-->
U3F1ZWV6ZTczODgxNjA1NzJfQWN0aXZhdGlvbjgzNjk3NjY4OTI5

تنفيذ الاحكام التحكيمية الداخلية و الدولية رسالة لنيل شهادة الماستر

تنفيذ الاحكام التحكيمية الداخلية و الدولية
مقدمة 

لقد بات التحكيم يحتل مكانة بارزة في تسوية المنازعات التجارية المحلية و الدولية لما يتميز به من فعالية و سرعة البت و كذا سرية إجراءاته ، مع الحفاظ على الروابط التجارية بين أطراف النزاع ، كما أنه أصبح في الوقت الراهن عنصرا أساسيا من عناصر استقطاب الإستثمارات الأجنبية ، و فرص لتنمية و توسيع الوطنية و استقرارها . ولا شك أن التحولات الجذرية في العالم و بروز ظاهرة العولمة ، و جهود المغرب الجادة للإندماج في الإقتصاد العالمي ، جعل منه ورشا مفتوحا للعديد من الإصلاحات الإقتصادية و الإدارية والقانونية بهدف الإستجابة لتطلعات و انتظارات الفاعلين الإقتصاديين و كسب ثقة المستثمرين و رجال الأعمال؛ لكون التحكيم في مجال الأعمال أصبح يعتبر الوسيلة الكلاسيكية لحل النزاعات بين أطراف العلاقة التعاقدية سواء كانت داخلية أو دولية متقدما على قضاء الدولة
ولعل الأسباب التي تدفع إلى اللجوء إلى التحكيم تنطلق من الحسنات التي يتصف بها نظام التحكيم و خصوصا في إطار العلاقات الدولية إذ يقوم على تبسيط إجراءات الفصل في النزاع و التحرر من الشكليات بغية فصل النزاع بأقصى سرعة ممكنة و سرية ، وهذه الأسباب ساهمت بشكل كبير في إنتشار التحكيم و تزايد اللجوء إليه لحل النزاعات الناشئة بين الأفراد سواء على المستوى الداخلي و الدولي. و غرف التحكيم في الإصطلاح القانوني بأنه اتفاق أطراف علاقة قانونية معينة ، عقدية أو
غیر عقدية، على أن يتم الفصل في المنازعة التي ثارت بينهم بالفعل ، أو التي يحتمل أن تثور عن طريق أشخاص يتم اختيارهم كمحكمين و يتولى الأطراف تحديد أشخاص
المحكمين أو على الأقل ، يضمنون اتفاقهم على التحكيم ، بيانا لكيفية اختيار المحكمين أو أن يعهدوا بهيئة أو مركز من الهيئات أو مراكز التحكيم الدائمة لتتولى تنظيم عملية التحكيم وفقا للقواعد أو اللوائح الخاصة بهذه الهيئات أو المراكزة، و عرفه بعض الفقهه " يقصد بالتحكيم العدالة الخاصة و هي آلية يتم وفقا لها سلب المنازعة من الخضوع لولاية القضاء العام ، لكي يتم الفصل فيها بواسطة أفراد عهد إليهم بهذه المهمة " و عرفه القضاء المصري بأنه "مجرد اتفاق على عرض نزاع معين على محكمين و النزول على حكمهم ولا يتضمن مطالبة بالحق أو تكليفا للخصوم بالحضور أمام هيئة التحكيم"، أما على المستوى التشريعي فقد عرفه المشرع المغربي من خلال الفصل 306 من ق.م.م "يراد بالتحكيم حل النزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق التحكيم".
كما أن التحكيم ليس وليد اليوم بحيث أنه قديم قدم الحضارات الإنسانية، أي ما قبل مجيء الإسلام هذا الأخير الذي أكد على مكانته كوسيلة بديلة عن القوة و القتال ، و كذلك في علاقات الأفراد فيما بينهم ، و شرع الإسلام التحكيم بآيات كثيرة منها " فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " ، و هو ما انعكس على المجتمع المغربي الإسلامي الذي عرف التحكيم بمفهومه الحديث منذ سنة 1963 مع المولی مولاي اسماعيل من خلال الاتفاق الذي أبرمه مع ملك
فرنسا لويس الرابع عشر من خلال معاهدة سان جيرمان ، و كانت أول معاهدة آنذاك تبرمها الدولة المغربية مع الدول الأوروبية بخصوص وضعية الأجانب بالمغرب و من بین ما نصت عليه حل بعض المعاملات المدنية عن طريق التحكيم .
إلا أنه يبقى ظهير المسطرة المدنية المؤرخ 12 غشت 1913 أول قانون ينظم مسطرة التحكيم في الفصول 527 إلى 543 ، و بعدها جاء القانون الجديد بمثابة قانون المسطرة المدنية في 28 شتنبر 1974 لينسخ المقتضيات السابقة، و خصص الفصول من 306 إلى 19327، إلا أن هذا القانون لم ينظم التحكيم الدولي مما شكل فراغ تشريعي؛ بحيث أن الاتفاقيات الدولية هي التي كانت تنظمه و يبقى أهمها اتفاقية نيويورك لسنة 1958 ، ولتجاوز هذا الفراغ التشريعي صدر قانون 05-1208 الذي نظم التحكيم الدولي، وبدوره نسخ المقتضيات السابقة13، دون الإخلال بالالتزامات الدولية للمغرب ذات الصلة ، بحيث شكل صدور هذا القانون آنذاك حدثا بارزا و تجسيدا للإرادة الملكية1 الداعية إلى ترسيخ ثقافة الوسائل البديلة و خصوصا التحكيم لارتباطه بمصالح الإقتصاد الوطني .
و موضوع بحثنا يتمحور حول أهم مرحلة يصل إليها التحكيم؛ و هي مرحلة التنفيذ أحكام التحكيم ، و قد اعترت هذه المرحلة مجموعة من الإشكالات و التي من بينها الجهة المختصة نوعيا لإسباغ الصيغة التنفيذية على الأحكام التحكيمية سواء الداخلية و الدولية ، ويثار هذا الإشكال عندما يتعلق الأمر بأحد أطراف اتفاق التحكيم غير التاجر لكون أن التحكيم مبدئيا هو مرتبط بمصالح التجارة الداخلية و الدولية ، لكن مع تزايد تدخل الدولة في المجال الاقتصادي فرض عليها الدخول في علاقات تعاقدية مع فاعلين اقتصاديين سواء وطنيين أو أجانب، و كذلك الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم من أجل تسوية منازعتهم العقدية بحيث يطرح إشكال الجهة المختصة بتنفيذ هذه الأحكام التحكيمية، رغم تحديد المشرع لهذه الجهة لكن الممارسة العملية كشفت عن قصور وغموض المقتضيات المنظمة مما خلف ازدواجية قضائية ، و أيضا أدى اتساع نطاق التحكيم خصوصا في المعاملات المدنية إلى بروز إشكال الجهة المختصة مع العلم أن المشرع حصر هذا الإختصاص للقضاء التجاري ، لذلك سنحاول معالجة هذا الموضوع من خلال الإنطلاق من القيمة
منحها القانون هذه الصلاحية ، وهذا من شأنه عرقلة مسطرة تنفيذ هذه الأحكام التحكيمية ويجعلها أمام مجموعة من المساطر والتي لا تنسجم مع متطلبات الأعمال التجارية التي تقوم على السرعة و المرونة ، و هنا تكمن أهمية هذا الموضوع الذي سنحاول من خلاله إيجاد حلول لكي توضح الجهة المختصة دون تعرض طلبات تنفيذ الأحكام التحكيمية للدفع بعدم الإختصاص النوعي مع العلم أن هذا الأخير في بعض القضايا يتعلق بالنظام العام.
وهذه الأهمية خلقت لنا مجموعة من الدوافع؛ انقسمت بين دوافع شخصية و علمية، فيما يخص الدوافع الأولى انطلقنا من سؤال بسيط و مشروع، ما هي الإضافة أو البصمة التي يمكن تقديمها على المستوى العلمي و العملي ؟ لذلك انطلقنا من البحث عن إشكال نابع من العمل القضائي و هو ما وجدناه من خلال قراءة مجموعة من قرارات و أحكام المحاكم المغربية ، فوقع الإختيار على هذا الموضوع وشكل لنا هاجسا للدراسة و البحث.
أما الدوافع العلمية في تتجلى في قلة الدراسات والأبحاث في هذا الموضوع بشكل متخصص مما يشكل فراغا على مستوى البحث العلمي و أيضا أن الموضوع يجمع ما هو نظري و عملي. و تبعا لذلك سنحاول معالجة هذا الموضوع من خلال الإشكال التالي:
إذا كان المشرع المغربي حدد الإطار القانوني لتنفيذ أحكام التحكيم الداخلية و الدولية ، و حدد الجهة المختصة في التنفيذ و الإعتراف بها . إلا أن الممارسة القضائية حددت جهة قضائية أخرى أقصاها المشرع المغربي من هذه المهمة مما خلق ازدواجية قضائية في تنفيذ الأحكام التحكيمية الداخلية و الدولية مما يدفعنا لطرح الإشكال التالي: ماهي السبل التي يمكن نهجها من المشرع والقضاء لإعتماد مقتضيات واضحة في تحديد الجهة المختصة في تنفيذ الأحكام التحكيمية الداخلية و الدولية؟
و تتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات، والتي تنطلق
من قابلية الحكم التحكيمي للتنفيذ الطوعي قبل تحديد الجهة المختصة، لنتساءل عن القيمة القانونية لحكم التحكيم في مواجهة أشخاص القانون الخاص و في مواجهة أشخاص القانون العام ؟
وأيضا الإطار القانوني للجهة المختصة لتنفيذ الأحكام التحكيمية الداخلية و الدولية ؟
الذي سيمكننا من إبراز تجلیات ازدواجية الجهة المختصة ؟ 
و ما هي أهم المقترحات لتجاوز هذا الإشكال ؟
ولمعالجة هذا الإشكال، ارتأينا أن نقسم الموضوع إلى فصلين :
الفصل الأول : الإطار القانوني للجهة المختصة في تنفيذ أحكام التحكيم الداخلية و الدولية
الفصل الثاني : تجلیات ازدواجية الإختصاص في تنفيذ أحكام التحكيم الداخلية و الدولية



تحميل PDF

الاسمبريد إلكترونيرسالة