مقدمة
يعتبر نظام التحفيظ العقاري إحدى المؤسسات القانونية الأساسية التي
تهدف إلى ترسيخ وتثبيت الملكية العقارية، كما يشكل اللبنة
الأساسية التي تهدف لانطلاق المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والتجارية، بحيث
نجد أن كل الدول اليوم أضحت تسعى إلى تهيئ نظام عقاري متكامل في جوانبه قصد العمل
على خلق قاعدة عقارية صلبة وتمكين الملاكين والمتعاملين في المجال من التصرف في عقاراتهم
بشكل سليم وعلى أساس متين.
والمغرب يعتبر بدوره من الدول التي تعمل جاهدة من أجل تطوير نظامها
العقاري باعتبار أن هذا الأخير يعد الوسيلة الفعالة لصيانة الثروة العقارية
وتثبتها وفق نموذج يؤسس لملكية عقارية مستقرة ويحميها من كل تسلط.
ولصيانة الرصيد العقاري لأراضي الجماعات
السلالية وأملاك الدولة سواء الأملاك العامة أو الخاصة، وحمايتها من
الترامي والتطاول عليها يتطلبان الإسراع في تصفيته القانونية والتعرف عليه لجعله
وسيلة ناجحة للتنمية يسمح للدولة وضع مخططاتها التعميرية المستقبلية بناء على
معطيات حقيقية ثابتة ومؤكدة، وتتحقق هذه التصفية القانونية في هذا الإطار عن طريق
مسطرة التحديد الإداري باعتبارها أحد الأعمدة
الأساسية لنظام التحفيظ العقاري، ويمكن تعريف مسطرة التحديد الإداري بأنها مجموعة
من الإجراءات التي تسلكها الجهة مالكة العقار أو التي تدعي ملكيته من أجل ضبط
موقعه وتحديد مساحته وترسيم حدوده مع مجاوريه، وبيان الارتفاقات
التي يتحملها حالة وجودها وذلك كله من أجل تثبيت وضعيته المادية والقانونية بشكل
نهائي وحمايته من استيلاء الغير عليه أو قيام المنازعة بشأن مستقبلا.
كما تستهل هذه الأخيرة
بمرسوم معلن عن بداية أشغال التحديد الإداري وتنتهي بمرسوم أخر يتم نشره بالجريدة
الرسمية من طرف رئيس الحكومة بعد المصادقة على عملية التحديد الإداري وقد تتخللها
تعرضات تكتسي وضعية خاصة وتليها مرحلة تأسيس الرسم العقاري في مرحلة ثانية لدى
المحافظ العقاري.
وعليه نجد أنه إلى جانب
الملكية الخاصة التي تشكل حوالي 75% من الوعاء العقاري الوطني نجد أملاك الدولة
العامة وأملاك الدولة الخاصة، الملك الغابوي، أراضي الجموع، وأراضي
الجيش، والأملاك الوقفية، وعليه فتعدد البنية العقارية كان له أثر على ضبط العقار وتنظيمه مما
أدى إلى تعدد المساطر وكثرة المتدخلين، والتحديد الإداري كإجراء مسطري يسري على جل
هذه الأنظمة.
فإذا كانت أراضي الخواص تتسم بمسطرة خاصة
للتحفيظ يطلق عليها عادة بالمسطرة العادية، فإن المشرع كان عليه أن يحدد مساطر
خاصة تنطبق وتسري على خصوصية باقي العقارات التي يتكون منها النظام العقاري
المغربي، ونقصد هنا مسطرة التحديد الإداري للملك الغابوي باعتباره يصنف في خانة
أملاك الدولة الخاصة، ثم التحديد الإداري لأراضي الجموع وهما ما يشكلان محور هذه الدراسة.
وتجد مسطرة التحديد الإداري للملك الغابوي
مرجعيتها التشريعية ضمن ظهيرين أولهما ظهير 3يناير1916المتعلق بتحديد أملاك الدولة
الخاصة والذي عرف مجموعة من التعديلات وثانيهما ظهير أكتوبر 1917 المتعلق بالمحافظة على الغابات واستغلالها،
باعتبار أن الأملاك الغابوية لا تدخل كلها في ملكية الدولة بل هناك غابات مملوكة
للخواص والسند التشريعي في ذلك هو الفصل الأول من ظهير 1917،أما مسطرة تحديد أراضي
السلالية فهي منظمة بمقتضى ظهير 1924المتعلق بمسطرة التحديد الإداري لأراضي
الجموع.
ومبدئيا يمكن القول أن المغرب
لم يكن يعرف قبل الحماية تمييزا واضحا بين الأملاك العامة والأملاك الخاصة، بحيث
كانت الأملاك العقارية في مجملها قبل سنة 1912 خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية
ولبعض المعاهدات الدولية، كما أن نظام الحماية الذي يخضع له المغرب ابتداءا من سنة
1912 كان هاجسه هو ضبط ملكية العقارات وتحصينها ليتسنى استغلالها من قبل دولة
الحماية.
أما فيما يتعلق بالملك الغابوي فإنه إبان هذه الفترة كانت كل ملك
غابوي يعتبر ملكا عاما للدولة ،وقد كان قانون التحديد الإداري لأملاك الدولة وقانون
تحديد أملاك الجماعات السلالية من آليات التحصين، أما أراضي
الجموع فقد كانت تستغل من طرف القبيلة بشكل جماعي وفق أعراف وعادات أو عن طريق
توزيع الاستغلال بين أفرادها، وكانت كل قبيلة تعرف أراضيها وتدافع عنها ولا تسمح للأجنبي عن القبيلة بحيازتها إلى أنه
ومع التفكك الاجتماعي الذي عرفته هذه الجماعات أصبحت هذه الأراضي مستهدفة من
الخواص وأصبح المستعمر الفرنسي الذي وضع في ذهنه فكرة تحصينها من أجل حمايتها
ووضعها بيد المعمرين.
وتتجلى لنا أهمية الموضوع في
أهمية نظرية هدفها رصد مجموعة من الإشكالات والجدل الذي تثيره مجموعة من النصوص
القانونية المنظمة لمسطرة التحديد الإداري
للملك الغابوي والجماعات السلالية وعلاقتهما بنظام ظهير التحفيظ العقاري، وكيف
استطاع المشرع مواكبة كل هذه النصوص من أجل حماية أوفر لأصحاب الحقوق من جهة
وحماية للرصيد العقاري من جهة أخرى، وأهمية عملية سنحاول الوقوف على بعض الإجتهادات القضائية في هذا
المضمار.
كما يمكن تحديد إشكالية هذا
الموضوع من خلال طرح التساؤل التالي إلى أي حد عملت المساطر الخاصة لعملية التحديد
الإداري تحصين الملك الغابوي وأراضي الجماعات السلالية وحماية أصحاب الحقوق
والدولة على حد سواء أخذا بعين الإعتبار ضرورة تقوية الرصيد العقاري ؟
ويمكن أن نطرح أسئلة فرعية في
هذا المجال: هل بالفعل مسطرة التحديد الإداري تحقق دائما النتائج المتوخاة منها؟
وماهي تجليات الحماية المقررة لأصحاب الحقوق الوضوعة عقاراتهم رهن عملية التحديد
الإداري؟
للإجابة عن هذه الإشكالية ارتأينا أن نقوم
بتقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين:
المبحث الأول: التحديد
الإداري لأملاك الدولة الخاصة "الملك الغابوي نموذجا"
المبحث الثاني: التحديد الإداري لأراضي الجموع و النزاعات المتعلقة به.
---- التالي>