-->
U3F1ZWV6ZTczODgxNjA1NzJfQWN0aXZhdGlvbjgzNjk3NjY4OTI5

التعاون الدولي الجنائي والمساعدة القضائية

التعاون الدولي الجنائي والمساعدة القضائية
مقدمة
        لا أحد يستطيع انكار التطور الكبير الذي عرفه الإجرام في العالم ككل ، خاصة مع ظهور الجريمة المنظمة و الجرائم العابرة للحدود ... وغيرها من الجرائم التي لا تستهدف دولة بعينها، و إنما دول العالم ككل متقدمة كانت أو دولا سائرة في طريق النمو.
والدول عامة تعي جيدا خطورة تفاقم هذه الآفة ، و تعلم تمام  المعرفة ان أي دولة لن تستطيع مكافحة الظاهرة الاجرامية بمفردها مهما بلغت قوتها .
وبالتالي اعتبر التعاون وتبادل المساعدة إحدى الطرق الفعالة لتحقيق أهداف معينة عن طريق العمل الجماعي ، وكلمة تعاون يفهم منها تظافر الجهود من بين شخصين او أكثر من أجل تحقيق نفع مشترك أو خدمة مشتركة على وجه العموم . وهذا المعنى العام ورد في المبادئ و المثل الدينية و في القرآن الكريم إذ يحث على التعاون لقوله تعالى " و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان".
وقوله صلى الله عليه و سلم " الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ".
 أما الترجمة الانجليزية لكلمة تعاون هي : cooperation  و بالفرنسية coopération   و بهذا المعنى  يمكن النظر إلى التعاون الدولي بالمفهوم الواسع على انه تبادل العون و المساعدة وتضافر الجهود المشتركة بين دولتين أو أكثر من أجل تحقيق نفع أو خدمة مشتركة خاصة في الجال الأمني الذي يعرف و ضعا حرجا في الآونة الأخيرة .
 فالتعاون الدولي في مكافحة الجريمة يمثل أحد صور التعاون الدولي بمفهومه الشامل ، هذا التعاون برزت اهميته في مجال مكافحة الجريمة عند اصطدام الجهود الوطنية في مكافحة الجريمة و الرامية الى تطبيق العدالة الجنائية  .
إن التعاون يعد من أهم مقومات النظام الدولي العام ، حيث توجد له في هذا الإطار

مظاهر متعددة ، فالتعاون و المساعدة القضائية يلعبان دورا جوهريا و هاما كأحد الدعائم  التي يرتكز عليها النظام الدولي الأمني ، اذ ان كل ما يهدد امن و استقرار الحياة البشرية و مكافحة اي فعل ينطوي على ذلك يحتاج الى تعاون و مساعدة قضائية متبادلة داخل الأسرة الدولية .
ويعد أول مظهر للتعاون الدولي هو ممارسة اجراءات تسليم المجرمين و الذي تطور حتى اصبح محورا للتعاون الدولي و القانون الجنائي الدولي ، كما تم النص عليه في العديد من التشريعات الوطنية و كذا في النظام الأساسي لروما .
يحتل هذا  الموضوع اهمية بالغة سواء على المستوى النظري أو على المستوى  العملي ، بالنسبة للأهمية الاولى فتكمن في كون هذا الموضوع من المواضيع المستجدة و التي تشكل منجما خصبا ، للباحثين و المهتمين بالشأن الدولي خاصة عندما يتعلق الأمر  بالمجال الجنائي ، أما من الناحية العملية فتكمن أهمية هذا الموضوع في كون آليات التعاون القضائي تثير العديد من الاشكاليات ، خاصة اذا علمنا ان هناك اجهزة اخرى تتدخل بالإضافة الى الدول و المحكمة الجنائية الدولية كمجلس الأمن على سبيل المثال باعتباره آلية لإلزام الدول على التعاون في حالة تراخيها مما يثير العديد من الاشكالات على المستوى العملي .
من خلال كل ما سبق ارتأينا طرح الاشكالية التالية : أي دور للتعاون الدولي و المساعدة القضائية في مكافحة الظاهرة الاجرامية  والحفاظ على السلم العالمي.
وعليه قمنا بالتصميم التالي:
المبحث الأول: تجليات  المساعدة  القضائية و التعاون الدولي و المعيقات التي تواجهه
المبحث الثاني: دور المحكمة الجنائية الدولية في تقديم طلب التعاون وبعض  الأجهزة في تحقيقه " مجلس الأمن نموذجا"




المبحث الأول : تجليات التعاون الدولي و المساعدة القضائية والمعيقات التي تواجهه
من المعلوم أن المحكمة الجنائية الدولية لا تعمل بمفردها بل الى جانب بعض الهيئات كمجلس الأمن ومع دول العالم ككل في إطار المساعدة القضائية و التعاون الدولي و هنا نتساءل عن سبل وتجليات هذا التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية ( المطلب الأول ) ثم المعيقات التي قد تواجه هذا التعاون من الناحية العملية وعليه سنخص الحديث عن التقديم كنموذج (المطلب الثاني ).

المطلب الأول: سبل التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية:

تلتزم الدول الأطراف في النظام الأساسي بالتعاون ، وفق احكام هذا النظام ، تعاونا تاما مع المحكمة الجنائية الدولية فيما تجريه في هذا الإطار من اختصاصات من تحقيقات و محاكمات .
و على جميع الدول أن تكفل اتاحة التدابير اللازمة بموجب قوانينها الوطنية لتحقيق جميع اشكال التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية .
ويأتي هذا الالتزام متماشيا مع الالتزام العام بالتعاون بين أطراف اي وثيقة دولية أو أي نظام دولي غايته تحقيق مصالح مشتركة لأعضائه او للمجتمع الدولي ككل ، وان يكون هذا التعاون بحسن نية . وهو التزام ببذل عناية يختلف مقدارها بحسب قدرات الدولة و إمكاناتها الموضوعية .
وهنا نطرح  التساؤل  حول  أشكال  هذا التعاون  (الفقرة الأولى)  على ان نخصص (الفقرة الثانية ) لموقف المحكمة في حالة رفض الدولة لطلب التعاون المقدم إليها .



الفقرة الأولى : أشكال التعاون و تقديم المساعدة للمحكمة الجنائية الدولية

كما مر معنا فالدول الطراف تلتزم في النظام الأساسي ، بالتعاون تعاونا تاما مع المحكمة الجنائية الدولية في ما تجريه من تحقيقات أو أية اجراءات أخرى .
أما بالنسبة للدول غير الطراف ، فإن للمحكمة أن تطلب تعاونها بناءا على اتفاق خلص أو ترتيب خاص مع هذه الدولة أو على أساس آخر مناسب ، و للمحكمة صلاحيـــــة  
تقديم طلبات التعاون مع الدول الأطراف و التي تقدم هذه الطلبات عن طريق القنوات الديبلوماسية أو عن طريق المنظمة الدولية للشرطة الجنائية أو اية منظمة إقليمية .  أو اية قناة مناسبة أخرى تحددها كل دولة طرف عند التصديق أو القبول أو الموافقة او الانضمام ، ولكل دول طرف أن تجري أية تغييرات لاحقة في تحديد القنوات و فقا للقواعد الاجرائية و قواعد الاثبات .
وعلى كل دولة موجه اليها طلب التعاون المحافظة على سرية الطلب و سرية المستندات المؤيدة للطلب الا بقدر ما يكون كشفها ضروريا لتنفيذ الطلب ، 
عموما فإن الدول الموقعة على النظام الأساسي للمحكمة طبقا لقوانينها الوطنية أن تقدم المساعدات الخاصة بالتحقيق و المقاضاة على الشكل التالي:
1-   تحديد هوية ومكان الأشخاص و الأشياء.
2-    جمع الأدلة و خاصة فبما يتعلق بالشهود بعد أداء اليمين القانونية و تقارير الخبراء و إرسالها الى المحكمة .
3-   استجواب أي شخص يكون استجوابه ضروريا في التحقيق و المقاضاة.
4-   إبلاغ المستندات بما في ذلك المستندات القضائية للمطلوب تبليغهم.
5-   المساعدة على تسيير مثول الشخاص و الشهود و الخبراء أمام المحكمة طوعيا .
6-   فحص الأماكن أو المواقع، بما في ذلك إخراج الجثث و فحص مواقع القبور للكشف عن الجريمة.
7-    تقديم السجلات و المستندات بما فيها الرسمية.
8-   حماية المجني عليهم و الشهود و المحافظة على الأدلة.
9-   تحديد وتعقب وتجميد أو حجز العائدات و الممتلكات و الأدوات المتعلقة بالجرائم.
10-               تحديد و تعقب و تجميد أو حجز العائدات و الممتلكات و الأدوات المتعلقة بالجرائم بغرض مصادرتها في النهاية، دون المساس بحق الأطراف الثالثة حسنة النية.
11-               أي نوع من المساعدة لا يحذره قانون الدولة الموجه اليها الطلب ، بغرض تيسير اعمال التحقيق المتعلقة بالجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة .
كما تقدم المحكمة الضمانات الكافية لكل شاهد او خبير يمثل أمام المحكمة بعدم خضوعه للمقاضاة أو الاحتجاز أو عمل يقضي بتقييد حريته من قبل المحكمة وإن تبث أنه ارتكب مخالفة قبل مغادرته الدولة .

انطلاقا مما سبق ذكره و بالرجوع الى احكام النظام الأساسي يتضح بأن التعاون الدولي و المساعدة القضائية يتخذ عدة أشكال تصب جميعها في مقصد واحد هو تيسير عما المحكمة الجنائية الدولية و تفعيله من خلال :
التعاون في القبض على الشخص و تقديمه الى المحكمة ، و هذا ما يجد سنده في الفقرة الأولى من المادة 89 على أن الدول الأطراف تمتثل لطلبات إلقاء القبض و التقديم و فقا لأحكام التعاون التي ينص عليها النظام و للإجراءات المنصوص عليها في القوانين الوطنية للدولة .
إمكانية القبض الاحتياطي على الشخص الطلوب . حيث يجوز للمحكمة أن تقوم في الحا لات المستعجلة أن تطلب من الدولة القبض الاحتياطي ريثما يتم إبلاغ طلب التقديم و المستندات المؤيدة للطلب .
كما يجوز للمحكمة كذلك ، أن تتعاون مع أية دولة و تقدم لها المساعدة إذا كانت الدولة تجري تحقيقا أو محاكمة فيما يتعلق بسلوك يشكل جريمة تدخل في اختصاص المحكمة أو جريمة بموجب القانون الوطني للدولة الطالبة هذه المساعدة تشمل عدة جملة من الأمور منها : إحالة أية بيانات أو مستندات أو أية أنواع أخرى من الأدلة تم الحصول عليها ويراعى في المساعدة إذا كانت الوثائق أو الأنواع الأخرى من الأدلة قد تم الحصول عليها بمساعدة إحدى الدول حيث تتطلب الإحالة موافقة تلك الدولة .
لكن السؤال المطرح الآن هو ماذا لو رفضت تلك الدول تقديم المساعدة الى المحكمة الجنائية الدولية سواء  كانت منضمة أو غير ذلك . هذا بالضبط ما سيتم تناوله في الفقرة الموالية :


الفهرس

المبحث الأول : تجليات التعاون الدولي و المساعدة القضائية والمعيقات التي تواجهه 
المطلب الأول: سبل التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية
الفقرة الأولى : أشكال التعاون و تقديم المساعدة للمحكمة الجنائية الدولية
الفقرة الثانية : موقف المحكمة في حالة رفض الدولة لطلب التعاون المقدم إليها
المطلب الثاني : الإشكالات المتعلقة بتقديم المساعدة القضائية
"التقديم كنموذج"
الفقرة الأولى : المعيقات التي تواجه طلبات التقديم للمحكمة الجنائية الدولية
الفقرة الثانية :طلب إرجاء إجراءات المحكمة الجنائية الدولية من قبل مجلس الأمن وتعدد طلبات التقديم والآثار الناجمة عنهما
المبحث الثاني: دور المحكمة الجنائية الدولية في تقديم طلب التعاون و بعض الأجهزة في تحقيقه، "مجلس الأمن كنموذج"
المطلب الأول : الإكراهات التي تواجه المحكمة الجنائية الدولية عند تقديم طلبات التعاون.
الفقرة الأولى : إشكالية الاعتداد بالحصانة تجاه الدول الأطراف
الفقرة الثانية : إشكالية تعارض اختصاصات المحكمة مع سيادة الدول
المطلب الثاني: كيفية تفعيل مجلس الأمن للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية
الفقرة الأولى : آلية إلزام الدول الأطراف بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية
الفقرة الثانية:آلية إلزام الدول غيرالأطراف بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية



الاسمبريد إلكترونيرسالة