13 – طرق تبليغ بنك المغرب بكل التغييرات التي تطرأ على تركيبة الأجهزة الإدارية لمؤسسات الائتمان وذلك وفق الكيفيات المحددة بمنشور يصدره والي بنك المغرب.

14 – التدابير المتخذة لتطبيق الأحكام المتعلقة بطرق الموافقة على تعيين مراقبي الحسابات كما حددها منشور والي بنك المغرب.

15 – اتفاقيات التعاون وتبادل المعلومات المبرمة مع السلطات الأجنبية المعهود إليها بمراقبة مؤسسات الائتمان تطبيقا لما هو وارد في المادة 82 من القانون.

16 – طرق تطبيق الأحكام الخاصة بواجب اليقظة، المفروض على مؤسسات الائتمان التقيد به في معاملاتها مع عملائها وذلك وفق الكيفية المحددة في منشور صادر عن والي بنك المغرب.

17 – إجراءات تمويل الصندوق الجماعي لضمان الودائع وتدبيره وكيفية تدخله والمنصوص عليها في مناشير يصدرها والي بنك المغرب.

18 – كيفيات تطبيق الأحكام الخاصة بنشر الشروط التي تطبقها مؤسسات الائتمان على عملياتها مع العملاء، ولاسيما فيما يتعلق بسعر الفوائد المدينة والدائنة والعمولة ونظام تواريخ القيمة وذلك وفق منشور يصدر عن والي بنك المغرب.

19 – طرق تطبيق الأحكام المتعلقة بإعداد كشوف الحسابات التي تعدها مؤسسات الائتمان وذلك وفق الكيفيات المحددة بمنشور يصدره والي بنك المغرب.

20 – كيفية تعويض أصحاب الودائع لدى مؤسسات الائتمان من قبل الصندوق الجماعي لضمان الودائع وذلك بناء على مقرر يصدره والي بنك المغرب في هذا الشأن.

21 – كيفية تقديم الصندوق الجماعي لضمان الودائع لمساعدات قابلة للإرجاع على وجه الاحتياط والاستثناء لفائدة كل عضو من أعضائه كما هي محددة في منشور لوالي بنك المغرب.

وهكذا وبعد طرح أهم الاختصاصات ذات الطابع العام التي تختص بها لجنة مؤسسات الائتمان تبعا للتسلسل الذي وردت به في المادة 20 من قانون 2006، نود الإشارة في هذا السياق إلى أن هذا الجانب من الاختصاصات يعتبر من مستجدات قانون 2006، وذلك على اعتبار أن ظهير 1993 لم ينص سوى على الاختصاصات ذات الطابع الفردي.

ب - الاختصاصات ذات الطابع الفردي.

تضيف الفقرة الثانية من المادة 20 من ظهير 14 فبراير 2006 مجموعة من المسائل ذات الطابع الفردي التي تهم نشاط مؤسسات الائتمان والتي يجب عرضها على لجنة مؤسسات الائتمان لإبداء الرأي فيها قبل اتخاذ أي قرار بشأنها، وهذه المسائل كما وردت في المادة 20 هي كالتالي :

1 – منح رخصة الاعتماد التي تمكن مؤسسة الائتمان من مزاولة عملها.

2 – حالة اندماج مؤسستي ائتمان أو أكثر.

3 – حالة ضم مؤسسة ائتمان واحدة أو أكثر من طرف مؤسسة ائتمان أخرى.

4 – حالة قيام مؤسسات الائتمان التي توجد مراكزها الاجتماعية في المغرب بإحداث شركات تابعة أو فتح فروع أو مكاتب تمثيل في الخارج.

5 – حالة حدوث تغييرات على جنسية أو مراقبة إحدى مؤسسات الائتمان أو طبيعة العمليات التي تحترفها بصفة اعتيادية.

6 – إعطاء رأيها في التدابير المتخذة من طرف وزير المالية تطبيقا لأحكام المادة 13 من قانون مؤسسات الائتمان إلى مؤسسات مالية أخرى خاصة المصالح المالية لبريد المغرب، صندوق الإيداع والتدبير وصندوق الضمان المركزي، وجمعيات السلفات الصغيرة والبنوك الحرة.

والملاحظ أنه عندما تكون اللجنة بصدد النظر في القضايا التي تهم مؤسسات الائتمان ذات الطابع الفردي، فإن تأليفها يقتصر في هذه الحالة على ممثلي بنك المغرب والوزارة المكلفة بالمالية أي يتم إقصاء ممثلي الجمعيات المهنية.

وهكذا يتضح لنا – بعد استعراض أهم اختصاصات لجنة مؤسسات الائتمان – أهمية هذه اللجنة وذلك بالنظر إلى حجم ونوع الاختصاصات الموكولة إليها وأيضا بالنظر إلى الدور الطلائعي الذي تقوم به فيما يخص تنوير رأي السلطات النقدية وذلك من خلال الدراسات المعهود بها لهذه اللجنة للقيام بها بهدف تمكين السلطات النقدية من إحكام مراقبتها على النشاط البنكي، وبالتالي تحقيق الأهداف التي توخاها المشرع المغربي من فرضه للمراقبة على هذا النشاط، ولاسيما من خلال سنه للقانون البنكي الجديد الذي جاء تنفيذا لتوصيات لجنة بال الثانية بشأن الرقابة البنكية.

ومما يستفاد كذلك من خلال تركيبة لجنة مؤسسات الائتمان أن المشرع المغربي كان واعيا بضرورة تأسيس قاعدة صحيحة للتشاور بين السلطات النقدية الحكومية ومؤسسات الائتمان، بما في ذلك البنوك وشركات التمويل، فالملاحظ في هذا الصدد أن مؤسسات الائتمان ممثلة داخل اللجنة المذكورة بأربعة أعضاء من أصل ثمانية الذين تتشكل منهم اللجنة (1) الأمر الذي من شأنه أن يسمح لممثلي مؤسسات الائتمان والحالة هذه أن يطلبوا كلما اقتضى الأمر ذلك، اجتماع لجنة مؤسسات الائتمان، كما يمكن أن يسمح لهم كذلك هذا الوضع باستصدار بعض القرارات لفائدة المؤسسات التي يمثلونها على اعتبار أن مداولات اللجنة تكون صحيحة بحضور نصف أعضائها (2).

3) اللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان :

<><> 

 

اللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان أنشئت هي الأخرى لأول مرة بموجب المادة 73 من ظهير 6 يوليوز 1993، وهي مادة أدرجت في الباب الثالث الخاص بالعقوبات التأديبية والجنائية، وأسندت لها مسؤولية البحث في الملفات التأديبية، واقتراح العقوبات التأديبية التي يمكن أن يصدرها الوزير المكلف بالمالية أو والي بنك المغرب.

وإذا كان ظهير 14 فبراير 2006 قد حافظ على مبدأ إحداث نفس اللجنة في المادة 21 منه (3) وترك لها نفس الاختصاصات، فإنه من جهة أخرى أدرجها في الفصل الثاني الخاص بالإطار المؤسساتي وجعلها تقدم اقتراحاتها إلى والي بنك المغرب فقط عوض الخيار الذي كان ممنوحا لها في قانون 1993، حيث كان بإمكانها أن تقدم الاقتراحات المذكورة إما إلى وزير المالية أو إلى والي بنك المغرب، مما يؤكد استئثار هذا الأخير بأغلب الاختصاصات التي كانت لوزير المالية من قبل.

(1) تنص الفقرة الرابعة من المادة 19 على ما يلي :

    ويرأس والي بنك المغرب لجنة مؤسسات الائتمان.

    وتضم اللجنة علاوة على ذلك

    - ممثلا لبنك المغرب . نائبا للرئيس.

    - ممثلين اثنين للوزارة المكلفة بالمالية منهما مدير مديرية الخزينة والمالية الخارجية.

    - ممثلين اثنين للمجموعة المهنية لبنوك المغرب منهما الرئيس.

    - ممثلين اثنين للجمعية المهنية لشركات التمويل منهما الرئيس.

(2) هذا ما نصت عليه المادة الثانية من مرسوم 3 يوليو 2007 المتعلق بتحديد كيفيات سير لجنة مؤسسات الائتمان والتي جاء فيها.

   "  يشترط لصحة مداولات اللجنة أن يحضرها ما لا يقل عن نصف أعضائها، وتبدي آرائها وتوصياتها بأغلبية أصوات أعضائها الحاضرين، فإن تعادلت، رجح الجانب الذي يكون فيه الرئيس.

  - للمزيد من الإطلاع حول هذه النقطة راجع : محمد لفروجي : القانون البنكي المغربي وحماية حقوق الزبناء، مرجع سابق، ص 104.

(3) نصت المادة 21 من قانون مؤسسات الائتمان :

     تحدث لجنة تسمى : " اللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان " يعهد إليها ببحث الملفات التأديبية وتقديم اقتراحات إلى والي بنك المغرب في شأن العقوبات التأديبية الممكن إصدارها، تطبيقا لأحكام المادة 133 من هذا القانون.

 

وبناء على ما ورد في المادة 22 من القانون البنكي، فإن اللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان يترأسها نائب والي بنك المغرب أو مديره العام أو ممثل له يعينه الوالي، وتضم  كلا

من ممثل لبنك المغرب وممثلين اثنين للوزارة المكلفة بالمالية وقاضيين يعينهما الوزير المكلف بالمالية باقتراح من وزير العدل، هذا وقد أجازت الفقرة الثانية من نفس المادة لرئيس هذه اللجنة أن يدعوا أي شخص يرى فائدة في الاستعانة به قصد إبداء رأيه للجنة في القضية المرفوعة إليها على أن لا يشارك في مداولاتها.

وتعقد اللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان التي يتولى بنك المغرب أعمال سكرتاريتها اجتماعاتها بدعوة من الرئيس، ويشترط لصحة مداولاتها حضور ما لا يقل عن أربعة من أعضائها، وتتخذ قراراتها بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين، فإن تعادلت رجح الجانب الذي يكون فيه الرئيس.

وطبقا لمقتضيات المادة 23 من نفس القانون، فإن اللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان تعمل على استدعاء الممثل القانوني للمؤسسة المعنية بالمخالفة قصد الاستماع إليه بعد أن تبلغه بالمخالفات المنسوبة إليه وتطلعه على جميع عناصر الملف مع تمكينه من الاستعانة في ذلك بمدافع يختاره لهذا الغرض، كما يمكن للجنة التأديبية العمل على استدعاء ممثل عن الجمعية المهنية التي تنتمي إليها المؤسسة المعنية إما بمبادرة من اللجنة نفسها وإما بطلب من المعني بالأمر.

ومما ينبغي التنويه به بهذا الخصوص أن إشراك رجال القضاء في تأليف اللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان من شأنه أن يعطي ضمانات إضافية لعمل هذه الأخيرة، فيما يتعلق باحترام مسطرة بحث الملفات التأديبية وتقدير ملاءمة العقوبات التي يتم اقتراحها من قبلها للمخالفات المرتكبة في هذا الشأن.

وتجدر الإشارة إلى أن الاختلاف القائم بين القانون القديم والقانون الحالي فيما يخص تأليف هذه اللجنة هو تعيين قاضيان عوض قاض واحد، وذلك لإضفاء نوع من المصداقية على قرارات هذه اللجنة.

ومع ذلك فإن بعض الفقه يرى على أن المشرع المغربي كان عليه أن يذهب في هذا الصدد إلى أبعد من ذلك ويعمل أسوة بنظيره الفرنسي، على إشراك القضاء في تكوين اللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان على مستوى المستشارين لا على مستوى القضاة، ذلك أنه بالرغم من كفاءة القاضي التي لا يمكن إنكارها فمن شأن تعيين مستشار بالمجلس الأعلى على الخصوص في اللجنة التأديبية المذكورة أن يساهم بفعالية كبيرة في تنوير رأيها فيما يخص القواعد القانونية والمسطرية اللازم إتباعها في التأديب وذلك بفعل التجربة الطويلة للمستشار في العمل القضائي وما يتكون عن هذه التجربة من تراكم معرفي بهذا الخصوص في المجالين النظري والعملي (1).

4) لجنة التنسيق بين أجهزة الرقابة على القطاع المالي.

في إطار تدعيم وتحسين دور الهيآت الاستشارية، نصت المادة 81 من ظهير 14 فبراير 2006 على إحداث لجنة للتنسيق بين هيآت الرقابة على القطاع المالي تقوم بتحقيق التعاون بين هيآت القطاع فيما يتعلق بالمؤسسات الخاضعة لرقابتها (2).

وتعتبر هذه اللجنة من مستجدات القانون البنكي الجديد وتضم كلا من بنك المغرب والإدارة المكلفة بمراقبة مقاولات التأمين وإعادة التأمين ومجلس القيم المنقولة، وتهدف إلى التنسيق بين مختلف أجهزة الرقابة على القطاع المالي وذلك عن طريق تبادل المعلومات بين أعضائها من أجل ضبط هذا القطاع الحيوي وتشديد الخناق على الراغبين في افتعال الأزمات    المالية (3) كما يمكن أن تنظر اللجنة في كل مسألة ذات اهتمام مشترك يرفعها إليها الوزير المكلف بالمالية.

(1) راجع بهذا الخصوص : امحمد لفروجي، القانون البنكي المغربي وحماية حقوق الزبناء، مرجع سابق، ص 106.

 (2) نصت المادة 81 من القانون المذكور أعلاه على ما يلي :

   تحدث لجنة تسمى " لجنة التنسيق بين أجهزة الرقابة على القطاع المالي " وتتألف من بنك المغرب والإدارة المكلفة بمراقبة مقاولات

   التأمين وإعادة التأمين ومجلس القيم المنقولة.

   ويعهد بوجه خاص إلى هذه اللجنة بتنسيق أعمال الهيآت المذكورة فيما يتعلق بالرقابة على المؤسسات الخاضعة لرقابتها.

   ويجوز لأعضاء اللجنة المذكورة تبادل المعلومات بينهم حول أنشطة الرقابة التي يضطلعون بها وحول المؤسسات الخاضعة لمراقبتهم.

   ويمكن علاوة على ذلك أن يرفع الوزير المكلف بالمالية إلى اللجنة كل مسألة ذات اهتمام مشترك ويحدد بمرسوم تأليف اللجنة المذكورة وكيفيات سيرها.

(3) تلعب المضاربة الخارجية التي يقوم بها الوسطاء، والمضاربون الأجانب في أسواق الرساميل عبر الأسواق النقدية والبورصات    وأسواق الصرف الوطنية والدولية، دورا مهما في تصعيد حالات التوتر والتقلبات التي من شأنها أن تحدث اختلالات بالأسواق بسبب إشاعة جو من عدم الاستقرار وتكرار عمليات البيع والشراء بشكل سريع، مما يؤدي إلى انتقالات فجائية للرساميل وتباين في أسعار الفائدة وأسعار الصرف.

    ويعتبر أمثال جورج سوروس الذي اتهم من طرف رؤساء دول جنوب شرق آسيا وروسيا، من أهم المتسببين في حدوث أزمات مالية، وقد أكد ذلك بنفسه، بحيث لم يخف ذلك في تصريح له للصحافة المدنية على هامش منتدى دافوس في نهاية 1997. بقوله Je profite la faiblesse des  marchés .

    للمزيد من التوسع حول هذه النقطة راجع : عمر العسري، مرجع سابق، ص 136.

 

ولقد صدر مرسوم بتاريخ 3 يوليو 2007 يحدد تأليف وكيفيات سير لجنة التنسيق بين أجهزة الرقابة على القطاع المالي، حيث حددت المادة الأولى من هذا المرسوم الأعضاء الذين تتألف منهم هذه اللجنة.

وهكذا نجد على رأس هذه اللجنة والي بنك المغرب أوكل شخص يعينه لهذا الغرض إضافة إلى ممثل عن بنك المغرب وممثلان عن مديرية التأمينات والاحتياط الاجتماعي بالوزارة المكلفة بالمالية يكون من بينهما المدير، وكذا ممثلان عن مجلس القيم المنقولة يكون من بينهما المدير العام، ويتولى بنك المغرب أعمال سكرتارية هذه اللجنة.

وتجتمع هذه اللجنة مرة كل ستة أشهر على الأقل وكلما دعت الحاجة إلى ذلك إما بمسعى من رئيسها وإما بطلب من أحد أعضائها الدائمين.

ثانيا : المجموعة المهنية لبنوك المغرب :

تبعا لما جرى به العمل في السابق – في إطار ظهير 6 يوليوز 1993 الملغى ولاسيما المادة 101 منه – ألزمت المادة 25 من ظهير 14 فبراير 2006 مؤسسات الائتمان المعتمدة باعتبارها بنوكا وأيضا البنوك الحرة أن تنظم إلى الجمعية المهنية المسماة " المجموعة المهنية لبنوك المغرب G.P.B.M " (1).

هذه الجمعية تخضع في تأسيسها لظهير 15 نوفمبر 1958 المتعلق بتأسيس الجمعيات كما وقع تغييره وتتميمه فضلا عن خضوعها لظهير 14 فبراير 2006، ويصادق وزير المالية على نظامها الأساسي وعلى أي تغيير له بعد استشارة لجنة مؤسسات الائتمان وتقوم بدور أساسي في القطاع البنكي يمكن حصر أهم جوانبه كالآتي :

1) الدور التنظيمي : تعتبر الجمعية المهنية لبنوك المغرب المخاطب والممثل الوحيد لعمليات الوساطة التي تتم بين أعضائها من جهة وبين السلطات العمومية أو أية هيئة وطنية أو أجنبية من جهة أخرى، فيما يخص القضايا التي تهم المهنة.

 

(1) للإشارة فالمجموعة المهنية لبنوك المغرب أحدثت سنة 1943 تحت تسمية لجنة البنوك ثم أعيد تنظيمها بعد الاستقلال سنة 1959. ثم سنة 1986.

 

وتقوم كذلك في هذا الإطار بإعداد الدراسات والأبحاث في القضايا المهنية، ولاسيما فيما يرجع إلى تحسين التقنيات البنكية والائتمانية، وإحداث مصالح مشتركة لاستخدام تكنولوجيات جديدة وتأهيل المستخدمين والعلاقات مع ممثلي المستخدمين.

2) الدور الاستشاري : أصبح من الواجب على المجموعة المهنية لبنوك المغرب أن تعمل عل تقديم الاستشارة إلى كل من الوزير المكلف بالمالية وإلى والي بنك المغرب كلما طلب منها ذلك، ومن جهتها فلها الحق في تقديم اقتراحاتها إليهما كلما رأت ذلك مناسبا فيما يخص تنظيم المهنة وتنشيطها.

3) الدور الرقابي : تساهم المجموعة المهنية لبنوك المغرب في السهر على احترام مقتضيات القانون من طرف كل أعضائها والتقيد بالأخلاق المهنية، وفي هذا الصدد تقوم بإخبار الوزير المكلف بالمالية ووالي بنك المغرب بكل مخالفة تثبتها في حق أحد أعضائها، والملاحظ أن القانون الجديد قد حرمها من اقتراح إصدار عقوبات في حق أحد أعضائها إما إلى والي بنك المغرب أو إلى اللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان حسب الأحوال، وهو اختصاص كانت تتمتع به المجموعة في ظل قانون 1993.

وأخيرا فيجوز لها أن تقيم الدعاوي القضائية عندما يتبين لها أن مصالح المهنة مهددة ولاسيما إذا تعلق الأمر بواحد أو أكثر من أعضائها.

هذه إذن هي أهم الهيآت المحدثة في إطار ظهير 14 فبراير 2006 والتنظيمات الموازية له سواء على مستوى سلطات اتخاذ القرار أو على مستوى سلطات المراقبة والاستشارة في القضايا التي تهم القطاع المالي والبنكي بالخصوص.

وعليه فيمكن القول أن الإصلاحات الأخيرة التي جاء بها القانون المذكور أعلاه سيعطي للسوق الائتمانية ديناميكية جديدة، ستجعلها أكثر فاعلية للمساهمة في تنشيط الاقتصاد الوطني.

بحيث إن الأهمية التي أعطيت لقطاع الائتمان ليس الهدف منها تشديد الوصاية والمراقبة وسد الفراغ القانوني أمام تزايد المخاطر البنكية وعمليات الإقراض غير المنظمة فحسب، وإنما كذلك من أجل ضخ دم جديد وحركية مستديمة تستجيب لمواكبة التطورات الاقتصادية والمالية التي يشهدها العالم اليوم.

لذا فإن السلطات النقدية والهيآت الاستشارية والمهنية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى بذل المزيد من الحذر والاحتراس لضبط مخاطر القروض البنكية بصفة خاصة والمخاطر البنكية بصفة عامة، وبالتالي توجيه السوق البنكية وخلق جو من المنافسة الحذر لدعم وتنشيط القطاعات المالية والاقتصادية.

ولعل سوء ضبط الائتمان وعدم الاحتراس وازدياد عمليات الإقراض غير المنظمة هو السبب لما شهدته العديد من الدول اليوم من أزمات مالية تسببت في سقوط مؤسسات وأبناك مالية ضخمة. مثل بنك ليمان برادرز الأمريكي والذي أعلن إفلاسه وذلك بسبب تورطه في عمليات إقراض ذات مخاطر عالية.

 

 

المطلـــب الثــــاني :

نظام الرقابة الداخلية

<><> 

 

إذا كان المشرع المغربي قد هجر أساليب المراقبة المباشرة لنشاط مؤسسات الائتمان منذ أمد بعيد وأحل محلها طرقا غير مباشرة لإجراء هذه المراقبة، فإن القانون البنكي الجديد لسنة 2006 قد جاء ليوسع من هامش هذه المراقبة غير المباشرة وذلك عبر استحداث قواعد قانونية جديدة تتلاءم والمعايير الدولية المعمول بها في هذا المجال.

حيث ثم ترك الأمر لمؤسسات الائتمان ذاتها من أجل القيام بمراقبة ذاتية لنشاطها اليومي وذلك عبر احترام مجموعة من القواعد الاحترازية والمحاسبية التي قررها القانون بهذا الشأن وذلك تحت طائلة العقاب التأديبي (الفقرة الثانية) وتتكلف بهذه العملية أجهزة داخلية داخل المؤسسة ثم إحداثها خصيصا لهذا الغرض تتمثل بالأساس في كل من أجهزة المراقبة الداخلية ومراقبي الحسابات (الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى : أجهزة الرقابة الداخلية.

من المعلوم أن القانون البنكي الجديد لسنة 2006 إنما جاء ليوسع ويشدد من إجراءات المراقبة الداخلية لمؤسسات الائتمان وذلك عبر تعزيز صلاحيات مراقبي الحسابات و توسيع مجال عملهم حتى يضطلعوا بدور فعال في مراقبة حسابات مؤسسات الائتمان(ثانيا) وأيضا عبر خلق نظام للمراقبة الداخلية يناط أمر إحداثه وتسييره لأجهزة الإدارة والتسيير داخل المؤسسات البنكية (أولا).

أولا : نظام المراقبة الداخلية :

إذا كان المشرع المغربي قد نص في القانون البنكي لسنة 2006 على وجوب توفر مؤسسات الائتمان على نظام ملائم للمراقبة الداخلية يراد به تحديد جميع المخاطر التي تتعرض  لها  وقياسها  ورقابتها (1)، فإن هذا  المقتضى  جاء  في حقيقة الأمر تلبية واستجابة

 

(1) نصت المادة 51 من ظهير 14 فبراير 2006 على ما يلي :

   يجب على مؤسسات الائتمان أن تتوفر وفق الشورط المحددة بمنشور يصدره والي بنك المغرب بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات

   الائتمان، على نظام ملائم للمراقبة الداخلية يراد به تحديد جميع المخاطر التي تتعرض لها وقياسها ورقابتها، وأن تقيم اجهزة تمكنها 

   من قياس مردودية عملياتها.

 

لتوصيات لجنة بال الثانية التي طالبت من الدول التي تريد تأهيل قطاعها البنكي التوفر على جهاز مماثل للرقابة الداخلية.

ويتمثل نظام المراقبة الداخلية في مجموعة من الأجهزة التي تقيمها وتطبقها أجهزة الإدارة والتسيير داخل المؤسسات البنكية (مجلس الإدارة العامة أو الإدارة الجماعية ومجلس الرقابة). وذلك بهدف التأكد من حسن سير العمليات والمساطر الداخلية ومدى احترامها للقواعد القانونية والتنظيمية المعمول بها في هذا المجال. وأيضا من أجل تقييم المخاطر البنكية والتحكم فيها ورقابتها.

ونشير في هذا الإطار إلى أنه قد صدر منشور عن والي بنك المغرب يحدد مختلف الأجهزة الداخلية والشروط التي ينبغي توفرها في هذا النظام. يحمل رقم 40/G/2007. هذا المنشور الذي أوكل مهمة إعداد وتنفيذ أنشطة هذا النظام لأجهزة الإدارة والتسيير داخل المؤسسة البنكية، نص علاوة على ذلك على مختلف الأجهزة التي ينبغي إحداثها من أجل السهر على تنفيذ وتطبيق مقتضيات نظام المراقبة الداخلية.

1) الأجهزة المكلفة بإعداد نظام المراقبة الداخلية :

يتولى جهاز الإدارة داخل المؤسسة البنكية مهمة إعداد ووضع نظام المراقبة الداخلية حيث يكلف بمهمة إعداد الهيكل التنظيمي المناسب له ويعمل على توفير الموارد البشرية والمادية الضرورية لاشتغاله ولتطبيقه.

ويسهر على حسن السير العام لنظام المراقبة الداخلية ويتخذ الإجراءات اللازمة حتى يتم في الوقت المناسب مواجهة أي نقص أو قصور تتم ملاحظته.

ويقوم جهاز الإدارة لهذا الغرض بإعداد دليل للمراقبة الداخلية يحدد على وجه الخصوص العناصر المكونة لكل جهاز وسبل تطبيقها والقواعد التي تضمن استقلالية أجهزة المراقبة على الوحدات العملياتية وتحديد مختلف مستويات مسؤولية المراقبة.

وتتم مراجعة هذا الدليل بشكل دوري قصد ملاءمة مقتضياته مع الأحكام القانونية والتنظيمية بوجه خاص وكذا مع تطور النشاط والمحيط الاقتصادي والمالي للمؤسسة، ونشير في هذا السياق إلى أن نظام المراقبة الداخلية يجب أن يكون ملائما لحجم المؤسسة البنكية وكذا لطبيعة وحجم ومدى تعقيد أنشطتها، بشكل يسمح بالتحكم في المخاطر ومراقبتها وكذا بتوفير المعلومات التي يطلبها بنك المغرب في هذا الإطار.

وعموما فإذا كان جهاز الإدارة داخل المؤسسة البنكية هو الذي يتولى مهمة إعداد ووضع نظام المراقبة الداخلية فإن جهاز التسيير هو الذي يسهر على تطبيقه وتتبعه وذلك بعد الموافقة والمصادقة عليه.

حيث يقوم لهذا الغرض بالمصادقة على السياسة العامة لتدبير المخاطر وكذا على التوجهات الإستراتيجية الخاصة بتدبير كل خطر على حدة، كما يقوم بدراسة نشاط المراقبة الداخلية ونتائجها وذلك بالاعتماد على المعلومات التي يوافيه بها جهاز الإدارة في هذا السياق.

وحتى يقوم جهاز التسيير بالوظيفة المنوطة به أحسن قيام، فإنه يحدث لجنة تكلف بمساعدته في مجال المراقبة الداخلية تسمى " لجنة الافتحاص " وتتكون هذه اللجنة من أشخاص لا تشكل مصالحهم تعارضا مع مصالح المؤسسة، إضافة إلى توفرهم على الخبرات والكفاءات المطلوبة في الميدان المالي والمحاسبي وكذا في أنشطة الافتحاص.

وتكون هذه اللجنة تابعة بشكل مباشر لجهاز التسيير الذي يحدد كيفية عملها ويقوم بمساءلتها، وتجتمع هذه اللجنة على الأقل مرتين في السنة وتشرك في أعمالها أشخاصا آخرين منهم على الخصوص المسؤول عن وظيفة الافتحاص الداخلي ومراقبي الحسابات.

ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تحل هذه اللجنة محل وظيفة الافتحاص الداخلي المنوطة بجهاز التسيير، ويناط بهذه اللجنة على الخصوص القيام بما يلي :

- تقديم التوصية بشأن اختيار مراقبي الحسابات.

- تحديد مناطق الخطر الدنيا التي يجب على المفتحصين الداخليين ومراقبي الحسابات تغطيتها.

- التحقق من مصداقية وصحة المعلومات المالية الموجهة لجهاز التسيير وللأغيار، وتقييم مدى ملاءمة الطرق المحاسبية المعتمدة لإعداد الحسابات الفردية والمثبتة.

- الموافقة على ميثاق الافتحاص الداخلي الذي تعده مؤسسات الائتمان وتقييم مخططه والوسائل البشرية والمادية المخصصة له.

- التأكد من توفر المفتحصين الداخليين على الكفاءات اللازمة واقتراح الإجراءات الواجب اتخاذها في هذا الصدد عند الاقتضاء.

- تقييم ملاءمة التدابير التصحيحية المتخذة أو المقترحة لسد الثغرات أو أوجه القصور التي يتم الكشف عنها في نظام المراقبة الداخلية.

- الإطلاع على تقارير الأنشطة وتوصيات وظيفة الافتحاص الداخلي ومراقبي الحسابات وسلطات الإشراف إضافة إلى التدابير التصحيحية المتخذة .

كما تناط بأجهزة الإدارة والتسيير مهمة إعداد وإقرار سياسة عامة للتكوين والإعلام تبرز على الخصوص أهداف المؤسسة وتوضح في نفس الوقت طرق تحقيقها. وذلك من خلال الاعتماد بالأساس على نشر ثقافة المراقبة، حيث يجب على هذه السياسة أن تركز بصفة خاصة على ضرورة اضطلاع كل مستخدم بمهامه متقيدا في ذلك بالأحكام القانونية والتنظيمية المعمول بها وكذا بالتوجيهات الداخلية الصادرة عن الأجهزة المختصة.

وعلى العموم فإذا كان جهاز الإدارة والتسيير داخل المؤسسة البنكية هما اللذان يسهران على إعداد وتتبع أنشطة المراقبة الداخلية فإنه عمليا توجد مجموعة من الأجهزة الأخرى هي التي تتولى تنفيذ هذا النظام.

2) الأجهزة المكلفة بتنفيذ نظام المراقبة الداخلية :

إذا كان من الواجب على مؤسسات الائتمان الخاضعة لظهير 14 فبراير 2006 التوفر على نظام ملائم للرقابة الداخلية، فإن هذا النظام الذي يعده مجلس الإدارة ويصادق عليه مجلس التسيير لابد له من أدوات ووسائل تمكنه من القيام بمهامه أحسن قيام.

لهذه الغاية تم إحداث وخلق مجموعة من الأجهزة الداخلية تتولى مهمة تنفيذ نظام المراقبة الداخلية وتتأكد من حسن سير السياسة العامة لهذا النظام.

أ – جهاز الافتحاص الداخلي :

<><> 

 

يقوم جهاز الافتحاص الداخلي بالتتبع الشامل لنظام المراقبة الداخلية ويسهر على ضمان انسجامه وملاءمته لطبيعة وحجم أنشطة مؤسسات الائتمان.

ويعتمد في ذلك على منهجية محددة تسمح له بتحديد المخاطر الكبيرة التي قد تتعرض لها المؤسسة والتي قد تؤثر على استمرارية نشاطها، ويعد في سبيل ذلك مخطط افتحاص متعدد السنوات يوزع حسب رؤية وتصور هذا الجهاز لحجم المخاطر التي قد تواجه المؤسسة.

إضافة إلى ذلك يكلف جهاز الافتحاص الداخلي بالتقييم الدوري لفعالية إجراءات تدبير المخاطر والحكامة والمساطر والسياسات الداخلية وكذا من حسن سير مختلف مستويات المراقبة، ويعمل كذلك على تقييم :

- إجراءات التواصل المالي ويقوم بدراسة مصداقية وصحة المعلومات المقدمة للغير.

- النماذج الداخلية لتقييم كفاية الأموال الذاتية للمؤسسة.

- المقاربة العامة لتدبير استمرارية نشاط المؤسسة.

- أعمال المراقبة التي يقوم بها المكلفون بمراقبة التقيد بالقوانين.

ونشير في هذا الإطار إلى أن وظيفة الافتحاص الداخلي تمتد لتشمل مجموع الهيآت ذات الطابع المالي الخاضعة لمراقبة المؤسسة وكذا مجموع الأنشطة التي يتم إسنادها لجهات خارجية.

ويقدم المسؤول عن الافتحاص الداخلي تقريرا عن أداء مهامه للجنة الافتحاص أو مباشرة لجهاز التسيير كما يطلع جهاز الإدارة على أوجه القصور التي لاحظها في إطار أداء مهامه ويقدم توصياته لتعزيز أجهزة المراقبة الداخلية وتدبير المخاطر.

ب) جهاز مراقبة التقييد بالقوانين :

تحدث المؤسسات البنكية وظيفة تسمى " وظيفة التقيد بالقوانين " تتولى مهمة تتبع خطر عدم التقيد بالقوانين والقواعد التنظيمية المعمول بها في هذا المجال، ويعرف هذا الخطر على أنه خطر تعرض إحدى المؤسسات لخطر السمعة أو خطر الخسائر المالية أو خطر العقوبات بسبب عدم مراعاة المقتضيات القانونية والتنظيمية والقواعد والممارسات التي تطبق على نشاطها.

ويجب أن يتمتع المسؤول المكلف بالتقيد بالقوانين بالاستقلالية عن الوحدات العملياتية للمؤسسة ويقوم في هذا الإطار بإبلاغ الاختلالات التي يرصدها إلى جهاز الإدارة أو عند الاقتضاء إلى جهاز التسيير في حالة وجود تعارض في المصالح.

 

ج) جهاز قياس المخاطر والتحكم فيها :

يعتبر هذا الجهاز من بين أهم أجهزة نظام المراقبة الداخلية، وذلك نظرا للدور الذي يقوم به في التعريف بالمخاطر البنكية التي تصاحب أنشطة هذه المؤسسات، ويعمل في نفس الوقت على ضبطها والتحكم فيها عن طريق مجموع الإجراءات الوقائية التي يتخذها والتي تحد من فعالية وتأثير كل خطر على حدة.

ويحدث لهذا الغرض لجان فرعية تكلف بتتبع فئات معينة من المخاطر الخاصة ولاسيما لجان مخاطر الائتمان ومخاطر السوق ومخاطر التشغيل.

وهكذا تكلف لجنة تتبع خطر الائتمان من التأكد من التقييم الصحيح والمنتظم للمخاطر التي قد تتعرض لها المؤسسة نتيجة لعدم قيام الأطراف المقابلة بالأداء.

ويأخذ تقييم مخاطر الائتمان بعين الاعتبار وعلى الخصوص طبيعة الأنشطة التي يمارسها صاحب طلب القرض ووضعيته المالية والسمعة المالية لأهم المساهمين أو الشركاء وقدرته على التسديد وعند الاقتضاء الضمانات والكفالات الممنوحة.

كما يأخذ بعين الاعتبار – تقييم مخاطر الائتمان – أي معلومة أخرى تمكن من إجراء تقييم أكثر شمولية للخطر مثل كفاءة المسيرين والمحيط الاقتصادي الذي يزاول فيه المقترضون نشاطهم.

ويتم يوميا إحصاء ومركزة مخاطر الائتمان التي يتم التعرض لها على مستوى نفس الطرف المقابل سواء كان فردا أو مجموعة ذات نفع. ويتم على الأقل مرة واحدة في الشهر إحصاء ومركزة مخاطر الائتمان التي يتم التعرض لها بالنسبة لقطاع اقتصادي أو منطقة جغرافية أو بلد أو نوع من الكفالات أو الضمانات.

ونشير في هذا السياق إلى أن هذه اللجنة تكون ملزمة بإطلاع جهاز التسيير وعلى الأقل مرتين في السنة بالمبالغ الجارية للديون صعبة التحصيل وبنتائج المساعي الودية والقضائية التي تم القيام بها من أجل تحصيلها . ويتم أيضا إطلاع جهاز التسيير على المبالغ الجارية للديون التي تمت إعادة جدولتها وعلى التطور الحاصل في سدادها.

وحتى تستطيع مؤسسات الائتمان مواجهة تأثير مخاطر الائتمان عند تحققها فإنها تكون ملزمة بإجراء عمليات اصطناع للازمات بشكل منتظم وذلك بهدف تقييم قابلية تأثر محفظة قروضها في حالة حدوث تغيير مفاجئ للظرفية أو تدهور في نوعية الأطراف المقابلة.

أما فيما يخص مواجهة مخاطر سعر الفائدة البنكية فإن مؤسسات الائتمان تتزود بأجهزة لقياس هذا الخطر والتحكم فيه ورقابته وذلك عن طريق :

- تغطية أبرز مصادر الخطر المذكور وتقييم تأثير تطورات أسعار الفائدة على النتائج وعلى الأموال الذاتية.

- الاعتماد على مفاهيم مالية وتقنية لقياس هذا الخطر.

- الاستناد إلى فرضيات ومعايير موثقة وصريحة ومفهومة بشكل تام.

ويتم لهذا الغرض تجميع مخاطر سعر الفائدة بشكل دوري وذلك قصد تمكين أجهزة الإدارة والتسيير من التوفر على رؤية شاملة حول هذا الخطر.

وكما هو حال خطر الائتمان فإنه يجب على  المؤسسات البنكية أن تفكر في افتعال سيناريوهات أزمة، ولاسيما فيما يتعلق بالتقلبات الحادة لأسعار الفائدة وللوضعيات سريعة التأثر بهذه الأسعار وقياس مدى تأثيرها على النتائج وعلى الأموال الذاتية.

ونظرا لتعدد صور مخاطر التشغيل، فإنه وعلى العكس مما سبق، تقوم مؤسسات الائتمان بإعداد مخطط لاستمرارية النشاط (1) يمكنها من ضمان السير المستمر لأنشطتها والحد من الخسائر في حالة وقوع اضطرابات بسبب أحداث مهمة مرتبطة بمخاطر التشغيل.

وتعين في هذا الإطار مسؤول عن مخطط استمرارية النشاط من طرف جهاز الإدارة وذلك من أجل السهر على تطبيق التدابير المتعلقة بهذا المخطط.

وتتزود مؤسسات الائتمان لهذا الغرض بجهاز لقياس مخاطر التشغيل والتحكم فيها ورقابتها والذي يضمن على الأقل القيام بالعناصر التالية :

-         تعريف عملية تدبير مخاطر التشغيل وأهدافها ومبادئها.

- تحديد المستوى المقبول لهذه المخاطر ومساطر مراقبتها.

- المسؤوليات وأنظمة رفع التقارير في جميع مستويات التدبير.

 

(1) مخطط استمرارية النشاط هو بمثابة مخطط مكتوب وشامل يستعرض المساطر والأنظمة اللازمة لأجل مواصلة عمليات المؤسسة أو استئنافها بشكل مدروس في حالة حدوث اضطرابات في التشغيل.

 

- المعلومات المتعلقة بأحداث مهمة وبخسائر ناتجة عن مخاطر التشغيل.

- الظروف التي يمكن في إطارها تحويل هذه المخاطر إلى هيآت خارجية.

ومما ينبغي تسجيله بهذا الخصوص أن منشور والي بنك المغرب السابق، قد نص إضافة إلى ما سبق على وجوب توفر مؤسسات الائتمان على جهاز خاص توكل إليه مهمة قياس مخاطر المنتجات والأنشطة الجديدة.

وهنا يثار التساؤل حول مخاطر المنتجات البديلة (المرابحة، المشاركة، المضاربة) التي اعتمدتها بعض المؤسسات البنكية المغربية وذلك على إثر دخولها السوق المغربية في مارس 2007.

عمليا يصعب الجزم بحجم طبيعة المخاطر التي يمكن أن ترافق هذا النوع الجديد من المنتجات البنكية، وذلك على اعتبار أن مدة تطبيقها بالمغرب ليست مدة كافية لتقييمها والحكم على نجاحها أو فشلها وبالتالي تحديد نوع وطبيعة المخاطر التي يمكن أن تترتب عنها.

وعلى العموم فإن ما نخلص إليه من كل ما سبق هو مدى فعالية نظام الرقابة الداخلية  في الحد من تأثير مخاطر القروض البنكية على نشاط مؤسسات الائتمان وبالتالي الرفع من جودة المنتجات المقدمة من قبل هذه المؤسسات.

وذلك نظرا لكون المراقبة الداخلية الجيدة تسمح بتقليل هامش الخطأ وبالتالي تضييق الخناق على مختلف التلاعبات أو الانزلاقات التي قد تعرفها أية مؤسسة ائتمان والتي قد تعرضها لخطر الإفلاس أو التصفية (1).

ثانيا : مراقبي الحسابات :

إن المشرع أوجد جهازا لرقابة الشركة والتدقيق في حساباتها وماليتها. حماية للشركة ذاتها وللمساهمين أنفسهم وللأغيار، وذلك من خلال نصه على تعيين مراقب أو مراقبين للحسابات  إما وجوبا  أو  اختيارا  في  بعض  الشركات، يعهد إليهم بمراقبة حسابات الشركة

(1) نشير في هذا السياق إلى الشكاية التي وضعها رجل الأعمال عبد الكريم بوفتاس لدى الوكيل العام للملك يتهم فيها شخصا مجهولا في مؤسسة التجاري وفابنك بتلقي رشوة قدرها ملياري سنتيم مقابل الحصول على إعفاءات وتسهيلات في أداء قرض حصل عليه منذ سنوات والبالغ قدره 17 مليار سنتيم.

    أنظر بهذا الخصوص : جريدة المساء العدد 620. الاثنين 15 شتنبر 2008.

 

وتتبعها والتدقيق فيها والمصادقة عليها والقيام بالعديد من الأعمال وإنجاز التقارير التي لها علاقة بعيدة أو قريبة من المهام المالية (1).

ومراقبو الحسابات هم الأشخاص الطبيعيون أو المعنويون المكلفون من قبل المشرع لمراقبة  انتظام التدبير المحاسبي لشركات المساهمة على وجه الخصوص، وباقي أنواع الشركات الأخرى على وجه العموم.

ولقد عمل القانون البنكي الجديد على تفعيل دور مراقبي الحسابات عن طريق توسيع مهام المراقبة والفحص والتدقيق والإعلام الملقاة على عاتقهم، وهذا ما يتجلى من خلال إفراد هذا القانون لمراقبي الحسابات ودورهم في مراقبة مؤسسات الائتمان، فصلا مستقلا يضم تسع مواد (من 70 إلى 78) على خلاف ظهير 1993 الملغى الذي عرض لهذه المراقبة من مراقبي الحسابات في المواد الخاصة بالأحكام المتعلقة بالتقيد بالقواعد المحاسبية وذلك في 5 مواد (من 35 إلى 41).

وإذا كانت المادة 28 من القانون البنكي قد ألزمت مؤسسات الائتمان الموجودة مقارها الاجتماعية بالمغرب بوجوب التأسيس في شكل شركة مساهمة ذات رأس مال ثابت، فإن المادة 159 من قانون شركات المساهمة لسنة 1996 قد أوجبت على شركات المساهمة تعيين مراقب أو مراقبين للحسابات (2) وفي هذا السياق نصت المادة 70 من القانون البنكي على وجوب تعيين مؤسسات الائتمان لمراقبين اثنين للحسابات وذلك بعد موافقة بنك  المغرب (3).

(1) عبد الرحيم عباسيد : الوقاية الداخلية ودور مراقبي الحسابات، مقال منشور بمجلة المحامون عدد 6 – 1998، ص 188.

(2) نصت المادة 159 من القانون المتعلق بشركات المساهمة على ما يلي :

     يجب أن يتم في كل شركة مساهمة تعيين مراقب أو مراقبين للحسابات يعهد إليهم بمهمة مراقبة وتتبع حسابات الشركة وفق الشروط والأهداف المنصوص عليها في هذا القانون.

    غير أنه يجب على الشركات التي تدعو الجمهور للإكتتاب أن تعين مراقبين اثنين للحسابات على الأقل، وكذلك الشأن بالنسبة للشركات البنكية وشركات القرض والاستثمار والتأمين والرسملة والادخار.

(3) نصت المادة 70 من قانون مؤسسات الائتمان :

     تلزم مؤسسات الائتمان بتعيين مراقبين اثنين للحسابات بعد موافقة بنك المغرب وتحدد كيفيات الموافقة بمنشور يصدره والي بنك المغرب بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان.

 

وحتى تتضح لنا صورة مراقب الحسابات والدور الرقابي الذي يقوم به ليس على مستوى المراقبة الحسابية أو المالية فقط ولكن على مستوى باقي الأجهزة بداخل المؤسسة، فإنه يجدر بنا أولا معرفة شروط تعيينه التي اشترطها المشرع، والوقوف على حالات التنافي وتحليل هذه الشروط وأخيرا تحديد المهام الملقاة على عاتقه كجهاز داخلي لمراقبة مؤسسات الائتمان.

1)   شروط تعيين مراقبي الحسابات.

 

نص المشرع المغربي في المادة 160 من قانون شركات المساهمة على أنه :          " لا يحق لأي كان مزاولة مهام مراقب حسابات ما لم يكن مقيدا في جدول هيئة الخبراء المحاسبين " ويلاحظ من خلال هذه المادة أن المشرع اشترط لمزاولة مهمة مراقب الحسابات وجوب التسجيل في جدول هيئة الخبراء المحاسبين بصفة نظامية وقانونية وذلك حتى يتسنى للمراقب اكتساب صفة مراقب للحسابات، وبالتالي فإنه لا يمكن تعيين مراقب للحسابات في شركة ما ولو كان خبيرا وضليعا في الحسابات ما لم يكن مسجلا في جدول الهيئة.

ويهدف المشرع من وراء اشتراط هذا الشرط توفر مراقب الحسابات على الكفاءة العلمية والخبرة الفنية اللازمتين للقيام بمهامه الرقابية أحسن قيام، وذلك على اعتبار أنه لا يسجل في جدول الهيئة إلا الخبراء الذين تتوفر فيهم مجموعة من الشروط الموضوعية والشكلية، وهو الأمر الذي يبعث على الثقة والطمأنينة لدى أجهزة الشركة ولدى الأغيار الذين يتعاملون معها.

ويضاف إلى هذا الشرط العام، شرط خاص نصت عليه المادة 70 من قانون مؤسسات الائتمان، بحيث لا يتم قبول تعيين مراقبي الحسابات في المؤسسات البنكية إلا بعد موافقة بنك المغرب عليهم، وهو الأمر الذي أكدته المادة الأولى من منشور والي بنك المغرب رقم 21/G/2006 (1) والتي نصت على ما يلي :

(1) منشور والي بنك المغرب رقم 21/G/2006 الصادر في 30 نوفمبر 2006 بتحديد كيفيات الموافقة على مراقبي حسابات مؤسسات الائتمان وكيفيات الإبلاغ عن التقارير التي يعدونها، جريدة رسمية عدد 5532، بتاريخ 7 يونيو 2007، ص 1981.

 

" يجب على مؤسسات الائتمان المشار إليها في ما يلي بالمؤسسة، موافاة بنك المغرب بطلبات الموافقة على مراقبي الحسابات الذين تعتزم تعيينهم للقيام بمهمة مراقبة الحسابات، كما هو محدد في مقتضيات القانون رقم 34.03 ".

وحتى يستطيع بنك المغرب – تطبيقا لنصوص المواد السابقة – تحديد موقفه من طلبات تعيين مراقبي الحسابات، أوجب على مؤسسات الائتمان أن ترفق طلبات الموافقة على مراقبي الحسابات الذين يزاولون عملهم بصفة فردية ملفات تتضمن الوثائق التالية :

- وثيقة تثبت تسجيل مراقب الحسابات في جدول هيئة الخبراء المحاسبين.

- السيرة الذاتية لمراقب الحسابات مؤرخة وموقع عليها على وجه صحيح.

- شهادة مؤرخة وموقعة بصفة قانونية من قبل مسؤول بمؤسسة الائتمان يشهد بموجبها أن اختيار مراقب الحسابات قد تم في إطار احترام المقتضيات القانونية الجاري بها العمل.

- تصريح بالشرف مؤرخ وموقع عليه من طرف المراقب وكل مساعديه يشهدون فيه بالتقيد بأحكام المادة 74 من قانون 34.03 المتعلقة بقواعد التنافي والاستقلال .

- مذكرة تبين التجربة المهنية لمراقب الحسابات والوسائل التقنية والموارد البشرية التي يتوفر عيها، مع الإشارة إلى مهام مراقبة الحسابات والمهام الاستشارية التي زاولها خصوصا لدى مؤسسات الائتمان أو فروعها.

وإذا كان مراقب الحسابات يزاول مهامه في شكل شركة للخبراء المحاسبين فإنه يجب إضافة إلى الوثائق المشار إليها أعلاه أن تتضمن طلبات الموافقة الوثائق التالية :

- بطاقة معلومات حول شركة الخبراء المحاسبين مؤرخة وموقعة على وجه صحيح من طرف ممثلها القانوني.

<><> 

 

- صورة مطابقة للأصل من القانون الأساسي المحين للشركة.

كما يجوز لبنك المغرب طلب موافاته بجميع المعلومات الأخرى التي يراها ضرورية للنظر في طلبات الموافقة على مراقبي الحسابات.

وهكذا وتأسيسا على ما سبق يستطيع بنك المغرب بناء على مجموع المعطيات المتوفرة لديه حول  مراقب الحسابات تكوين نظرة واضحة وشاملة حول كفاءة وجدارة هذا الأخير بالدور الذي سيناط به داخل المؤسسة البنكية، وبالتالي تحديد موقفه من طلب الموافقة إما بالقبول وإما بالرفض إن اقتضى الحال ذلك. على أن قرار الرفض يجب أن يكون معللا بصفة قانونية.

ويتم تبليغ المؤسسة البنكية بقرار بنك المغرب داخل أجل لا يتعدى واحدا وعشرون يوما ابتداء من تاريخ التوصل بجميع الوثائق والمعلومات المطلوبة، (المادة 7 من المنشور السابق).

هذا ويضاف إلى مجموع الشروط السابقة التي ينبغي توفرها عند تعيين مراقب الحسابات شروط أخرى سلبية ينبغي عدم توفرها في هذا المراقب أثناء قيامه بمهامه الرقابية ونذكر على الخصوص حالات التنافي التي نصت عليها (المادة 161 من قانون شركات المساهمة بحيث لا يمكن تعيين مراقبو الحسابات.

- من بين المؤسسين وأصحاب الحصص العينية، والمستفيدين من امتيازات خاصة، وكذا المتصرفين وأعضاء مجلس الرقابة أو مجلس الإدارة الجماعية بالشركة أو الشركات التابعة لها.

- من بين أزواج وأصهار وأقارب الأشخاص المشار إليهم أعلاه إلى غاية الدرجة الثانية بإدخال الغاية.

- من بين الأشخاص الذين يتقاضون أجرا كيفما كان نوعه من الأشخاص المشار إليهم في البند الأول أعلاه أو من الشركات التابعة بالنظر لممارستهم وظائف قد تمس باستقلاليتهم.

- من بين شركات الخبرة في المحاسبة التي يكون فيها أحد الشركاء في وضع من الأوضاع المشار إليها سابقا.

وتضيف المادة 74 من قانون مؤسسات الائتمان بأنه لا يجب عند تعيين مراقبين اثنين للحسابات أن يكونا ممثلين أو منتميين لمكاتب تجمع بينها روابط، في حين يجب أن يتوفروا على جميع ضمانات الاستقلال بالنسبة إلى المؤسسة الخاضعة للمراقبة.

ومما يلاحظ على هذا التعداد الوارد في المادة 161 من قانون شركات المساهمة والمادة 74 من قانون مؤسسات الائتمان، أنه واضح ووارد على سبيل الحصر وبالتالي فإنه لم يفسح المجال لإعمال القياس أو السلطة التقديرية لإدخال حالات أخرى في حالات التنافي .

وفي نفس السياق أشارت المادة 162 من قانون شركات المساهمة أنه لا يمكن لمراقبي الحسابات أن يعينوا أعضاء في هيئات الإدارة والتسيير للمؤسسات التي يراقبونها، إلا بعد مضي خمس سنوات من انتهاء مهمتهم، ولا في أية شركة أخرى تملك في الشركة التي يراقبونها 10% أو أكثر من رأسمالها.

وعلى العكس من ذلك فإنه لا يمكن للأشخاص الذين كانوا أعضاء في هيئة إدارة الشركة أن يعينوا كمراقبين للحسابات فيها إلا بعد خمس سنوات من انتهاء مهمتهم، ولا في أية شركة أخرى تملك الشركة التي كانوا يمارسون فيها مهمتهم بنسبة 10% أو أكثر من رأسمالها.

وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى الإمكانية التي خولها المشرع للمساهمين في الشركة الذين يمثلون ما لا يقل عن عشر رأس مال الشركة. من تجريح المراقب المعين من قبل الجمعية العامة في الشركة، إذا ما ارتأوا أن هناك أسباب صحيحة تبرر طلب التجريح وذلك داخل أجل ثلاثين يوما من تاريخ التعيين (المادة 164 من قانون شركات المساهمة).

ويبقى للمحكمة السلطة التقديرية للنظر في العلل التي بني عليها طلب التجريح، علما أن الأسباب المعتمدة للتجريح يصعب إثباتها اتجاه المراقب الذي تم تعيينه، لأنه يصعب القول بأن مراقبا ما غير مستقل أو غير محايد وغير كفء في مدة لا تتجاوز شهرا من تاريخ تعيينه، وحبذا لو أن المشرع جعل إمكانية تجريح المراقب تتم داخل أجل شهر من تاريخ ظهور سبب التجريح لا أن يقيدها في أجل ثلاثين يوما من تاريخ تعيين المراقب (1).

وفي رأيي الخاص فإنه حينما يتعلق الأمر بمؤسسة ائتمان فإنه لا يوجد مجال لتطبيق إمكانية التجريح المنصوص عليها سابقا، مادام طلب تعيين مراقب الحسابات يمر مسبقا عبر بنك المغرب الذي يخضع طلب الموافقة على التعيين لفحوصات أولية ومراقبة قبلية قد تستبعد كل سبب من أسباب التجريح.

(1) عبد الرحيم عباسيد : مرجع سابق، ص 197.

 

وتأسيسا على كل ما سبق يتبين لنا مدى صرامة المشرع في تحديد شروط تعيين مراقبي الحسابات خاصة حينما يتعلق الأمر بمؤسسات الائتمان، وذلك نظرا لطبيعة العمليات

التي تقوم بها والتي ترتكز بالأساس على الحسابات وذلك حتى يتمكن هذا المراقب حالة تعيينه من القيام بمهامه الرقابية ضمن المؤسسة بكل حياد واستقلالية وبعيدا عن كل تأثير من أعضاء ومجلس إدارة الشركة.

2) مهام مراقبي الحسابات :

تتميز مهام مراقب الحسابات في مؤسسات الائتمان في القيام بالإضافة إلى المهام التقليدية التي أناطها به المشرع في قانون شركات المساهمة عموما بمهام أخرى تتلاءم وطبيعة عمل هذه المؤسسات (1) وهكذا يمكن لنا تقسيم مهام مراقب الحسابات في مؤسسات الائتمان إلى قسمين رئيسيين، قسم أول ويضم المهام ذات الطبيعة العامة والتي تهم مختلف الشركات، وقسم ثان ويضم مهام خاصة بمؤسسات الائتمان فقط.

أ – مهام مراقب الحسابات ذات الطبيعة العامة :

حدد قانون شركات المساهمة مهام مراقب الحسابات ذات الطبيعة العامة في القيام بالأساس بمهمة التحقق من القيم والدفاتر والوثائق المحاسبية للشركة ومراقبة مطابقة محاسبتها للقواعد المعمول بها، والتحقق من صحة المعلومات الواردة في تقرير التسيير لمجلس الإدارة أو مجلس الإدارة الجماعية وفي الوثائق الموجهة للمساهمين والمتعلقة بذمة ووضعية الشركة المالية وبنتائجها، ومن تطابقها مع القوائم التركيبية وكذا التحقق من احترام قاعدة المساواة بين المساهمين (المادة 166).

ولتمكين المراقبين من القيام بمهامهم السابقة، فقد أجاز لهم القانون حق الإطلاع والمراقبة على وثائق الشركة في أي فترة من فترات السنة، وهذه نقطة إيجابية جدا على اعتبار  أن  المشرع ترك المجال  مفتوحا  لمراقب  الحسابات  للقيام بمهامه دون تقييده بأجل

(1) وهذا ما نصت عليه المادة 72 من قانون مؤسسات الائتمان :

    يعهد إلى مراقبي الحسابات بمهمة :

   - مراقبة الحسابات وفقا لأحكام القسم السادس من القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة.

   - التاكد من احترام التدابير المتخذة تطبيقا لأحكام المواد 45 و 50 و 51 من هذا القانون.

   - التحقق من صدق المعلومات المقدمة إلى الجمهور ومن مطابقتها للحسابات.

 

أو مدة معينة، متجاوزا بذلك النقص الذي كان في القانون السابق والذي كان يحدد المدة التي يعمل فيها مراقب الحسابات في ثلاثة أشهر السابقة لانعقاد الجمعية العمومية (1).

وتماشيا مع ما سبق يكون من الواجب على مراقبي الحسابات، إطلاع أو إعلام مجلس الإدارة أو مجلس الإدارة الجماعية، وكلما تطلب الأمر ذلك بعمليات المراقبة والتحقق التي قاموا بها وبالخروقات والبيانات الغير الصحيحة التي اكتشفوها، وكذا بالاستنتاجات التي توصلوا إليها فيما يخص نتائج السنة المالية، وعموما بكل الأفعال التي بلغت إلى علمهم أثناء مزاولة مهامهم وبدا لهم أنها تكتسي صبغة جريمة (المادة 169 شركات المساهمة).

وفي هذا الإطار يعد مراقبوا الحسابات تقريرا يقدمونه للجمعية العامة يتضمن نتائج قيامهم بالمهام الموكولة إليهم، ولاسيما ملاحظاتهم حول صدق ومطابقة القوائم التركيبية مع المعلومات الواردة في تقرير التسيير للسنة المالية، وكذا حول ذمة الشركة المالية ونتائجها، ولهم في هذا السياق إما أن يشهدوا بصحة وصدق القوائم التركيبية أو أن يشفعوا هذا الإشهاد بتحفظات أو أن يرفضوا الإشهاد على الحسابات مع توضيح أسباب الرفض.

ب – مهام مراقب الحسابات ذات الطبيعة الخاصة.

انطلاقا من طبيعة العمليات التي تقوم بها مؤسسات الائتمان، أوكل المشرع المغربي لمراقب الحسابات، القيام بالإضافة إلى المهام السابقة بمهام خاصة بهذا الصنف من المؤسسات، يمكن حصرها كما يلي :

- يجب على مراقبي الحسابات التأكد من التزام البنوك بمسك محاسبتها وفق الشروط المحددة بمناشير يصدرها والي بنك المغرب بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان والمجلس الوطني للمحاسبة، وعليه في هذا الإطار موافاة بنك المغرب بتقرير حول القوائم التركيبية للمؤسسة وكذا إن اقتضى الحال تقرير الرأي بشأن القوائم التركيبية المتبثة.

- التأكد من مدى احترام المؤسسات البنكية للقواعد الاحترازية المنصوص عليها في المادة 50 والتي تهم بالأساس المعامل الأدنى لسيولة البنوك والمعامل الأدنى لملاءة مؤسسات الائتمان، والمتطلبات من الأموال الذاتية المرتبطة بمخاطر الائتمان ومخاطر السوق ومخاطر التشغيل .

(1) عبد الرحيم عباسيد : مرجع سابق، ص 199.

 

- تقييمهم لملاءة وفعالية نظام المراقبة الداخلية للمؤسسة وذلك بالنظر إلى حجم كل مؤسسة وطبيعة الأنشطة التي تمارسها والمخاطر التي تتعرض لها.

- موافاة بنك المغرب بتقرير مفصل يضمن فيه الملاحظات ومواطن الخلل التي تمت معاينتها في إطار التحقق من صحة المعلومات الموجهة إلى العموم ومدى تطابقها مع الحسابات . وخاصة فيما يتعلق بنسب الفائدة المدينة والدائنة وكيفيات استخلاص الفوائد والعمولات  ونظام تواريخ احتساب القيم .

- إخبار بنك المغرب في الحال بأية ملاحظات أو مواطن خلل أخرى تتم معاينتها أثناء التحريات التي يقومون بها وتشكل خرقا لأحكام النصوص التشريعية أو التنظيمية المطبقة على مؤسسات الائتمان، وكان ذلك الفعل أو الخلل من شأنه أن يضر بالوضعية المالية للمؤسسة أو أن يعرض استمرارية استغلالها للخطر.

- إعداد تقارير تضم النتائج التي توصلوا إليها من جراء قيامهم بمهامهم السابقة وإرسالها إلى مديرية الإشراف البنكي خلال أجل لا يتعدى 15 يوما قبل تاريخ انعقاد الجمعية العامة العادية للمساهمين في المؤسسة أو الجهاز الذي يقوم مقامها في ما يتعلق بالتقرير الخاص بالقوائم التركيبية الفردية وإن اقتضى الحال، تقرير الرأي الخاص بالقوائم التركيبية المتبثة، وخلال أجل لا يتعدى 15 يونيو من السنة المالية الموالية للسنة التي أنجزت خلالها مهمة مراقبي الحسابات فيما يتعلق بباقي التقارير التفصيلية الأخرى.

والملاحظ أن العلاقة الإخبارية الخارجية تدور هنا أساسا بين مراقبي الحسابات وبنك المغرب ولذلك فإن لهذا الأخير أن يطالبهم بكل ما يراه ضروريا من إيضاحات وتفسيرات حول الاستنتاجات والآراء المعبر عنها في تقاريرهم وأن يضعوا رهن إشارته إن اقتضى الحال وثائق العمل التي استندوا إليها في التعبير عن استنتاجاتهم وآرائهم، وبالمقابل يمكنه أن يضع رهن إشارتهم ما يراه ضروريا من معلومات تساعدهم على إنجاز مهمتهم (1).

 

(1) عائشة الشرقاوي المالقي : الوجيز في القانون البنكي المغربي، مرجع سابق، ص 97.

 

وفي هذا السياق تقوم مؤسسات الائتمان سنويا بموافاة بنك المغرب بنسخة من رسالة المهمة التي تحدد بصفة خاصة مجال الأعمال الموكلة إلى مراقبي الحسابات وكذا الموارد البشرية التي يعتزم هؤلاء تخصيصها لهذا الغرض، مرفقة بالجدول الزمني وتوزيعه حسب كل متدخل.

وتنتهي مهمة مراقب الحسابات إما طبقا للقواعد العامة، أي بمرور ثلاث سنوات مالية وذلك حسب ما نص عليه الفصل 163 من قانون شركات المساهمة، أو سنة مالية واحدة  في حالة تعيين المراقب أثناء تأسيس الشركة وإما بسبب تدخل بنك المغرب من أجل إنهاء مدة انتدابه والعمل على تعويضه وذلك إذا لم يتقيد بأحكام ظهير 14 فبراير 2006 ولاسيما النصوص المنظمة لكيفية اشتغاله، أو صدرت في حقه عقوبات تأديبية من لدن هيئة الخبراء المحاسبين أو عقوبات جنائية تطبيقا لقانون شركات المساهمة.

ونود الإشارة هنا إلى أنه لا يجوز تجديد انتداب مراقب الحسابات الذي يزاول مهامه بصفة مستقلة أو بصفة شركة للخبراء المحاسبين والذي انتدب لدى نفس المؤسسة لفترتين  متتاليتين إلا بعد انصرام أجل ثلاث سنوات.

وفي الأخير نود الإشادة بأهمية دور مراقب الحسابات كجهاز داخلي للمراقبة داخل شركات المساهمة عموما ومؤسسات الائتمان على الخصوص، وذلك نظرا لطبيعة المهام التي يقوم بها والأدوار التي يضطلع بها والتي تمت الإشارة إليها سابقا.

وهكذا فإن وجود جهاز مراقبة مماثل داخل كل مؤسسات الائتمان سيساهم لا محال في خلق جو من الثقة والشفافية في تسيير وتدبير أعمال هذه المؤسسات، الأمر الذي سيحد من تأثير مخاطر القروض البنكية على الوضعية المالية لمؤسسات الائتمان، وسيساهم بالتالي في التحكم فيها ورقابتها.

الفقرة الثانية : تقنيات تدبير مخاطر القروض البنكية.

<><> 

 

ألزم ظهير 14 فبراير 2006 الأجهزة الداخلية لمؤسسات الائتمان بوجوب التأكد من مدى احترام هذه الأخيرة لمجموع الضوابط التنظيمية والاحترازية المعمول بها في هذا المجال، وذلك حتى يتسنى لها القيام بدورها في تمويل الاقتصاد الوطني دون خوف من الوقوع في بعض الصعوبات والأزمات المالية، وذلك على اعتبار أن هذه القواعد الاحترازية والمحاسبية  تضمن للمؤسسات البنكية نسبة دنيا من الأموال الذاتية تساعدها على الحفاظ على توازنها المالي رغم تعثر بعض المقترضين في الوفاء بالتزاماتهم. ويتعلق الأمر هنا بالخصوص بوجوب مسك محاسبة منتظمة وفقا لأحكام القانون البنكي وباحترام بعض المعدلات والمعاملات المالية لأجل الحفاظ على توازنها المالي (أولا) وبالتقيد بقواعد الحيطة والحذر عند تعاملها مع عملائها وذلك تفاديا للوقوع في بعض الهفوات والخروقات التي قد تثير مسؤوليتها المدنية (ثانيا)..

أولا : التقيد بالقواعد الاحترازية والمحاسبية :

تكون المؤسسات البنكية ملزمة باحترام مجموعة من القواعد المالية والمحاسبية التي نص عليها المشرع في القانون البنكي. وذلك بهدف تقوية الصلابة المالية لهذه المؤسسات عند وقوع بعض الصعوبات والأزمات المالية.

وتتجلى هذه القواعد بالأساس في كل من معامل الملاءة ومعامل السيولة ومعامل توزيع المخاطر البنكية إضافة إلى وجوب مسك محاسبة منتظمة.

1) المعامل الأدنى لملاءة مؤسسات الائتمان :

مما لاشك فيه أن إقرار معامل أدنى لملاءة مؤسسات الائتمان، إنما يهدف بالدرجة الأولى إلى حماية هذه المؤسسات من مختلف أنواع المخاطر البنكية التي يمكن أن تتعرض لها أثناء مزاولة نشاطاتها الائتمانية بالخصوص، وذلك على اعتبار أن هذا المعامل إنما يوفر حدا أدنى من الملاءة المالية يساعد هذه المؤسسات على الوفاء بمختلف التزاماتها اتجاه عملائها وذلك على الرغم من تعرضها لخسائر مالية كبيرة نتيجة تحقق بعض المخاطر البنكية.

ولقد سبق لوزير المالية أن حدد معامل الملاءة في ظل قانون 1967 بقرار صادر بتاريخ 25 مارس 1969 في نسبة 5% ثم رفعها إلى نسبة 5,25% سنة 1982 وإلى 5,50% سنة 1985 ثم إلى 8% ابتداء من يناير 1993 (1).

 

 

(1) عائشة الشرقاوي المالقي : الوجيز في القانون البنكي المغربي، مرجع سابق، ص 102.

 

وتجدر الإشارة إلى أن هذا المعامل كان يتجلى قبل فاتح يناير 1993 في مراعاة المؤسسات البنكية لنسب دنيا بين أموالها الذاتية وبين الودائع التي تتلقاها من عملائها، حيث كانت هذه المؤسسات ملزمة بالرفع من رأسمالها تطبيقا لمعامل الملاءة بحسب ارتفاع حجم الودائع التي تستقبلها من المودعين، غير أنه ابتداء من التاريخ المذكور أصبح معامل الملاءة في المغرب متماشيا مع ما ثم تسميته دولياب Ratio cooke (1) وبالتالي أصبح بنسبة 8% تحتسب على أساس مخاطر القروض وليس على أساس حجم الودائع المتلقاة من العملاء (2).

وعليه فإن معامل الملاءة المعروف بـ Ratio cooke والمستحدث من قبل لجنة بال للرقابة البنكية بتاريخ 1988 (3) لاقى نجاحا كبيرا على الصعيد الدولي وذلك نظرا لبساطة تكوينه أولا ثم لمرونة حسابه ثانيا، حيث ثم تطبيقه فيما بعد في أكثر من مائة بلد في العالم، الأمر الذي ساهم في تعزيز وتقوية الصلابة المالية لمؤسسات الائتمان من جهة وفي تقليص الفارق الكبير الذي كان ملاحظا فيما قبل بين مؤسسات الائتمان العالمية على مستوى تحديد المعامل الأدنى لملاءتها المالية من جهة أخرى (خاصة بين مؤسسات الائتمان الأوربية والأمريكية وبين مؤسسات الائتمان الآسيوية وبالخصوص المؤسسات اليابانية).

ولكن وعلى الرغم من إيجابيات هذا المعامل على مؤسسات الائتمان – على اعتبار أنه مكن المؤسسات البنكية من إجراء تغطية مهمة لالتزاماتها بمواردها الخاصة وبالتالي المحافظة على توازنها المالي – فإن هناك بعض الثغرات التي اعترت تنفيذه على المستوى العملي، حيث لم يتم التمييز – عند قيام مؤسسات الائتمان بحساب هذا المعامل – بين العميل الجيد  والعميل  السيئ  وبين  المقاولة  الكبرى  والمقاولة الصغرى والمتوسطة وبين القطاع

 

 

 

 

 (1) Du nom du Peter Cooke Directeur adjoint de la banque d’angleterne et président du comité du règles et pratiques du contrôle des opération bancaires.

(2) امحمد لفروجي : القانون البنكي المغربي وحماية حقوق الزبناء، مرجع سابق، ص 119.

(3) لجنة بال للرقابة البنكية وهي الجهة الدولية التي تضع معايير الرقابة البنكية، وهي عبارة عن لجنة كونها ولاة البنوك المركزية لدول مجموعة العشرة في نهاية  عام 1974، وتضم اللجنة أعضاء من بلجيكا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان واللوكسمبورغ، هولندا، إسبانيا، السويد، سويسرا، بريطانيا، أمريكا، وفي عام 1988 قررت اللجنة إدخال نظام قياس رأس المال المعروف باتفاقية " بال لرأس المال " وقد مهد هذا النظام لتطبيق إطار قياس مخاطر الائتمان بغرض تأسيس معيار الحد الأدنى لرأس المال بنسبة 8% من الأموال المرجحة وفق مخاطرها وذلك بنهاية عام 1992، وفي عام 1996 جرى تعديل آخر في الاتفاقية لأجل إضافة متطلبات أخرى لرأس المال لمقابلة مخاطر السوق.

 

المزدهر والقطاع المتأزم، كما أن هذا المعامل لم يغطي جميع المخاطر التي تتعرض لها مؤسسات الائتمان كمخاطر سعر الفائدة ومخاطر التشغيل (1).

الأمر الذي دفع بلجنة بال للرقابة البنكية إلى إصدار مقترحات بشأن الإطار الجديد لمتطلبات كفاية رأس المال (2) وذلك بهدف علاج السلبيات والانتقادات التي صاحبت تطبيق المعيار الحالي، فضلا عن تعزيز أمان وسلامة النظام البنكي العالمي من خلال إطار أكثر شمولا وحساسية للمخاطر التي تتعرض لها البنوك.

وبالفعل فقد صدر عن هذه اللجنة بتاريخ يونيو 2004 الإطار الجديد لمعامل ملاءة مؤسسات الائتمان عرف باسم « Ratio Mac Donough » (3) هذا  المعامل  الذي  حافظ على نفس نسبة الملاءة السابقة والمحددة في 8% من مجموع الأموال الذاتية للمؤسسة، ركز بالأساس على تحسين طرق قياس المخاطر وحسابها وعلى تعديل طريقة أوزان المخاطر المعمول بها في اتفاقية عام 1988 وتعويضها بتقديرات الوكالات الخارجية الخاصة بتقييم المخاطر، وبتغطية جميع المخاطر التي تتعرض لها مؤسسات الائتمان.

وجدير بالذكر أن هذا المعامل الجديد لملاءة مؤسسات الائتمان دخل حيز التنفيذ بالنسبة لمؤسسات الائتمان الأوربية ابتداء من يناير 2007 (4) في حين حددت الولايات المتحدة الأمريكية موعد دخول اتفاقية بال II حيز التطبيق ما بين سنة 2009 و 2011.

 (1) أقرت لجنة بال بأن الاتفاقية الحالية أصبحت أقل فاعلية من ناحية ضمان ملاءمة الاحتياجات أو المتطلبات الرأسمالية لحجم المخاطر التي يتعرض لها البنك وذلك للأسباب التالية :

   - ركزت الاتفاقية السابقة لعام 1988 بصفة رئيسية على مخاطر الائتمان، ثم أخذت بعد ذلك بعين الاعتبار مخاطر السوق عام 1996، ولكنها لم تغطي بعض المخاطر الأخرى مثل مخاطر العمليات ومخاطر السيولة ومخاطر سعر الفائدة.

   - أصبح معدل رأس المال الذي يتم حسابه طبقا لاتفاقية بال لعام 1988، لا يعتبر في الغالب مؤشرا جيدا لقياس الحالة المالية للبنك وذلك بسبب التطورات الهائلة التي حدثت في الصناعة البنكية، حيث أن أوزان المخاطر تطبق على الأصول في إطار اتفاقية عام 1988 لا تقيس بدقة درجات اختلاف المخاطر بين المقترضين.

   - التكلفة الإضافية على مؤسسات الائتمان مما يجعلها في موقف أضعف تنافسيا مع المؤسسات المالية الأخرى.

     للمزيد من الإطلاع حول هذه النقطة راجع : رمضان الشراح تركي الشمري محمد العسكر، البنوك التجارية، مرجع سابق،       ص 430.

(2) أصدرت لجنة بال في يونيو 1999 وثيقة للمناقشة حول الاتفاقية الجديدة، وبعد المشاورات صدرت في يناير 2001 وثائق الاتفاقية الجديدة، وقد عزمت لجنة بال أن تنجز مشروع الاتفاقية خلال عام 2001 وأن يبدأ العمل بها عام 2004، ولكن لضخامة عدد الإفادات التي وردت للجنة، فقد تقرر أن يتم الانتهاء من الاتفاقية خلال عام 2002 وأن يبدأ العمل بها سنة 2005.

    أنظر بهذا الخصوص : طارق الله خان، حبيب أحمد : إدارة المخاطر، مرجع سابق ، ص 105.

(3) William Mac. Donough est l’actuel président du comité  Bâle et la federal Reserve Bank of       New York.

(4) La directive de l’Union Européenne n° 2006/49/CE adoptée par le parlement Européen le 14 juin 2006, a repris les principales mesures et modalité de Bâle II, entrée en application effective en Europe depuis le 1ère janvier 2007 (et 2008 pour la procédure avancée C F Infra).

- En ce qui concerne l’union Européenne (et donc l’ensemble des Etats membres) :

* 26 Juin 2004 : Publication des recommandations dites « Bâle II ». ==

                                           

أما على الصعيد الوطني فإنه وفي إطار الإصلاحات التشريعية التي يعرفها المغرب منذ سنوات والتي تهدف إلى تحديث ترسانته القانونية خاصة في مجال المال والأعمال، جاء ظهير 14 فبراير 2006 ليجسد رغبة المشرع المغربي في مواكبة آخر المستجدات التي تعرفها الساحة القانونية على المستوى الدولي، وذلك تماشيا مع توصيات لجنة بال II.

وهكذا ألزم هذا الظهير في المادة 50 منه مؤسسات الائتمان بوجوب المحافظة على ملاءتها وتوازن وضعيتها المالية وذلك وفقا لأحكام المناشير الصادرة عن والي بنك المغرب، وعليه فبالرجوع إلى المناشير الصادرة عن والي بنك المغرب في هذا الإطار، نجد أن بنك المغرب قد انتهج سياسة مزدوجة في معاملة مؤسسات الائتمان، حيث ميز بين المؤسسات التي ستظل خاضعة لأحكام المعامل السابق (Ratio cooke) وبين المؤسسات التي ستخضع للمعامل الجديد (Ration Mac Donough) .

وذلك ما يلاحظ من خلال الرجوع إلى أحكام المنشور رقم 25/G/2006 المتعلق بالمعامل الأدنى لملاءة مؤسسات الائتمان (Ratio cooke) والذي استثنى من أحكامه المؤسسات  الخاضعة  لأحكام  المنشور  رقم 26/G/2006  المتعلق بالمتطلبات من الأموال الذاتية المرتبطة بمخاطر الائتمان ومخاطر السوق ومخاطر التشغيل (Ratio Mac Donough) (1).

 

== * 1ère Janvier 2006 : Les établissements de crédit calculent en parallèle le ratio cooke (Bâle I) et le rationMc Donough (Bâle II).

* 14 Juin 2006 : Adoption de la directive européenne (dite CRD) de traduction de l’accord.

* 1ère Janvier 2007 : Entrée en vigueur de la directive européenne pour les approches standards et notation interne fondation.

* 1ère Janvier 2008 : Entrée en vigueur de la directive pour l’approche notation interne avancée.

www.Fr.wikipédia.orgrwiki/Bâle_II.

(1) هذا ما نصت عليه المادة الأولى من المنشور رقم 25/G/2006 والتي جاء فيها :

    تطبق أحكام هذا المنشور على مؤسسات الائتمان المشار إليها في ما بعد " بالمؤسسات " باستثناء المؤسسات الخاضعة لأحكام المنشور رقم 26/G/2006.

    - في حين نصت المادة الأولى من المنشور رقم 26/G/2006 على ما يلي :

    يحدد بنك المغرب لائحة بأسماء مؤسسات الائتمان، المشار إليها في ما بعد " بالمؤسسات " التي تخضع لأحكام هذا المنشور.

 

وعموما فإن الفرق فيما بين المعامل القديم والمعامل الجديد يتجلى بالخصوص في طريقة وكيفية احتساب كل منهما وذلك على اعتبار أن المعامل القديم والجديد يحسب وفق الطريقة التالية :

* معامل الملاءة القديم

« Ratio cooke »                           مجموع الأموال الذاتية

(بال I – 1988 )     =                                                                           8%

                                     مجموع مخاطر الائتمان المرجحة

 

* نفس المعامل السابق                        مجموع الأموال الذاتية

مع تعديل سنة 1996     =                                                                       8%

                       مجموع (مخاطر الائتمان ) + (مخاطر السوق x 12,5 )

 

* معامل الملاءة الجديد                          مجموع الأموال الذاتية

« Ratio Mac Donough » =                                                                             8%

           (بال II)                     مجموع (مخاطر الائتمان) + ( مخاطر السوق x 12,5) +

                                             (مخاطر التشغيل 12,5 x )

          وعلى العموم فإنه أيا كان صنف معامل الملاءة الذي تعتمده مؤسسات الائتمان فإنه يجب أن يبقى دائما في حدود نسبة دنيا على الأقل تبلغ 8% بين مجموع أموالها الذاتية وبين مجموع المخاطر التي تتعرض لها، وذلك على الشكل الآتي :

 

 

                                                          مجموع الأموال الذاتية

        معامل الملاءة =                                                                           8%

                                                     مجموع المخاطر المرجحة

 

 

          ونشير في هذا الإطار إلى أن الأموال الذاتية لمؤسسات الائتمان تتكون من الأموال الذاتية الأساسية (1) والأموال الذاتية التكميلية (2) والأموال الذاتية التكميلية الإضافية (3).

وهذا وتكون مؤسسات الائتمان ملزمة بإبلاغ بنك المغرب كل ستة أشهر بقوائم حساب الأموال الذاتية على أساس فردي أو مثبت أو هما معا، على أنه يجوز لبنك المغرب أن يطلب موافاته بهذه القوائم على فترات أقصر، عندما يرى ذلك ضروريا.

 

(1) تحسب الأموال الذاتية الأساسية عن طريق تحديد الفارق بين مجموع العناصر المذكورة في البند "أ" ومجموع العناصر المذكورة في البند " ب" وذلك وفقا للشكل التالي :

الأموال الذاتية الأساسية

عناصر البند (أ)

عناصر البند (ب)

تساوي الفارق بين مجموع عناصر البند (أ) ومجموع عناصر البند (ب)

- رأس مال الشركة أو المخصص.

- مكافآت الإصدار والدمج والتقدمة.

- الاحتياطيات.

- الفائض المرحل.

- النتائج الصافية الراجحة السنوية أو نصف السنوية ناقص مبلغ الربيحات التي تعتزم المؤسسة توزيعها.

- الجزء غير المدفوع من رأسمال الشركة أو من المخصص.

- الأسهم الذاتية التي تمت حيازتها بشكل مباشر أو غير مباشر مقيمة حسب قيمتها المحاسبية.

- مصاريف التأسيس والأموال غير المجسدة صافية من الاستخمادات والمؤونات لنقصان القيمة.

- العجز المرحل.

- النتائج الصافية العجزية السنوية أو النصف السنوية.

(2) تتكون الأموال الذاتية التكميلية لمؤسسات الائتمان من مستويين :

- المستوى الأول ويضم

- المستوى الثاني يضم :

- فارق إعادة التقييم.

- فوائض القيمة غير المحققة على سندات التوظيف.

- الإعانات المالية.

- أموال الضمان الخاصة والأموال العمومية المخصصة غير القابلة للتسديد.

- المؤونات للمخاطر العامة.

- المؤونات لشراء أو بناء مساكن لفائدة المستخدمين.

- المؤونات للاستثمار.

- الاحتياطيات غير المحققة الإيجابية لعمليات القرض الإيجابي أو الكراء مع خيار الشراء.

- الديون الثانوية غير محددة المدة والمدفوعة كليا.

- الديون الثانوية التي تفوق أو تعادل مدتها الأصلية خمس سنوات والمدفوعة كليا.

- الفوائد المرسملة على هذه الديون.

(3) تدخل في خانة الأموال الذاتية التكميلية الإضافية .

- الديون الثانوية التي تتجاوز مدتها الأصلية أوتعادل سنتين وغير المغطاة بأية ضمانات والمدفوعة كليا.

- الديون الثانوية التي تتجاوز مدتها الأصلية أو تعادل خمس سنوات والتي لم تؤخذ بعين الاعتبار في الأموال الذاتية التكميلية.

         

بقي أن نشير أخيرا إلى أنه يجوز لبنك المغرب أن يرخص للمؤسسات التي تنتمي إلى مجموعة بنكية، عدم التقيد بمعامل الملاءة على أساس فردي إذا ثم استيفاء الشروط الآتية :

- أن تكون المؤسسات مدرجة ضمن مجال تثبيت الشركة الأم.

- أن تكون الشركة الأم نفسها ملزمة باحترام معامل الملاءة.

- أن تكون الشركة الأم :

* ملتزمة بشكل لا مشروط وصريح ونهائي بمدها بالأموال الذاتية الضرورية عند الاقتضاء وكذا بتغطية خصومها.

* متوفرة على نظام مناسب للمراقبة الداخلية يغطي نشاط تلك المؤسسة.

2) معامل السيولة :

يعتبر تحديد حجم السيولة التي يجب أن تحتفظ بها مؤسسات الائتمان من القضايا الرئيسية التي تحظى باهتمام إدارة هذه المؤسسات، وذلك لأن زيادة السيولة في البنوك تعني أن تلك البنوك تضحي بأرباح كان من الممكن تحقيقها لو ثم توظيف تلك الأموال السائلة، ومن ناحية أخرى فإن نقص السيولة ربما يؤدي إلى اهتزاز الثقة بالنظام البنكي الأمر الذي سينعكس سلبا على الاقتصاد الوطني.

وتعني السيولة في معناها العام النقد السائل، أما السيولة في معناها الفني فتعني قابلية تحويل الأصل إلى نقد سائل بسرعة وبأقل خسائر ممكنة (1).

وبما أن الهدف من الاحتفاظ بأصول سائلة هو مواجهة الالتزامات المستحقة الأداء حاليا أو في غضون فترة قصيرة فإن السيولة تعتبر مفهوما يعبر عن العلاقة بين النقد السائل والأصول سهلة التحويل إلى نقدية من جهة وبين الالتزامات المستحقة من جهة أخرى، وبالتالي فالسيولة تعبر عن قدرة البنك على مواجهة الطلب من الودائع ومواجهة سداد الالتزامات المستحقة وكذلك مواجهة الطلب على القروض دون تأخير، وعليه فإنه لما كانت البنوك لا تستطيع السيطرة على مصادر أموالها من الودائع فإنها وفي مقابل ذلك تستطيع السيطرة على استخدامات هذه الأموال .

(1) رمضان الشراح :تركي الشمري. محمد العسكر : البنوك التجارية ، مرجع سابق، ص 221.

 

لذا نجد المشرع المغربي ألزم مؤسسات الائتمان بصفة عامة بوجوب احترام التقيد بمعامل السيولة COFFICIENT DE LEQUIDITE الذي يتم تحديد كيفيات احتسابه بمقتضى منشور لوالي بنك المغرب.

ويقصد بمعامل السيولة تلك العلاقة أو النسبة الدنيا التي يجب على المؤسسة البنكية احترامها يوميا بصفة دائمة فيما بين أصولها المتاحة والقابلة للتحقيق في أجل قصير وبين التزاماتها المستحقة عند الإطلاع ولأمد قصير (1).

وفي هذا الإطار صدر عن والي بنك المغرب منشور رقم 31/G/2006 يحدد المعامل الأدنى لسيولة البنوك وكيفيات احتسابه، حيث أوجب هذا المنشور على البنوك أن تتقيد باستمرار بمعامل أدنى يبلغ 100% بين :

- عناصر أصولها المتوفرة والقابلة للبيع على المدى القصير والالتزامات بواسطة التوقيع المستلمة من جهة.

- ومستحقاتها تحت الطلب على المدى القصير والالتزامات بواسطة التوقيع الممنوحة من جهة أخرى.

والملاحظ أنه إذا كان معامل السيولة قد حدد في البداية في 50% ثم في 60% حسب قرار وزير المالية الصادر في 23 مارس 1982، فإنه في الواقع تجاوز هذه النسبة ووصل في المتوسط دائما إلى نسبة 63% سنة 1998 متجاوزا في المثالين النسبة الدنيا وهي 60%، ولعل هذا ما دفع بوزير المالية إلى رفع النسبة إلى 100% بقرار له صادر في 6               أكتوبر 2000  (2).

وعموما يتحدد معامل السيولة من خلال عاملين رئيسيين هما : تشريعات السلطة النقدية بهذا الخصوص (السيولة القانونية) وتقديرات البنك الخاصة باحتياجاته من السيولة لمواجهة الطلب على الائتمان بأنواعه المختلفة بالإضافة إلى مواجهة عمليات السحب من الودائع (3).

(1) امحمد لفروجي : القانون البنكي المغربي وحماية حقوق الزبناء، مرجع سابق، ص 119.

(2) عائشة الشرقاوي المالقي : الوجيز في القانون البنكي المغربي، مرجع سابق، ص 105.

(3) يمكن تصنيف احتياجات السيولة إلى أربعة أنواع وهي :

   - السيولة اليومية والأسبوعية.

   - السيولة قصيرة الأجل.

   - السيولة الموسمية.

   - السيولة طويلة الأجل.

ولقد حدد المنشور السابق لوالي بنك المغرب عناصر الأصول والخصوم التي تؤخذ بعين الاعتبار لاحتساب معامل السيولة وذلك وفقا للأوزان التي يجب اعتبارها في حدودها وذلك وفقا للشكل الآتي :

                         عناصر الأصول المتوفرة والقابلة للبيع على المدى

                           القصير والالتزامات بواسطة التوقيع المستلمة

* معامل السيولة =                                                                 100%

                            المستحقات تحت الطلب على المدى القصير

                             والالتزامات بواسطة التوقيع الممنوحة

 

ويوضح الجدول التالي عناصر بسط مقام معامل السيولة والأوزان التي يجب اعتبارها في حدودها وذلك من أجل حساب هذا المعامل.

وهكذا وتأسيسا على ما سبق، نخلص إلى أن الغاية من وراء إقرار معامل السيولة تكمن في إبراز القدرة المالية للمؤسسة البنكية على مواجهة التزاماتها القابلة للوفاء في الحال أو في المدى القصير وذلك في كل لحظة أو حين بواسطة أموالها السائلة.

3) معامل توزيع المخاطر البنكية :

يكمن الهدف من وراء إقرار معامل توزيع المخاطر البنكية في الحد من حجم المخاطر التي يمكن أن تنجم عن تعامل المؤسسة البنكية مع مقترض واحد من جراء إقراضه كل أموالها الذاتية أو جزء مهم من هذه الأموال.

وإذا كان معامل توزيع الأخطار البنكية قد طبق لأول مرة في المغرب ابتداء من فاتح يناير 1977 (1) فإنه قد عرف منذ هذا التاريخ بعض التغييرات سواء من حيث نسبته أو كيفية احتسابه.

حيث تم تحديده لأول مرة في نسبة 10% سنة 1976 ثم تم تخفيضه إلى نسبة 7% في نهاية سنة 1992، ليتم رفع نسبته من جديد في 10% سنة 1996،  ثم رفع مجددا إلى 20% بقرار لوزير المالية صادر في يناير 2001 (2).

ومما ينبغي تسجيله بخصوص معامل توزيع المخاطر البنكية المطبق في المغرب أن نسبته تعتبر جد منخفضة مقارنة مع تلك المطبقة في بعض البلدان الأخرى والتي تقدر مثلا في فرنسا بـ 40% وفي بلجيكا بـ 35% وفي تونس بـ 40% الأمر الذي دفع بالبعض إلى اعتبار ضعف نسبة معامل توزيع المخاطر البنكية المغربي بمثابة حجر عثرة أمام تمويل الشركات الكبرى من طرف مؤسسة بنكية واحدة، وبمثابة مساس بمبدأ المساواة بين المؤسسات البنكية المغربية والبنوك الأجنبية التي يمكن أن تلجأ إليها المقاولات المغربية لتمويل مشاريعها في ظل سياسة تحرير التمويل الخارجي (3).

 

(1) ثم إحداث معامل توزيع المخاطر البنكية لأول مرة، بمقتضى القرار التنظيمي لبنك المغرب رقم 18 المؤرخ في 30 دجنبر 1976، ودخل حيز التنفيذ ابتداء من فاتح يناير 1977.

(2) BERRADA . MOHAMED. Azzedine : Les techniques de banque de crédit et de commerce extérieur au Maroc, op cit, P 393.

(3) امحمد لفروجي : القانون البنكي المغربي وحماية حقوق الزبناء، مرجع سابق، ص 126.

 

ويتم عمليا احتساب معامل توزيع المخاطر البنكية وفقا للطريقة الآتية :

                                            خطر تمركز القرض بالنسبة لعميل واحد

* معامل توزيع المخاطر البنكية =                                                            20%

                                                الأموال الذاتية للمؤسسة البنكية

وهكذا يمكن القول أن تحديد المعامل الأقصى لتوزيع المخاطر البنكية هو عبارة عن نسبة مئوية تربط الأموال الذاتية للبنك من جهة بين مجموع المخاطر التي تتعرض لها من جراء تمويلها لعميل واحد.

وبالتالي فإن هذا المعامل يهدف إلى التخفيف من حدة تمركز القروض لدى فئات أو شرائح معينة من المقترضين كالمجموعات ذات النفع والأطراف المقابلة التي تنتمي إلى نفس مجال العمل أو إلى نفس المنطقة الجغرافية أو الأطراف المقابلة التي تكون نتائجها المالية متوقفة على نفس النشاط أو نفس المادة الأساسية.

4)  ضرورة مسك محاسبة منتظمة :

يعتبر تطبيق البنوك المغربية للمعايير المحاسبية، من الأمور الهامة التي تدعم مصداقية وشفافية الجهاز البنكي المغربي على اعتبار أنه يساعد إدارة هذه المؤسسات على استخدام طرق موثوقة لنشر واعتماد حساباتها.

فالوضوح والصورة الصادقة والأمينة هي مرآة للشفافية المحاسبية، لذا فإننا نجد أن من بين آليات مراقبة تسيير مؤسسات الائتمان ضرورة مسك محاسبة منتظمة، وذلك على اعتبار أن إطلاع هيآت الرقابة والإشراف على هذه الوثائق المحاسبية كفيل لوحده بإعطاء صورة واضحة وصادقة عن أنشطة هذه المؤسسة وبالتالي مدى احترامها لمختلف الضوابط والقواعد القانونية المفروضة عليها.

ويقصد عموما بالنظام المحاسبي ذلك النظام الذي يهدف إلى تصنيف الحسابات والسجلات المحاسبية والنماذج والإجراءات ووسائل الرقابة اللازمة لتسجيل وضبط الأصول والخصوم والإيرادات والمصروفات وكذا نتيجة العمليات.

ونظرا للخصوصية التي تتميز بها مؤسسات الائتمان عن باقي المؤسسات المالية الأخرى، نجد أن ظهير 14 فبراير 2006 – وقبله ظهير 6 يوليوز 1993 – قد ألزم هذه المؤسسات بوجوب التقييد بقواعد محاسبية ذات طبيعة خاصة بها وذلك وفقا للشروط المحددة بمناشير يصدرها والي بنك المغرب بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان والمجلس الوطني للمحاسبة على التوالي، وذلك استثناء من قانون رقم 9.88 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها (1).

لذا نجد المادة 45 من ظهير 14 فبراير 2006 تنص على أنه :

" استثناء من أحكام القانون رقم 9.88 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها، تلزم مؤسسات الائتمان بمسك محاسبتها وفق الشروط المحددة بمناشير يصدرها والي بنك المغرب بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان والمجلس الوطني للمحاسبة على التوالي.

ويبدي المجلس الوطني للمحاسبة آراءه داخل أجل لا يزيد على شهرين من تاريخ رفع الأمر إليه ".

وفي نفس السياق، وحتى يتسنى لبنك المغرب القيام بمهمته في مراقبة المؤسسات البنكية والوقوف على مدى احترامها لمختلف القواعد القانونية المؤطرة لنشاطها، ألزمت المادة 47 من الظهير السابق مؤسسات الائتمان بوجوب إعداد القوائم التركيبية الخاصة بها والمتعلقة بالسنة المحاسبية المنتهية وذلك في صورة فردية ومثبتة أو مثبتة فرعية عند منتصف ونهاية كل سنة محاسبية، ليتم توجيهها بعد ذلك إلى بنك المغرب إضافة إلى كل وثيقة أخرى تساعد هذا البنك على إجراء المراقبة المعهود بها إليه بموجب القانون رقم 34.03 والقانون رقم 76.03.

وعلاوة على ما سبق ذكره، يجب على  هذه المؤسسات أن تقوم بنشر القوائم التركيبية الخاصة بها وفقا للشروط المحددة بمنشور لوالي بنك المغرب بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان، وفي هذا الإطار أجاز المشرع المغربي لوالي بنك المغرب أن يأمر إن اقتضى الحال المؤسسات المعنية بنشر استدراكات إذا لوحظت في الوثائق المنشورة بيانات غير صحيحة أو إغفالات.

 

(1) يتعلق الأمر بالظهير الشريف رقم 138/92/1 الصادر في 25/12/1992 بشأن تنفيذ القانون رقم 9.88 المتعلق بالمحاسبة الواجب على التجار العمل بها، الجريدة الرسمية عدد 4183 بتاريخ 30/12/1992، ص 1867.

 

والملاحظ بهذا الخصوص أن المشرع المغربي لم يكتف بإلزام المؤسسات البنكية بتطبيق القواعد المحاسبية المذكورة سابقا فحسب وإنما ألزمها أيضا بأن تتوفر على جهاز داخلي لمراقبة المحاسبة وذلك بمقتضى منشور والي بنك المغرب رقم 40/G/2006 حيث نصت المادة 84 من هذا المنشور على أنه :

" يجب أن يمكن جهاز مراقبة المحاسبة، المؤسسات من التأكد من مصداقية وشمولية بياناتها المحاسبية والمالية والسهر على توفر المعلومة في الوقت المناسب " .

ونظرا لما تتميز به المعلومة المحاسبية من قيمة قانونية. على اعتبار أنها تساعد السلطات النقدية على تتبع الأوضاع المالية لهذه المؤسسات، فإنه يجب أن تنص كيفيات التقييد المحاسبي للعمليات على مجموعة من المساطر تمكن من :

- إعادة ترتيب العمليات حسب التسلسل الزمني.

- إثبات كل معلومة بواسطة الوثيقة المصدر التي يمكن انطلاقا منها الوصول بتسلسل غير منقطع إلى الوثيقة التركيبية وبالعكس.

- توضيح كيفية تطور الأرصدة من تاريخ حصر لآخر عن طريق حفظ الحركات التي لحقت البنود المحاسبية.

وفي نفس السياق وحرصا من المشرع المغربي على أن تكون محاسبة البنوك تعكس بالفعل وضعيتها المالية الحقيقية فإنه قد ألزم هذه المؤسسات في المادة 89 من المنشور السابق بأن تقوم بتقييمات منتظمة لنظام المعلومات المحاسبية قصد التأكد من مدى تلاؤمه مع الأهداف العامة الخاصة بالاحتراز والسلامة ومطابقته للمعايير المحاسبية المعمول بها.

وعلى العموم فإن تقيد مؤسسات الائتمان بهذه القواعد المحاسبية الخاصة إنما يهدف بالأساس إلى مراقبة مختلف أنشطة المؤسسات وبالتالي الحرص عل  عدم وقوعها في بعض الانزلاقات الخطيرة التي قد لا تؤثر على وضعيتها المالية فحسب وإنما تمتد آثارها لكل النسيج الاقتصادي والمالي بالمغرب

 

ثانيا : التقيد بواجب اليقظة :

<><> 

 

زيادة في دعم وحماية المتعاملين مع مؤسسات الائتمان من مودعين ومقترضين، وفي سبيل التخفيف والحد من مخاطر القروض البنكية، ألزم المشرع المغربي مؤسسات الائتمان بوجوب التقيد بواجب اليقظة عند تعاملها مع عملائها، وذلك على اعتبار أنها مؤسسات تجارية تمارس على سبيل الاعتياد والاحتراف علميات تلقي الودائع من الجمهور وإعادة استثمارها في شكل قروض قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، وبالتالي فإنه لا يقبل منها كمؤسسات مهنية أن ترتكب بعض الأخطاء والهفوات الناتجة عن الإهمال والتقصير.

وفي هذا الإطار صدر عن والي بنك المغرب منشور رقم 41/G/2007 يحدد الواجبات المفروضة على مؤسسات الائتمان عند تعاملها مع عملائها، ويلزمها في نفس الوقت بالتقيد بواجب اليقظة باعتباره يشكل أحد أهم الالتزامات الملقاة على عاتقها.

 ويقصد عموما بواجب اليقظة مجموع الإجراءات الضرورية المفروضة على مؤسسات الائتمان والتي تمكنها من تحديد هوية عملائها ومعرفتهم بشكل معمق وكذا من تتبع ومراقبة مختلف العمليات التي ينجزها هؤلاء العملاء ولاسيما تلك التي تشكل درجة كبيرة من المخاطر.

وفي سبيل تحقيق ذلك فإنه يجب على هذه المؤسسات، وقبل الإقدام على التعاقد مع أي عميل، العمل على تحديد هوية هذا العميل بشكل دقيق ومحدد عن طريق إجراء مقابلات فردية معه وكذا جمع مختلف المعلومات عن نشاطه ومؤهلاته وسمعته، للتأكد من مدى صدق المعلومات التي قدمها للمؤسسة البنكية. خاصة بالنسبة للأشخاص المعنويين والمقاولين الفرديين، وهكذا فإنه يجب إعداد استمارة باسم كل عميل من الأشخاص المعنويين يجب أن تضمن فيها حسب الطبيعة القانونية لهؤلاء الأشخاص جميع البيانات التالية أو  بعضها :

- التسمية التجارية أو الشعار أو هما معا.

          - الشكل القانوني.

          - النشاط.

- عنوان المقر الاجتماعي.

- رقم التعريف الضريبي.

- رقم التقييد في السجل التجاري للشخص المعنوي ولمؤسساته عند الاقتضاء وكذا مركز التسجيل ويجب الاحتفاظ بهذه الاستمارة في الملف المفتوح باسم الشخص المعنوي المعني بالأمر وكذا بالوثائق التكميلية المحددة أدناه الموافقة لشكله القانوني، وهكذا فإن الوثائق التكميلية الواجب على الشركات التجارية الإدلاء بها محددة كما يلي :

- النظام الأساسي المحين.

- الشهر القانوني المتعلق بإحداث الشركة وبالتعديلات المحتمل أن تطرأ على نظامها الأساسي.

- القوائم التركيبية للسنة المالية المنصرمة.

- محاضر مداولات الجمعيات العامة أو جمعيات الشركاء التي قامت بتعيين المتصرفين أو أعضاء مجلس الرقابة أو المسيرين.

- أسماء المسيرين والأشخاص الموكل إليهم تشغيل الحساب البنكي.

أما فيما يخص الشركات التي هي في طور التأسيس فإنه يجب على مؤسسات الائتمان أن تطلب موافاتها بالشهادة السلبية وبمشروع النظام الأساسي وكافة عناصر البيانات لتحديد هوية مؤسسي الشركة والمكتتبين في رأسمالها.

وبالنسبة للفئات الأخرى من الأشخاص المعنويين (مجموعة ذات النفع الاقتصادي مجموعة ذات النفع العام، شركة مساهمة مبسطة إلخ)، فإن مؤسسات الائتمان تطلب من بين ما تطلب موافاتها بعناصر البيانات التكميلية التعريفية المحددة كما هي واردة في القوانين الجاري بها العمل.

ويجب أن تسهر مؤسسات الائتمان بصفة منتظمة على تحيين وتعديل عناصر البيانات الخاصة بتحديد هوية عملائها، وذلك بشكل دوري ومنتظم من أجل تصنيف عملائها إلى فئات مختلفة حسب نوعية المخاطر التي يمثلونها وذلك بالاعتماد على بعض المؤشرات مثل البلد الأصلي للعميل وطبيعة النشاط المزاول وطبيعة العمليات التي سيتم إنجازها أو المنجزة والعرض التاريخي للحساب.

وفي هذا الإطار يجب أن تضع المؤسسات البنكية لكل فئة أو نوع من العملاء حدودا دنيا، يؤدي تجاوزها إلى اعتبار تلك العمليات غير اعتيادية أو مشبوهة (1)، ويحدث لهذا الغرض هيكل يخصص لتدبير المنظومة الداخلية لليقظة يسهر على ضمان التواصل مع وحدة معالجة المعلومات المالية وعلى القيام بتتبع خاص للحسابات التي تسجل عمليات تعتبر غير اعتيادية أو مشبوهة، وأيضا دراسة تقارير الوكالات عن العمليات ذات الطابع غير الاعتيادي أو المشبوه، وأخيرا إطلاع إدارة المؤسسة باستمرار على العملاء الذين يشكلون درجة عالية من المخاطر.

(1) تشمل العمليات غير الاعتيادية أو المشبوهة على وجه الخصوص، العمليات التي :

   - يبدو أنها لا تتوفر على مبرر اقتصادي أو على غرض مشروع ظاهر.

   - تهم مبالغ تختلف تماما عن العمليات الاعتيادية التي ينجزها العميل.

   - تتم في ظروف غير معتادة من التعقيد.

المبحـــث الثـــاني :

دور صناديق الضمان في تغطية مخاطر القروض البنكية.

رغبة من الدولة في المساهمة في تغطية مخاطر القروض البنكية وأيضا في دعم وتشجيع المؤسسات البنكية من أجل التعامل مع عملاء لا تتوفر فيهم شروط الائتمان، قامت الدولة بخلق وإحداث مجموعة من صناديق الضمان بموجب اتفاقيات مبرمة بينها وبين مؤسسات الائتمان من جهة وبين هذه الصناديق من جهة أخرى.

وفي هذا السياق نشير إلى أن صناديق الضمان هي في تزايد مستمر بحيث اختلفت وتعددت وذلك باختلاف المجالات التي وجهت أساسا لدعمها وتطويرها، غير أنه يمكننا في هذا السياق التمييز بين الصناديق التي تنحصر مهمة تدخلها في بعض القطاعات ذات الطابع العام وبين الصناديق التي جعلت من القطاع الخاص مجالا لعملها.

وهكذا ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين وذلك وفقا للشكل التالي :

المطلب الأول : صناديق الضمان ذات الطابع العام.

المطلب الثاني : صناديق الضمان ذات الطابع الخاص.

 

 

المطـــــلب الأول :

صناديق الضمان ذات الطابع العام.

لعل الحديث عن الصناديق المختصة في ضمان وتمويل المشروعات ذات الطابع العام تتركز بالأساس في صندوق الضمان المركزي وذلك باعتباره الجهة التي أوكلت لها الدولة مهمة السهر على الصالح العام (الفقرة الأولى) وفي مجموع الصناديق التي يقوم هذا الصندوق بتسييرها لفائدة الدولة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : ماهية ومهام صندوق الضمان المركزي :                  La caisse Centrale de Garantie

<><> 

 

صندوق الضمان المركزي مؤسسة عمومية يعود تاريخ إنشاؤها إلى سنة 1949، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وتخضع للقانون رقم 47.95 المصادق عليه بمقتضى ظهير 7 غشت 1996(1) ومرسوم تطبيقه رقم 805 – 95 – 2 الصادر بتاريخ 14 أكتوبر 1996 القاضي بإعادة تنظيم الصندوق.

وهو يخضع شأن كل المؤسسات العمومية للوصاية الإدارية والرقابة المالية للدولة ممثلة في الوزير المكلف بالمالية، وذلك وفق أحكام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، ويسير عمليا صندوق الضمان المركزي من قبل مجلس إدارة برئاسة السيد الوزير الأول ويضم مديرا عاما للصندوق وممثلين عن مختلف الوزارات (وزارة المالية، التجارة، الصناعة) وممثلين عن المجموعة المهنية لبنوك المغرب إضافة إلى ممثلين عن فدراليات التجارة والصناعة وفدرالية الثقافة والحرف التقليدية.

ويعين المدير العام من قبل الوزير المكلف بالمالية ويسهر على حسن تسيير صندوق الضمان المركزي وعلى تفعيل القرارات الصادرة عن مجلس إدارته، وتعرض طلبات الحصول على ضمانة وكفالة صندوق الضمان المركزي على لجنة للافتحاص تتكون من ممثلين عن وزارة المالية وعن بنك المغرب وعن باقي الوزارات المعنية (2).

(1) ظهير شريف رقم 107 – 96 – 1 بتاريخ 21 ربيع الأول 1417 الموافق لـ 7 غشت 1996، جريدة رسمية عدد 4432 بتاريخ 21 نونبر 1996.

    ونشير إلى أن المادة الاولى من هذا الظهير قد نصت على أن الصندوق المركزي للضمان المؤسس بمقتضى ظهير 4 يوليوز 1949 مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي يخضع فقط لمقتضيات هذا القانون.

(2) BERRADA MOHAMED. Azzedine : les techniques de banque de crédit et de commerce extérieure au Maroc, op cit, P 614.

 

أما عن المهام المنوطة بهذا الصندوق فقد حددتها المادة الثالثة من القانون            رقم 47.95 (1) والمتمثلة أساسا في :

- ضمان تسديد الاقتراضات التي تحصل عليها داخل المملكة أو خارجها منشآت وهيآت عامة أو خاصة بغية تمويل عمليات تساهم في تنمية البلاد اقتصاديا واجتماعيا.

- منح الضمانات المطلوبة من المنشآت المغربية التي تقدم عروضا تتعلق بصفقات أو توريدات أو خدمات بالخارج أو تقبل لإنجازها.

- إدارة أموال الضمان وكل عملية مماثلة أخرى لحساب الدولة أو لحساب هيآت أخرى.

هذا ويجوز لصندوق الضمان المركزي القيام بجميع العمليات المالية أو المتعلقة بالمنقولات أو العقارات المدنية أو التجارية المتصلة بغرضه إذا كان من شأنها أن تمكنه من مزاولة نشاطه.

ونود الإشارة إلى أن صندوق الضمان المركزي أصبح يخضع بدوره لمجموعة من القواعد الاحترازية والمحاسبية التي يجب عليه التقيد بها. وذلك تطبيقا لنص المادة 13 من القانون البنكي والتي نصت على أنه :

" بالرغم من أحكام النصوص التشريعية المطبقة عليها ومع مراعاة الشروط الخاصة المنصوص عليها لهذا الغرض في قرارات يصدرها الوزير المكلف بالمالية بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان.

- ...

(1) L’article 3 énonce à cet effet que :

    « la caisse centrale de garantie ci pour objet :

    1 – de garantir le remboursement d’emprunts contractés à l’intérieur ou à l’extérieur du Royaume par des entreprises et organismes publices ou privés en vue du financement d’opérations contribuant au développement économique et social du pays.

     2 – D’accorder les garanties exigées des entreprises marocaines soumissionnaires ou adjudicataires de marchés de travaux, fourniture ou services à l’étranger.

     3 – De gérer pour le compte de l’état et d’autres organismes tous fonds de garantie et toutes autres opérations similaires. La gestion de ces fonds et opération s’effectuent dans le cadre de conventions passées entre l’Etat ou les autres organismes et la caisse centrale seront approuvées dans les formes fixées par voie réglementaire.

      La caisse central de garantie peut effectuer également toutes opérations financières, mobilières, immobilières, civile ou commerciales liées à son objet et propres à lui permettre d’exercer ses activités.

 

- يخضع صندوق الإيداع والتدبير وصندوق الضمان المركزي لأحكام المادة 40 وأحكام الأبواب الثالث والرابع والسابع من هذا القانون ... ".

وتطبيقا لنص هذه المادة صدر قرار عن وزير المالية والخوصصة يحمل             رقم 30.07 (1) الذي ألزم صندوق الضمان المركزي بمجموعة ممن القواعد نذكر من بينها :

- وجوب مسك محاسبة منتظمة طبقا للمقتضيات المطبقة على مؤسسات الائتمان.

- وجوب مراعاة نسبة قصوى بين مجموع المخاطر المتعرض لها بالنسبة لمستفيد واحد من جهة وأمواله الذاتية من جهة أخرى (معامل توزيع المخاطر البنكية).

- مراعاة نسبة دنيا بين مجموع أمواله الذاتية من جهة ومجموع المخاطر التي يتعرض لها من جهة أخرى (معامل الملاءة).

- التوفر على نظام للمراقبة الداخلية يتلاءم وأنشطة صندوق الضمان المركزي يراد به تحديد جميع المخاطر التي يتعرض لها وقياسها ورقابتها.

- تعيين مراقب للحسابات.

هذه القواعد والتعديلات المستحدثة في تنظيم وتسيير صندوق الضمان المركزي إنما تهدف بالأساس إلى تجنب الوقوع في نفس الأخطاء السابقة التي وقع فيها هذا الصندوق، وبالتالي حمايته من مختلف المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها بدوره عند قيامه بضمان المقترضين.

وهكذا فبفضل هذه التعديلات التي عرفها هذا الصندوق وبفضل الخبرة والاحترافية التي أصبح يتوفر عليها في ميدان التمويل وضمانة القروض البنكية، فإن صندوق الضمان المركزي استطاع كسب وربح ثقة المتعاملين معه إن على المستوى الوطني (صندوق الحسن الثاني، مؤسسات الائتمان، مختلفة الوزارات) أو الدولي (اللجنة الأوربية، بنك التنمية الألماني K.F.W ).

 

(1) قرار وزير المالية والخوصصة رقم 30.07 صادر في 15 من ذي الحجة 1427 – 5 يناير 2007، يتعلق بالشروط الخاصة بتطبيق بعض مقتضيات القانون رقم 34.03 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيآت المعتبرة في حكمها على صندوق الضمان المركزي، جريدة رسمية عدد 5526، بتاريخ 17 ماي 2007، ص 1781.

 

ويمنح الصندوق ضمانته بناء على طلب يوجه إليه مصحوبا بملف يتضمن بيانات عن المقاولة وعن وضعيتها المالية بالإضافة إلى دراسة جدوى المشروع المراد تمويله أو كفالته ثم نوع وحجم الضمانات المقترحة، وذلك بواسطة المؤسسة البنكية المساهمة في عملية التمويل بصفتها مانحة القرض أو المشتركة في كفالته.

وتختلف العمولة التي يتلقاها الصندوق لتدخله، حسب التغطية التي يقدمها بضمانته  والتي يمكن أن تغطي أصل الدين وفوائده في حدود 50% بالإضافة إلى المقدرة المالية لصاحب المشروع ومصدر القروض الممنوحة لتمويل هذا المشروع وذلك على الشكل  الآتي :

 

عمولة الدراسة

عمولة الضمان

- قروض للمقاولات الصغرى والمتوسطة.

- قروض بالدرهم للمقاولات الأخرى.

- قروض بالعملة الصعبة.

لا شيء

 

10,000 درهم

 

20,000 درهم

1% سنويا

 

1,20% سنويا

 

1,50% سنويا

 

ومن البديهي وبغض النظر عن العمولات التي يتقاضاها الصندوق مقابل ضمانته، فهو يحتاج لتحصين نفسه من المخاطر المرتقبة في حال تخلف مكفوليه عن الوفاء بالتزاماتهم، وفي هذا السياق نصت المادة 15 من القانون رقم 47.95 على أنه :

" يجوز لصندوق الضمان المركزي أن يطالب المنشآت والهيآت الأخرى التي تستفيد من ضمانه بتقديم جميع الإثباتات المقيدة المتعلقة بحساباتها وبموافاته ببياناتها المالية وله كذلك أن يستعين بالإدارات والمؤسسات العامة للحصول على جميع المعلومات وأعمال البحث والمراقبة الضرورية ".

ويلتزم الصندوق المركزي للضمان بتنفيذ التزامه بالضمان في حالة تخلف المقاولة المكفولة عن الوفاء بالتزاماتها، وذلك في حدود شهر، بعد مطالبته من طرف المؤسسة البنكية الممولة للمشروع، هذا ويحرص الصندوق على مسك الضمانات العينية أو الشخصية للحساب المشترك بينه وبين المؤسسة البنكية المعنية.

وبصفة عامة تقدم الضمانات العينية في حدود قيمة العمليات الممولة أو المكفولة، في حين يحدد نطاق الكفالات الشخصية حسب المخاطر المحتملة وحسب الذمة المالية للكفلاء ومدى مساهمتهم في تمويل المشروع (1).

ويخول القانون السابق ذكره، صندوق الضمان المركزي إمكانية استيفاء ديونه الناتجة عن ضماناته المصادق عليها من لدن الإدارة وفقا لأحكام ظهير 21 غشت 1935 المتعلق بسن نظام للمتابعات في ميدان الضرائب المباشرة والرسوم المعتبرة في حكمها، والديون الأخرى التي يستوفيها مأمور الخزينة (2).

وعليه وانطلاقا مما سبق يتضح لنا أن التزام الصندوق المركزي للضمان هو التزام مستقل اتجاه العلاقة التي تربط البنك الممول بالمشروع وبالتالي يصعب تقريب الضمان المقدم من الصندوق بالكفالة البنكية، ويترتب عن هذا أن التزامه غير تضامني. فهو ملزم بالأداء داخل أجل شهر واحد بعد مطالبته من طرف المؤسسة البنكية، ويرجع السبب في ذلك إلى طبيعة العمليات المضمونة والتي ترتبط بالمصلحة العامة للبلاد، لذلك يحرص الصندوق على مسك الضمانات العينية أو الشخصية في الحساب المشترك بينه وبين المؤسسة البنكية المعنية (3).

وواضح من خلال هذه المقتضيات مدى الأهمية الاقتصادية التي يقوم بها الصندوق المركزي للضمان في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، حيث يدعم ويسهل بكفالته حصول المقاولات على الموارد الضرورية لإنجاز مشاريعها ويخفف العبئ على البنوك في مجال توظيف فعال لائتمانها، حيث تشكل الضمانة المقدمة من جانب الصندوق أنجع أسلوب لتقليل وتغطية المخاطر التي تواجهها البنوك في مجال الائتمان(4).

(1) Dépliant de la caisse centrale de garantie sur l’Internet . site web : http://www.ccg.ma/institution.htm

(2) حنان درويش : الكفالة البنكية، تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص تخصص قانون الأعمال، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء، السنة الجامعية 1998 – 1999، ص 88.

(3) محمد جنكل : العمليات البنكية، الجزء الثاني، العمليات البنكية غير المباشرة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2004، ص 225.

(4) وفي هذا السياق نشير إلى أن نشاط الصندوق المركزي للضمان عرف نموا شموليا بنسبة 61% خلال سنة 2006. وأن هذا النمو يهم جميع مهن الصندوق. وكذا الدعم الموجه للمقاولات والسكن الاجتماعي. ==

هذا وتجدر الإشارة إلى أن صندوق الضمان المركزي يقوم بتسيير وتدبير مجموعة من صناديق الضمان لفائدة الدولة وذلك نظرا للخبرة والاحترافية التي يتعامل بها هذا الصندوق في مجال منح الضمان أو الكفالة، أو المساهمة في تمويل المشاريع، الأمر الذي حدى بالدولة إلى جعل هذه الصناديق تحت إمرة وإشراف هذا الصندوق.

الفقرة الثانية : الصناديق التي يسيرها صندوق الضمان المركزي.

يقوم صندوق الضمان المركزي بتسيير مجموعة من صناديق الضمان لفائدة الدولة وذلك نظرا للاحترافية والتجربة الكبيرة التي اكتسبها هذا الصندوق وتراكمت لديه في مجال ضمان القروض البنكية وتغطية مخاطرها.

هذا وتتعدد صور وأنواع هذه الصناديق وتختلف وذلك باختلاف طبيعة ونوع الأنشطة التي وجهت بالأساس لدعمها. حيث نجد صناديق مختصة بتأهيل قطاع السكن الاجتماعي (1). وأخرى مختصة في ضمان وتأهيل المقاولة المغربية. إلى غير ذلك من أوجه الأنشطة والميادين التي ترغب الدولة في تطويرها وتحديثها.

أولا : صندوق الضمان من أجل كفالة عمليات التصدير :

Fonds de garantie pour le cautionnement des entreprises marocaines au titre de marchés d’exportation                                       

أنشئ هذا الصندوق بمقتضى اتفاقية تعاون بين صندوق الضمان المركزي والمؤسسات البنكية من أجل التدخل المشترك لكفالة المقاولات المصدرة وذلك بتاريخ 3 دجنبر 1997 (2) ويمكن هذا  الصندوق  كل  مقاولة  مغربية أيا كان حجمها متقدمة بعروض

== من جهته قدم السيد الحسين إناوي المدير العام للصندوق المركزي للضمان عرضا أكد من خلاله على الخصوص أن الصندوق رخص لـ 419 طلب للضمان منها 84% قدمت من قبل المقاولات الصغرى والمتوسطة.

    هذه المجهودات توجت مؤخرا بحصول الصندوق على شهادة إزو 9001 ونيله الجائزة التشجيعية خلال المسابقة الوطنية للإدارة الإلكترونية " امتياز " انظر : www.MAROC.ma .

(1) يذكر أنه في أكتوبر 2003 أعلن وزير المالية والخوصصة آنذاك. فتح الله ولعلو عن إنشاء صناديق للضمان لتغطية مخاطر القروض الممنوحة إلى موظفي ومستخدمي القطاع العام وأجراء القطاع الخاص وذوي الدخل غير المنتظم والمتواضع وتشجيع الأبناك على المزيد من القروض الرهنية في المدى الطويل.

(2) ومن المؤسسات البنكية الموقعة مع صندوق الضمان المركزي على اتفاقية التعاون نجد :

     بنك أ. ب. ن أمرو المغرب. البنك العربي. بنك العمل. البنك التجاري المغربي. البنك الشعبي المركزي. البنك المغربي لإفريقيا والشرق. البنك المغربي للتجارة الخارجية. البنك المغربي للتجارة والصناعة. البنك الوطني للإنماء الاقتصادي. القرض العقاري والسياحي. الصندوق الوطني للقرض الفلاحي مصرف المغرب. صندوق التجهيز الجماعي. الشركة العامة المغربية للأبناك. الشركة المغربية للإيداع والقرض. بنك الوفاء.

 

أو حاصلة على صفقات أشغال أو توريدات أو خدمات بالخارج أن تستفيد من الكفالة المؤقتة والكفالة النهائية أو كفالة حسن الإنجاز وكفالة استرجاع الأقساط وكفالة حفظ الضمان.

وتصل حصة كفالة صندوق الضمان المركزي إلى حدود 50% من قيمة القرض البنكي الممنوح لفائدة المقاولة المصدرة على أن يؤمن الباقي من طرف إحدى المؤسسات البنكية المختارة من طرف المقاولة والمتدخلة في تمويل عملية التصدير.

ويحصل صندوق الضمان المركزي على عمولة سنوية وقدرها 0,40% من قيمة المبالغ المكفولة، ويحدد الصندوق الضمانات التي يطلبها من المقاولة المصدرة وذلك حسب نوع المخاطر المحتملة، وتكتب هذه الضمانات لفائدته بمشاركة المؤسسات البنكية كل في حدود التزاماته.

ويتعين للاستفادة من ضمان هذا الصندوق، التقدم بطلب خاص إلى صندوق الضمان المركزي عبر المؤسسة البنكية الممولة لعملية التصدير وبعد استكمال جميع وثائق الملف يجيب صندوق الضمان المركزي على هذا الطلب إما بالقبول أو الرفض داخل أجل لا يتعدى 15 يوما من تاريخ التقدم بالطلب.

ثانيا : صندوق ضمان القروض المخصصة لتأهيل المقاولات والصناعات الصغرى والمتوسطة (FOGAM) .

<><> 

 

يقوم صندوق الضمان المركزي بتسيير وتدبير صندوق ضمان القروض FOGAM لفائدة الدولة منذ 28 نوفمبر 1997، ويهدف هذا الصندوق إلى تسهيل حصول المقاولات والصناعات الصغرى والمتوسطة على القروض البنكية بشروط امتيازية لتمكينها من تمويل عملية إعادة تأهيلها لأجل تحسين تنافسيتها.

وتستفيد من ضمانة صندوق الضمان FOGAM كل مقاولة أو صناعة صغرى أو متوسطة لا يتعدى إجمالي حصيلتها قبل الاستثمار مبلغ 20 مليون درهم، وألا تتعدى كلفة برنامج إعادة تأهيلها مبلغ 10 ملايين درهم بشرط أن تكون قادرة على الاستمرار، وأن تثبت قدرتها على ذلك وأن تقدم برنامجا للتأهيل يسمح بتحسين تنافسيتها في مواجهة المنافسة الأجنبية.

 

ويتم منح ضمانة هذا الصندوق بناء على طلب يوجه إلى صندوق الضمان المركزي عن طريق البنك المساهم في عملية التمويل الذي اختارته المقاولة مرفقا بملف يتضمن مجموعة من الوثائق تتعلق بالدراسة المهيأة من البنك والمتضمنة للخطوط العريضة لطريقة التأهيل، وكل وثيقة أخرى من شأنها تسهيل البث في طلب الضمان.

ويتدخل صندوق ضمان قروض إعادة التأهيل بنسبة تصل إلى 60% من أصل القرض إضافة إلى ستة أشهر من الفوائد المترتبة عليه، مقابل عمولة قدرها 0,25% من أصل القرض .

أما الضمانات التي تقدمها المقاولات فتمسك لحساب المؤسسة البنكية مانحة القرض (بنسبة 70% على الأكثر) وفي حالة تنفيذ ضمانة FOGAM يتم إحلال صندوق الضمان المركزي في حدود التزامه محل البنك في جميع حقوقه.

ثالثا : الصندوق الوطني لإعادة التأهيل Fonds National de mise à niveau « FOMAN »

أنشئ هذا الصندوق بهدف مساعدة المقاولات المغربية التي تتوفر على برامج طموحة لإعادة تأهيل نفسها من الحصول على التمويل اللازم من أجل تحسين مستوى تنافسيتها في مواجهة المنافسة الخارجية.

وتستفيد من ضمان هذا الصندوق المقاولات الخاصة التي تشتغل في مجال الصناعة والخدمات والتي تتوفر على جملة من المعايير نذكر منها :

- القدرة على الاستمرارية في استغلال نشاطها والتوفر على ثلاث سنوات على الأقل من العمل المستمر وذلك عند تقديم طلب الحصول على القرض.

- التوفر على حصيلة إجمالية لا تقل عن 70 مليون درهم قبل الاستثمار وبرنامج لإعادة التأهيل لا يتجاوز مبلغ 20 مليون درهم.

ومن أجل استفادة المقاولات المغربية من ضمان ودعم هذا الصندوق يشترط عليها أن تتوفر على برنامج لإعادة تأهيلها يمكنها من تعزيز قدراتها التنافسية في مواجهة المقاولات الأجنبية على أن يتوفر في هذا البرنامج مجموعة من الشروط نجملها فيما يلي :

- أن تحدد قيمة المعدات والمقتنيات ( المادية والمعنوية ) التي ستقوم المقاولة بشرائها في نسبة 30% على الأقل من قيمة البرنامج ككل.

- أن تساهم المقاولة المعنية بنسبة 10% على الأقل من تكلفة البرنامج من أموالها الذاتية أو من رأس مالها.

- أن تحدد نسبة مساهمة صندوق الضمان FOMAN في نسبة 40% من قيمة البرنامج كحد أقصى وفي حدود مبلغ مالي لا يتجاوز خمسة ملايين درهم.

في مقابل ذلك تساهم المؤسسات البنكية المختارة من قبل المقاولة بنسبة 30% على الأقل من قيمة البرنامج.

أما الضمانات التي تقدمها المقاولة في سبيل الحصول على دعم صندوق الضمان FOMAN فتكون مشتركة بين صندوق الضمان المركزي والبنك المشارك في عملية إعادة التأهيل، ويقدم طلب الحصول على دعم صندوق الضمان FOMAN من قبل البنك المشارك في عملية التمويل، الذي اختارته المقاولة مرفقا بملف يتضمن مجموعة من الوثائق، وتحدد مدة تهيئ الملف بين عشرة أيام كحد أقصى بالنسبة لبرامج إعادة التأهيل التي تكون كلفتها أقل من أو تساوي عشرة ملايين درهم وبين عشرون يوما إذا كانت كلفة البرنامج تفوق ذلك.

وتتراوح مدة سداد القرض الممنوح لفائدة هذه المقاولة ما بين خمس سنوات واثني عشرة سنة وذلك مقابل عمولة سنوية محددة في 2% بالنسبة لصندوق الضمان FOMAN  ( دون احتساب رسم الضريبة على القيمة المضافة) أما بالنسبة للمؤسسة البنكية المشاركة في العملية فتكون نسبة الفائدة قابلة للمراجعة وللتفاوض.

رابعا : صندوق محاربة التلوث Fonds de dépollution industrielle  (FODEP I et FODEP II)

ثم إحداث صندوق محاربة التلوث FODEP وتمويله بواسطة هبة من الحكومة الألمانية بمبلغ قدره 18.000,000 مارك ألماني عن طريق البنك الألماني للتنمية K.F.W .

ويهدف هذا الصندوق إلى مساعدة المقاولات المغربية على الاستثمار في تجهيزات محاربة التلوث الصناعي والتكنولوجيا النظيفة، وتستفيد منه كل المشاريع الاستثمارية ذات الطبيعة الصناعية أو الحرفية الهادفة إلى حماية البيئة والمحافظة على الموارد الطاقية الطبيعية وذلك بغض النظر عن مقر وحجم هذه المقاولات.

غير أن صندوق محاربة التلوث « FODEP II » حد حجم المقاولات التي قد تستفيد من دعمه في المقاولات الصناعية والحرفية التي تتوفر على حصيلة إجمالية لا تتجاوز مبلغ أربعمائة مليون درهم.

هذا وقد حدد صندوق محاربة التلوث « FODEP I » نسبة مساهمته في تمويل المقاولات الراغبة في الاستفادة من دعمه في حدود  80% من كلفة المشروع كحد أقصى بالنسبة للمقاولة الواحدة أو مجموع المقاولات المشاركة في برنامج محاربة التلوث، على ألا تتجاوز هذه النسبة في جميع الأحوال مبلغ 30 مليون درهم.

أما صندوق محاربة التلوث « FODEP II » فإنه  يحدد نسبة مساهمته في تمويل برنامج محاربة التلوث في مبلغ 15 مليون درهم كحد أقصى بالنسبة للمقاولة الواحدة وفي ملبغ 30 مليون درهم بالنسبة لمجموع المقاولات المشاركة في برنامج واحد.

خامسا : صندوق دعم التشغيل الذاتي " مقاولتي " « MOUKAWALATI ».

في إطار محاربة البطالة وخلق فرص شغل جديدة، قامت الحكومة المغربية بشراكة مع صندوق الضمان المركزي ومؤسسات الائتمان بخلق برنامج مقاولتي، هذا البرنامج الذي يسعى إلى مساعدة الشباب الحاصلين على شهادات علمية وجامعية على خلق وإنشاء مشاريع ومقاولات خاصة بهم وذلك وفق شروط معينة.

حيث تقوم الدولة بشراكة مع مؤسسات الائتمان بضمان وتوفير التمويل اللازم لهذه المشاريع وذلك في حدود معينة، في حين يقوم صندوق الضمان المركزي بتغطية وضمان هذه القروض، وذلك في حدود نسبة قصوى تصل إلى حدود 85% من قيمة القرض الأصلي وفوائده.

ويشترط للاستفادة من برنامج الدعم " مقاولتي " التوفر على الشروط التالية :

- التوفر على الجنسية المغربية.

- يجب ألا يتجاوز سن المرشح ما بين 20 و 45 سنة من يوم تقديم طلب الحصول على التمويل .

- يجب تقديم برنامج متكامل لخلق مشروع أو مقاولة وذلك عن طريق الصندوق الوطني لإنعاش الشغل L’ANAPEC.

- يجب أن تتراوح الكلفة الإجمالية للمشروع ما بين 50.000 درهم و 500.000 درهم.

- يجب ألا يتجاوز عدد المستفيدين في المشروع الواحد شخصان اثنان، مع الإشارة إلى أن المشاريع التي تتجاوز قيمتها مبلغ 250.000 درهم يجب أن تقدم وجوبا من طرف مرشحين اثنين.

ويساهم برنامج الدعم " مقاولتي " في تمويل المشروع المتوفر على الشروط السابقة وذلك وفقا للشكل الآتي :

- يحصل المستفيد على  نسبة 10% من تكلفة المشروع وذلك في شكل تسبيق غير منتج للفوائد في حدود مبلغ 15.000 درهم كتسبيق بالنسبة للمشروع الذي لا تتجاوز كلفته 250.000 درهم و30.000 درهم بالنسبة للمشروع الذي يتجاوز الكلفة السابقة.

وتحدد مدة تسديد هذا التسبيق في مدة أقصاها 6 سنوات مع إمكانية الاستفادة من تمديد لمدة 3 سنوات وذلك حسب الأحوال.

- أما نسبة 90% من المشروع فتمول عن طريق القرض البنكي والتي تحدد مدة تسديده في 7 سنوات على الأقل مع إمكانية التمديد لسنتان إضافيتان.

ويشترط للاستفادة من خدمات برنامج الدعم " مقاولتي "، التقدم بملف الترشيح لدى  مصالح برنامج مقاولتي وذلك من أجل انتقاء المشاريع التي تتوفر على الشروط المطلوبة وتحويلها على الصندوق الجهوي للاستثمار من اجل الاختيار النهائي للملفات.

بعد ذلك تقدم هذه المشاريع للصندوق الوطني لإنعاش الشغل الذي يسهر على مساعدة صاحب المشروع في خلق برنامج منظم لإنجاز مشروعه ثم يتم بعد ذلك تقديم المرشح لملف خاص لدى المؤسسة البنكية التي يختارها لتمويل مشروعه، وبعد الموافقة على هذا الطلب يتم تحويل الملف من جديد إلى صندوق الضمان المركزي الذي يعمل هو الآخر على  دراسة المشروع والموافقة عليه، حيث يكون هذا الأخير ملزما بالإفراج عن قيمة التسبيق لفائدة المستفيد وذلك خلال مدة أقصاها 10 أيام من تاريخ التوصل بالطلب.

سادسا : صندوق الضمان كضمان احتياطي « l’aval du fonds de garantie USAID ».

لقد تم إنشاء صندوق الضمان USAID بناء على اتفاق مبرم بين الحكومة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 24 غشت 1990، وأصل هذا الصندوق يتكون من هبة منحتها الولايات المتحدة للمساهمة في تحمل المخاطر المتعلقة بالقروض البنكية، التي تمنح بالأساس إلى المقاولات الصغرى والمتوسطة والتي تتخذ من ميدان التصدير المجال الأساسي لنشاطها. وتتولى تسيير هذا الصندوق مؤسسة Citi bank Maghreb بمقتضى عقد مبرم بينها وبين وزير المالية بتاريخ 6 يونيو 1991.

ويشترط للاستفادة من كفالة هذا الصندوق عدم استخدام القروض الممنوحة بموجبه في تمويل أو إنتاج أو توزيع بعض الأنشطة المحظورة بمقتضى لائحة حصرية ملحقة بالاتفاق .

وتتلقى مؤسسة Citi bank Maghrib لقاء تسييرها لهذا الصندوق عمولة قدرها 2% للسنة إضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة T.V.A على القرض المضمون من طرف صندوق الضمان USAID.

وفي الحالة التي يتخلف فيها عميل المؤسسة البنكية المضمون بضمانة هذا الصندوق عن الأداء فإن المؤسسة البنكية ترسل إلى عميلها إخطارا بالأداء وترسل نسخة منه إلى مؤسسة Citi bank Maghrib مرفوق بطلب تطالب فيه بتعويضها، وعلى هذه الأخيرة أن تستجيب لطلب المؤسسة البنكية داخل أجل أقصاه 120 يوم من تاريخ تسلمها للإخطار المذكور.

أما في حالة تخلف البنك عن إرسال هذا الإخطار داخل أجل 120 يوم من تاريخ استحقاق الدين واستمرار تخلف العميل عن الأداء، فإن هذا الدين سيعتبر موفى ويضيع بالتالي على المؤسسة البنكية حقها في الاستفادة من ضمانة صندوق USAID .

سابعا : صندوق الضمان FOGALOGE Public .

Fonds de garantie des prêts au logement en faveur de personnel du secteur public.

في إطار سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع السكن الاجتماعي، قامت الدولة بإنشاء صندوق للضمان تحت اسم « FOGALOGE Public » وذلك بهدف ضمان وتغطية مخاطر القروض البنكية الممنوحة بشروط تفضيلية لفائدة مستخدمي القطاع العام من أجل بناء أو شراء سكن اجتماعي، ولقد جاء هذا الصندوق ليلبي احتياجات فئة عريضة من المجتمع تتمثل في مستخدمي القطاع العام وذلك من أجل تسهيل عملية ولوجهم للقطاع البنكي وبالتالي الحصول على التمويل اللازم من أجل اقتناء سكن اجتماعي.

وهكذا يكون هذا الصندوق موجها بالأساس إلى فئة الموظفين والمستخدمين في القطاع العام (باستثناء رجال التعليم) ومستخدمي الجماعات المحلية والموظفون العسكريون  والأعوان المؤقتون الدائمون الذين يتوفرون على أقدمية لا تقل على سبع سنوات.

وحتى تستطيع هذه الفئة من المجتمع الاستفادة من ضمانة هذا الصندوق ينبغي أن تتوفر فيهم مجموعة من الشروط يمكن حصرها كما يلي :

- أن يكون المستفيد من جنسية مغربية.

- أن ينتموا إلى إحدى الفئات المنصوص عليها أعلاه.

- أن يكون دخلهم السنوي الصافي يقل أو يعادل 72.000 درهم، دون احتساب التعويضات العائلية.

- أن لا يكونوا مالكين لأي سكن في الولاية أو العمالة التي يوجد فيها السكن المرغوب في بنائه أو اقتنائه.

- أن لا يكونوا قد استفادوا من قرض في إطار صناديق ضمان القروض المخصصة للسكن الاجتماعي.

- أن لا يكونوا قد استفادوا من نظام استرجاع الفوائد المنصوص عليه في المرسوم الصادر بتاريخ 17 دجنبر 1968 والمتعلق بالقرض العقاري والسياحي.

أما فيما يخص الشروط التي ينبغي توفرها في السكن المراد اقتناؤه فتتمثل في كون هذا السكن يجب أن يكون مخصصا للسكن الشخصي للمستفيد أو لأحد أفراد أقاربه من الدرجة الأولى، وأن لا تتجاوز الكلفة الإجمالية للبناء أو لاقتناء السكن مبلغ 350.000 درهم مع احتساب النفقات الملحقة في حدود 10% من ثمن البيع أو من كلفة أشغال البناء، وأخيرا أن يكون هذا السكن متوفرا على رسم عقاري في وضعية سليمة وأن يكون في نفس الولاية أو العمالة التي يمارس فيها المستفيد وظيفته.

ويغطي صندوق الضمان « FOGALOGE Public » أصل القرض البنكي والفوائد المترتبة عليه بنسب مختلفة، تختلف باختلاف مدة سداد القرض وذلك على الشكل التالي :

- يغطي نسبة 20% من قيمة القرض إذا كانت مدة السداد تقل عن أو تساوي عشر سنوات.

- يغطي نسبة 40% من قيمة القرض إذا كانت هذه المدة تتراوح ما بين 11 و 20  سنة.

- يغطي نسبة 60% من قيمة القرض إذا كانت مدة سداد القرض تتجاوز 20 سنة.

هذا مع العلم أن قيمة القرض البنكي يمكن أن تغطي نسبة 100% من الكلفة الإجمالية لاقتناء أو بناء السكن وذلك مقابل فائدة ثابتة تحدد من قبل البنك الممول مع الأخذ بعين الاعتبار ضمانة صندوق FOGALOGE.

ويتعين على الراغب في الاستفادة من ضمانة هذا الصندوق تقديم ملف بذلك إلى البنك الذي يختاره ليمول هذه العملية، أي عملية اقتناء أو بناء سكن اجتماعي، مع العلم أن هذا الصندوق لا يضمن عملية شراء الأراضي.

ثامنا : صندوق الضمان FOGARIM :

Fonds de garantie pour les revenues irréguliers et modestes

في إطار سياسة الحكومة الهادفة إلى تنمية قطاع السكن الاجتماعي والقضاء على السكن الغير اللائق، أحدثت الدولة صندوق الضمان FOGARIM وذلك بهدف تمكين الأشخاص ذوي الدخل المحدود غير القار من الحصول على قروض بنكية بغية اقتناء أو بناء سكن اجتماعي لهم أو لأحد أفراد عائلتهم (قرابة من الدرجة الأولى). وذلك في إطار اتفاقية مبرمة بين الدولة وصندوق الضمان المركزي بتاريخ 26 دجنبر 2003 من جهة وبين صندوق الضمان المركزي والمؤسسات البنكية من جهة أخرى(1).

(1) ويتم تمويل الصندوق من خلال إحداث رسم خاص للتضامن من أجل السكن يفرض على مبيعات الإسمنت على الصعيد الوطني بالإضافة إلى دعم من ميزانية الدولة.

وذلك على اعتبار أن ولوج القطاع البنكي بالنسبة لهذه الفئة من المجتمع، كانت وإلى زمن قريب ولى، عملية شبه مستحيلة، نظرا لحجم ونوع الضمانات التي تطالب بها المؤسسات البنكية الراغب في الاستفادة من قرض بنكي، وهو الأمر الذي كان يعد بمثابة جدار عازل أو فاصل بين أصحاب الدخل المحدود غير القار، وبين استفادتهم أو حصولهم على قروض بنكية. لكن ومع إحداث هذا الصندوق فإن الأمر قد اختلف، حيث أصبح أخيرا بإمكان أصحاب الدخل المحدود الاستفادة من القروض البنكية الموجهة لتمويل عملية بناء أو اقتناء سكن اجتماعي، وهكذا أصبح بإمكانهم الحصول على قرض بنكي قد يغطي نسبة 100% من عملية البناء أو الاقتناء وذلك مقابل قسط شهري لا يتعدى 1500 درهم لمدة قد تصل إلى 25 سنة وبفائدة تتراوح بين 7,5% و 8,5.

ونود الإشارة هنا إلى أن ضمانة هذا الصندوق تغطي إضافة إلى أصل القرض نسبة مهمة من قيمة الفوائد التعاقدية والتأخيرية وذلك إلى حدود 70%  من مجمل القرض ككل.

وكما هو الحال بالنسبة لجميع صناديق الضمان، فإن صندوق الضمان FOGARIM قد حدد بدوره مجموعة من الشروط والمعايير التي ينبغي توفرها في الراغب في الحصول على ضمانة هذا الصندوق وذلك على الشكل التالي :

- أن يكون من جنسية مغربية .

- أن لا يكون من الفئات التالية : الموظفون أو المستخدمون المرسمون، العاملين بالقطاع العمومي، الأعوان المؤقتون الدائمون المتوفرين على أقدمية لا تقل على 7 سنوات.

مأجوري مقاولات القطاع الخاص المنخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

          - أن يزاولوا نشاطا يوفر لهم دخلا مع الإدلاء بوثيقة تثبت ذلك.

          - أن لا يكونوا مالكين لأي سكن في الولاية أو العمالة التي يوجد فيها السكن المرغوب في بنائه أو اقتنائه.

- أن لا يكونوا قد استفادوا من سلف في إطار صناديق ضمان القروض المخصصة للسكن الاجتماعي.

- ألا يكونوا قد استفادوا من نظام استرجاع الفوائد المنصوص عليه في المرسوم الصادر بتاريخ 17 دجنبر 1968 والمتعلق بالقرض العقاري والسياحي.

- أن تكون الكلفة الإجمالية للبناء أو لاقتناء السكن لا تتعدى مبلغ 200.000 درهم مع احتساب النفقات الملحقة في حدود 10% من ثمن البيع أو من كلفة أشغال البناء.

وللاستفادة من خدمات هذا الصندوق ينبغي على الأشخاص الذين تتوفر فيهم الشروط السابقة التوجه مباشرة إلى المؤسسات البنكية الراغبين في التعامل معها وذلك من أجل  طلب الحصول على قرض بنكي في إطار صندوق الضمان FOGARIM.

ويبين الجدول التالي حجم المعاملات التي تمت عن طريق صندوق الضمان FOGARIM مع مختلف مؤسسات الائتمان التي تعاملت معه وذلك إلى حدود 16 ماي 2008.

مؤسسات الائتمان

مجموع القروض البنكية الممنوحة

عدد القروض الموزعة

نسبتها المئوية

قيمة القروض بملايين الدرهم

نسبتها المئوية

البنك الشعبي المركزي

7598

21,88%

1046,63

24,84%

البنك المغربي للتجارة الخارجية

7528

21,68%

1266,595

27,20%

البنك المغربي للتجارة الداخلية

107

0,31%

17,924

25,30%

CAM

68

0,2%

7,266

20,14%

مصرف المغرب

290

0,83%

45,825

1,20%

القرض العقاري والسياحي

10873

31,31%

1288,192

0,85%

الشركة العامة المغربية للأبناك

438

1,26%

62,419

0,34%

وفاعقار

7823

22,53%

1286,047

0,13%

المجموع

34.915

100,00%

5149,114

100,00%

1) source : caisse centrale de garantie (CCG).

 

 

وبناء على ما سبق يتبين لنا الدور الكبير الذي أصبح يقوم به هذا الصندوق في تمويل عملية الحصول على سكن اجتماعي وذلك من خلال ضمان مخاطر القروض التي تمنحها المؤسسات البنكية لأصحاب الدخل المحدود غير القار، ويتجلى بالخصوص من خلال حجم المعاملات التي حققها هذا الصندوق وإلى غاية 16 ماي 2008، حيث بلغ عدد المستفيدين من ضمانة صندوق الضمان FOGARIM ما يقارب 34.915 مستفيد أي ما يوازي مبلغ 5149,114 مليون درهم (1)

(1) تفيد الإحصائيات الصادرة عن وزارة الإسكان أن المستفيدين الرئيسيين من صندوق الضمان فوكاريم هم التجار بنسبة 41% ثم البائعون المتجولون بنسبة 23% ثم الصناع التقليديون بنسبة 16% وسائقوا سيارات الأجرة بنسبة 4,8% والخادمات 3,7%والعاملون 3,3%.

     أنظر : جريدة المساء. يومية مستقلة . العدد 381 بتاريخ الاثنين 10/12/2007.

المطلـــــب الثــــاني :

صناديق الضمان ذات الطابع الخاص.

<><> 

 

أمام ازدهار المعاملات التجارية وتطور التكنولوجيا وما يستتبعها من حاجة إلى خلق مشاريع تنهض بالاقتصاد الوطني،تدخل القطاع الخاص من أجل خلق مجموعة من الصناديق المختصة في تأمين و ضمان مخاطر القروض البنكية موجهة بالأساس لدعم وتطويرالمقاولات و المشاريع الخاصة . وهكذا بدأت الساحة المالية الوطنية تشهد ميلاد مؤسسات مختصة في منح الكفالات والضمانات المالية من أجل دعم المشاريع الخاصة. ونذكر في هذا السياق كلا من مؤسسة دار الضمان (الفقرة الأولى)وشركة أكمار لتأمين القروض (الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى : مؤسسة دار الضمان DAR AD-DAMANE.

تعتبر دار الضمان مؤسسة ائتمان تتخذ شكل شركة مساهمة، أنشئت في مارس 1989 في نفس الوقت مع بنك العمل، من قبل بنك المغرب والمؤسسات المالية المتخصصة ومجموع المؤسسات البنكية برأس مال قدره 25 مليون درهم ثم الرفع من قيمته سنة 2003 إلى 75 مليون درهم (1) وتهدف هذه المؤسسة إلى ضمان تسديد القروض التي تحصل عليها المقاولات المغربية من مختلف مؤسسات الائتمان كيفما كان المجال الذي تعمل فيه هذه المقاولات باستثناء القطاع العقاري.

ويتم اللجوء إلى هذه المؤسسة إما من طرف المؤسسة البنكية المختارة من طرف المقاولة المستهدفة بالتمويل، وإما بلجوء هذه الأخيرة إلى مؤسسة دار الضمان مباشرة.

وتصل نسبة مساهمة دار الضمان في تغطية مخاطر القروض البنكية إلى حدود  50%  من قيمة القرض الممنوح من طرف المؤسسة البنكية وذلك مقابل عمولة لا يمكن أن تتجاوز 2% في السنة، وتنفذ دار الضمان التزاماتها اتجاه المؤسسة البنكية حالة تخلف العميل المقترض عن الوفاء بالدين الذي في ذمته وذلك بعد قيام المؤسسة البنكية بتوجيه طلب

(1) A sa création en 1989 – DAR. AD – DAMANE à été dotée d’un capital de 25 millions de dirhams est d’un fonds de garantie de 75 millions de dirhams.

   En 2003, son capital a été porté a 75 millions de dirhams, sont 25 millions de dirhams apportés par le fonds Hassan II qui a intégre l’actionnariats de DAR AD-DAMANE.

 

بذلك إلى دار الضمان مرفوق بنسخة من الإخطار الذي سبق وأن أنذرت به العميل المقترض والذي بقي دون جواب أو رد فعل. وذلك بعد تمكين دار الضمان من عمولتها المستحقة لها بمقتضى التزامها بالكفالة.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن كفالة دار الضمان هي كفالة شخصية تضامنية وبالتالي يحق للبنك التوجه مباشرة لدار الضمان لتنفيذ التزامها بعد إثبات إخلال المدين الأصلي بالتزامه، وبالتالي فهي تخضع لنفس قواعد الكفالات التضامنية (2).

ونود الإشارة إلى أن أنشطة مؤسسة دار الضمان قد انحصرت في بداية تأسيسها على  ضمان القروض البنكية الممنوحة من طرف بنك العمل لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج « MRE ». وذلك عن طريق عرض خدمات AL Mouhajir فقط. وبعد ذلك اتسع نشاطها ليشمل مختلف القروض الممنوحة من قبل مؤسسات الائتمان والموجهة بالأساس لدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة.

وعلى العموم يمكن حصر المسار التاريخي لمساهمات دار الضمان في تغطية وضمان مخاطر القروض البنكية على مر السنين. وبالتالي تلبية حاجات المقاولات المغربية فيما يخص الحصول على التمويل المنشود من قبل مؤسسات الائتمان وذلك على الشكل الآتي :

- سنة 1989 : تدخلت هذه المؤسسة لضمان وتغطية مخاطر القروض، الموجهة للمغاربة المقيمين بالخارج والممنوحة من طرف بنك العمل. وذلك في حدود نسبة مئوية تراوحت ما بين 40% و 50% مقابل عمولة سنوية يمكن أن تصل إلى نسبة 2% من قيمة القرض المضمون.

وفي مرحلة لاحقة من نفس السنة قامت مؤسسة دار الضمان بمساعدة المقاولات المغربية – خاصة الصغيرة والمتوسطة – في الحصول على القروض البنكية من قبل مختلف  مؤسسات  الائتمان  وذلك  عن  طريق  ضمان  تسديد  هذه  القروض  حالة  تخلف

(1) حنان درويش : الكفالة البنكية، مرجع سابق، ص 95.

 

المقاولات المقترضة عن الوفاء بالتزاماتها وذلك في حدود نسبة 50% من قيمة مبلغ القرض مقابل عمولة سنوية يمكن أن تصل إلى نسبة 2% من قيمة مبلغ القرض المضمون.

- سنة 1993 : كلفت الدولة مؤسسة دار الضمان بالسهر على حسن تسيير صندوق خاص للضمان لفائدتها، موجه بالأساس لدعم المقاولين الشباب لتيسير عملية حصولهم على التمويل اللازم من مختلف مؤسسات الائتمان والمعروف باسم : « Fonds de garantie jeunes promoteurs / jeune entrepreneurs ».

ولقد بلغ رأس مال هذا الصندوق 100 مليون درهم خصصت بالأساس لضمان قروض المقاولين الشباب في حدود نسبة 3/2 من قيمة القرض وذلك مقابل عمولة أقصاها 1,50% من مبلغ القرض المضمون تؤدى دفعة واحدة.

- سنة 1996 : قامت الدولة بتكليف مؤسسة دار الضمان بتسيير صندوق الضمان     " أوكسجين " « Fonds de garantie OXYGENE » ، هذا الصندوق الذي تم إنشاؤه على إثر الاتفاقية المبرمة بتاريخ 28 نوفمبر 1996 بين الحكومة المغربية ودار الضمان، وهو يهدف لضمان القروض التي تمنحها المؤسسات البنكية للمقاولات الصغرى والمتوسطة والموجهة نحو استغلال أنشطة هذه المقاولات.

هذا وتتكون موارد هذا الصندوق (50 مليون درهم) من مبالغ مخصصة من الهبة الممنوحة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية في إطار الاتفاق المبرم بينها وبين الحكومة المغربية في 24 غشت بهدف تشجيع الصادرات.

وتستفيد من ضمان هذا الصندوق جميع المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تزاول نشاطها على الأقل منذ ستة أشهر، وتتوفر على معاملات مع إحدى المؤسسات البنكية دون أن تكون حاصلة من قبل على قرض من أجل استغلال نشاطها (1).

ويقدم صندوق الضمان « Oxygène » ضمانه في شكل كفالة تضامنية تغطي إلى حدود 60% من مبلغ القرض و 50% في حالة تجديد هذا القرض. وذلك مقابل عمولة تصل

 (1) Les bénéficiaire de ce fonds doit répondant aux conditions suivantes :

   - entreprises ayant au moins 6 mois d’activité et,

   - un chiffre d’affaires ≤ 15.000.000 Dh.

 

 إلى نسبة 0,60% من قيمة مبلغ القرض المضمون في المرة الأولى ونسبة 0,40% في حالات التجديد وذلك على اعتبار أنه يمكن طلب تجديد الضمان من هذا الصندوق لأربع مرات كحد أقصى.

وتستثنى من الضمان جميع الفوائد والمصاريف وكل التوابع وذلك لمدة إثني عشر شهرا مع أخذه بعين الاعتبار دورات الإنتاج والاستغلال الخاصة بكل مقاولة لكن دون أن تتجاوز المدة في أقصاها 24 شهرا.

ويتم تقديم طلب الاستفادة من ضمان هذا الصندوق من طرف المؤسسة البنكية مانحة القرض مرفقة بالوثائق التالية :

- ملف طلب الضمان يشمل مجموعة من الوثائق المتعلقة بالمقاولة المقترضة، ومقدار القرض وموافقة البنك على منح هذه القروض.

- الدراسة الموضوعة من طرف المقاولة والمتعلقة بكيفية وبرنامج الاستغلال لنشاط المقاولة.

- وثيقة الاستعلامات المسلمة من طرف القسم المركزي المكلف بدراسة المخاطر ببنك المغرب ومن مركز المنازعات بالمجموعة المهنية للأبناك.

- كشف الحساب المفتوح للمقاولة بالمؤسسة البنكية التي تتعامل معها وذلك عن ستة الأشهر الأخيرة (1).

- سنة 1997 : قامت مؤسسة دار الضمان بشراكة مع صندوق الضمان USAID بتقديم منتوج « ENERGY » وهو منتوج يغطي مخاطر القروض البنكية الموجهة أساسا لدعم وتطوير البنيات التحتية العامة.

ويغطي منتوج « ENERGY » 50% من قيمة القرض البنكي مقابل عمولة أقصاها 0,80% من قيمة المبلغ المضمون.

(1) محمد جنكل : العمليات البنكية، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص 232.

 

- سنة 2002 : شهدت هذه السنة تعزيز القدرات المالية لمؤسسة دار الضمان وذلك عن طريق تدخل صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في رأس مال هذه المؤسسة وذلك عبر قبض مساهمات بلغت 25 مليون درهم من رأس مالها. وفي نفس الوقت منحها هبة مالية وقدرها 75 مليون درهم.

- سنة 2003 : خلال هذه السنة ثم الرفع من قيمة رأس مال مؤسسة دار الضمان ليصل إلى 75 مليون درهم، الأمر الذي ساعد هذه المؤسسة على القيام – وذلك على غرار صندوق الضمان المركزي – بتمويل وضمان القروض البنكية الموجهة لتأهيل المقاولة المغربية (1) ولإصلاح وتأهيل القطاع الفندقي عبر صندوق الضمان « RENOVOTEL » وقطاع النسيج عبر صندوق الضمان « FORTEX » (2).

وهكذا يتضح لنا من خلال هذا المسار التاريخي المتميز لمؤسسة دار الضمان مدى الدور الذي لعبته هذه المؤسسة على مر السنين في تغطية مخاطر القروض البنكية وبالتالي في ضمان المقاولة المغربية لدى مؤسسات الائتمان، الأمر الذي سهل عملية ولوج هذه المقاولات خاصة منها الصغرى والمتوسطة للقطاع البنكي وبالتالي الحصول على التمويل اللازم والمناسب لاحتياجاتها وتطلعاتها، مما ساهم في خلق ديناميكية اقتصادية واجتماعية ساعدت الاقتصاد الوطني ولو بشكل نسبي على تخطي مشكل التمويل. الذين تعاني منه مختلف القطاعات الوطنية.

وهكذا فبعد مرور ما يربوا عن 19 سنة من العمل الجاد والمتواصل استطاعت مؤسسة دار الضمان من تحقيق بعض الأهداف التي رسمتها في بداية مسيرتها العملية وتمكنت بالتالي من توزيع ما قدره 2,4 مليار درهم وذلك على شكل ضمانات لمختلف المشاريع التي تكلفت بكفالتها وضمانتها. واستطاعت كذلك من :

 

 (1) En parlons ici au projet PAIGAM de la commission Européenne du  produit « FORCE » destiné à la garantie des crédits de mise à niveau des entreprises marocaine.

(2) Au 31/12/2003 DAR AD – DAMANE gère des ressources totales de 592 millions de Dirhams réparties ainsi :

   - capital 75 millions Dh.

   - Autre ressources 176 millions Dh.

   - Jeunes promoteurs 141 millions Dh.

   - Oxygène 50 millions Dh.

   - RENOVOTEL 100 millions Dh .

   - FORTEX 50 millions Dh

- تغطية ما يقرب عن 4,6 مليار درهم من القروض البنكية.

- تحقيق مشاريع استثمارية بقيمة 10 ملايين درهم.

- خلق 8700 مشروع.

- خلق 57.000 منص

تعديل المشاركة
author-img

droitpressse

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة